ثالثا - رأي الصحابة بعضهم في بعض1 - شهادتهم على أنفسهم بتغيير سنة النبي عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى فأول شئ يبدأ به الصلاة ثم ينصرف فيقول مقابل الناس والناس جلوس على صفوفهم فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم فإن كان يريد أن يقطع بحثا قطعه أو يأمر بشئ أمر به ثم ينصرف، قال أبو سعيد فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان وهو أمير المدينة في أضحى أو فطر فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصلت فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي فجبذت بثوبه فجبذني فارتفع فخطب قبل أن يصلي فقلت له غيرتم والله; فقال: أبا سعيد قد ذهب ما تعلم.
فقلت; ما أعلم والله خير مما لا أعلم، فقال إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبل الصلاة (1).
وقد بحثت كثيرا عن الدوافع التي جعلت هؤلاء الصحابة يغيرون سنة رسول الله صلى الله عليه وآله، واكتشفت أن الأمويين وأغلبهم من صحابة النبي وعلى رأسهم معاوية بن أبي سفيان (كاتب الوحي) كما يسمونه كان يحمل الناس ويجبرهم على سب علي بن أبي طالب ولعنه من فوق منابر المساجد، كما ذكر ذلك المؤرخون،وقد أخرج مسلم في صحيحه في باب (فضائل علي بن أبي طالب) مثل ذلك; وأمر - يعني معاوية - عماله في كل الأمصار باتخاذ ذلك اللعن سنة يقولها الخطباء على المنابر، ولما استاء من ذلك بعض الصحابة واستنكر هذا الفعل أمر معاوية بقتلهم وحرقهم وقد قتل من مشاهير الصحابة حجر بن عدي الكندي وأصحابه ودفن بعضهم أحياء لأنهم امتنعوا عن لعن علي واستنكروه وقد أخرج أبو الأعلى المودودي في كتابه (الخلافة والملك) نقلا عن الحسن البصري قال: أربع خصال كن في معاوية لو لم تكن فيه إلا واحدة لكانت موبقة له:
(1) أخذه الأمر من غير مشورة وفيهم بقايا الصحابة ذوو الفضيلة.
(2) استخلافه بعده ابنه سكيرا خميرا يلبس الحرير ويضرب الطنابير.
(3) ادعاؤه زيادا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله الولد للفراش وللعاهر الحجر.
(4) قتله حجرا وأصحاب حجر فيا ويلا له من حجر ويا ويلا له من حجر وأصحاب حجر (1).
وكان بعض المؤمنين من الصحابة يفرون من المسجد بعد الفراغ من الصلاة حتى لا يحضروا الخطبة التي تختم بلعن علي وأهل بيته، ومن أجل ذلك غير بنو أمية سنة رسول الله وقدموا الخطبة على الصلاة حتى يحضرها الناس ويرغموا بذلك أنوفهم.
مرحى لهؤلاء الصحابة الذين لا يتورعون عن تغيير سنة الرسول وحتى أحكام الله للوصول إلى أغراضهم الدنيئة وأحقادهم الدفينة ومطامعهم الخسيسة، ويلعنون رجلا أذهب الله عنه الرجس وطهره تطهيرا وأوجب الصلاة عليه كالصلاة على رسوله، وأوجب الله ورسوله مودته وحبه حتى قال النبي:
(حب علي إيمان وبغضه نفاق) (2).
ولكن هؤلاء الصحابة بدلوا وغيروا وقالوا سمعنا وعصينا وبدلا من أن يصلوا عليه ويحبوه ويطيعوه، شتموه ولعنوه طيلة ستين عاما كما جاء في كتب التاريخ.
فإذا كان أصحاب موسى قد تآمروا على هارون وكادوا يقتلونه، فإن بعض أصحاب محمد قتلوا هارونه وتتبعوا أولاده وشيعته تحت كل حجر ومدر ومحوا أسماءهم من الديوان ومنعوا أن يتسمى أحد باسمه، ولم يكتفوا بكل ذلك بل لعنوه وحملوا الصحابة المخلصين على ذلك قهرا وظلما.
وإني والله لأقف حائرا مبهوتا عندما أقرأ صحاحنا وما سجل فيها من حب الرسول لأخيه وابن عمه علي وتقديمه على كل الصحابة حتى قال فيه: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي (1).
وقال له: أنت مني وأنا منك (2) وقال: حب علي إيمان وبغضه نفاق (3)، وقال أنا مدينة العلم وعلي بابها (4) وقال: علي ولي كل مؤمن بعدي (5).
وقال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه (6)، ولو أردنا استقصاء الفضائل التي ذكرها النبي في علي والتي أخرجها علماؤنا معترفين بصحتها لاستوجب كتابا خاصا، فكيف يا ترى يتجاهل الصحابة هذه النصوص ويسبون عليا وينصبون له العداء ويلعنونه فوق المنابر وكيف يقاتلونه ويقتلونه.
وإني أحاول عبثا أن أجد مبررا لهؤلاء فلا أجد غير حب الدنيا والتنافس فيها أو النفاق أو الارتداء والانقلاب على الأعقاب، وأحاول أيضا إلصاق هذه لمسؤولية بحثالة الصحابة وبعض المنافقين، ولكن هؤلاء - للأسف الشديد - معدودون من أكابرهم وأفاضلهم ومشاهيرهم، فأول من هدد بحرق بيته - بمن فيه - هو عمر بن الخطاب، وأول من حاربه هو طلحة والزبير وأم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر، ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وأمثالهم كثيرون.
وإن عجبي لكبير وسوف لن ينتهي، كما يؤيدني في ذلك كل مفكر حر، عاقل، كيف يجمع علماء أهل السنة والجماعة على عدالة الصحابة كافة ويترضون عليهم بل ويصلون عليهم أجمعين، لا يستثنون منهم واحدا حتى قال بعضهم:
(العن يزيد ولا تزيد) فأين يزيد من هذه المآسي التي لا يقرها دين ولا عقل، وإنني أربأ بأهل السنة والجماعة إن كانوا حقا يتبعون سنة الرسول، أن يحكموا بعدالة من حكم القرآن والسنة بفسقه وارتداده وكفره وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله (من سب عليا فقد سبني ومن سبني فقد سب الله، ومن سب الله أكبه على منخريه في النار) (1).
هذا جزاء من سب عليا فما بالك بمن لعنه وحاربه وقاتله فأين علماؤنا من كل هذه الحقائق، أم على قلوب أقفالها.
وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون.
2 - الصحابة غيروا حتى في الصلاة قال أنس بن مالك: ما عرفت شيئا مما كان على عهد النبي صلى الله عليه وآله مثل الصلاة، قال أليس ضيعتم ما ضيعتم فيها.
وقال الزهري دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي فقلت ما يبكيك فقال: لا أعرف شيئا مما أدركت إلا هذه الصلاة وقد ضيعت (2)فقال إنا لو رخصنا لهم في هذا لأوشك إذا برد على أحدهم الماء أن يدعه ويتيمم فقلت لشقيق: فإنما كره عبد الله لهذا، قال: نعم (1).
ما شاء الله! لقد نصب عبد الله هذا نفسه إماما على الأمة فأفتى بما يحلو له وبما شاء هو، لا بما اقتضته أحكام الله التي أنزلها في القرآن، ورغم استدلال أبي موسى الأشعري بآية التيمم يقول عبد الله: (إنا لو رخصنا لهم في هذا) فمن أنت يا هذا؟؟ حتى تحلل وتحرم وترخص وتمنع كما تريد، ولعمري إنك اتبعت في ذلك سنة من قبلك وأصررت على العناد لتأييد رأيه الذي كان يفتي بترك الصلاة عند فقدان الماء ولم يقتنع باحتجاج عمار بن ياسر عليه بالسنة النبوية كما لم تقتنع أنت باحتجاج أبي موسى بالآية القرآنية!، أفبعد هذا يدعي علماؤنا بأن الصحابة كالنجوم بأيهم اقتدينا اهتدينا، (أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون!!) (النجم: 59).
3 - الصحابة يشهدون على أنفسهم روى أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال للأنصار: إنكم سترون بعدي أثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله على الحوض. قال أنس فلم نصبر (2).
وعن العلاء بن المسيب عن أبيه قال: لقيت البراء بن عازب رضي الله عنهما فقلت طوبى لك صحبت النبي صلى الله عليه وآله وبايعته تحت الشجرة، فقال: يا ابن أخي إنك لا تدري ما أحدثنا بعده.
وإذا كان هذا الصحابي من السابقين الأولين الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وآله تحت الشجرة، ورضي الله عنهم وعلم ما في قلوبهم فأثابهم فتحا قريبا، يشهد على نفسه وعلى أصحابه بأنهم أحدثوا بعد النبي وهذه الشهادة هي مصداق ما أخبر به صلى الله عليه وآله وتنبأ به من أن أصحابه سيحدثون بعده ويرتدون على أدبارهم فهل يمكن لعاقل بعد هذا أن يصدق بعدالة الصحابة كلهم أجمعين (أكتعين أبصعين) على ما يقول به أهل السنة والجماعة، والذي يقول هذا القول فإنه يخالف العقل والنقل ولا يبقى للباحث أي مقاييس فكرية يعتمدها للوصول إلى الحقيقة.
4 - شهادة الشيخين على نفسيهما أخرج البخاري في صحيحه في باب مناقب عمر بن الخطاب قال: لما طعن عمر جعل يألم فقال له ابن عباس وكأنه يجزعه: يا أمير المؤمنين ولئن كان ذاك لقد صحبت رسول الله فأحسنت صحبته ثم فارقته وهو عنك راض ثم صحبت أبا بكر فأحسنت صحبته ثم فارقته وهو عنك راض ثم صحبت صحابتهم فأحسنت صحبتهم ولئن فارقتهم لتفارقنهم وهم عنك راضون.
قال: أما ما ذكرت من صحبة رسول الله ورضاه فإنما ذاك من من الله تعالى من به علي، وأما ما ذكرت من صحبة أبي بكر ورضاه فإنما ذاك من من الله جل ذكره من به علي، وأما ما ترى من جزعي فهو من أجلك وأجل أصحابك والله لو أن لي طلاع الأرض ذهبا لافتديت به من عذاب الله عز وجل قبل أن أراه (1).
وقد سجل التاريخ له أيضا قوله: ليتني كنت كبش أهلي يسمنونني ما بدا لهم حتى إذا كنت أسمن ما أكون زارهم بعض من يحبون فجعلوا بعضي شواء وقطعوني قديدا ثم أكلوني وأخرجوني عذرة ولم أكن بشرا (2).
كما سجل التاريخ لأبي بكر مثل هذا، قال لما نظر أبو بكر إلى طائر على شجرة: طوبى لك يا طائر تأكل الثمر وتقع على الشجر وما من حساب ولا عقاب عليك، لوددت أني شجرة على جانب الطريق مر علي جمل فأكلني وأخرجني في بعره ولم أكن من البشر (3).
وقال أيضا: (ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون، وبدا لهم سيئات ما كسبوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون) (1).
وإنني أتمنى من كل قلبي أن لا تشمل هذه الآيات، صحابة كبارا أمثال أبي بكر الصديق وعمر الفاروق..
بيد أنني أتوقف كثيرا عند مثل هذ النصوص لأطل على مقاطع مثيرة من علاقتهم مع الرسول صلى الله عليه وآله وما شهدتها تلك العلاقة من تخلف عن إجراء أوامره وتلبية طلبه في اللحظات الأخيرة من عمره المبارك الشريف مما أغضبه ودفعه إلى أن يأمر الجميع بمغادرة المنزل وتركه، كما أنني أستحضر أمامي شريط الحوادث التي جرت بعد وفاة الرسول وما جرى مع ابنته الزهراء الطاهرة (ع) من إيذاء وهضم وغمط وقد قال صلى الله عليه وآله: (فاطمة بضعة مني من أغضبها فقد أغضبني) (2).
وقالت فاطمة لأبي بكر وعمر:
نشدتكما الله تعالى ألم تسمعا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (رضا فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من سخطي فمن أحب ابنتي فاطمة فقد أحبني ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني، قالا: نعم سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت: فإني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه) (3).
ودعنا من هذه الرواية التي تدمى القلوب، فلعل ابن قتيبة وهو من علماء أهل السنة المبرزين في كثير من الفنون وله تآليف عديدة في التفسير والحديث واللغة والنحو والتاريخ، لعله تشيع هو الآخر كما قال لي أحد المعاندين مرة عندما أطلعته على كتابه تاريخ الخلفاء، وهذه هي الدعاية التي يلجأ إليها بعض علمائنا بعدما تعييهم الحيلة، فالطبري عندنا تشيع والنسائي الذي ألف كتابا في خصائص الإمام علي تشيع وابن قتيبة تشيع وحتى طه حسين من المعاصرين لما ألف كتابه الفتنة الكبرى وذكر حديث الغدير واعترف بكثير من الحقائق الأخرى فهو أيضا تشيع!!.
والحقيقة أن كل هؤلاء لم يتشيعوا وعندما يتكلمون عن الشيعة لا يذكرون عنهم إلا ما هو مشين، وهم يدافعون عن عدالة الصحابة بكل ما أمكنهم، ولكن الذي يذكر فضائل علي بن أبي طالب ويعترف بما فعله كبار الصحابة من أخطاء نتهمه بأنه تشيع، ويكفي أن تقول أمام أحدهم عند ذكر النبي: (صلى الله عليه وآله) أو (تقول علي (ع))، حتى يقال: إنك شيعي، وعلى هذا الأساس قلت يوما لأحد علمائنا وأنا أحاوره: ما رأيك في البخاري؟ قال: هو من أئمة الحديث وكتابه أصح الكتب بعد كتاب الله عندنا وقد أجمع على ذلك علماؤنا.
فقلت له: إنه شيعي، فضحك مستهزئا وقال: حاشى الإمام البخاري أن يكون شيعيا!! قلت: أوليس أنك ذكرت بأن كل من يقول: (علي (ع)) فهو شيعي؟ قال: بلى، فأطلعته ومن حضر معه على صحيح البخاري وفى عدة مواقع عندما يأتي باسم علي يقول: (عليه السلام) وفاطمة (عليها السلام) والحسين بن علي (عليهما السلام) (1) فبهت وما درى ما يقول.
وأعود إلى رواية ابن قتيبة التي ادعى فيها أن فاطمة غضبت على أبي بكر وعمر، فإذا شككت فيها فإنه لا يمكنني أن أشك في صحيح البخاري الذي هو عندنا أصح الكتب بعد كتاب الله، وقد ألزمنا أنفسنا بأنه صحيح وللشيعة أن يحتجوا به علينا ويلزموننا بما ألزمنا به أنفسنا وهذا هو الإنصاف للقوم العاقلين.
فها هو البخاري يخرج من باب مناقب قرابة رسول الله، أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني.
كما أخرج في باب غزوة خيبر، عن عائشة أن فاطمة (عليها السلام) بنت النبي أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منه شيئا فوجدت (1) فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت (2).
والنتيجة في النهاية هي واحدة ذكرها البخاري باختصار وذكرها ابن قتيبة بشئ من التفصيل، ألا وهي أن رسول الله صلى الله عليه وآله يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها وأن فاطمة ماتت وهي غاضبة على أبي بكر وعمر.
وإذا كان البخاري قد قال: ماتت وهي واجدة على أبي بكر فلم تكلمه حتى توفيت فالمعنى واحد كما لا يخفى، وإذا كانت فاطمة سيدة نساء العالمين كما صرح بذلك البخاري في كتاب الاستئذان باب من ناجى ين يدي الناس، وإذا كانت فاطمة هي المرأة الوحيدة في هذه الأمة، التي أذهب الله عنها الرجس وطهرها تطهيرا، فلا يكون غضبها لغير الحق ولذلك يغضب الله ورسوله لغضبها، ولهذا قال أبو بكر: أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة، ثم انتحب أبو بكر باكيا حتى كادت نفسه أن تزهق، وهي تقول: والله لأدعون الله عليك في كل صلاة أصليها، فخرج أبو بكر يبكي ويقول: لا حاجة لي في بيعتكم، أقيلوني بيعتي (3).
غير أن كثيرا من المؤرخين ومن علمائنا، يعترفون بأن فاطمة (عليها السلام) خاصمت أبا بكر في قضية النحلة والإرث وسهم ذي القربى فردت دعواها حتى ماتت وهي غاضبة عليه، إلا أنهم يمرون بهذه الأحداث مرور الكرام ولا يريدون التكلم فيها حفاظا على كرامة أبي بكر كما هي عادتهم في كل ما يمسه من قريب أو بعيد; ومن أعجب ما قرأته في هذا الموضوع قول بعضهم بعد ما ذكر الحادثة بشئ من التفصيل قال: (حاشى لفاطمة من أن تدعي ما ليس لها بحق، وحاشى لأبي بكر من أن يمنعها حقها).
وبهذه السفسطة ظن هذا العالم أنه حل المشكلة وأقنع الباحثين وكلامه هذا كقول القائل: (حاشى للقرآن الكريم أن يقول غير الحق، وحاشى لبني إسرائيل أن يعبدوا العجل).
لقد ابتلينا بعلماء يقولون ما لا يفقهون ويؤمنون بالشئ ونقيضه في نفس الوقت والحال يؤكد أن فاطمة ادعت وأبا بكر رفض دعواها فإما أن تكون كاذبة و (العياذ بالله) حاشاها، أو أن يكون أبو بكر ظالما لها وليس هناك حل ثالث للقضية كما يريدها بعض علمائنا.
وإذا امتنع بالأدلة العقلية والنقلية أن تكون سيدة النساء كاذبة لما ثبت عن أبيها رسول الله قوله: فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني، ومن البديهي أن الذي يكذب لا يستحق مثل هذا النص من قبل الرسول صلى الله عليه وآله، فالحديث بذاته دال على عصمتها من الكذب وغيره من الفواحش، كما أن آية التطهير دالة هي الأخرى على عصمتها وقد نزلت فيها وفي بعلها وابنيها بشهادة عائشة نفسها (1)، فلم يبق إذن إلا أن يعترف العقلاء بأنها ظلمت فليس تكذيبها في دعواها إلا أمرا ميسورا لمن استباح حرقها إن لم يخرج المتخلفون في بيتها لبيعتهم (2).
ولكل هذا تراها - سلام الله عليها - لم تأذن لهما في الدخول عليها عندما استأذنها أبو بكر وعمر، ولما أدخلهما علي أدارت بوجهها إلى الحائط وما رضيت أن تنظر إليهما (3).
وقد توفيت ودفنت في الليل سرا بوصية منها حتى لا يحضر جنازتها أحد منهم (4)، وبقي قبر بنت الرسول مجهولا حتى يوم الناس هذا وإنني أتسأل لماذا يسكت علماؤنا عن هذه الحقائق ولا يريدون البحث فيها ولا حتى ذكرها، ويصورون لنا صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وكأنهم ملائكة لا يخطئون ولا يذنبون!.
وإذا ما سألت أحدهم كيف يقتل خليفة المسلمين سيدنا عثمان ذو النورين هي التي قادتها بنفسها، فكيف تخرج أم المؤمنين عائشة من بيتها التي أمرها الله بالاستقرار فيه بقوله تعالى: (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) (1).
ونسأل بأي حق استباحت أم المؤمنين قتال خليفة المسلمين علي بن أبي طالب، وهو ولي كل مؤمن ومؤمنة.
وكالعادة وبكل بساطة يجيبنا علماؤنا بأنها لا تحب الإمام عليا لأنه أشار على رسول الله بتطليقها في حادثة الإفك، ويريد هؤلاء إقناعنا بأن هذه الحادثة (إن صحت) وهي إشارة علي على النبي بتطليقها كافية بأن تعصي أمر ربها وتهتك سترا ضربه عليها رسول الله، وتركب جملا نهاها رسول الله أن تركبه وحذرها أن تنبحها كلاب الحوأب (2)، وتقطع المسافات البعيدة من المدينة إلى مكة ومنها إلى البصرة، وتستبيح قتل الأبرياء ومحاربة أمير المؤمنين والصحابة الذين بايعوه، وتتسبب في قتل ألوف المسلمين كما ذكر ذلك المؤرخون (3) كل ذلك لأنها لا تحب الإمام عليا الذي أشار بتطليقها ومع ذلك لم يطلقها النبي، فلماذا كل هذه الكراهية وقد سجل المؤرخون لها مواقف عدائية للإمام علي لا يمكن تفسيرها، فقد كانت راجعة من مكة عندما أعلموها في الطريق بأن عثمانا قتل ففرحت فرحا شديدا ولكنها عندما علمت بأن الناس بايعوا عليا غضبت وقالت: وددت أن السماء انطبقت على الأرض قبل أن يليها ابن أبي طالب وقالت ردوني وبدأت تشعل نار الفتنة للثورة على علي الذي لا تريد ذكر اسمه كما سجله المؤرخون عليها، أفلم تسمع أم المؤمنين قول الرسول صلى الله عليه وآله: (بأن حب علي إيمان وبغضه نفاق) (4) حتى قال بعض الصحابة: (كنا لا نعرف المنافقين إلا ببغضهم لعلي).
أولم تسمع أم المؤمنين قول النبي: (من كنت مولاه فعلي مولاه). إنها لا شك سمعت كل ذلك ولكنها لا تحبه ولا تذكر اسمه بل إنها لما سمعت بموته سجدت شكرا لله (1).
ودعني من كل هذا فأنا لا أريد البحث عن تاريخ أم المؤمنين عائشة ولكن أريد الاستدلال على مخالفة كثير من الصحابة لمبادئ الإسلام وتخلفهم عن أوامر رسول الله صلى الله عليه وآله، ويكفيني من فتنة أم المؤمنين دليل واحد أجمع عليه المؤرخون; قالوا لما جازت عائشة ماء الحواب ونبحتها كلابها تذكرت تحذير زوجها رسول الله ونهيه إياها أن تكون هي صاحبة الجمل، فبكت وقالت ردوني، ردوني.
ولكن طلحة والزبير جاءاها بخمسين رجلا جعلا لهم جعلا، فأقسموا بالله أن هذا ليس بماء الحوأب فواصلت مسيرها حتى البصرة، ويذكر المؤرخون أنها أول شهادة زور في الإسلام (2).
دلونا أيها المسلمون يا أصحاب العقول النيرة على حل لهذا الإشكال، أهؤلاء هم الصحابة الأجلاء الذين نحكم نحن بعدالتهم ونجعلهم أفضل البشر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله! فيشهدون شهادة الزور التي عدها رسول الله صلى الله عليه وآله من الكبائر الموبقة التي تقود إلى النار.
والسؤال نفسه يعود دائما ويتكرر أيهم على الحق وأيهم على الباطل، فإما أن يكون علي ومن معه ظالمين وعلى غير الحق، وإما أن تكون عائشة ومن معها وطلحة والزبير ومن معهم ظالمين وعلى غير الحق وليس هناك احتمال ثالث، والباحث المنصف لا أراه إلا مائلا لأحقية علي الذي يدور الحق معه حيث دار، نابذا فتنة (أم المؤمنين عائشة) وأتباعها الذين أوقدوا نارها وما أطفأوها حتى أكلت الأخضر واليابس وبقيت آثارها إلى اليوم.
ولمزيد البحث وليطمئن قلبي أقول أخرج البخاري في صحيحه من كتاب الفتن باب الفتنة التي تموج كموج البحر، قال: لما سار طلحة والزبير وعائشة إلى لبصرة بعث علي عمار بن ياسر والحسن بن علي فقدما علينا الكوفة فصعدا المنبر فكان الحسن بن علي فوق المنبر في أعلاه وقام عمار أسفل من الحسن فاجتمعنا إليه فسمعت عمارا يقول: إن عائشة قد سارت إلى البصرة ووالله إنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة، ولكن الله تبارك وتعالى ابتلاكم ليعلم إياه تطيعون أم هي (1).
كما أخرج البخاري أيضا في كتاب الشروط باب ما جاء في بيوت أزواج النبي، قال: قام النبي صلى الله عليه وآله خطيبا فأشار نحو مسكن عائشة فقال هاهنا الفتنة، هاهنا الفتنة، هاهنا الفتنة من حيث يطلع قرن الشيطان (2).
كما أخرج البخاري في صحيحه عنها أشياء عجيبة وغريبة في سوء أدبها مع النبي حتى ضربها أبوها فأسال دمها وفي تظاهرها على النبي حتى هددها الله بالطلاق وأن يبدله ربه خيرا منها وهذه قصص أخرى يطول شرحها.
وبعد كل هذا أتسأل كيف استحقت عائشة كل هذا التقدير والاحترام من أهل السنة والجماعة، ألأنها زوج النبي، فزوجاته كثيرات وفيهن من هي أفضل من عائشة بتصريح النبي نفسه (3).
أم لأنها ابنة أبي بكر! أم لأنها هي التي لعبت الدور الكبير في إنكار وصية النبي لعلي حتى قالت عندما ذكروا عندها أن النبي أوصى لعلي: قالت من قاله لقد رأيت النبي صلى الله عليه وآله وإني لمسندته إلى صدري فدعا بالطست فانحنى فمات فما شعرت فكيف أوصى إلى علي (4).
أم لأنها حاربته حربا لا هوادة فيها وأولاده من بعده حتى اعترضت جنازة الحسن سيد شباب أهل الجنة ومنعت أن يدفن بجانب جده رسول الله قائلة: لا تدخلوا بيتي من لا أحب ونسيت أو تجاهلت قول الرسول فيه وفي أخيه: (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة)، أو قوله: (أحب الله من أحبهما وأبغض الله من أبغضهما)، أو قوله: (أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم); وغير ذلك كثير لست في معرض الكلام عنه.. كيف لا وهما ريحانتاه من هذه الأمة.
ولا غرابة فقد سمعت في حق علي أضعاف ذلك ولكنها ورغم تحذير النبي صلى الله عليه وآله لها، أبت إلا محاربته وتأليب الناس عليه وإنكار فضله وفضائله.
ومن أجل ذلك أحبها الأمويون وأنزلوها تلك المنزلة العظيمة التي تقصر عنها المنازل ورووا في فضلها ما ملأ المطامير وسارت به الركبان حتى جعلوها المرجع الأكبر للأمة الإسلامية لأن عندها وحدها نصف الدين.
ولعل نصف الدين الثاني خصوا به أبا هريرة الذي روى لهم ما يشتهون فقربوه وولوه إمارة المدينة وبنوا له قصر العقيق بعد ما كان معدما، ولقبوه براوية الإسلام.
وبذلك سهل على بني أمية أن يكون لهم دين كامل جديد ليس فيه من كتاب الله وسنة رسوله إلا ما تهواه أنفسهم ويتقوى به ملكهم وسلطانهم وخليق بهذا الدين أن يكون لعبا وهزوا مليئا بالمتناقضات والخرافات، وبذلك طمست الحقائق وحلت محلها الظلمات، وقد حملوا الناس عليها وأغروهم بها حتى أصبح دين الله عندهم مهزلة من المهازل لا يقيمون له وزنا ولا يخافون من الله كخوفهم من معاوية.
وعندما نسأل بعض علمائنا عن حرب معاوية لعلي وقد بايعه المهاجرون والأنصار، تلك الحرب الطاحنة التي سببت انقسام المسلمين إلى سنة وشيعة وانصدع الإسلام ولم يلتئم حتى اليوم، فإنهم يجيبون كالعادة وبكل سهولة قائلين: إن عليا ومعاوية صحابيان جليلان اجتهدا فعلي اجتهد وأصاب فله أجران أما معاوية فاجتهد وأخطأ وله أجر واحد.
وليس من حقنا نحن أن نحكم لهم أو عليهم وقد قال الله تعالى: (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون).
هكذا - وللأسف - تكون إجاباتنا وهي كما ترى سفسطة لا يقول بها عقل ولا دين ولا يقر بها شرع، اللهم إني أبرأ إليك من خطل الآراء وزلل الأهواء
(١٤٣) و (أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون).
كيف يحكم العقل السليم باجتهاد معاوية ويعطيه أجرأ على حربه إمام المسلمين وقتله المؤمنين الأبرياء وارتكابه الجرائم والآثام التي لا يحصى عددها إلا الله وقد اشتهر عند المؤرخين بقتله معارضيه وتصفيتهم بطريقته المشهورة وهو إطعامهم عسلا مسموما وكان يقول: (إن لله جنودا من عسل).
كيف يحكم هؤلاء باجتهاده ويعطونه أجرا وقد كان إمام الفئة الباغية؟ ففي الحديث المشهور الذي أخرجه كل المحدثين من السنة والشيعة وسواهم: (ويح عمار تقتله الفئة الباغية) ولم يختلف اثنان من المسلمين على أن الذي قتل عمارا وأصحابه هو معاوية! كيف يحكمون باجتهاده وقد قتل حجر بن عدي وأصحابه صبرا ودفنهم في مرج عذراء ببادية الشام لأنهم امتنعوا عن سب علي بن أبي طالب.
كيف يريدونه صحابيا عادلا وقد دس السم للحسن بن علي سيد شباب أهل الجنة وقتله.
كيف ينزهونه وقد أخذ البيعة من الأمة بالقوة والقهر لنفسه أولا ثم لابنه الفاسق يزيد من بعده وبدل نظام الشورى بالملكية القيصرية (1).
كيف يحكمون باجتهاده ويعطونه أجرا وقد حمل الناس على لعن علي وأهل البيت ذرية المصطفى من فوق المنابر، وقتل الصحابة الذين امتنعوا عن ذلك وأصبحت سنة متبعة يهرم عليها الكبير ويشيب عليها الصغير فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
والسؤال يعود دائما ويتكرر ويلح: ترى أي الفريقين على الحق وأيهما على الباطل؟ فإما أن يكون علي وشيعته ظالمين وعلى غير الحق.
وإما أن يكون معاوية وأتباعه ظالمين وعلى غير الحق، وقد أوضح رسول الله صلى الله عليه وآله كل شئ.وفي كلا الحالين فإن عدالة الصحابة كلهم من غير استثناء أمر مستحيل، لا ينسجم مع المنطق السليم.
ولكل هذه المواضيع أمثلة كثيرة لا يحصي عددها إلا الله ولو أردت الدخول في التفصيل وبحث هذه المواضيع من كل جانبها لاحتجت إلى مجلدات كثيرة ولكنني رمت الاختصار وأخذت في هذا البحث بعض الأمثلة وهي بحمد الله كافية لإبطال مزاعم قومي الذين جمدوا فكري ردحا من الزمن وحجروا علي أن أفقه الحديث أو أحلل الأحداث التاريخية بميزان العقل والمقاييس الشرعية التي علمنا إياها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
ولذلك سوف أتمرد على نفسي وأنفض عني غبار التعصب الذي غلفوني به وأتحرر من القيود والأغلال التي كبلوني بها أكثر من عشرين عاما ولسان حالي يقول لهم: يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين.
يا ليت قومي اكتشفوا العالم الذي يجهلونه ويعادونه دون أن يعرفوه بداية التحول بقيت متحيرا ثلاثة أشهر مضطربا حتى في نومي تتجاذبني الأفكار وتموج بي الظنون والأوهام خائفا على نفسي من بعض الصحابة الذين أحقق في تاريخهم فأقف على بعض المفارقات المذهلة في سلوكهم، لأن التربية التي تلقيتها طيلة حياتي تدعوني إلى احترام أولياء الله والصالحين من عباده وتقديسهم، الذين (يؤذون) من يقول فيهم سوءا أو يسئ إليهم الأدب حتى في غيابهم وإن كانوا موتى.
ولقد قرأت في ما سبق في كتاب حياة الحيوان الكبرى للدميري (1): أن رجلا كان يشتم عمر بن الخطاب وكان أصحابه في القافلة ينهونه فلما ذهب يتبول لدغه أسود سالخ فمات لحينه وحفروا له لدفنه فوجدوا في القبر أسود سالخا ثم حفروا قبورا أخرى وفي كل مرة يجدون أسود سالخا، فقال لهم أحد العارفين ادفنوه أنى شئتم فلو حفرتم الأرض كلها لوجدتم أسود سالخا ذلك ليعذبه الله في الدنيا قبل الآخرة على شتمه سيدنا عمر!.
ولذلك وجدتني وأنا أقحم نفسي في هذا البحث العسير خائفا محتارا وخصوصا لأنني تعلمت في الفرع الزيتوني بأن أفضل الخلفاء على التحقيق سيدنا أبو بكر الصديق ثم يأتي بعده سيدنا عمر بن الخطاب الفاروق الذي يفرق الله به بين الحق والباطل، ثم بعده سيدنا عثمان بن عفان ذو النورين الذي استحت منه ملائكة الرحمن، ثم بعده سيدنا علي باب مدينة العلم، ثم يأتي بعد هؤلاء الأربعة الستة الباقون من العشرة المبشرين بالجنة وهم، طلحة والزبير وسعد وسعيد، وعبد الرحمن، وأبو عبيدة، ثم يأتي بعد هؤلاء الصحابة جميعا، وكثيرا ما كانوا يعلموننا الاستدلال بالآية الكريمة (لا نفرق بين أحد من رسله) على وجوب النظر إلى بقية الصحابة بالمنظار نفسه دون خدش أي واحد منهم.
وعلى هذا خشيت على نفسي واستغفرت ربي مرات عديدة أردت فيها الانقطاع عن البحث في مثل هذه الأمور التي تشككني في صحابة رسول الله وبالتالي تشككني في ديني ولكني وجدت من خلال الحديث مع بعض العلماء طيلة تلك المدة تناقضات لا يقبلها العقل وبدأوا يحذرونني من أنني إن واصلت البحث في أحوال الصحابة فسوف يسلب الله نعمته عني ويهلكني، ومن كثرة معاندتهم وتكذيبهم كل ما أقول دفعني فضولي العلمي وحرصي على بلوغ الحقيقة إلى أن أقحم نفسي من جديد في البحث ووجدت قوة داخلية تدفعني دفعا
أنت تقرأ
ثم اهتديت مكتملة
General Fictionقصتنا "ثم اهتديت" قصة تحكي عن رحلة اكتشاف جديد في دنيا المعتقدات في خضم المدارس المذهبية والفلسفات الدينية عالم من اخواننا اهل السنة أبصر طريق النور بسبب موقف ونظرة واحدة قلبت حياته رأسا على عقب تابعوها معنا 💚 ثم_اهتديت_،_الدكتور_التيجاني_السماوي.