*|🔢|:☟البــ(السادس)ـــارات☟*

142 8 3
                                    



أمسكت ذراعها وسحبتها لغرفتي وأغلقت الباب على نظراتها المصدومة , وضعتْ يدها على المقبض لتفتحه فوضعت يدي على الباب وقلت بحدة " هل من تفسير لتركك الجامعة وكل تلك الحركات الصبيانية "
بقت تنظر لي بثبات وصمت فقلت بغضب " وسن لا تستفزيني بصمتك وأجيبي "
قالت بجمود " دَين ... عليا الإيفاء به لك وعزة نفس لم تعد ترضى أن تأخذ مليما منك فهل أنا مخطئة في هذا "
ضربت بيدي على الباب وقلت " بل كل الخطأ , إلا دراستك يا وسن إلا هي وأنا وليك والمسئول عنك وعن كل ما تحتاجينه وديون والدك ليست في حساباتي ولا أفكر فيها "
ابتسمت بسخرية وقالت " بلى في حساباتك كلها ودفّعتني ثمن ديونك منه ولم يتبقى سوى النقود فعليك أخذها أيضا لنتصافى نهائيا "
تنفست بقوة ثم قلت بضيق " وهل بضنك ستسددين تلك المبالغ الضخمة , قلت أني لا أعدّها نقود ضاعت فأنا نسيت أمرها تماما "
نظرت للجانب الآخر وقالت " أنا لم أنسى ويحق لي كما يحق لك إيفاء الديون "
ثم نظرت لعيناي بعيناها السوداء الواسعة وقالت " ولا تحاول معي فأنت تعرفني حين أضع أمرا في رأسي "
قلت بسخرية " نعم أعرفك جيدا وجربت ذلك منك أيضا "
وها قد فتحنا ملفات ألمنا باختيارها لأنها ترفض أن تعيش جراحنا تحت الركام كما رفضت أنا يوما أن تشفى , لم أكن أرغب بالحديث في ذاك الأمر أبدا لكنها اختارت هذا
أشاحت بعينيها عني بحركة جفنيها التي لا يتقنها سواها وكأنها تسدل ستائر سوداء على نافذة مظلمة تحرق قلبي قبل النور فيهما ثم ابتسمتْ ابتسامة صغيرة متألمة ليخرج معها صوت أنة لعبرة مكتومة في صدرها ثم قالت بألم " كاذبون أنتم يا معشر الرجال وكم يسهل عليكم تبديل النساء كورق اللعب "
انزلت نظري عنها وابتسمت ابتسامة لا تقل ألما عن ابتسامتها وقلت " لن نفتح الدفاتر يا وسن واتركي ما في القلب في القلب "
رفعت نظرها لي وقالت بحدة " حجج ... كلها حجج لتستبيحوا بها لأنفسكم العبث كما يحلو لكم , ومن سذاجتنا نحن النساء نصدقكم دائما "
رفعت نظري لها وقلت بسخرية " لم أكن أحتاج لحجة لأستبدلك بأخرى وأخبرتك أن تغلقي الدفاتر لأن ما ترميني به ترمي نفسك به قبلي "
قالت بسخرية مماثلة " نعم فأنا تحججت بوالدي لأتركك وأتزوج بذاك التاجر الثري لأنك لا تملك المال وحين مات والدي تركته وركضت خلفك أترجاك أن تصفح عني لأنك أصبحت أكثر ثراءً منه , هذه أنا فهمناها فاشرح لي عنك أنت "
أخفضت رأسي وأغمضت عيناي بقوة وألم , نعم يا نواس لن تحضا بهذه الفرصة بعد اليوم لأن الخيط الأخير بينكما سينقطع الليلة فدع الجنون يمارس ما يريد , رفعت يدي لها وأمسكت ذراعها وسحبتها لحضني بقوة وأطبقت بذراعاى عليها وقلت " تلك أنتي من وجهة نظر نفسك لنفسك "
انطلقت حينها الدموع التي كانت تحجرها في مقلتيها وقالت بحسرة " بل أنت تراني هكذا أنت يا نواس"
شددتها لحظني أكثر أمارس الممنوع عني لأبيحه في لحظة جنون أولى وأخيرة وقلت بهدوء حزين " أنتي قتلتني يا وسن وشر قتلة كانت تلك "
وضعت كفها على صدري ودفعت نفسها لتبتعد عن حضني ،. وقالت ورأسها أرضا " وها أنت سددت لي طعنة أعنف منها وحجتك أني قتلتك , كلانا لا نختلف عن بعضنا يا نواس ، فإن كنت تراني مجرمة فلستَ بأفضل مني 
أعدت كف يدي على الباب و أخفضت رأسي كي لا تعود لي تلك الأفكار المجنونة لاحتضانها مجددا فتشتعل النار فوق اشتعالها في جوفي أو أمارس جنوني الأكبر بأن أفعل ما تمنيته حياتي كلها وانتظرته بالسنين وهو تقبيلها وتقبيل عيناها معذبتاي وسبب عشقي الجنوني وهذياني في يقظتي
هززت رأسي أنثر منه تلك الأفكار وقلت بهدوء " وسن عودي لدراستك "
قالت باختصار " لا "
قلت بحدة وحالي كما هو عليه " بل تعودي لها منذ الغد "
قالت بتحدي " قلت لا يعني لا ولا أحد له سلطة علي وديونك سأرجعها لك تأخذها أو ترميها في البحر تلك مشكلتك "
نظرت لها وقلت بغضب " أنا وليك ولست عاجزا عن تكاليف دراستك ومتطلباتك لتعملي وتتركي الدراسة "
قالت بصراخ غاضب " لست وليي ولا أريد وصايتك ولا نقودك , أنت لا تصلح حتى لتكون رجلا "
لم أشعر بنفسي إلا وصوت الصفعة القوية يثقب أذناي ويدها تحتضن خدها الأبيض تنظر لي بصدمة ورجفة وعينان تمتلئ بالدموع
قبضت يدي ودسستها في جيبي متمنيا أني قطعتها قبل أن تفعل ذلك وأنها أصيبت بالبكم قبل أن تقول لي تلك الكلمة القاتلة وكأننا نتبادل الأوجاع
لم يخرجنا من وحشة مشاعرنا تلك إلا صوت والدتي الضعيف المتعب من خلف الباب وهي تقول " نواس افتح الباب "
فتحته بسرعة ودون شعور فوالدتي لا تستطيع الوقوف طويلا ولا حتى المشي فما الذي جعلها تخرج وتعبث بصحتها , كانت تستند على كتف الممرضة الخاصة بها وتنفسها يخرج قويا تريد التحدث وتعجز عن الكلام بسبب وقوفها المنهك لصحتها
أمسكتها ونظرتُ جهة وسن التي قالت بوجع وعيناها في عيناي " علمت أنك لن تعطيني ذاك الشيء الذي لن أحصل عليه منك كل حياتي بدون مقابل , دائما تسترجع ديونك يا نواس "
خرجت من الغرفة واجتازت والدتي ولم نسمع سوى صوت ضربها لباب المنزل وهي تغلقه خلفها
عدت بوالدتي لغرفتها ووضعتها على السرير وما أن استوت جالسة عليه حتى رمت بيدي عنها فنظرت لها بصدمة فقالت بصوت غاضب ومتعب " تضربها يا نواس !! تضرب النساء يا تربية يداي , ومن ... ابنة خالتك اليتيمة التي ليس لها غيرك , ومَن أسمك مسجل تحت اسمها كَولي لها ووصي عليها , تضربها وأنا حية فبعد موتي ما ستفعل "
قلت بضيق " لم أكن أعي لنفسي , استفزتني وتطاولت علي بلسانها "
قالت بحدة " وإن يكن هل ترى ضربك لها حلا وسيأتي بنتيجة , وافقتك وجلبتها لك هنا لتتفاهم معها ونقنعها بروية لتعود لدراستها لا أن تختلي بها في غرفتك وترفع يدك عليها "
ثم تنفستْ بقوة وتعب وقالت بأسى "خذلتني فيك يا ابن قلبي قبل رحمي "
نظرت لها بصدمة وقلت " لا يا أمي لا تقوليها "
بقيت على صمتها والضيق جليا على ملامحها المتعبة فأمسكت يدها وقبلتها وقبلت رأسها وقلت " آسف يا أمي ولن يتكرر ذلك ما حييت "
قالت بهدوء " ليس مني تعتذر بل من التي ضربت اليوم قلبها قبل وجهها "
أعطيتها ظهري وقلت بأسى " لا تحكمي عليا ظلما فأنتي لا تعلمي من الذي ضرب قلب الآخر "
تم خرجت من عندها وغادرت المنزل برمته بعدما تعقدت الأمور أكثر بدلا من أن تُحل , توجهت للمزرعة من فوري دخلت المنزل وقلت بصوت مرتفع " وليد "
نزل من السلالم وهو يقول " يا ملائكة الرحمة زوريه وخففي ما يعتريه و..... "
ثم ضحك ولم يكمل فابتسمت رغما عني وهززت رأسي وقلت " لا تقلع عن عاداتك أبدا وأقسم أني لست في مزاج لك "
ثم قلت وأنا اصعد السلالم " سأستحم ونغادر لمنزل الشعّاب سنتم الأمر الليلة "
قال وهو يلحقني " لم نعطهم خبرا بزيارتك "
قلت وأنا أدخل جناحي " بل لديهم العلم منذ أسبوع ولكنهم لا يعلمون عن سبب زيارتي , أستحم وأجدك في سيارتك تفهم "
ضحك وقال " ألا تريد أن تجدني جالس فوق السيارة "
قلت وأنا آخذ المنشفة وأدخل الحمام " أخبرتك أني لست بمزاج لك فلا تطرني لضربك "
جاءني صوته من خلف باب الحمام " لن تكون نواس الذي أعرفه إن مددت يدك علي "
فتحت صنبور المياه لتدفق بقوة وقلت بهمس خلف ضجيجها" بل فعلتها بمن هي قطعة من قلبي فلا تستغرب أن أقتلك "
*
*
" جواد أنت تغش اقسم رأيتك "
ضرب وزيري بوزيره وقال " بلى مات وزيرك فاقبلي الهزيمة "
قلبت اللوح وقلت " انتهت اللعبة "
ضحك وقال " غشاشة ومشكلتي أني أحبك "
رميته بوسادة الأريكة وقلت " وهل يحب الغشاشة غير الغشاش "
ضحك وأمسك خدي وقال " متى سننجب لنا غشغوشا صغيرا "
ضحكت كثيرا حتى تعبت ثم قلت " ولما ليس غشغوشة "
ضحك وقال " وغشاغيش كثر أيضا "
انفتح حينها باب الشقة وأغلق بقوة حتى ظننته سيتحطم ثم مرت وسن من أمامنا لغرفتها مباشرة ووجها لا يبشر بخير
نظرنا لبعضنا باستغراب فحرك جواد رأسه بمعنى ما بها فرفعت كتفاي وقلت " ألست تعلم أني معك هنا منذ ساعتين أم الغش أعماك "
مرت والدتي بنا ووقفت وقالت " مابها وسن "
قلت بحيرة " لا أعلم كانت في الخارج وعادت للتو "
تنهدت وقالت " مسكينة هذه الفتاة متى سترحم نفسها وصحتها "
ثم غادرت باتجاه غرفتها قائلة " سأحاول التحدث معها رغم أنه مستحيل "
هززت رأسي وتنهدت وقلت بحزن " لا تفعل هذا إلا إن رأت شقيقك أو سمعت خبر يخصه بالتأكيد "
أخرج هاتفه وهو يقول " أخبرته فجر اليوم أنها تركت الجامعة لابد وأنهما تحدثا معا لا شك في ذلك أبدا "
جرب الاتصال بأحدهم ثم تأفف بضيق ويبدوا أنه لم يجب عليه
ثم أجرى اتصال آخر و قال " مرحبا أمي هل جاء نواس "
سكت لوقت ثم قال " وتقابل ووسن بالتأكيد "
......
" لا لم أره ولكن رأيت ابنة شقيقتك تبدوا الأمور ازدادت تعقيدا
......
" لا بالطبع هل تعرفينها تقول شيئا , ماذا حدث بينهما "
......
تنهد بضيق وقال " جربت الاتصال به ولا يجيب سأسأل عنه في المزرعة لا تقلقي "
أغلق بعدها الخط منها واتصل مجددا ثم قال " مرحبا وليد هل أنت في المزرعة الآن "
......
قال بعدها بابتسامة " طبعا لن تكون غير هناك يا أريكة المنزل "
......
ثم ضحك وقال " أجل أجل هذا ما تفلح فيه المهم نواس هناك أم لا "
......
قال بضيق " عندما يخرج أخبره أن يجيب على اتصالاتي لا أعلم لما يتعب نفسه باقتناء الهواتف "
......
ضحك كثيرا ثم قال " هكذا إذا عينك على هاتفه ذاك .... يالك من جشع "
......
" حسنا وداعا الآن "
قلت من فوري " ماذا حدث "
قال وهو يعيد هاتفه لجيبه " تقابلا في منزلنا وتبدوا مشاجرة كبيرة حدثت وخرج كل واحد منهما غاضبا وهذا المتوقع طبعا "
قال بعدها " ألن تذهبي لتريها "
قلت بحسرة " ولما اتعب نفسي لن تفتح الباب وإن فتحته لن تتحدث "
ثم قلت وأنا أجمع قطع الشطرنج " هل تحدثت معه في موضوع الدراسة "
قال بهدوء " ليس بعد سأتحدث معه قريبا هي فرصة لن تعوض "
قلت بحزن " لا أريد ترك عائلتي خصوصا وسن وهي في هذه الظروف "
أمسك وجهي بيده وقال " وتتركيني أنا يا ظالمة أقسم لن أتحرك شبرا من دونك رضي من رضي وكره من كره "
اقتربت منا والدتي فقلت من فوري " هل تحدثت معها "
هزت رأسها وقالت " كالعادة قالت أنها بخير وتريد البقاء وحدها وطلبت مني أن أجلب لها الحبوب المسكنة "
قلت بدمعة محبوسة " ستموت وترتاح ويرتاح ذاك الجلمود "
وقف جواد وقال " عن إذنكما وأعلماني لو احتجتم أي شيء "
غادر فلحقت به عند الباب قائلة " جواد انتظر "
التفت إلي في صمت فنظرت للأرض وقلت بهدوء " أنا آسفة لا تغضب مني "
لم أشعر سوى بشفتيه قبلت خدي وهمس في أذني قائلا " لست غاضبا حبيبتي لا تقلقي "
ثم غادر وأغلق الباب خلفه
*
*
بعد ساعة كنا خارجان من المزرعة بسيارتينا وغادرنا المنطقة لأخرى تبعد ساعتين عن هناك , وصلنا ونزلت أنا وبقي وليد بعيدا , استقبلني عند الباب الابن الأكبر للعائلة تصافحنا ثم قال " تفضل يا سيد أنورت المدينة "
قلت بابتسامة " أنورت بساكنيها "
دخلت برفقته ليستقبلني شيخ كبير في السن وشابان آخران , وقف بصعوبة فتوجهت نحوه أجلسته وقلت " لا تتعب نفسك يا عم أنا من آتيك عند قدميك "
قال برحابة " ابن أشراف كما سمعت عنك فمرحبا بك عندنا "
صافحني الشابان وقال الأكبر " هذا عمي الأكبر كبيرنا وكلمتنا عندما علم بقدومك اختار أن يكون في استقبالك معنا "
جلسنا وقلت بلطف " أطال الله في عمره وأبقاه فوقكم ورحم والدكم ونعم الرجل كان "
تجلى الحزن على ملامحهم بسبب ما عانته هذه العائلة بعد موته فقلت " من خلف ولدا صالحا ما مات "
نظر كل واحد منهم للأرض بضيق وحسرة فقلت " طبعا تجهلون سبب قدومي لكم اليوم "
قال الأصغر " مؤكد من أجل التجارة , باعك وصيتك كبير في تجارة الخيول لكننا لا نتاجر فيها "
قلت بابتسامة " لم آتي من أجل التجارة بل من أجل النسب الشريف "
نظروا لبعضهم بصدمة واستغراب ثم قال أكبرهم " وفي من !! "
جلت بنظري بينهم ثم قلت " مي وليس لديكم غيرها حسب علمي "
قال بتلعثم " لكن ... لكنك .... قد "
قلت بجدية " لكني أعلم ما حدث وما كان ولا يهمني وقلت أريد نسبكم إلا إن رفضتم ذلك "
قال عمهم من فوره " ناسبنا خيار الناس وأنت فوقهم ولكنك قلت أنك تعلم بما حدث لها وما قيل وما مرغ سمعتنا في التراب "
قلت بهدوء " نعم أعلم "
قال " وهل ستطلقها لتزيد نكبتنا , احمل نفسك يا بني وأخرج من هذه المعمعة كي لا تُغرق نفسك معنا في الشوشرة "
قلت " لن تكون هناك أي شوشرة أنا بعيد عن الموضوع ولن يتحدث أحد عني "
قال الابن الأوسط " عذرا ولكن لما تفعل هذا "
قلت من فوري " دَين لرجل لا تعرفونه "
قال أكبرهم " أعذرنا لن تتصافى في ديونك بباقي سمعتنا "
تنهدت وقلت بجدية " بل لن تكون تصافي ديون , ابنتكم فوق رأسي لن أضيمها ولن تمتد يدي عليها ولن يخرج ما تحدثنا فيه من مجلسنا هذا حتى الموت ومهرها وجهازها كغيرها وأفضل ومؤخر يضمن لكم صدق كلامي وأني لن أطلقها "
قال عمهم " لن تعجز عن دفع مؤخرها مهما كان كبيرا "
قلت " ومن قال أنه مال "
نظروا لي بعدم استيعاب فقلت " لن أطلقها إلا على عقد لها على زوج غيري وبموافقتها ورضاها , من يكتب ورقة طلاقي منها يكتب ورقة زواجها به ولن يكون ذلك قبل عام أو ستبقى في ذمتي حتى آخر عمري أو عمرها "
كانت أعينهم ستخرج من الصدمة فقلت " إن وافقتم الآن عقدنا الليلة ولكم أن تطلبوا رأي الفتاة وتتشاوروا ولن أغادر إلا بكلمة قبول أو رفض "
قال أكبرهم بسخرية " وهذا ما بقي نأخذ رأيها "
تنهدت بقوة وقلت " لا تكونوا والزمن على شقيقتكم , ستخرج من هنا معززة مكرمة وتعيش عندي بعزتها وكرامتها كما رباها والدها وأقسم أنَّ رجلا مثله لن يربي فتاة تجلب العار لأهلها "
قال عمهم " سلم لسانك ومنطقك فكم قلت أن حق اليتيمة لن يضيع , جعلها الله الزوج الصالح لك وكلمتي لن يثنيها أحد وقد أعطيتها لك وسنعقد الليلة كما أردت ومتى ما حددت موعدك تعال وخدها من بين الجميع "
وقفت وقلت " إذا على بركة الله , الوالدة متعبة ولا يمكنها التحرك لكانت جاءت كما تستدعي الأصول ولا شقيقات لدي وأنا الأكبر "
وقفوا وقال أكبرهم " وحدك تكفي وتزيد ولن نقول شيئا بعد قول عمي "
قلت " أعذروني لديا موعد مع شخص هنا وسأوافيكم عند المغيب نتفاهم وتضعون المهر الذي يناسبكم ونكتب العقد والشروط أيضا فيه "
تنهد عمهم وقال " أي رحمة أرسلها الله لنا هذا اليوم أقسم أن الناس أكلت وجوهنا وسلخت ظهورنا وبعد اليوم لن يجرأ أحد على قول شيء "
ربتت على كتفه وقلت بابتسامة " الله لا يُضيّع شرف الأشراف .... عن إذنكم "
ثم خرجت من فوري بعدما كتبت أول سطر في حياة فتاة لا أعرفها وآخر سطر في حياة فتاة لست فقط أعرفها بل وأعشقها حد الجنون فما سنقول في وجع القلوب وحكم أقدارنا غير أن الواقع واقع وعلينا أن نعيشه فلم أنسى بعد كلمات الرجل الذي لو أفنيت عمري ما رددت جميله وهو يقول لي في فراش الموت ( مي يا نواس لا أريد منك شيء ترد به جميلي عليك سوا أن تخرج ابنتي من براثن أشقائها )
*
*
تقتلنا الهموم وتصفعنا حياتنا من كل صوب , أحيانا نقول هذا قدرنا ولا مفر لنا منه والصبر قالوا أنه المفتاح الوحيد للفرج
وأحيانا نقول ما اختار الله لنا أمرا إلا وكان لنا فيه الخير يبتلي عباده المؤمنين وجعل مع العسر يسرا
لم يتبقى لها شيء سوى هذه الكلمات النورانية ترثي بها حالها بعدما أصبحت وصمة عار مجتلبة للنكسات فحتى والدها هي المذنب الوحيد في موته وفي سجن شقيقها ، وحتى تقلبات الجو باتت هي السبب فيها ، لأنها أصبحت الشيطان والوباء المدمر التي لا تستحق الحياة وأي حياة هذه التي يتبجحون بها عليها
تجلس على سريرها تحضن ساقيها وتخبئ وجهها فيهما لأنها تخشى إن أخرجته تهب الرياح المغبرة ويتهمونها بها
مسجونة في غرفة بنافذة مغلقه بالحديد كي لا تقفز منها رغم أنهم موقنون أنها إن فعلتها ستموت ومؤكد لا يخشون موتها
باب موصد لا يفتح إلا من الخارج وليته لا ينفتح أبدا لأنه لا تدخل منه إلا
السموم
في عمر الزهور ابنة والدها الوحيدة بعد أربع ذكور , المدللة الحنونة من تحملت جور زوجاتهم من أجلهم لكن العقول لا ترحم والرجل الشرقي يتحول لوحش أمام كلمة عار وعرض ولا يهتم للأسباب
* * *
سمعتُ مفتاح الباب يدور فخبأت وجهي أكثر وانكمشت على نفسي فمؤكد لن يدخلوا إلا لضربي من جديد أو إهانتي ولومي
يا رب خذ روحي وارحمني فوحدك تعلم بحالي ولديك فقط العدل بلا ظلم ولا جور
انفتح الباب ثم أقترب صوت كعبي حداء يتبعه الآخر ليصلني صوتها الساخر قائلة " مبروك يا فضيحة جاءك عريس "
لم أرفع رأسي ولم أتكلم فقالت الأخرى " بعد اليوم كل الفتيات ستهرب مع الرجال ليحضوا بالعرسان "
أي عريس هذا بواب الشركة أم البستاني أو قد يكون ملك الموت وأرتاح
قالت أسماء " ارفعي رأسك أقسم أنك ولدتِ في يوم الحظ السعيد "
قلت ودموعي باشرت النزول " لو كنت ولدت فيه ما كنتي أنتي هنا وأنا فيما أنا فيه ففيما ولدتِ أنتي إذا "
قالت بحدة " لا تلعبي معي بالكلام لأنك الخاسرة الوحيدة ليته الليلة يأخذك معه لما يبقيك لنا بعد أن يتزوجك "
ثم ضحكت بسخرية وقالت " لا ومهر خيالي وجهاز لن يكون عاقلا أبدا "
رفعت رأسي لها وقلت " تزوجيه أنتي إذا "
ضحكت وقالت " وهل تركت لنا شيئا إلا أشقائك بسمعتهم النتنة فحتى إن تطلقنا منهم لن يرفعنا أحد لأنك كالوباء لطختِ الجميع "
رمت بعدها بيدها في الهواء وقالت مغادرة " عمك العجوز يريدك في الأسفل بسرعة انزلي وعودي "
قلت بسخرية " ومنذ متى حررتموني من سجني لأنزل وحدي "
وقفت عند الباب وقالت " منذ قليل يا ابنة الحظ السعيد "
ثم غادرت تجر معها شبيهتها وتركت الباب مفتوحا على غير العادة, نزلت من السرير وغيرت قميصي بآخر بأكمام طويلة احتراما لعمي الذي لم يراني يوما دون حجاب فكيف أصبح اليوم وصمة عار لهم جميعا , ولكي أخفي أثار الضرب الوحشي الذي أتلقاه منذ أسابيع بلا توقف ولا رحمة
لبست حجابي وأنزلت التنوره لتلامس الأرض فهم لم يتركوا مكانا بي لم يشوهوه
نزلت السلالم الضخمة التي تتوسط المنزل الكبير وتوجهت لمجلس الرجال حيث سيكون هناك وحده بالتأكيد
طرقت الباب ودخلت بهدوء وما أن وقعت عيناي عليه حتى أدمعتا فورا فمد يده لي وقال " تعالي يا ابنتي فلا يمكنني الذهاب لك بسرعة فوقوفي بحسابه كما تعلمي "
ركضت ناحيته وجلست أمام ساقيه وقبلت يده وأنا أقول ببكاء " إلا أنت يا عمي لا تكن مثلهم أرجوك فوحدك لي بعد والدي ويكفيني منك ولو كلمة أنا أثق بك يا مي "
مسح على رأسي وقال " بل كثقتي بنفسي وقد نهيتهم وأقسمت عليهم أن لا يضربك واحد منهم بعد ذاك اليوم ولن يثنوا كلمتي بالتأكيد "
كيف أخبرك يا عمي كيف أقول لك أن ذاك اليوم كان أرحم مما يليه رغم أني ذقت فيه ضربا تعجز عن تحمله البغال كيف وهم هددوني كي لا أخبرك
أمسك يدي وقال " اجلسي بجواري لدي ما سأقوله لك "
وقفت وجلست بجانبه أمسح دموعي فقال بهدوء " أحدهم خطبك اليوم وأنا أعطيت , كان عليا مشاورتكلكنه رجل لا تُشاور عليه النساء وسأطمئن عليك لديه "
قلت بحزن ورأسي للأرض " لن يكون أسوء من حالي هنا "
لاذ بالصمت ولم يعلق فقلت " ومن يرضى الزواج بمثلي كيف وثقتم برجل يتزوج بي مؤكد ورائه شيء يخفيه "
ثم رفعت رأسي ونظرت لوجهه وقلت " لو كانوا إخوتي لقلت أنه لن يعنيهم أمري أما أنت فلن تفكر مثلهم بالتأكيد "
تنهد وقال " بالتأكيد لن أفكر مثلهم ولن أبيعك لأي أحد فقط لنتخلص منك , إنه تاجر خيول كبير ومعروف صحيح أنه دخل السوق من عامان فقط لكنه فاجئ الجميع وسمعته كالمسك وخيوله تسمى في السوق بالخيول المدللة فمن دلل الخيل لا يقسوا على النساء قطعا "
بقيت أنظر للأرض ودموعي تسقط في حجري الواحدة بعد الأخرى فقال " مي يا ابنتي إن كنتي غير راضية تصرفت في الأمر "
هززت رأسي وقلت " لن أثني كلمة قلتها له ولقد تساوت عندي الأمور "
تنهد وقال " رجائي أن لا تندمي يوما ولا أندم على ثقتي به لكنه اليوم أكد لنا أنه لم يأتي ليبيع ويشتري بفتاة سمعتها ضاعت ويستغل الوضع بل وضع شرطا على نفسه يربطك به كل العمر أو يحررك لأشرف منه "
مسحت دموعي وقلت " ولما يفعل هذا لماذا "
قال " لم يفصح عن السبب , إن تعبتِ معه اتصلي بي فقط وسأرجعك منه لمنزل والدك "
وقفت وقلت " كما تريد يا عمي "
قال بهدوء " سنعقد عليكما الليلة وسيأخذك في وقت لاحق, مهرك سيكون لك لا أحد يناصفك فيه إلا على جثماني وسيدفع تكاليف جهازك فاشتري كل ما في خاطرك "
ابتسمت بألم وقلت " هذه الأمور لم تعد تعنيني فلقد ضاعت أحلامي كأي فتاة بيوم كهذا اليوم "
ثم خرجت من فوري وصعدت لغرفتي ابكي حظي والساعات الأخيرة لي قبل أن أصبح زوجة المجهول والله وحده يعلم عجوز أم شاب وأي شاب سيفكر بي وأستغرب حتى من كبار السن أن يقتربوا مني
طلبت الموت فهل حقق الله دعائي وسيكون موتي على يديه , توجهت من فوري لخزانتي وأخرجت الأوراق التي تُدخلهم لي الخادمة خلسة منذ أيام ومكتوب فيها ( سأخرجك من هناك يا مي أنا السبب فيما حدث وسأنقدك مما أنتي فيه )
ترى من صاحب هذه الرسائل وما علاقته بمن جاء اليوم لخطبتي أم هي مجرد مصادفة ومن هذا السبب أقسم لو أدركه أقطعه بأسناني
*
*
عند دخولي اليوم للفصل بعد الفسحة فجعت بورقتي على لوح الإعلانات , ورقة امتحان مادة الهندسة التحليلية التي علقها الأستاذ نزار مليئة بالرسوم لقلوب وكلمات غرامية مني إليه فتوجهت للوح ونزعتها بغيض
نظرت جهة وجدان التي قالت بسخرية" هل رأيتم بأنفسكم هي من نزعها فجدي لنفسك جواب حين سيسأل أين الورقة "
قلت بغضب " وأنتي من كتب هذا عليها أليس كذلك "
قالت باستعلاء " بل أنتي من فعل هذا "
ثم نظرت للطالبات خلفها وقالت " هل قلت كلاما غير صحيح ؟ من يشهد معها "
سكتن جميعهن ينظرن لي بصمت فقالت بسخرية " ستصل الورقة للمدير ومطرودة يا سما "
لن تصل للمدير ولكن المصيبة أنها ستصل للأستاذ , أي فضيحة هذه وإن كان يعلم أنه ليس أنا من كتبها ولكن ما أعرفه أن هذه الأشياء سيئة ولا تجوز , دراستك آخر ما تبقى لك يا سما وما خسرته كان أعظم منها
توجهت نحوها وأمسكتها من شعرها بكلى يداي ودخلنا في عراك شديد , سألقنها درسا قبل أن أغادر علها تخاف من باقي الطالبات أو أخرجها معي من المدرسة ويرتاح منها الجميع
بعد قليل جاءت المصلحة الاجتماعية ومعلمتان معها لأن الطالبات أبلغوهم بما يجري وطبعا حليفتا وجدان لأن الباقي تمنين لها هذا منذ زمن
فكوا شعرها من يداي بصعوبة وبعدها على الفور كنا في مكتب المدير الذي صرخ من فوره " لا مكان في المدرسة لكما ولا تشرح أي منكما ما حدث وتتعب نفسها وتبرر بسرعة تخرجان من هنا "
قلت بهدوء " أعطني ملفي لأن لا أحد سيأتي لأخذه "
أخرجه من المكتبة ورماه على الطاولة بغضب فأخذته وخرجت وتوجهت لخلف مبنى المدرسة انتظر وقت قدوم الحافلة لأني لن أستطيع الذهاب سيرا فالمكان بعيد , جلست أبكي كل ما حل بي منذ داست قدماي هذه البلاد , أبكي فقدي لعائلتي ووحدتي وخوفي ممن يطاردونني وفقدي لدراستي لحبي الشديد لها فأي عام سيضيع منها يضيع من عمري
كنت أضن أن الخالة عفراء ستبقى بجانبي وتبحث لي عن عائلتي ليأخذوني كما قالت لي وأن هذه المدرسة هي المكان الذي ستجدني فيه حين تلقاهم لكنها اختفت مثل الجميع وتركتني وحدي
بعد وقت هدأت من بكائي وتذكرت كلام والدتي حين كانت تقول لي ( الله لا يموت ولا ينام يا سما يحمينا ويرانا ويدافع عنا فلا يجب أن نخاف أو نحزن أو نشعر بالوحدة والعجز )
وما هي إلا جزء من الثانية وكان الأستاذ نزار قادم باتجاهي فوقفت من فوري متمنية أن أشق الجدران وأهرب منها فقد يكون قادم لتوبيخي أيضا لعلمه بالورقة وما فيها
*
*
فتحت الباب بالمفتاح لأني أعرف مكان وضعه له عند الباب ليدخل أي من معارفه للبقاء مع والدته في غيابه أو إلقاء نظرة عليها من حين لآخر, عليا أن أعلم منها هي إن كان ما قالته رهام صحيح أم تكذب عليا لتبعدني عنه إن كان صحيحاً فستكون والدته على علم بالتأكيد
أغلقت الباب ودخلت بهدوء حتى وصلت حجرتها وطرقت الباب فقالت بابتسامة " ادخلي يا دعاء يا ابنتي "
اقتربت منها وقلت " صباح الخير كيف أنتي اليوم "
قالت مبتسمة " الحمد لله مادمت جالسة بأحسن حال أما إن تحركت عانيت من ألم ساقاي لبعض الوقت "
جلست أمامها وقلت " لا تتحركي إذا إلا للضرورة "
تنهدت وقالت " وهل أتحرك إلا للحمام وبصعوبة بالغة كم حاولت ترتيب المنزل على الأقل ولم أنجح في ذلك فيبقى نزار رجلا ولن يلتفت لكل الأمور الصغيرة
زوجة عوني باركها الله لا تقصر في تنظيفه لكنها أم لأبناء صغار "
قلت بابتسامة " وما الذي أفعله أنا أتركي الأمر لي "
أمسكت يدي وقالت " أقسمت عليك بالله لن تفعلي فلم أتحدث معك من أجل هذا , فقط كنت أفضفض عن خاطري "
قلت بلوم " لما حلفتِ يا خالة كنت سأفعل ذلك عن طيب خاطر "
قالت وهي تعدل جلستها على الوسائد " يكفيك مسئولية منزلك وأخواتك , قريبة لي ستزورني هذه الفترة لا تقلقي بشأن هذا "
نظرت للأسفل قليلا في صمت ثم قلت " رهام قابلتني وتحدثت معي "
ساد الصمت من ناحيتها فرفعت نظري لها فكانت تنظر لي بصدمة ثم قالت " وما الذي جاء برهام الآن ! أليست مسافرة منذ سنوات "
تنهدت وقلت " بل عادت منذ زمن وزارتني في منزلي عدة مرات وآخر مرة أمس في المستشفى وكانت ..... "
قطعت كلامي فقالت بحيرة " كانت ماذا "
قلت بهدوء " كانت تريد مني معرفة إن كان نزار لازال يحبها "
بقيَت مصدومة لوقت وصامته ثم قالت " وما تريده من نزار بعد كل هذه السنوات وهي من تركته وهما مخطوبان وتزوجت بغيره "
تنهدت وقلت " طلقها ذاك منذ مدة وبقيت هناك مع خالها وأنهت دراستها وعادت الآن وعلى ما يبدوا تريد إرجاع أوصال الحب القديم "
هزت رأسها وقالت بحزن " وما تريد منه الآن بعدما تركته دون أسباب "
قلت بابتسامة سخرية " تقول أنه أخبرها أنه عقيم ولن ينجب أبناء وترك الاختيار لها وطلبت مني أن لا أخبر أحدا لكني أضنها تكذب "
نظرت لي برجفة وتغير لون وجهها وبدأت شفتاها بالارتجاف فعلمت مباشرة أنه السكر ارتفع لديها فاقتربت منها وأمسكت يدها وقلت " ما بك يا خالة أين حبوب السكر "
زاد العَرق في وجهها واصفرار لونها فأمسكت بهاتفي برجفة واتصلت بالإسعاف
*
*
توجهت نحوها فوقفت من فورها وعادت بخطواتها للوراء فأمسكت يدها وأرجعتها حيث كانت جالسة وقلت " ما الذي حدث يا سما "
سحبت يدها مني وضمتها لصدرها وقالت ببكاء " لا شيء سأترك المدرسة وانتهى أرجوك لا تسألني عن السبب "
قلت بحدة " ما الذي جعلكما تتضاربان وأنتي تعلمين أن القوانين
تطرد من يفعل ذلك تحت أي سبب كان "
مسحت دموعها وقالت " كان عليا تلقينها ذاك الدرس لأني خارجة من هنا على كل حال وبمحض إرادتي "
هدئت نفسي لأني أعلم كم تخاف من الجميع وقلت بهدوء " سما ما حكايتك ستخبرينني الآن وأنا من سيوصلك لمنزلك تفهمي "
هزت رأسها بلا وقالت " ستأتي الحافلة وتأخذني "
تنفست بقوة وقلت بهدوء " كل ما أريده مساعدتك فمما أنتي خائفة وأين هم والداك وأين تعيشين , الآن أجيبي لأني لن أتركك قبل أن أعلم "
بقت تنظر لي بصمت وريبة فقلت " لا تخافي مني أقسم لن أؤذيك , فقط أريد مساعدتك "
قالت بتوجس " ولما تريد مساعدتي "
قلت من فوري " لأني متأكد من أن هناك خطرا يحدق بك من خوفك من كل شيء "
قالت بريبة " وماذا إن كنت واحد منهم ؟ أنا لا أتق بك "
نظرت لها بحيرة وقلت " واحد ممن !! قولي من هم "
أغلقت أذناها بيديها وقالت برجفة ونظرها للأرض " ممن يلاحقونني ويطرق بالعصا ليعلم أين مكاني "
كنت أنظر لها بصدمة وكأنني أشاهد فيلما وليس واقع أمامي ,أمسكت كتفيها وأجلستها حيث كانت جالسة وجلست بجانبها وقلت " سما لا تخافي مني أقسم أني لا أعرفهم ولا أريد أذيتك فقولي ما حكايتك وسأساعدك "
نظرت لي بريبة فقلت بجدية " سأساعدك يا سما اقسم على ذلك "
قالت بتوجس " حقا ستساعدني "
هززت رأسي بنعم دون كلام على صوت رنين هاتفي في جيبي فأخرجته ونظرت للمتصل بحيرة ... غريب ماذا تريد دعاء الآن هل هي عند والدتي هل حدث لها مكروه يا ترى
فتحت الخط ووضعته على أذني وقلت من فوري " مابك يا دعاء هل والدتي بها مكروه "
وصلني صوتها صارخة " نزار تعال بسرعة أنا في الإسعاف والدتك ارتفع عندها السكر ألحقنا للمستشفى "
وقفت بسرعة مغادرا ثم التفتت لها وكانت واقفة , وضعت يداي على كتفيها وقلت " ابقي هنا حتى أعود لا تتحركي مهما حدث , والدتي متعبة وعليا المغادرة , لا تغادري يا سما مهما حدث حسنا "
نظرت لي بصمت فقلت " عديني أنك لن تغادري حتى أعود "
قالت بشبه همس " أعدك "
ثم غادرت ركضا وركبت سيارتي وتوجهت من فوري للمستشفى تاركا المدرسة والحصص وكل شيء ورائي وتوجهت إلى هناك من فوري
وجدت دعاء عند أول الممر فوقفتْ ما أن رأتني فقلت بخوف " مابها ما الذي حدث ؟؟ لم يرتفع لديها السكر قبلا "
قالت " ارتفع فجأة وبنسبة كبيرة يحاولون خفض معدله وصل حتى الـ600وانخفض الآن للــ400 ستكون بخير أعذرني لأني كنت خائفة ومرتبكة وقد أفزعتك "
قلت بخوف " هل ستكون بخير هل سيؤثر عليها مستقبلا "
قالت " لا أعتقد مادامت لم تعاني منه قبلا وليس لديها مشاكل في ضغط الدم والقلب "
تنهدت براحة وقلت " هل استطيع رؤيتها "
سارت بجانبي وقالت وأنا أسير معها " لازال سكرها مرتفعا ما أن ينخفض أكثر تستطيع الدخول لها "
بقيت هناك لساعات ألف على الأطباء واشرح حالتها وأتأكد أنه لن يتسبب لها هذا بمضاعفات وأصررت عليهم أن يجروا تخطيطا لقلبها وفحص لنظرها ودماغها
ومر اليوم أركض من ممر لممر ومن طبيب لآخر ولم يرتح لي بال حتى اطمأننت عليها وسمحوا لي بزيارتها
فدخلت لها واقتربت من سريرها وقبلت يدها وقلت " ما الذي جعل سكرك يرتفع , أمي لو فقط ترتاحي من الحركة "
قالت بابتسامة متعبة " لن يرتاح قلبي ولو ارتاح جسدي نزار عد للمنزل وارتاح يكفي أنك أضعت الحصص اليوم وتعبت النهار هنا "
وكأن تلك الكلمة أيقظتني من سبات عميق , حصص ومدرسة و... , نظرت لها بصدمة وقلت " سما "
قالت بتوجس " من سما !! "
خرجت مسرعا وأنا أردد " كيف نسيتها كيف "
خرجت ركضا من ممرات المستشفى وركبت سيارتي
ووصلت عند باب المدرسة ثم نزلت ووصلت عنده وضربته بقدمي لأنه مقفل بالقفل والوقت ليل يستحيل أن تكون انتظرتني حتى هذا الوقت ولكني طلبت منها البقاء تحت أي ظرف ترى هل تكون في الداخل وأغلقوا عليها الباب ولم تتمكن من الخروج
عدت لسيارتي مسرعا وانطلقت ساعدتها حقا يا نزار لو تركتها على الأقل عادت لمنزلها مؤكد لن يقبل بها أحد بعد نهار كامل تقضيه في الخارج آآآآخ هذا إن كان لها منزل أو عائلة
وصلت للمنطقة التي يسكنها مدير المدرسة وتبعد النصف ساعة وهو يسكن مقابلا لجابر فهو عمه
وصلت المنزل وضربت الجرس ففتح لي ونظر لي بتوجس وقال " نزار ما جاء بك هنا ولما خرجت من المدرسة ولم تجب على اتصالاتي !! لقد شغلتني عليك "
قلت من فوري " هاتفي بقي في فناء المدرسة وأريده لأمر ضروري جدا هلا أعطيتني المفتاح الخارجي فقط أرجوك سيد منصور "
نظر لي بحيرة ثم قال " لما لا تستخدم هاتفا عموميا أو هاتف والدتك "
تنهدت وقلت " أريد هاتفي تحديدا الأمر مهم ويمكنك مرافقتي لن أدخل المدرسة فقط مفتاح الباب الخارجي "
دخل في صمت وكل رجائي أن لا يرافقني هناك , خرج بعد وقت ومد لي بالمفتاح وقال " اتركه معك حتى آخذه منك في الغد لديا نسخة احتياطية "
قلت بامتنان " شكرا لك يا سيد منصور وكن على ثقة , فقط سأخرج هاتفي وسأغلق الباب وأعيد المفتاح لك الليلة إن أحببت "
قال بابتسامة " لا تتعب نفسك غدا آخذه منك "
شكرته مجددا وغادرت ومن فوري ذهبت للمدرسة فتحت الباب ودخلت متمنيا أنها أخلفت بوعدها وغادرت ولم تبقى كل هذا الوقت هنا وفي نفس الوقت متمنيا أن أجدها لأنها إن رحلت فلن تعود ولن أعلم من هم أولائك الذين يطاردونها وما يريدون منها
توجهت من فوري لخلف المبنى ووقفت مصدوما حين رايتها تجلس مكانها الذي تركتها عنده في الصباح حين غادرت

أوجاع ما بعد العاصفةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن