#الحلقة_الثالثة
وعند رجوعي من الحج إلى بلادي كنت مرتديا اللباس السعودي بالعقالوفوجئت بالاستقبال الذي أعده لي والدي ، فكانت جموع من الناس محتشدة في المحطة يتقدمهم شيخ الطريقة العيساوية وشيخ التيجانية وشيخ القادرية بالطبولوالبنادير وطافوا بي شوارع المدينة مهللين ومكبرين و كلما مررنا بمسجد أوقفونيعلى عتبته بعض الوقت ، و الناس من حولي يتـسابقون لتقبيلـي و خـصوصا الشيوخ المسنين كانوا يلثمونني و هم يبكون شوقا لرؤية بيت االله و الوقوف على قبر رسوله و هم لم يعتادوا رؤية حاج في مثل عمري كما لم يروا هذا في قفـصة
قبلي .و عشت أسعد أيام حياتي في ذلك الوقت و قد جاء إلى بيتنـا أشـرافالمدينة و كبراؤها يسلمون مهنئين وداعين ، و كثيراً ما كان يطلب مـني قـراءة الفاتحة مع الدعاء بحضرة والدي فكنت أخجل حينا و أتشجع أحيانا ، و كانـت والدتي في كل مرة تدخل بعد خروج الزائرين لإطلاق البخور و التعاويذ لحمايتي من شر الحاسدين ، و دفع كيد الشياطين . و أقام والدي ثلاث ليال متواليات للحضرة التيجانية يذبح في كـل يـوم كبشا للوليمة . و كان الناس يسألونني عن كل كـبيرة و صـغيرة ، و كانـت أجوبتي كلها تنطوي على الكثير من الإعجاب و الإطـراء للـسعوديين و مـا يقومون به لنشر الإسلام و نصرة المسلمين .
و لقبني سكان المدينة " بالحاج " فإذا أطلق هذا الاسم لا ينـصرف إلا إلي، وأصبحت بعد ذلك معروفا أكثر ، و خصوصا في الأوساط الدينية كجماعـةالإخوان المسلمين ، فكنت أطوف في المساجد و أنهي الناس عن تقبيل الأضـرحة والتمسح بالأخشاب،وأحاول جهدي إقناعهم بأن ذلك شرك باالله ، و أزدادنشاطي توسعا فكنت ألقي الدروس الدينية في المساجد يوم الجمعة قبـل خطبـةالإمام و أتنقل من جامع أبي يعقوب إلى الجامع الكبير ، لان صلاة الجمعة تقـامفيهما في أوقات مختلفة بينما تصلى الأولى وقت الظهر تقام الثانية وقت العصر وكثيرا ما كان يحضر تلك الحلقات التي أقيمها يوم الأحد أغلب تلاميـذ المعهـدالثانوي الذي أدرس فيه مادة التكنولوجيا والمبادئ التقنية ، وكانوا يعجبون لهذاويزدادون حبا وتقديرا لأنيأعطيتهم من وقتي الكثير لأزيح عن أفكارهم تلك الغيوم التي لبدها بعض أساتذةالفلسفة الملحدين والماديين والشيوعيين وما أكثرهم !
فكانوا ينتظرون بفارغ الصبر موعد تلك الحلقات الدينية و منهم من يأتي إلى البيت ، فقد اشتريت بعضالكتب الدينية و التهمتها بالمطالعة حتى أكون في مستوى الإجابة عـن الأسـئلةالمختلفة وفي تلك السنة التي حججت فيها ملكت أيضا نـصف ديـني ، فقـدرغبت والدتي رحمها الله في تزويجي قبل موتها ، و هي الـتي ربـت كـل أولادزوجها و حضرت زواجهم فكانت أمنيتها أن تراني عريسا ، وقد أعطاها االله ماتتمنى وأطعت أمرها في الزواج من فتاة لم أرها من قبل ، و حضرت ميلاد إبنيالأول و الثاني ، و فارقت الحياة و هي عني راضية كما سبقها والدي رحمـه االلهقبل عامين و قد حج بيت الله الحرام و تاب توبة نصوحا قبل وفاته بعامين .ونجحت الثورة الليبية في تلك الظروف التي يعاني فيها المسلمون و العربمن هزيمة النكبة في حربهم ضد إسرائيل و طلع علينا ذلك الشاب قائد الثـورة وهو يتكلم بإسم الإسلام و يصلي بالناس في المسجد و ينادي بتحرير القـدس ، وقد استهواني كما استهوى أغلب الشباب المسلم في البلاد العربية و الإسلامية ، ودفعنا حب الإطلاع إلى تنظيم رحلة ثقافية إلى ليبيا و جمعنا أربعين رجـلا مـنرجال التعليم حيث قمنا بزيارة إلى القطر الشقيق في بداية الثورة ، ورجعنا مـن هناك معجبين بما رأينا مستبشرين بالمستقبل الذي رجونا أن يكون في صالح الأمةالعربية و الإسلامية في كل المعمورة .
أنت تقرأ
ثم اهتديت مكتملة
General Fictionقصتنا "ثم اهتديت" قصة تحكي عن رحلة اكتشاف جديد في دنيا المعتقدات في خضم المدارس المذهبية والفلسفات الدينية عالم من اخواننا اهل السنة أبصر طريق النور بسبب موقف ونظرة واحدة قلبت حياته رأسا على عقب تابعوها معنا 💚 ثم_اهتديت_،_الدكتور_التيجاني_السماوي.