*|🔢|:☟البــ(الثاني)ـــارات☟*

362 6 1
                                    

*
لو تحكي الوسائد والأسِرّة والأغطية السميكة ما يحدث وما يقال في حضنها لبكى البشر على أوجاع غيرهم ونسي كل واحد منهم وجعه فكم يحمل هذا السرير من أسرار أرسلته إليه في دمعاتها اليتيمة وعبراتها المكتومة التي لا تملك غيرها ولا أحد غيره يحتويها
————
( لما أحكام البشر ظالمه )

هذه كانت أول بعثره لحروفها تحت سواد هذا اللحاف بعد يوم مرهق للمشاعر والقلوب وبعد جرح نازف انفتح من جديد
* * *
لففت نفسي في اللحاف أكثر وكأنه سيخفي عن قلبي وجع روحي وعن روحي أوجاع أحشائي ,
تمسكت بطرفه بقوة ولازالت كلماته عند اللقاء ما قبل الأخير بيننا في منزل والدته تحفر مخيلتي وقلبي وهوا يكمل جلده لي بكلماته مغادرا
" لا أحد يحزن على الماضي فلا شيء فيه يستحق العودة "
لتزداد عبراتي فوق هذه الوسادة كلما استرجعت تلك الكلمات من سرق مني تلك السعادة من ؟!
والدي أم قدره أم قدري هل هي رحمتي بأبي أم بعائلتي ؟ من هوا القاضي ومن الجلاد ومن المحكوم عليه فكيف أكون جلاداً حُكم عليه بالجلد ! كيف أكون مجرما ارتكبوا في حقه أبشع الجرائم
ليت الغفران صفة ليست لله وحده خص بها نفسه وأكرم من تمتع بها فقط , ليتها كانت فرضاً على البشر لكان نواس أول من تمسك بها ولو كرهت نفسه ولكنت وجدت عنده العذر لأني أعرفه جيداً حينما يتعلق الأمر بكلمة '' الله فرض هذا '' من سيرجع لي ما سرقته الحياة مني !!
حضنت الوسادة بقوة أكتم فيها دموعي وعبراتي حتى نمت على وجع أحشائي المعتاد
*
*
تساندت بمرفقي على السرير لأعدل من جلستي بمساعدة الممرضة المرافقة لي طوال الوقت ثم تنهدت بألم وقلت " هل عاد نواس "
ليجيب الجالس بالمقربة مني يقلب الجريدة الصباحية " لا .. اتصل بي وقال لن يأتي هذا الأسبوع لقد غادر بالأمس فقط يا أمي آن لك أن تشتاقي إليه "
ابتسمت بحب وقلت " ومتى تتوقف الأم عن الاشتياق "
ثم تابعت " ها .. ما الأخبار لديك فأنت تقرأ بانسجام منذ وقت "
رمى بالجريدة على الطاولة وقال بضجر " هل تصدقي إن قلت لك لم أقرأ منها شيئا "
ضحكت بتعب وقلت " ماذا كنت تفعل إذا , هل تشاهد صور النساء ؟؟ أين أنتي يا فرح لتريه "
تأفف وهز رأسه يمينا ويسارا وقالً" كادت تحرقني البارحة بنيران غضبها ما ذنبي أنا فيما يحدث بين شقيقتها ونواس , حتى متى سنبقى نناقش تلك القضية "
تنهدت بحزن وقلت " لو أعلم لما قرر هذا القرار المجنون أقسم وهو ابني أنه يتنفسها في الهواء الذي يدخل رئتيه رغم جرحه الغائر منها , لكن أن يتزوج بأخرى هذا ما لم أجد له تفسيراً طوال ليلة البارحة ولم أنم بسببه "
قال بغضب " جنون ليس إلا فما من شيء يجبره على الزواج "
اكتفيت بالتنهد بحزن أرثي حال ابني المكسور وحال ابنة شقيقتي المتوفاة , أين كان المال عن نواس منذ عامان لما لم يتساقط عليه كأوراق الشجر إلا بعد تلك الصفعة العنيفة التي تلقاها يوم اكتشف أن خطيبته وحبيبته خبر خطبتها من غيره يملأ الصحف والمجلات وبدون علمه لما كانت وسن ضحية لتهور والدها ولما كان نواس ثمنا لتضحيتها
أخرجني من شرودي الحزين صوت ابني وهو يقول " على ابنك أن يقتنع برأيي , أنا من سيتكفل بعائلتهم وحاجياتها , لقد أصبحت زوج ابنتهم وهوا ابن
خالة وسن ليس إلا فأنا الأولى بهم منه "
قلت ببرود وأنا أعدل وشاح كتفاي " لا تدخل في مشاكل مع شقيقك تعلم رأيه جيدا في الأمر ويوم تصير فرح في منزلك تكفل بها وحدها "
لوح بيده بضيق " ولما أنا كالطفل أمامه وأمامهم ولا نفع مني سوى في إيصالهما للجامعة , حتى حاجاتهم اليومية كلف بها من يوصلها إليهم وفي النهاية سيتزوج بغيرها ... يد ترحم ويد تصفع في ذات الجسد "
قاطعته بضيق " جواد تعلم كما أعلم جيدا قوانين البلاد وأن نواس ولي وسن بحكم القانون وبحكم أنها بلا زوج ولا والد ولا شقيق ولا عم ولا خال ولا رجل تربطها به القرابة غيركما وهوا الأكبر فسيبقى وليها وكفيلها حتى تتزوج وبموافقته طبعا "
تأفف وعقب " هذه فهمناها .. فرح ووالدتها ما علاقته بهم "
تمتمت بضيق " ما هذا اليوم الجالب للتعب فوق تعبي ومنذ الصباح "
قال بضيق وحنق " أمي على هذه المهزلة أن تتوقف فلا أريد أن يصل الأمر بي وبه للخصومة "
وضعت يدي على رأسي وقلت بضيق " سوزي ناوليني حبوب الضغط "
*
*
اقتربت من غرفة شقيقتي أمسك هاتفي في يدي بعدما جهزته على رقم جواد لأتصل به لنجدتنا سريعاً لا أريد أن أكون من ينقل لها كهذا الخبر ولكن هذا
أرحم عندها من أن تسمعه من غيرنا فيكفينا شماتة في حالنا
فتحت الباب ببطء وابتسمت للجالسة على سريرها تحاول لملمة شعرها الحالك السواد وجمعه بمشبك الشعر وقلت بهدوء " صباح الخير "
أجابتني بابتسامة حب " صباح النور ما كل هذا النشاط في يوم الإجازة "
اقتربت وجلست بجوارها أتأمل ملامحها الجميلة التي تنهار ليلا لتعود وتبتسم لنا في الصباح , قوية رغم حزنها كما عرفتها دائماً
ابتسمت وأنا أتأمل الابتسامة اليتيمة الشاردة للبعيد ثم لوحت بيدها أمام وجهها وقالت " وسن أين رحلتي بابتسامتك "
ابتسمت بحزن وشرود وقالت " هي من رحلت بي وليس أنا "
ثم نظرت لوجهي بتفحص واستفسار " لديك كلام في جعبتك أليس كذلك ؟! "
ابتسمت بألم وقلت " ليته كان كلاماً "
نظرت لي بحيرة فتابعت بحزن " وسن إن كان لدي غرض عندك ومننت به عليك وقلت أنك لا تستحقينه واسترجعته منك ما سيكون رد فعلك "
قالت بابتسامة صغيرة " أقول بكل بساطة خذيه يمكنني العيش من دونه "
ابتسمت وقلت " وحب نواس كذلك أعطاه لك يوماً ومن ثم استرجعه وفي نظره أنك لا تستحقينه فقولي بكل بساطة ليأخذه يمكنني العيش بدونه "
قالت بابتسامة متألمة والدموع تترقرق في سواد عينيها الواسعة " لم تخبريني أن ذاك الغرض يخرج مع الروح "
تنهدت بحزن وصمت لتتابع " لا عليك يا فرح لكل محنة فترة ولكل علاج مضاعفات "
عقبت عليها بحسرة " عامان يا وسن ولا شفاء ولا انتهاء لتلك المحنة لما لا تكوني مثله "
نظرت لي بتوجس وقالت " ما لديك يا فرح ... ماذا حدث ؟! "
تنهدت باستسلام فهي تقرأ بسهولة كل موضوع يخصه في عينا كل من يريد التحدث عنه ثم قلت هاربة من مواجهة عينيها " سيتزوج يا وسن قرر قتلك بأخرى فلا تفرحيه فيك "
ساد صمتٌ مخيف فرفعت عيناي أبحث في الأرض عن جسد شقيقتي المغمى عليها من وقع الخبر فلم أجدها هناك رفعت نظري لها فكانت جامدة كالتمثال , هل هي الصدمة هل هي ألامبالاة بالتأكيد ليست الثانية , وسن حبيبتي تحدثي اصرخي باكية انهاري افعلي أي شيء
مددت يدي لها ببطء وهزت كتفها وقلت بتوجس " وسن هل أنتي بخير "
لا رد ولا شيء ولا همهمات أو آنين ولا حتى دمعة متدحرجة
أمسكت ذراعاها وبدأت بهزها بقوة " وسن ما بك وسن "
أجابت بجمود " كنت أعلم ذلك "
أبعدت يداي عنها وقلت بصدمةر" تعلمين كيف وهوا لم يتحدث معك !! هل أخبرك ؟! "
أجابت بذات الجمود وعيناها في الفراغ " نعم أخبرني ولكن ليس بلسانه "
لتتابع وقد سقطت الدمعة الأولى من عينيها
" لم يسألني حتى عن دراستي ككل مرة , لم يسألني عنك ووالدتك وإن كان ينقصنا شيء , لم يرفع نظره عن التحف الموجودة على الطاولة أمامه أبداً , قالها يا فرح نعم قرأتها في ملامحه ... أصبحت لأخرى "
لينهار حينها الجسد الثابت معانقاً الأرض ولأصرخ مستنجدة بوالدتي وسط تخبط أصابعي لأمسك هاتفي بتوتر وخوف وأتصل بالرقم الثاني في قائمة الأسماء بدل الأول
*
*
يقف عند نافذة غرفة مكتبه الواسعة وتراقب عيناه العسليتان كل حركة تصدر في الخارج ولا يغيب عن ناظره مما يفعلون شيئا فماضيه علمه أن لا يثق في العمال , صفقة الخيل السابقة كانت مربحة لقد خدمه ذاك الرجل خدمة العمر رغم تأخرها ليقلب له حاله منذ عامان وكأنه خرج له من عمق انهياره تلك اللحظة , كان كقبس من نور أضاء وسط ظلام ليلته تلك
الليلة التي سرقت منه حبيبته الليلة التي نظر فيها لنفسه للمرة الأولى نظرة ازدراء وأنه أقل من غيره ورأى فيها نفسه لأول مرة منذ عودته من تلك البلاد أنه يرتدي ملابس العمال
لأول مرة يشعر أنه في نظر الجميع لا يستحق تلك الحبيبة ... الحبيبة التي يوم أنجبتها والدتها عتبت قدماه أول يوم له في الثانوية العامة , الحبيبة التي حين سافر كانت طفلة في الرابعة ليرجع ويجدها تحولت لصبية بل شابة سبقت جيلها وعمرها ومن هم في سنها ليجد غزالا بشعر أسود يراه بالمصادفة عند والدته
هي كانت أول ما رأته عيناه يوم عودته دون علم الجميع , الابن الغائب المنتظر الذي لا تصلهم منه سوى الرسائل والنقود التي يجنيها من عمله هناك , يوم ضحى بكل شيء وحتى دراسته كي لا تحتاج والدته وتمد يدها للناس بعد وفاة زوجها ولكي يدرس شقيقه ويتعلم وينال شهادته التي حلم بها ولا يئول لما آل هوا إليه
يدخل بهدوء ليفاجِئ والدته بقدومه فتسقط عيناه على الريم الشاردة هناك على عينان لا ينافسها فيهم إلا الغزلان
فيقف متسمرا مخاطبا نفسه بذهول ( من هذه الضيفة التي تأخذ من الحرية هنا أن تدخل غرف النوم وبدون حجاب , لمن هذه الابتسامة الرقيقة والوجه الدائري لمن أنتي وأقسم أن تكوني لي ) غرق ذاك اليوم في حب من لم يعلم أنها الطفلة التي سماها هو بنفسه واختار اسمها مشتقا من حروف اسمه وكأنها قطعة منه وستؤول إليه
من ركض بساقيه لمحل والدها ليخبره أن خالته ستلد وعليه أخذها للمستشفى , من لعبت أصابعه بأناملها الصغيرة وهي جالسة على فخذه ابنة العامان , كيف كبرت هكذا وتحولت لفتاة بل لأنثى تموت النساء عند أعتاب عينيها
ليعيش منذ ذاك اليوم يهيم بها ويزورهم لحاجة ولدونها ليراها ولو عند الباب وليقرأ في عينيها وابتسامتها استجابتها لمشاعره المتدفقة دون رادع , يراها الأعمى قبل البصير تتدفق في عينيه وكلماته
كل ذلك قبل أن تسلب تلك الليلة السوداء أحلامه وتسرق غزالته منه ليس لأنه لا يستحقها ولكن لأنه ليس كما هوا اليوم , بل لأنه فقط لا يملك سوى حبه لها , شيء بالنسبة له لا يقدر بالمال وبالنسبة لهم لا يأتي بالمال الذي ستجلبه هي كسلعة تباع في السوق
ابتسم بسخرية وغادر بنظره للسماء كعادته حين يحاول الهرب من أفكاره فهوا عكس البشر في كل شيء حتى في سفرهم بأعينهم للسماء حين تستهويهم الأفكار ويريدون السفر إليها وليس الهرب منها
أخرجني من شرودي ذاك الصوت الهادئ العميق " سينهي اليوم عمال البناء من الإسطبلات الجديدة وستكون جاهزة بعد الغد لكننا سنواجه مشكلة "
قلت ببحة لا أعلم من أين دخلت على صوتي اليوم ونظري لازال عند تلك الغيمة السوداء " أي مشكلة ؟! "
سكت لفترة قصيرة ثم قال " إحدى الخيول الجديدة جامحة وغير مروضة لا يمكننا ضمها مع غيرها في الإسطبل حتى ننهي الإسطبلات الجديدة ولا حل سوى عزلها لوحدها ومع هذا الجو الغائم لن نتمكن من وضعها في ساحة التدريب ولا مكان شاغر سوى ..... "
قاطعته بصرامة " إسطبل الوسن لن توضع فيه أي واحدة أخرى "
عقب برجاء " سوف تسبب لنا مشكلة وذاك الإسطبل شاغر حتى تعود الفرس إليه فلما ... "
صرخت بغضب وأنا الذي لا أغضب إلا نادرا " إن دخلت ذاك الإسطبل سجنتك معها فيه تفهم "
قال بهدوء " نواس هي فرس ليست إلا "
قلت بأسى وقد عدت لهدوئي " اتركوه لي ولو الفرس لا يشاركني أحد في شيء يخصها "
تنهد وقال " كما تريد , أعلم أن ليلتنا ستكون سيئة بسبب تلك الفرس , سأقضي الليلة هناك وإن اطر الأمر سنخدرها ولو لساعتين "
فتحت شفتاي لأتحدث فقاطعني صوت رنين هاتفي نظرت للمتصل ففاجئني الاسم الظاهر على الشاشة غريب فرح قد تستخدم حتى رقم الطوارئ عند أشد حالاتها ولن تفكر أن تلجأ للاتصال بي
أجبت فورا بتوجس وصمت لتصرخ تلك ما أن فتحت لها الخط " جواد الحق وسن إلحقنا بسرعة يا جواد لقد قتلها .... شقيقك قتلها "
تحركت دون شعور وأنا أصرخ راكضاً " لا تغب عينك عن العمال هنا يا وليد حتى ارجع "
لحق بي يجاري خطواتي وهوا يقول " أخبرتك أني لا أستطيع ترك الإسطبلات الليلة وقد تتأخر "
ركبت وقلت ضارباً لباب سيارتي " ضع الفرس في الإسطبل الشاغر إذاً "
وغادرت مسرعا وعيناه تتبعاني بذهول واستغراب مؤكد سيستغرب من أن أسمح لفرس أخرى أن تعتب حوافرها إسطبل الوسن وهوا يعلم أنه لن يشغلني عن تلك الفرس إلا سميتها بالتأكيد
*
*
نظر بحب لملامحها المتماسكة رغم تعبها من كثرة حركتها اليوم , والدته التي كسر ظهره قلة حيلته لدفع تكاليف عملية ستسترجع بها ثلثي عافيتها وتسير على قدميها بثبات ومن جديد
مبلغ عجز عن جمع أكثر من ربعه حتى الآن رغم كل هذه السنين , ناصف الرابعة والثلاثين من العمر وأضاع فرصة سفره لإكمال دراسته لأنه وحيد والدته ولأن من اعتمد عليها ذاك الحين لترفعها معه تركته من أجل آخر في أوج احتياجه لها
* * *
قربتْ أناملها من وجهي وقالت بحنان " نزار بني غادر ستتأخر عن حصتك في أول يوم لك "
تنهدت وأمسكت يدها قبلتها وقلت " للجحيم كل الحصص لن أذهب وأنتي لستِ
بخير , كم مرة نبهتك عن مغادرة السرير "
اتكأت على الوسائد خلفها وقالت " أنا بخير لا تقلق علي اذهب هيا لا تضع صديقك في موقف محرج مع عمه الذي وظفك في مدرسته "
وقفت لأني أعلم عنادها إن تعلق الأمر بتركي لشيء من أجل البقاء بجانبها , قبلت رأسها وقلت " اتصلي بي إن تعبتِ أكثر اتفقت و دعاء بأن تتكفل منذ اليوم برعايتك حتى أعود "
قالت بعتب " ولما تفعل ذلك هي ممرضة وتلتزم بعملها كيف ستغادر المستشفى وتأتي "
وقفت عند الباب وقلت " هي من عرضت المساعدة وأصرت أيضا , إن لم يعجبها الوضع ستعتذر وسنتفهمها
اقترح عليا عوني أن تأتي زوجته لك وقت ذهابي ولكنها أم لأبناء سيتعبونك ويتعبونها "
تنهدت وقالت بأسى " سبحان الله كيف يموت الشباب الأصحاء ويطول عمر المعلولين المتْعَبين "
التفتت لها وقلت بضيق " أمي لما تقولين ذلك , من لي ترحلي وتتركيني "
قالت بلامبالاة " في رعاية الله يا نزار أعلم أنك تحبني لأني أمك لكني كرهت كوني عبئاً عليك "
تنهدت وخرجت لأني أعلم أنه لا جدوى من مناقشتي لها في هذا الأمر , ركبت سيارتي وغادرت متجها لعملي الجديد لأوفر قدر أكبر من المال
أعلم أني لا أستطيع تقديم شيء لوالدتي كوني رجل وهي امرأة ولن تساعدها إلا واحدة مثلها ولكن كيف أتزوج وأضيف حملا جديدا سيحتاج للمال أكثر , أبناء وعائلة وزوجة لن تتوقف عن الطلبات , ثم نفسي عافت الارتباط منذ سنين , وإن كنت سأفعلها من أجل والدتي فقط فلن أحلم بإجراء عملية لها ما حييت
وصلت المدرسة مثقل بهمومي وبالي مع والدتي المتعبة اليوم , عبرت الممرات حتى وصلت للفصل المطلوب نظرت للافتة ( أول علمي أ ) رائع نهاية لم أحلم بها مدرس لفتيات الثانوية بشهادة هندسة بامتياز وتوسط من صديق لي عند عمه صاحب المدرسة الخاصة لأدرس فيها مع وضيفة أخرى مضحكة أكثر من كونها مقنعة أو مربحة
تنهدت بهدوء وطرقت الباب طرقتين ودخلت , ألقيت التحية وجلت بنظري بين الطالبات وأنا أدخل لتقع عيناي من فورهما على الفتاة الجالسة بثاني مقعد جهة النوافذ , الطالبة التي صادفتها بالأمس في مكتب المدير
كان الفصل مكون من ثلاث صفوف للمقاعد الفردية وكل صف به ثلاث مقاعد أي تسع طالبات , أفضل ما في المدارس الخاصة أن عدد طلبتها قليل
توجهت من فوري للطاولة المخصصة لي وضعت مذكرة التحضير عليها وسحبت الكرسي وجلست
*
*
كانت الطالبات اليوم في حوار سخيف لم ينتهي أبدا عن كيف سيكون مدرسنا الجديد ... شاب عجوز وسيم بارد عصبي مغازل
ولم يتوقف حديثهم الكريه إلا بطرقتين خفيفتين على الباب ودخوله لأفتح عيناي على اتساعهما من الصدمة , لا يا إلهي ليس ذاك الشاب الذي كان في مكتب المدير وسخر من قدومي لمكتبه وأضحكه مني وشهد على كل ذاك التوبيخ والمسرحية المؤسفة أي انطباع أخذه عني حينها مؤكد طالبة مستهترة وتسرح في الحصص
نظر لنا نظرة شاملة وسط تمتمات زميلاتي المبهورات به بطوله وأكتافه العريض وشعره الأسود الناعم المسرح بإتقان , شارب ولحية خفيفة وعينان رماديتان واسعتان
وقع نظره علي للحظات فسافرت بنظري للأرض ألعن الحظ الذي لم يبتسم لي يوما مؤكد عرفني فالأمر لم يكن إلا بالأمس
أخفضت رأسي أكثر ولم أسمع سوى صرير الكرسي وهو يحركه ليجلس عليه ثم وصلنا صوته العميق الذي غزى سكون الفصل قائلا بجدية " مؤكد تعلمون أني من سيدرسكم مادة الهندسة التحليلية ...
اسمي نزار وسألتزم معكم باقي هذا العام حتى نهايته لذلك سنتفاهم على أمور تكون ركيزة كي لا تعرفوا وجهي الحقيقي لأني سأتعامل معكم بغيره "
كنت أسمع صوته فقط وعيناي على الطاولة تحتي ولم أتجرأ أن أرفعهما , لقد عشت كل حياتي والدي يسجننا في قوقعة يخاف علينا من كل شيء بحكم أننا عشنا في الهند فلم أعرف غير الخدم أراهم من بعيد وأصدقاء والدي الذين لم أتحدث أو أحتك بأحدهم
لأجد نفسي في دوامة هنا وأول رجل أكتشفه في حياتي كان زوج الخالة عفراء الذي أسكنني الرعب من ماذا لا أعلم ولا أفهم سوى تحذيرها لي أنه خطر وعليا أن لا أتركه يقترب مني خصوصا في الليل وهو يهذي ويغني ولا أعلم
لما لم يُعلمني والداي كيف أعيش في عالم الرجال أو من هم وما وضيفتهم في الحياة وأي علاقة يجب أن تربطني بهم عشت كل حياتي وكأني لازلت في رحم والدتي ولم أخرج للحياة بعد
كل ما بت أعلمه أن عليا أن لا أثق بهم وأن أهرب من كل من يريد معرفة سري ويقترب مني أكثر من متر واحد , هذا فقط ما شرحته لي تلك السيدة عفراء التي عشت معها أشهر قليلة قبل أن تطلب مني الهرب من منزلها لأي مكان لا يمد له بصلة وأن لا أعود إليه أبدا
أعادني من شرودي صوته قائلا " لذلك عليكم أن تعلموا جيدا أن أبغض ما لدي الهمس والوشوشة كما حدث عند دخولي , كلام دون إذني لا أريد حتى كلمة عفوا يا أستاذ ستعاقبون عليها , تتركونني حتى أنتهي وألتفت إليكم , والأهم سرحان في الحصة يعني نزار لم تعرفوه بعد "
رفعت نظري له من فوري ووجدته ينظر لي ليؤكد لي أني المعنية بذلك وأني سألقى منه مالا أحب
وقف بعدها وأمسك القلم وتوجه للسبورة قسمها لنصفين بحكم أنها صغيرة تكاد تكون مربعة الشكل ثم كتب معادلة عليها وعاد مكانه وقال " من تبرهن لي هذه بالخطوة "
لم أرفع يدي حسب القوانين الصارمة التي تضعانها المتجبرتان هنا , إما نحن نجيب أو لا أحد ... رفعت إحداهما يدها فأشار لها بالقلم فوقفت وأخذته منه وبدأت بحل المعادلة حتى ملئت نصف السبورة ثم وقفت عند نقطة ولم تتقدم بقيَتْ تنظر لها بحيرة وتعود وتراجع خطواتها حتى قال " أجلسي "
جلست في مقعدها فنظر باتجاهنا وقال " ما رأيكم في هذا هل توجد خطوة خاطئة أوقفت الاستنتاج "
بقينا جميعنا نحدق فيه بصمت لأنه إن قالت إحدانا أنها أخطأت تعلم ما مصيرها وستكون تهمة بالطبع تُطرد فيها من المدرسة ,
نظرت تلك البغيضة لي مباشرة وكأنها تحذرني أنا تحديداً , جال بنظره بيننا وثبت نظره عليها وهي تنظر لي ثم نظر للطاولة أمامه وطرق عليها بالقلم عدة طرقات ثم قال دون أن يرفع نظره " سما "
ارتجف كل جسدي من وقع اسمي على أذناي خارجا من شفتيه , لم أتصور أن يكون حفظه من الأمس ولما أنا تحديدا من اختارها هل فهم ما عنته نظرات وجدان لي أم ماذا !!
نظر بوجهه جهة السبورة ودون أن ينظر لي وتابع " هل هناك خطأ في هذه الخطوات "
تنفست بقوة ثم قلت بصوت منخفض " نعم "
نظر لي ليزيد ارتجافي وخوفي وقال " أين "
قلت بارتباك " فـ في المعادلة التكاملية الثالثة "
أشار لي بالقلم أن آخذه منه ونظره على السبورة
فوقفت ببطء وتوجهت نحوه أمسكت منه القلم فنظر لي فارتجفت يدي ووقع مني على الأرض فالتقطته منها بسرعة وتوجهت ناحيتها وقلت ووجهي ملتصق بها " هل أمسح وأعيد أم أوضح الخطأ أولا "
وصلني صوته قائلا " حددي الخطأ بدائرة حوله لتعرفه زميلاتك وأعيدي استنتاجها في النصف الآخر من اللوحة "
وضعت علامة دائرية على الخطأ في المعادلة دون تعليق منه , لما يبدوا واثقا أني لن أخطئ أيضا ! كل ما أخشاه أن يسخر مني نهاية الأمر لأن استنتاجي سيكون خاطئ مثلها ومنذ البداية , تقدمت بخطوتين نحو الجزء الآخر من اللوح وبدأت بفك رموز المبرهنة حتى أنهيتها دون توقف أو التفاتة ناحيته أو تعليق منه
تنفست بعدها براحة حتى كدت احتضن السبورة حين وصلت في النهاية للاستنتاج النهائي وهي معادلة مطابقة للمعادلة الأصلية التي كتبها
ابتعدت حينها عن اللوح ونظري لازال أرضا فوقف واقترب مني فابتعدت خطوتين وأنا أرى خطواته تقترب وبقيت أتراجع حتى وصلت نهاية لوح السبورة ثم وقف رفعت نظري إليه فوجدت يده ممدودة لي فنظرت لها باستغراب ثم لعينيه فأشار بإصبع يده للقلم في يدي آه يالي من حمقاء من ارتباكي نسيت أنه يريد القلم مني ونسيت أنه في يدي , مددته له وما أن مد يده وأمسكه حتى هربت بيدي تاركه إياه فنظر ليدي باستغراب ثم لعيناي فسافرت بنظري للأرض وتراجعت خطوة أخرى لا إراديا , التفت حينها للسبورة وقال " ممتاز ... أجلسي "
توجهت لمقعدي بخطوات شبه راكضة من سرعتي لأصل إليه وشرح هوا لنا المبرهنة وسط صمت الجميع
وهوا يحدد بالقلم على استنتاجي ويقول بين كل حين والآخر ( كما كتبت زميلتكم هنا ) وبعد أن انتهى منها عاد لكرسيه وقال ونظره على الأوراق أمامه " لتقف واحدة من الصف الأمامي وتمسح اللوح "
كن الجالسات في الأمام طبعا ثلاثي الشر وجدان وشريكتها ومعاونتهم وهن طبعا يترفعن عن مسح اللوح والمهمة مكلفة وحدي بها من وجدان فهي تبغضني ولا تريد من يتفوق عليها رغم أن نصف من الفصل مستواهم أفضل منها بكثير
بقوا جالسات مكانهم ينظرن لبعض باستغراب فوقفت من فوري بنظرة من إحداهن لأني لا أريد خسارة دراستي يكفيني ما خسرت
اقتربت من اللوح فرفع رأسه ونظر جهتي وقال " قلت من الأمام ما أخرجك أنتي "
نظرت له بصمت فقال بحدة " لما غادرتِ مقعدك "
قالت بصوت مخنوق " لأن ... لأنـيـ ... "
قال بضيق " لأنك ماذا تكلمي "
نظرت للأرض وقلت " لأني أنا من تمسح اللوح "
قلتها وليحدث ما يحدث وجدان أرحم لي منه ومن حدته
نظر لي مطولا باستغراب وصمت ثم قال " عودي لمقعدك "
عدت من فوري لمقعدي وسمعت صوته يقول " أنتي امسحي اللوح "
التفتت للخلف فكانت وجدان واقفة ومن صدمتي كدت ابتسم أو أضحك عليها كما تفعل بي , مؤكد لم يفعل ذلك قصدا ولا يعلم ما تفعله لكنه انتقم لي منها ولو
لمرة وبالخطأ , مرت باقي الحصة شرح لنا فيها بعض المفاهيم الهندسية بإيجاز وتبسيط وطلب منا نقلها معه وفي كل مرة كانت وجدان طبعا من تمسح اللوح
لا أحب الأساتذة الذين يكلفون الطلبة بمسح اللوح وفتح الباب لأنها أعمالهم ويترفعون عن القيام بها لكني اليوم لم أشعر إلا ببهجة الانتصار
ضرب جرس نهاية الحصة فتوجه للطاولة يجمع أوراقه في مذكرته وهو يقول " في كل حصة سيكون هناك سؤال في بدايتها كاليوم فلا أريد استهتار , الواجب عليا الشرح وعليكم الفهم والإجابة "
ثم نظر لنا وقال " هذا وقت الفسحة أليس كذلك "
أجابت سلمى " نعم "
وضع مذكرته على الطاولة من جديد وقال " يمكنكم المغادرة باستثناء .... سما "
تيبست حينها في مكاني وأنا أهم بالوقوف لأغادر مع البقية , ما يريد مني بعد ؟! وكيف أكون أنا وهو وحدنا في الفصل ! وزاد الأمر سوءً جملته التي قالها لآخر طالبة تخرج " أغلقي الباب خلفك "
*
*
" بيسان هيا لا تتعبيني معك ستأتي الحافلة قريبا "
قالت وهي تلف خصلات من أحدى جديلتيها بأناملها الصغيرة في محاولة للفها " ماما لما لا تصبح ملفوفة مثل الكونتيسات لقد تعبت يداي "
اقتربت منها أبعدت يديها من جديلتها وقبلت خدها وقلت ونظري على عينيها في المرآة " لأن شعرك حريري وذاك الزمان كانوا يضعون شعرا اصطناعيا فيستحيل للشعر الطبيعي أن يكون بتلك اللفافات المتناسقة
التفتت ونظرت لي وقالت بعبوس " أريد واحدة مثلهم إذا "
ابتسمت وقلت وأنا أرفعها من الكرسي وأوقفها " طلبك لا وجود له في الأسواق هيا بسرعة انزلي لتتناولي فطورك "
خرجت من الغرفة متضايقة تنفض فستانها الطويل كم تتعبني هذه الصغيرة بحالميتها حتى أنها سببت لي مشكلة كبيرة مع مديرة مدرستها ليسمحوا لها بارتداء فساتينها هذه في المدرسة تحت الزي المدرسي ولم أقنعهم إلا بصعوبة
نزلت للأسفل بعدما مشطت لأمجد شعره ككل يوم وجهزت ترف لأخذها في طريقي لروضة الأطفال لأن حافلتهم تأتي متأخرة بعد ذهابي
وصلت طاولة الطعام ورفعت ترف لأجلسها على الكرسي رغم أنها في الخامسة طولها لا يزداد أبدا
جلست على صوت أمجد وهوا يقول " ماما انظري كيف تأكل المربى "
نظرت لها وقلت بضيق " ترف كم مرة سنشرح أنها مربى للأكل وليست ملمع شفاه "
قالت وهي تدير إصبعها الصغير المليء بالمربى على شفتيها الممدودة " سآكله ماما ألحسه من شفتاي "
وقفت وتوجهت نحوها أبعدت يدها ومسحت شفاهها بالمنديل وقلت بحدة " ترف لا تطريني لضربك على يدك هذه المرة , اليوم لن تأخذي حصتك من الحلوى عقاب لك "
رفعت نظرها لي وقالت بعبوس " لا الحلوى لا "
قلت وأنا أعود مكاني " انتهى الموضوع وأعيديها مرة أخرى وسأضربك "
نظرت للجالسة بصمت تقطع حتى الخبز بالشوكة والسكين ثم قلت بابتسامة " تعلمي من الكونتيسة بيسان كيف تأكل بلباقة "
نظرت لي بابتسامة واسعة وقالت " نعم لا ألمس الطعام بيدي وأمسح فمي بالمنديل بعد الانتهاء مثلهم تماما "
ابتسمت وقلت " جيد ولكن الخبز لا بأس تمسكيه بيدك لقد عذبته "
هزت رأسها بالرفض دون كلام على صوت منبه حافلة مدرستهم فوقفت قائلة " هيا بسرعة لتخرجوا للحافلة لقد وضعت لكم الطعام في حقائبكم في حال لم تعجبكم وجبة المدرسة "
ثم قلت وأنا أعدل لهما ملابسهما " أمجد اهتم بشقيقتك ولا تغب عن ناظريك في الفسحة حسننا "
حضنني وقبل خدي وقال " أجل ماما حفظتها "
ابتسمت له على شعوري بشفاه بيسان وهي تقبلني برفق وتقول " وداعا إمبراطورة "
ابتسمت وعدلت لها جدائلها الذهبية وأنا أقول " وداعا يا ملكة الإمبراطورية اعتني بنفسك حبيبتي "
خرجا من المنزل وقد أوصلتهما حتى صعدا الحافلة ثم عدت للداخل ورفعت الصغيرة المشاغبة من الكرسي لأنها لن تغادر الطاولة قبل أن تعبث بكل الأطباق أخذتها معي للأعلى لأغير لها ثيابها من جديد
خرجت أنا وهي من المنزل على صوتها الطفولي وهي تتحدث عن كل ما نمر به في الطريق ونراه حتى أوصلتها لداخل الروضة وغادرت لعملي
*
*
" نعم سيدي كل شيء جاهز "
نظرت للمكان نظرة تفحصيه ثم قلت " لا تسمحوا لأحد بالاقتراب وخذوا صور للموقع من جميع جهاته , على هذه المهزلة أن تنتهي ونجد المسئول عن كل هذا "
" سيد جابر مكالمة من مدير قسم الشرطة " أخذت منه الهاتف دون أن أنظر اتجاهه وأجبت من فوري " نعم يا أسعد "
قال بهدوء " هل وصل الفريق للموقع "
قلت بجدية " منذ نصف ساعة ولحقت بهم والان أنا معهم هناك هل من جديد لديك "
قال من فوره " الشرطيان اللذان كانا يراقبان المكان حددوا خمس أشخاص دخلوا هناك ونحن في طريقنا للقبض عليهم وسنحيلهم لك للتحقيق "
قلت بضيق " شريكهم السابق لم ينطق حتى الآن وهؤلاء فلن يكونوا أيسر منه , سأعرف بطريقتي من سيكون منهم ولن يرحمه مني هذه المرة إلا الموت .... وداعا "
أعطيت جهاز ألا سلكي للواقف بجواري وأخرجت هاتفي واتصلت من فوري بنزار , هذه المرة سيحدد لي من منهم وسأنهي هذه المسرحية الدموية , اتصلت به مرارا ولكنه لم يجيب , آه كيف نسيت اليوم بدأ دوامه في المدرسة
أرسلت له رسالة لنتقابل وغادرت المكان قائلا " لا تغادروا المبنى حتى أعود إن وجدتم شيئا اتصلوا بي "
خرجت من هناك متوجها للمصنع الذي تعمل به تلك الفتاة عليا أن انهي هذا الأمر سريعا وأريح دماغي من إصرار والدتي , أتمنى أن لا تنفخ لي تلك الفتاة رأسي بنحيبها وبكائها وتطرني لاستخدام أسلوب لن يعجبني ولن يعجبها
وصلت المبنى ودخلت بخطوات ثابتة وتوجهت من فوري لمكتب مديرهم الذي استقبلني بترحاب عكس الأمس وهمس لي مجددا " سيدي إن كان للفتاة سوابق أو جرائم أخبرني لأصرفها من العمل "
ضربت بيدي على الطاولة وقلت بحزم " أخبرتك بالأمس أن ملفها نظيف فلا تقطع رزقها لأقطع لسانك "
ارتبك بشدة ثم قال " آسف ويمكنك مقابلتها هي تعمل في قسم التطريز , القسم الذي زرته بالأمس "
وضعت ساق على الأخرى وقلت " أطلبها للمكتب هنا واتركنا وحدنا "
بلع ريقه ثم وقف وخرج دون تعليق
*
*
كنت منشغلة بما في يدي حين همست لي سوسن قائلة " مدير المصنع متجه نحونا كالصاروخ لا يبدوا الأمر مبشرا بالخير "
قلت بلامبالاة ونظري على القطعة في يدي " هل فعلتي شيئا تخافين منه "
قالت من فورها " لا ولكنه لا يزور إلا ليبشر بالشر "
دخل ويداه وسط جسده وقال بنبرته المتعجرفة " آنسة أرجوان هلا لحقتِ بي لمكتبي "
نظرت له باستغراب بل باستنكار فقال بغرور " لا يشطح بك خيالك بعيدا لا حاجة لي للانفراد بك , أحدهم يريد مقابلتك "
نظرت لسوسن ثم له بصدمة وقلت " مقابلتي أنا وفي مكتبك !! "
قال مغادرا " نعم رئيس الشرطة الجنائية فانظري لنفسك ما فعلته ليأتيك هنا وبنفسه "
وقعت قطعة القماش من يدي وأنا أنظر لمكان مغادرته بصدمة ثم نظرت جهة سوسن التي قالت بحيرة " لابد وأنه الذي زارني بالأمس يسأل عنك هنا علمت أنه لن يكون شخصاً عادياً ولم أتخيل حياتي أن أتحدث معه وجها لوجه , ما الجريمة التي ارتكبتها "
قلت بضيق " آه بربك سوسن هل تعرفينني مجرمة قبلا "
ثم تابعت بخوف " ولكن ما الذي يريده مني أنا وبالتحديد ومن أين يعرفني "
ضحكت وقالت " يبدوا أنك شهدتِ على جريمة ما وسيحقق معك "
وقفت وقلت ببرود " لكان استدعاني لمكتبه لما يتنازل ويأتيني بنفسه "
ضحكت وقالت " سلمي لي عليه وأخبريه أن لي زوجا شرطيا متواضعا لعله يرقيه "
هززت رأسي بيأس وغادرت متجهة للمكان الأبعد عنا وهوا مكتب مدير المصنع وكل الظنون والهواجس زارتني حينها ولعبت بي
طرقت الباب طرقات خفيفة ودخلت لأجد رجل بل شيء مخيف يجلس مستندا بمرفقيه على ركبتيه ورأسه للأسفل , يرتدي بنطالا وقميص وربطة عنق دون سترة وأكمامه مثنية حتى ما يقارب مرفقيه و عضلات جسده تكاد تمزق القميص من عليه وحتى أصابع يديه مشدودة بقوة كأنه ملاكم وليس ضابط تحقيقات
بلعت ريقي واقتربت منه وهو على حاله لم يرفع رأسه ولم أرى وجهه حتى قلت بارتباك " سيـ سيدي هل .... "
رفع رأسه ونظر لي بعينان سوداء ثاقبة حتى كدت أهرب من الجدار , كانت له ملامح وسيمة لكنها حادة بشكل مخيف غلب على وسامتها , بلعت ريقي للمرة ما يقارب العاشرة فعدل جلسته وقال " أغلقي الباب واجلسي "
بقيت أنظر له بتوجم فقال بحدة " هل سأكرر كلامي مرتين "
ثبت نفسي قدر الإمكان وقلت بجدية " لا يا حضرة الضابط هذه ليست مهزلة , ما تعني بأغلقي الباب واجلسي هل نحن في فيلم بوليسي "
قبض على يده بقوة لتبرز عروقها أكثر وقال بابتسامة غيض " لا رومانسي أفضل "
نظرت له بعينان تكادان تخرجان من الصدمة فقال ببرود " لا تطريني للقسوة معك سأعاملك بلين كامرأة ولأول مرة في حياتي فتعاملي معي باحترام وافعلي ما قلت "
هززت رأسي وقلت " لا يا سيد من الاحترام أن لا ينغلق باب عليا أنا ورجل لا أعرفه , هلا أريتني ورقة الأمر بالقبض علي أو إحالتي للتحقيق "
ضحك ضحكة ساخرة وقال " هل تريدي أن أكتب ورقة للقبض عليك وأحيلك للتحقيق "
قلت بخوف داخلي وجمود ظاهري لا أعلم إن كان يراه ام يرى خوفي " أخبرني ما تريد والباب مفتوح وأنا واقفة هنا مكاني "
ضرب بيديه على ركبتيه ووقف ليظهر طوله المخيف وتوجه للباب مارا بجواري وأغلقه بقوة ثم سحبني من معصم يدي ورغم مقاومتي الشديدة له لم أربك ولا حتى أبسط حركاته
كان يمسك معصمي بقوة حتى أجلسني على الكرسي وترك يدي وجلس مكانه مقابلا لي فقلت وأنا أفرك معصمي مكان قبضته " لم أعرف أن رجال القانون لا يحترمون الـ..... "
صرخ في وجهي مسكتا لي " لا تفقديني أعصابي يا آنسة فلست بمزاج لك تفهمي "
يبست مكاني أرمش ونظري على عينيه فتأفف وأخذ أوراقا من أمامه ورماها أمامي وقال بضيق " ألقي نظرة على هذه واقرئي الأسماء فيها بصوت مرتفع لنرى وبدون كثرة كلام ودموع وحركات أفلام النساء "
بقيت أنظر له بتوجم فلم أستوعب أو أفهم مما قال شيئا فقال بحدة " ارفعيها "
نظرت للأوراق أمامي ثم رفعتها وكانت مجموعة أوراق نظرت للأولى ثم نظرت له بصدمة فقال " عقد زواج وموثق أليس كذلك "
هززت رأسي بنعم دون كلام فقال " اقرئي الأسماء "
بلعت ريقي وقرأت " جابر سيد حلمي و حسناء خليل أحمد "
مد لي ببطاقة أخرجها من جيبه فأخذتها منه فكان فيها صورته والاسم تحتها ذات الاسم في العقد فقال بجدية " انظري للأخرى "
قلبت الورقة تحت الأخريات ووقفت مفجوعه ما أن قرأت الاسم فيها ثم نظرت له بصدمة فقال
" أضنك قرئتِ جيدا الاسم ( أمجد جابر سيد حلمي ) والتي تحتها ستكون ( بيسان جابر سيد حلمي ) والتالية ( ترف جابر سيد حلمي ) "
من صدمتي وقعت جالسة على الكرسي دون حراك

نهاية الفصل الثاني

ياريت الكل يسيب رأيه ف الفصل واللي عنده انتقادات ياريت يقول

*❀يتـــ⇓⇓⇓ــبــــــ؏❀*
➖➖➖➖➖➖➖➖➖*
☆☆☆☆☆☆

أوجاع ما بعد العاصفةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن