٢٨

160 27 5
                                    

#الحلقة_الثامنة_والعشرون

١- الصحابة في صلح الحديبية
مجمل القصة ، أن رسول الله (صلى الله عليه و آله ) خرج في السنة السادسة للهجرة يريد العمرة مع ألف وأربعمائة من أصحابه فأمرهم أن يضعوا سيوفهم في القرب ، وأحرم هو وأصحابه بذي الحليفة وقلدوا الهدي ليعلم قريشا أنه إنما جاء زائرا معتمرا وليس محاربا ، ولكن قريشا بكبريائها خافت أن يسمع العرب بأن محمدا دخل عنوة إلى مكة وكسر شوكتها ، فبعثوا إليه بوفد يرأسه سهيل بن عمرو بن عبد ود العامري وطلبوا منه أن يرجع في هذه المرة من حيث أتى على أن يتركوا له مكة في العام القادم ثلاثة أيام ، وقد اشترطوا عليه شروطا قاسية قبلها رسول الله لاقتضاء المصلحة التي أوحي بما إليه ربه عز وجل .

ولكن بعض الصحابة لم يعجبهم هذا التصرف من النبي وعارضوه في ذلك معارضة شديدة وجاءه عمر بن الخطاب فقال :

ألست نبي الله حقا؟
قال : بلى
قال عمر : ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ؟
قال : بلى
قال عمر : فلم نعطى الدنية في ديننا إذا ؟
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري ، قال عمر :

أو لست کنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال : بلى ، أفأخبرتك أنا نأتيه العام ؟

قال عمر: لا

قال : فإنك آتیه ومطوف به .

ثم أتى عمر بن الخطاب إلى أبي بكر فقال :

يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقا؟

قال: بلى .

ثم سأله عمر نفس الأسئلة التي سألها رسول الله ، وأجابه أبو بكر بنفس الأجوبة قائلا له : أيها الرجل إنه لرسول الله وليس يعصي ربه
وهو ناصره فاستمسك بغرزه ، ولما فرغ رسول الله من كتاب الصلح قال لأصحابه :

قوموا فانتحروا ثم أحلقوا ، فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات ، فلما لم يمتثل لأمره منهم أحد دخل حباءه ثم خرج فلم يكلم أحدا منهم بشيء حتى نحر بدنة بيده، ودعا حالقه فحلق رأسه ، فلما رأى أصحابه ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا، حتى كاد بعضهم يقتل بعضا ...

هذه مجمل قصة الصلح في الحديبية وهي من الأحداث المتفق عليها عند الشيعة والسنة وقد ذكرها المؤرخون وأصحاب السير الطبري وابن الأثير وابن سعد وغيرهم كالبخاري ومسلم .

وأنا لي هنا وقفة ، فلا يمكن لي أن أقرأ مثل هذا ولا أتأثر ولا أعجب من تصرف هؤلاء الصحابة تجاه نبيهم ، وهل يقبل عاقل قول القائلين بأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يمتثلون أوامر رسول الله (صلى الله عليه و آله) وينفذونها ، فهذه الحادثة تقطع عليهم ما يرومون، هل يتصور عاقل بأن هذا التصرف في مواجهة النبي هو أمر هين ، أو مقبول ، أو معذور ، قال تعالى :

{ فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } .

فهل سلم عمر بن الخطاب هنا ولم يجد في نفسه حرجا مما قضى الرسول (صلی الله عليه و آله) ؟!

أم كان في موقفه تردد في ما أمر النبي؟

وخصوصا في قوله :
أولست نبي الله حقا ؟
أو لست کنت تحدثنا ؟

إلى آخره ، و هل سلم بعد ماأجابه رسول الله بتلك الأجوبة المقنعة ؟

كلا لم يقتنع بجوابه وذهب يسأل أبا بكر الأسئلة نفسها ، وهل سلم بعد ما أجابه أبو بكر ونصحه أن يلزم غرز النبي ، لا أدري إذا كان سلم بذلك ، أو اقتنع بجواب النبي أو بجواب أبي بكر !!

وإلا لماذا تراه يقول عن نفسه :

" فعملت لذلك أعمالا .. ولا أدري سبب تخلف البقية الباقية من الحاضرين بعد ذلك إذ قال لهم رسول الله :

قوموا فانحروا ثم أحلقوا ، فلم يستمع إلى أمره أحد منهم حتى كررها عليهم ثلاث مرات بدون جدوى .

سبحان الله !

أنا لا أكاد أصدق ما أقرأ ، وهل يصل الأمر بالصحابة إلى هذا الحد في التعامل مع أمر الرسول ، ولو كانت هذه القصة مروية من طریق الشيعة وحدهم لعددت ما قالوا افتراء على الصحابة الكرام ، و لكن القصة بلغت من الصحة والشهرة أن تناقلها كل المحدثين من أهل السنة والجماعة أيضا ، وبما أنني ألزمت نفسي توثيق ما اتفقوا عليه ، فلا أراني إلا مسلما و متحيرا :

ماذا عساني أن أقول؟

و بم أعتذر عن هؤلاء الصحابة الذين قضوا مع رسول الله قرابة عشرين عاما من البعثة إلى يوم الحديبية ، وهم يشاهدون المعجزات وأنوار النبوة ، والقرآن يعلمهم ليلا نهارا كيف يتأدبون مع حضرة الرسول وکیف يكلموه ، حتى هددهم الله بإحباط أعمالهم إن رفعوا أصواتهم فوق صوته .

ويدفعني إلى الاحتمال بأن عمر بن الخطاب هو الذي أثار بقية الحاضرين ودفعهم إلى التردد والتخلف عن أمر الرسول
- زيادة على اعترافه بأنه عمل لذلك أعمالا لم يشأ ذكرها
- ما يردده هو في موارد أخرى قائلا :

ما زلت أصوم وأتصدق وأصلي وأعتق مخافة كلامي الذي تكلمت به .. إلى آخر ما هو مأثور عنه في هذه القضية ...

مما يشعرنا بأن عمر نفسه كان يدرك بعد الموقف الذي وقفه ذلك اليوم إنما قصة عجيبة و غريبة و لكنها حقيقية ..

ثم اهتديت مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن