٧

177 28 0
                                    

#الحلقة_السابعة

              لقاء في الباخرة 

وسافرت إلى الإسكندرية في اليوم المقرر حسب حجز المكان في البـاخرة المصرية التي تسافر إلى بيروت و وجدت نفسي مرهقا متعبا جسديا وفكريا ، وأنا ملقى على السرير المخصص لي ، فنمت قليلا و كانت الباخرة قد أبحرت منذ ساعتين أو ثلاثة ، و استيقظت على صوت مجاوري و هو يقـول : " يبـدو أن الأخ متعب " .

قلت نعم أتعبني السفر من القاهرة إلى الإسكندرية و قد بكرت للوصـول على الموعد فلم أنم البارحة إلا قليلا .

و فهمت من لهجته أنه غير مصري ، و دفعني فـضولي كعـادتي إلى أن أتعرف عليه فعرفته نفسي و عرفت أنه عراقي و هو أستاذ في جامعة بغداد اسمـه منعم ، و قد جاء إلى القاهرة لتقديم أطروحة الدكتوراه في الأزهر . 
و بدأنا الحديث عن مصر و عن العالم العربي و الإسلامي و عـن هزيمـة العرب و انتصار اليهود و الحديث ذو شجون ، قلت في معرض كلامي أن سبب الهزيمة هو انقسام العرب و المسلمين إلى دويلات و إلى طوائف و مذاهب متعددة ، و رغم كثرة عددهم فلا وزن لهم و لا اعتبار في نظر أعدائهم . و تكلمنا كثيرا عن مصر و المصريين و كنا متفقين على أسباب الهزيمة ، و أضفت بأنني ضد هذه الانقسامات التي ركزها الاستعمار فينـا ليـسهل عليـه احتلالنا و إذلالنا ، و نحن ما زلنا نفرق بين المالكية و الأحناف و رويت له قصةمؤسفة وقعت لي عندما دخلت إلى مسجد أبي حنيفة في القاهرة و صليت معهم صلاة العصر جماعة فما راعني بعد الصلاة إلا والرجل الذي كان قائما بجـانبي يقول لي في غضب " لماذا لا تكتف يديك في الصلاة " فأجبته بأدب و احترام أن المالكية يقولون بالسدل و أنا مالكي فقال لي : " إذهب إلى مسجد مالك وصل هناك " فخرجت مستاءً ناقما على هذا التصرف الذي زادني حيرة على حيرتي . 
وإذا بالأستاذ العراقي يبتسم و يقول لي إنه هو الآخر شيعي . 
فاضطربت لهذا النبأ و قلت غير مبال لو كنت أعلم أنك شيعي لما تكلمت معك ، قال : و لماذا ؟ قلت لأنكم غير مسلمين فأنتم تعبدون علي بن أبي طالب والمعتدلون منكم يعبدون االله و لكنهم لا يؤمنون برسالة النبي محمد ( صـلى الله عليـه وآلـه ) ، و يشتمون جبرائيل و يقولون بأنه خان الأمانة فبدلاً من أداء الرسـالة إلى علي أداها إلى محمد ، و استرسلت في مثل هذه الأحاديث بينما كـان مرافقـي يبتسم حينا و يحوقل أحياناً (حوقل ، يحوقل : يكثر من قول : لا حول و لا قوة إلا باالله العلي العظيم)  ، و لما أنهيت كلامي سألني من جديد : أنت أستاذ تدرس الطلاب ؟ قلت نعم ، قال : إذا كان تفكير الأساتذة هذا الشكل فلا لوم على عامة الناس الذين لا ثقافة لهم ! قلت : ماذا تقصد ؟ أجاب : عفوا و لكـن من أين لك هذه الادعاءات الكاذبة ؟ قلت من كتب التاريخ و مما هو مـشهور عند الناس كافة .قال : لنترك الناس كافة و لكن أي كتاب تاريخ قرأت ؟ بـدأت أعـدد بعض الكتب مثل كتاب فجر الإسلام و ضحى الإسلام و ظهر الإسلام لأحمـد أمين و غيرها ، قال : و متى كان أحمد أمين حجة على الشيعة ؟ و أضاف : إن مقتضى العدل و الموضوعية أن تتبين الأمر من مصادرهم الأصلية المعروفة . قلت : و كيف لي أن أتبين في أمر معروف لدى الخاص و العام ، قـال : إن أحمد أمين نفسه زار العراق و كنت من بين الأساتذة الـذين التقـوا بـه في النجف و عندما عاتبناه على كتاباته عن الشيعة اعتذر قائلا : إني لا أعلم عـنكم أي شيء و أني لم أتصل بالشيعة من قبل و هذه أول مرة ألتقي فيها بالشيعة. قلنا له رب عذر أقبح من ذنب فكيف لا تعرف عنا إي شيء و مع ذلك تكتب عنا كل شيء قبيح ؟ ! ثم أضاف قائلا :يا أخي نحن إذا حكمنا بخطأ اليهود و النصارى من خلال القرآن الكريم وهو عندنا الحجة البالغة فموقفنا ضعيف لأنهم لا يعترفون به ، و تكـون الحجـة أقوى وأبلغ عندما نبين خطأهم من خلال كتبهم التي يعتقدونها ،وذلك مـن باب " و شهد شاهد من أهلها " . 
نزل كلامه هذا على قلبي نزول الماء الزلال على قلب العطشان و رأيـتني أتحول من ناقد حاقد إلى باحث فاقد ، لأنني أحسست بمنطق سليم و حجة قوية ،وما علي لو تواضعت قليلا و أصغيت إليه ! قلت له :أنت إذا ممن يعتقدون برسالة نبينا محمد ؟ أجاب : ( صلى االله عليه و آله ) و كـل الشيعة مثلي يعتقدون ذلك و ما عليك يا أخي إلا أن تتحقق من ذلك بنفـسك حتى تكون على بينة من الأمر ، و لا تظن بإخوانك الشيعة الظنونا " لان بعـض الظن إثم " و أضاف قائلا : و إذا كنت فعلا تريد معرفة الحقيقة و تطلع عليهـا بعينيك و يستيقن لها قلبك ، فأنا أدعوك لزيارة العراق و الاتصال بعلماء الـشيعة وعوامهم و ستعرف عند ذلك أكاذيب المغرضين و الحاقدين . 
قلت : إنها أمنيتي أن أزور العراق في يوم من الأيام و أتعرف على آثارهـا الإسلامية المشهورة التي خلفها العباسيون و على رأسهم هارون الرشيد ، و لكن، أولا : إمكانياتي المادية محدودة و قد رتبتها لأداء العمرة ، ثانيـا : إن جـواز السفر الذي أحمله لا يسمح لي بالدخول إلى العراق ، قال : أولا عندما قلت لك أدعوك لزيارة العراق فذلك يعني أني

أتكفل بتغطية نفقات سفرك من بـيروت إلى بغداد ذهابا و إيابا وإقامتك بالعراق ستكون معي في بيتي فأنت ضيفي ، و ثانيـاً بشأن الجواز الذي لا يسمح لك بالدخول إلى العراق فلنترك ذلك إلى االله سبحانه وتعالى فإذا قدر لك أن تزور فسوف يكون ذلك حتى بدون جـواز سـفر ، وسوف نحاول الحصول على تأشيرة للدخول فور وصولنا إلى بيروت .  فرحت كثيرا بهذا العرض و وعدت صاحبي بأن أرد عليه الجواب غدا إن شاء االله تعالى.

ثم اهتديت مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن