٣١

107 12 0
                                    

أولا - رأي القرآن في الصحابة

قبل كل شئ لا بد لي أن أذكر أن الله سبحانه وتعالى قد مدح في كتابه العزيز في العديد من المواقع صحابة رسول الله الذين أحبوا الرسول واتبعوه وأطاعوه في غير مطمع وفي غير معارضة ولا استعلاء ولا استكبار، بل ابتغاء مرضاة الله ورسوله، أولئك رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه.
وهذا القسم من الصحابة الذين عرف المسلمون قدرهم من خلال مواقفهم وأفعالهم معه صلى الله عليه وآله أحبوهم وأجلوهم وعظموا قدرهم وترضوا عنهم كلما ذكروهم.
وبحثي لا يتعلق بهذا القسم من الصحابة الذين هم محط الاحترام والتقدير من السنة والشيعة.
كما لا يتعلق بالقسم الذي اشتهر بالنفاق والذين هم معرضون للعن المسلمين جميعا من السنة والشيعة.
ولكن بحثي يتعلق بهذا القسم من الصحابة الذين اختلف فيهم المسلمون، ونزل القرآن بتوبيخهم وتهديدهم في بعض المواقع، والذين حذرهم رسول الله صلى الله عليه وآله في العديد من المناسبات أو حذر منهم.
نعم الخلاف القائم بين الشيعة والسنة هو في هذا القسم من الصحابة إذ أن الشيعة ينتقدون أقوالهم وأفعالهم ويشكون في عدالتهم، بينما يحترمهم أهل السنة والجماعة رغم كل ما ثبت عنهم من مخالفات.
وبحثي إنما يتعلق بهؤلاء (هذا القسم من الصحابة) حتى أتمكن من خلاله من الوصول إلى الحقيقة أو بعض الحقيقة.
أقول هذا حتى لا يتوهم أحد أني أغفلت الآيات التي تمدح أصحاب رسول الله وأبرزت الآيات القادحة فقط، بل إني خلال البحث اكتشفت أن هناك آيات مادحة تتضمن في طيها قدحا أو ما هو نقيض ذلك.
وسوف لن أكلف نفسي جهدا كبيرا كما فعلت ذلك خلال السنوات الثلاث من البحث، بل سأكتفي بذكر بعض الآيات كأمثلة، كما جرت العادة وذلك للاختصار، وعلى الذين يريدون التوسع أن يتكبدوا عناء البحث والتنقيب والمقارنة كما فعلت لتكون هدايتهم بعرق الجبين وعصارة الفكر كما يطلبه الله من كل أحد وما يتطلبه الوجدان لقناعة راسخة لا تزحزحها الرياح والعواصف ومن المعلوم بالضرورة أن الهداية التي تكون عن قناعة نفسية أفضل بكثير من التي تكون بمؤثرات خارجية.
قال تعالى يمدح نبيه: (ووجدك ضالا فهدى) (1). أي وجدك تبحث عن الحق فهداك إليه، وقال أيضا: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) (2).

1 - محمد رسول الله والمثال الأول على ذلك هو آية محمد رسول الله، يقول الله تعالى: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم، تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطئه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار، وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما).
فهذه الآية الكريمة كلها مدح لرسول الله والصحابة الذين معه الذين هم - على الوصف الذي ذكره الله تعالى - من الشدة على الكفار ومن الرحمة على بعضهم البعض، وتمضي الآية الكريمة في مدح هؤلاء وذكر أوصافهم حتى تنتهي بوعده سبحانه وتعالى بالمغفرة والأجر العظيم ليس لكل الصحابة المذكورين ولكن للبعض منهم، الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فكلمة منهم التي ذكرها الله تعالى دلت على التبعيض وأوحت أن البعض من هؤلاء لا تشملهم مغفرة الله ورضوانه ودلت أيضا على أن البعض من الصحابة انتفت منهم صفة الإيمان والعمل الصالح، فهذه من الآيات المادحة والقادحة في آن واحد فهي بينما تمدح نخبة من الصحابة تقدح في آخرين.
ومن المؤسف المثير أن الكثيرين يستدلون بهذه الآية الكريمة على عصمة الصحابة وعدالتهم ويحتجون بها على الشيعة، في حين أنها حجة عليهم واضحة جلية في تأييد الشيعة القائلين بتقسيم الصحابة إلى مؤمن مخلص استكمل الإيمان وعمل الصالحات فوعده الله المغفرة والرضوان والأجر العظيم، وآخر أسلم ولما يدخل الإيمان في قلبه أو آمن وعمل صالحا في عهد الرسالة ولكنه انقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وقد توعده الله بإحباط أعماله لمجرد رفع صوته فوق صوت النبي، فما بالك بمن عصى الله ورسوله، وضل ضلالا مبينا، ثم ما بالك بمن حكم بما لم ينزل إليه أو بدل أحكام الله فأحل ما حرمه الله وحرم ما أحله الله، واتبع في كل ذلك رأيه وهواه.

ثم اهتديت مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن