٣٧

114 7 0
                                    


مصيبتنا في الاجتهاد مقابل النصوص استنتجت من خلال البحث أن مصيبة الأمة الإسلامية انجرت عليها من الاجتهاد الذي دأب عليه الصحابة مقابل النصوص الصريحة فاخترقت بذلك حدود الله ومحقت السنة النبوية وأصبح العلماء والأئمة بعد الصحابة يقيسون على اجتهادات الصحابة ويرفضون بعض الأحيان النص النبوي إذا تعارض مع ما فعله أحد الصحابة، أو حتى النص القرآني ولست مبالغا وقد قدمت كيف أنهم رغم وجود النص على التيمم في كتاب الله وسنة الرسول الثابتة رغم كل ذلك اجتهدوا، فقالوا بترك الصلاة مع فقد الماء وقد علل عبد الله بن عمر اجتهاده بالنحو الذي أشرنا إليه في مكان آخر من بحثنا.
ومن أول الصحابة الذين فتحوا هذا الباب على مصراعيه هو الخليفة الثاني الذي استعمل رأيه مقابل النصوص القرآنية بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله فعطل سهم المؤلفة قلوبهم الذين فرض الله لهم سهما من الزكاة وقال: لا حاجة لنا فيكم.
أما اجتهاده في النصوص النبوية فلا يحصى وقد اجتهد في حياة الرسول نفسه وعارضه عدة مرات.
وقد أشرنا في ما سبق إلى معارضته في صلح الحديبية وفي منع كتابة الكتاب وقوله حسبنا كتاب الله وقد وقعت له حادثة أخرى مع رسول الله صلى الله عليه وآله لعلها تعطينا صورة أوضح لنفسية عمر الذي أباح لنفسه أن يناقش ويجادل ويعارض صاحب الرسالة تلك هي حادثة التبشير بالجنة إذ بعث رسول الله أبا هريرة وقال له من لقيته يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة، فخرج ليبشر فلقيه عمر ومنعه من ذلك وضربه حتى سقط على استه، فرجع أبو هريرة إلى رسول الله وهو يبكي وأخبره بما فعل عمر فقال رسول الله لعمر ما حملك على ما فعلت؟
قال: هل أنت بعثته ليبشر بالجنة من قال لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه؟ قال رسول الله نعم، قال عمر: لا تفعل فإني أخشى أن يتكل الناس على لا إله إلا الله!.
وهذا ابنه عبد الله بن عمر يخشى أن يتكل الناس على التيمم فيأمرهم بترك الصلاة، ويا ليتهم تركوا النصوص كما هي ولم يبدلوها باجتهاداتهم العقيمة التي تؤدي إلى محو الشريعة وانتهاك حرمات الله وتشتيت الأمة في متاهات المذاهب المتعددة والآراء المتشعبة والفرق المتناحرة.
ومن مواقف عمر المتعددة تجاه النبي وسنته نفهم بأنه ما كان يعتقد يوما بعصمة الرسول بل كان يرى أنه بشر يخطئ ويصيب.
ومن هنا جاءت الفكرة لعلماء السنة والجماعة بأن رسول الله معصوم في تبليغ القرآن فقط وما عدا ذلك فهو يخطئ كغيره من البشر ويستدلون على ذلك بأن عمر صوب رأيه في العديد من القضايا.
وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله - كما يروي البعض من الجهلة - يقبل مزمارة الشيطان في بيته وهو مستلق على ظهره والنسوة يضربن الدفوف والشيطان يلعب ويمرح إلى جانبه حتى إذا دخل عمر بن الخطاب هرب الشيطان وأسرع النسوة فخبأن الدفوف تحت استهن وقال رسول الله لعمر ما رآك الشيطان سالكا فجا حتى سلك فجا غير فجك.
فلا غرابة إذا أن يكون لعمر بن الخطاب رأي في الدين وأن يسمح لنفسه بمعارضة النبي في الأمور السياسية وحتى في الأمور الدينية كما تقدم في تبشير المؤمنين بالجنة.
ومن فكرة الاجتهاد واستعمال الرأي مقابل النصوص نشأت أو تكونت مجموعة من الصحابة وعلى رأسهم عمر بن الخطاب وقد رأيناهم يوم الرزية كيف ساندوا وعضدوا رأي عمر مقابل النص الصريح.
ومن ذلك أيضا نستنتج أن هؤلاء لم يقبلوا يوما نصوص الغدير التي نصب بها النبي صلى الله عليه وآله عليا خليفة له على المسلمين، وتحينوا الفرصة السانحة لرفضها عند وفاة النبي فكان اجتماع السقيفة وانتخاب أبي بكر من نتيجة هذا الاجتهاد، ولما استتب لهم الأمر وتناسى الناس نصوص النبي بشأن الخلافة، بدأوا يجتهدون في كل شئ حتى استطالوا على كتاب الله فعطلوا الحدود وأبدلوا الأحكام فكانت مأساة فاطمة الزهراء بعد مأساة زوجها وإبعاده عن منصة الخلافة، ثم كانت مأساة قتل مانعي الزكاة، وكل ذلك من الاجتهاد مقابل النصوص، ثم كانت خلافة عمر بن الخطاب نتيجة حتمية لذلك الاجتهاد إذ أن أبا بكر اجتهد برأيه وأسقط الشورى التي كان يستدل بها هو نفسه على صحة خلافته وزاد عمر في الطين بلة عندما ولي أمور المسلمين فأحل ما حرم الله ورسوله (1) وحرم ما أحل الله ورسوله (2).
ولما جاء عثمان بعده ذهب شوطا بعيدا في الاجتهاد فبالغ أكثر ممن سبقوه حتى أثر اجتهاده في الحياة السياسة والدينية بوجه عام فقامت الثورة ودفع حياته ثمن اجتهاده.
ولما ولي الإمام علي أمور المسلمين وجد صعوبة كبيرة في إرجاع الناس إلى السنة النبوية الشريفة وحظيرة القرآن وحاول جهده أن يزيل البدع التي أدخلت في الدين ولكن بعضهم صاح وأسنة عمراه! وأكاد اعتقد وأجزم بأن الذين حاربوا الإمام عليا وخالفوه، إنما فعلوا ذلك لأنه - سلام الله عليه - حملهم على الجادة وأرجعهم إلى النصوص الصحيحة مميتا بذلك كل البدع والاجتهادات التي ألصقت بالدين طوال ربع قرن وقد ألفها الناس وخاصة منهم أصحاب الأهواء والأطماع الدنيوية الذين اتخذوا مال الله دولا وعباد الله خولا وكدسوا الذهب والفضة وحرموا المستضعفين من أبسط الحقوق التي شرعها الإسلام.

ثم اهتديت مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن