دخلت القصر وأنا أفتح هاتفي فرن على الفور ففتحت الخط ووضعته على أذني وقلت وأنا أصعد السلالم " نعم يا مزعج "
قال بضيق " اسمعني جيدا يا جابر عليك أن تحدد لي موعدا وقريبا جدا وأن تحترمه أيضا "
قلت ضاحكا وأنا أدخل الجناح " موعد وقريب معقولة , أن أحترمه فهذا حسب وقتي "
قال بضيق أكبر " وما فائدة الأولين إن لم تتوفر الأخيرة "
جلست على الأريكة في الردهة وقلت وأنا أرمي مفاتيحي على الطاولة " أنت لا تعلم كم انشغلت هذين اليومين
ثم عليا أن أتحدث مع والدتي أيضا ومع زهور وأرى ترتيباتهم للأمر ثم عليا أن أفهم ماهيا تحقيق شروطها المجنونة وموعد عقد القران سيكون آخر أعمالي "
قال ببرود " هذه أمور سهلة تنجزها في ساعة أو أقل "
قلت بضيق " ألم تجد لك غير عائلتنا , خف علي يا رجل وقدر ظروفي "
انفتح حينها باب غرفة النوم وخرجت منه أرجوان بفستانها القصير ومرت من أمامي لمطبخ الجناح وكأنها لا تراني
وصلني صوته قائلا " لو كان لي رغبة في غيركم ما رميت نفسي تحت رحمتك , أنتظرك يا سيد مشغول "
ضحكت من فوري فقال بضيق " هل قلت ما يضحك "
قلت وعيناي تتابعان أرجوان العائدة للغرفة " من أين جئتني بهذه الصفة ظننتها بضاعة خاصة "
قال بتذمر " لست في مزاج لفك ألغازك يا رجل , وداعا الآن لقد سددت لي نفسي أعان الله زوجتك عليك ، ولا يكون في ظنك أنك ممكن تتخلص مني بسهولة "
قلت ضاحكا " وداعا يا سيد مزعج "
وقفت بعدها واقتربت من الغرفة لأرى سبب كل هذا التجاهل فلمن تتزين هكذا على غير عادتها
فلأول مرة تضع ماكياجا هكذا وترتدي فستان سهرات , ما أن اقتربت أكثر حتى سمعت أصوات تهامس
من معها هنا يا ترى ! أم أنها تحدث صديقتها في الهاتف فهي من يوم علمت أن القصر به نظام مراقبة وهي لا تحادثها إلا همسا
وكأنها لا تعلم أنه لا وقت لدي لأراقبها على مدار اليوم لأصيب وقت اتصالها بها
فتحت مقبض الباب ببطء فهذه المرأة تعرف كيف تحرك فيك الفضول رغم أني أستنزف كل قدراتي الفضولية في عملي لكن من ليلة أشيائها المجنونة تلك علمت أنها تفوق المجرمين
ما أن انفتح الباب أكثر حتى فوجئت بها وأبنائي يقفون أمامها وما أن رأوني وكأن ساعة الفرج لألسنتهم جاءت فما أصعب أن تسكت الأطفال
صرخوا راكضين نحوي وتعلقوا بي وكل واحد منهم يحمل هدية مغلفة في يده ، نظرت لأرجوان فكانت تنظر لهم وهم متعلقين بساقاي وتبتسم ابتسامة حنونة فلا يمكنني تحديد مقدار ولو تخيلي لمدى حبها لهم
نظرت بعدها لي وأشارت بيدها على يدها الأخرى وكأنها تشير لساعة في يدها فنظرت لساعتي على الفور ليلفت انتباهي التاريخ مع أصوات الأولاد المتداخلة قائلين " كل عام وأنت بخير بابا "
عيد ميلادي اليوم لم أنتبه له بتاتا رغم أني رأيت التاريخ أكثر من مرة في أوراق عملي !
ابتعدوا عني ومدوا لي بهداياهم فنزلت عندهم مستندا بقدماي على الأرض وأخذتهم منهم وقبلت كل واحد منهم وشكرتهم
ثم وقفت وقلت ونظري لأرجوان " جهزي لي بذلة يا أرجوان وتكوني فعلت لي معروفا كبيرا "
أعلم أن وضعي سخيف جدا لكن ما باليد حيلة فمؤكد هم ينتظرونني هنا منذ وقت لأنه لا يمكنها تخمين وقت وصولي إلا بالمصادفة
نظرت بيسان لها ثم لي رافعة رأسها للأعلى وقالت بصدمة " والاحتفال في غرفتينا والكعكة أيضا "
نظرت لأرجوان فكانت تنظر لهم على هدوئها دون أي تعبير حتى في ملامحها فعدت بنظري عليهم وقلت " مشغول حبيبتي في وقت آخر حسنا "
مدوا شفاههم بعبوس وقالت ترف بحزن " منذ الصباح ونحن نجهز ذلك وتعبنا كثيرا لأن سيلا أوقعت الكعكة وأعدناها "
توجه أمجد نحو الباب ورمى بيده في الهواء قائلا بتذمر " أخبرتكم منذ البداية أنه لن يبقى "
خرجت حينها أرجوان من صمتها قائلة بحدة " أمجد "
التفت لها فكانت تنظر له باستياء فنظر ناحيتي وقال بهدوء ونظره أرضا " آسف بابا "
قالت بعدها بجدية " اسبقوني للغرفة "
خرجوا يتبعون بعضهم والاستياء واضحا عليهم , لم تتركهم يتكلموا أما هي فلن تفوتها بالتأكيد , التفت للخزانة من فوري وفتحتها ووضعت هداياهم فيها ثم قلت لنبتعد عن الموضوع ولتفهم أني معترف بخطئي " ما كان عليك توبيخه فأنا المخطئ على كل حال لكني حقا منشغل "
تعمدت أن لا أقول لها مشغول لأنها ستذكرني بها فيما بعد سمعت حركتها في الغرفة ولم تعلق بادئ الأمر ثم قالت " كان عليه احترامك في كل الأحوال "
ثم اقتربت من الخزانة الأخرى فتحتها وتابعت قائلة " أمجد خصوصا ولأنه ذكر عليه احترامك أكثر حتى من شقيقتاه "
أخرجت لي ملابس داخلية ورمتها على السرير وأخرجت منشفة مدتها لي وقالت ونظرها حتى الآن تبعده عن نظري " لا تخرج من الحمام وشعرك مبلل يا جابر فكم من أشخاص أصابتهم جلطة دماغية بسبب ذلك "
أخذت منها المنشفة في صمت وتوجهت نحو الحمام , لازالت تحتفظ بصمتها لكن لا يمكنها إخفاء الاستياء في ملامحها استحممت سريعا وخرجت أجفف شعري بالمنشفة فكانت تجلس أمام مرآة التزيين وقد غيرت فستانها وتمسح ماكياجها
توجهت ناحية السرير وأخذت ملابسي من هناك فلاحظت الهدية الموجودة عند الطاولة في طرفها من السرير ويبدوا لم تعد ترغب في تقديمها لي
لبست ملابسي الداخلية ومؤكد سأعتمد على نفسي في لبس بذلتي هذه المرة فقد كانت تخلصني من ربط ربطة العنق لأني لا أحب فعل ذلك إلا مجبرا
لكن المفاجأة أنها وقفت وتوجهت نحو البذلة أخذتها وتوجهت نحوي ومدت لي البنطلون فأخذته منها ولبسته سريعا ثم لبست القميص ورفعت ياقته قائلا " أربطي ربطة العنق يا أرجوان فأنتي لا تعلمي أي عمل سيء بالنسبة لي خلصتني منه "
امتثلت من فورها وربطتها ثم ألبستني السترة أيضا عكس القميص الذي لبسته وحدي هذه المرة
ثم قالت وهي تمد لي الحزام ونظرها لازال أرضا " مُر بالأبناء في الغرفة ولو واقفا سيكون أمرا مهما بالنسبة لهم مهما كان قليلا "
أخذته منها ولبسته ثم حضنت وجهها بيدي وقبلت خدها وقلت بهمس " آسف يا أرجوان وأعدك أن أعوض هذا في وقت آخر "
هزت رأسها بحسننا ثم قالت وهي توليني ظهرها " كن بخير فقط هذا ما يهمني ويهمهم "
تنهدت وقلت " لو كان أمرا يمكن تأجيله لأجلته "
التفتت لي وابتسمت هذه المرة رغم أنها ابتسامة صغيرة ونظرت لعيناي لأول مرة وقالت بهدوء " الخطأ مني , كان عليا أن أسألك إن كان لديك وقت اليوم لكني أردت حقا أن نفاجئك "
تضع اللوم على نفسها أيضا رغم أني المذنب الوحيد أذكر في السابق كانت حسناء تجهز حفلا خاصا لنا في مثل هذا اليوم وقت مجيئي ليلا لكنه ينتهي بشجار طبعا لأنها لا تنسا ان تذكرني بواجباتي وإهمالي على حد قولها
رفعت المنشفة من الأرض ، ورميتها على السرير وقلت لها " ألن ترافقيني لهم "
هزت رأسها بلا دون كلام فقلت ببرود " أرجوان إن كنتي غاضبة مني فلا تسجني ذلك في نفسك كي لا تصيبك أنتي أيضا جلطة دماغية ولا تؤجلي عتابك لليل لأني الآن بحال أفضل "
نظرت لي مطولا بصمت ثم قالت " بل لا أريد أن يشعروا أني أنا من أجبرك على فعل ذلك لأنهم كانوا مستاءين
أريد أن يشعروا أنك حقا مهتم لما فعلوه اليوم لأنهم شاركوني في صنع وإعداد كل شيء ومنذ الصباح الباكر "
دائما ما تخون توقعاتي بإجاباتها وتهدأ وقت أتوقع غضبها , خرجت من الغرفة دون أي كلمة إضافية ولا أعلم لما اهرب دائما من التحدث معها أكثر
توجهت لغرفة الفتاتين ونظرت من خلف الباب فكانوا يجلسون على طاولة طويلة ومؤكد أحضروها من غرفة التدريس بالأسفل
الغرفة كانت مليئة بالبالونات والزينة كانوا يحضنون وجوههم بأيديهم ومستاءين جدا على ما يبدوا
مدت ترف يدها فضربتها بيسان قائلة " لا تأكلي شيئا حتى تأتي ماما "
قالت ترف بضيق " ومن قال أنها ستأتي فقد تخرج هي وبابا للغداء ونحن هنا ننتظر "
وما سر الغداء أيضا هل كانت تخطط لغداء في الخارج أم ماذا !!
دخلت لهم وما أن رأوني حتى ارتسمت الدهشة على وجوههم ثم ابتسموا ابتسامة واسعة فنظرت للطاولة المليئة وقلت " ما كل هذا ؟ هل كل هذه الأشياء من أجلي "
نزلت ترف من الكرسي ولأول مرة وحدها وكانت النتيجة أنها وقعت أرضا ولكنها سرعان ما قفزت واقفة وتوجهت نحوي مسرعة
فحملتها بين يداي وقبلتها واقتربت منهم فحضنتني ترف بقوة وقالت ورأسها يتكأ على كتف " ضننا أنك لن تأتي لترى الغرفة والطعام "
قالت بيسان " أين ماما أليست من أحضرك هنا "
إذا كما توقعت أرجوان كانوا سيضنون أنها من سيطلب مني هذا , قلت وأنا آخذ الشوكة من على الطاولة " لا هي لا تعلم أني جئت هنا "
قالت بيسان وهي تشير بإصبعها " تذوق الكعكة بابا لقد أعددناها معا "
تذوقت منها لقمتين وقلت " رائعة هي لذيذة جدا "
قالت ترف وهي تضرب بيدها على ظهري " تلك بابا تلك , أنا من غلفها بالشكلاته ووضعت عليها الحلوى "
أخذت منها قطعة وأثنيت عليها ولم يتركوني حتى تذوقت من كل شيء وهم يحكون لي ما ساعدوا به في إعداده وأنا أحسب الوقت بعيناي وعقلي وهو يضيع لكن الأمر كان يستحق وقد أسعدهم كثيرا بالفعل وإن كانت دقائق معدودة
أنزلت بعدها ترف للأرض وقلت " عليا المغادرة الآن " ثم خرجت من فوري وغادرت القصر مجيبا على هاتفي الذي يرن منذ وقت وقلت " نعم قادم في الطريق وأعلم أنني تأخرت "
قال بضيق " هل لاحظت انك منذ تزوجت لم تعد تحترم وقت العمل "
قلت ضاحكا " ألزم حدودك يا وقح وجهز رجالك سنغادر فورا فيبدوا هذه المرة المشوار يستحق "
قال ضاحكا " أتمنى في الأيام القادمة أن نجد وقتا لنراك فيه "
قلت مختصرا " وداعا قبل أن أهينك "
وأغلقت منه الخط لأن عمي منصور كان متوجها نحوي دسست هاتفي في جيبي وصافحته قائلا " مرحبا بالعم أين انت لا نراك أبدا "
قال ببرود " ذكر نفسك بهذا يا قاطع الأرحام , بالله عليك كم ساعة هي التي تجلس فيها مع زوجتك وأبنائك "
قلت بابتسامة جانبية " وقت تناول الطعام "
هز رأسه وقال مبتسما " أعانهم الله على غيابك في رمضان "
انفجرت ضاحكا فقال " أين معتصم "
قلت باستغراب " ليس هنا ولما لا تتصل به !! "
قال " لا يجيب وبتول جاءت هنا لتتحدث معه منذ قرابة اليومين وبعدها سجنت نفسها في غرفتها ولم تخرج منها حتى الآن رغم كل محاولاتنا فأريد أن أفهم منه ما حدث "
بقيت أنظر له بحيرة فقال " أخبرتها أن معتصم رفض فكرة أن تغير دراستها وتذهب مع خالها فجن جنونها وفتحت لي جميع الدفاتر ...
لما يراني دون حجاب لما يدخل غرفتي ولما تسكتون عنه وكيف يتحكم بي وبأي صفة
فطلبت منها أن تسأله بنفسها فغادرت المنزل متوجهة لقصركم هنا وهو كان موجودا ليختفي هو بعدها وتسجن هيا نفسها فعلينا إيجاده لنحل هذه المشكلة "
قلت بهدوء " هل أخبرها أنها زوجته ؟ "
رفع كتفيه وقال " الحقيقة لا يعلمها غيرهما , قد يكون شد عليها في الكلام فقط أو حتى ضربها "
ثم قال بضيق " وسأقطع يده إن كان فعلها فأنا لم أزوجها له ليمد يده عليها "
فتحت باب السيارة قائلا " كان تصرفه خاطئا منذ البداية فإن كان أخبرها الآن بزواجهم يكون رد فعل طبيعي منها ويستحق هو كل ما سيأتيه "
قال بضيق " نريد حلا لها الآن هي لم تتناول شيئا منذ ذاك الوقت ولا تجيب علينا أخاف أن يكون أصابها مكروه "
قلت وأنا اركب السيارة " سأتحدث معه وإن لم يجيب سأرسل من يخرجه من تحت الأرض قبل المغيب فعليه أن يجد حلا لأفكاره الجنونية "
ثم انطلقت خارجا من القصر وسيارتان من الحراس تتبعني
وركّبت سماعة الهاتف واتصلت به مرارا ولا يجيب فأرسلت له ( أجب حالا أو تعرف جيدا كيف سأجلبك خلال ساعات )
بعدها بقليل اتصلت فأجاب قائلا " لا تهددني وهذا ما ينقص تلقي القبض علي كالمجرمين "
قلت بضيق " تتهم بتول بالتصرفات الصبيانية وأنت لا تقل عنها جنونا , هي على الأقل تحترم من هم أكبر منها "
قال ببرود " ماذا تريد "
قلت بغضب " كيف لا تجيب على عمك يا وقح يتصل بك مرارا وتتجاهله , نعم فهو يستحق ثقته بك وتزويجك ابنته الوحيدة ودون حتى أخذ رأيها
الفتاة تسجن نفسها في غرفتها منذ أتتك هناك في القصر ولا يعلمون حتى إن كانت حية أم ميتة وأنت يعجبك دور المتجاهل كثيراً وهو باله مشغول ويحاول أن يجد حلا لابنته "
قال باختصار " سأتحدث معه "
قلت بحدة " بل تأتي لتتفاهم معها وأخبرها أنك تزوجتها أو أنا من سيفعلها هذه المرة وإن كنت ضربتها فقسما يا معتصم قسما بربي وربك أني أنا من سيأخذ الحق منك وليس والدها "
قال بضيق " زوجتي ولا أحد يتدخل بيننا "
قلت بحدة " ذلك عندما تتصرف بعقل يا عاقل يا راشد يا من وثقنا بك وهي لا تزال طفلة ولا تتقبلك حتى التقبل تسمعني جيدا وتنفذ ما أقول ....
تذهب لها فورا وتخرجها وإن بكسر الباب عليها وتتحدث معها عن الأمر إن لم تكن تعلمه أساسا وهو سبب سجنها لنفسها أو سأتصل بالحرس في القصر ليفعلوها "
قال بغضب " نعم هذا ما كان ينقص يكسرون عليها باب غرفتها ليروها بملابس المنزل وسيدعون الشهامة لإخراجها لأنه مغمى عليها "
قلت ببرود " ما لدي قلته , أمامك ثلاث ساعات وسأتصل بعمي منصور إن لم تخرجها سأنفذ ما قلت ولك أن تختار "
ثم أغلقت عليه الخط وتأففت بغضب واتصلت بعمي منصور فأجاب من فوره قائلا " هل أجاب عليك "
قلت بهدوء ممزوج بالضيق " نعم وسيأتي في أي لحظة أو سيكسر الحرس الباب عليها فتركها أكثر سيكون جنونا والله وحده يعلم ما حدث بينهم وما فعلت بنفسها
وما كان عليك تركها حتى الآن سجينة الغرفة فيومان ليس بقليل "
تنهد وقال " كانت تلك فكرة رضا أيضا لكني عارضته فلا أريد أن نرعبها وكأننا في فيلم بوليسي "
قلت بضيق " ذلك أفضل من أن نكتشف بعد فوات الأوان أنها آذت نفسها ولن ينفعنا الندم حينها , وشيء آخر إن لم يكن أخبرها بزواجهما أو لم يفعلها الآن فافعلوها أنتم أو فعلتها أنا ما أن أرجع "
قال " لتفتح لنا الباب أولا ثم لكل حادث حديث "
قلت بهدوء " هل تأمرني بشيء آخر "
قال على الفور " لا وشكرا لك يا جابر "
قلت مباشرة " وعلى ماذا الشكر الخطأ خطأ ابننا فالتمس لنا أنت العذر "
قال ببرود " ابنتي وأعترف أنها أيضا مدللة ومجنونة "
قلت مختصرا " وداعا الآن واتصل بي إن لم يأتي وتفتح هي الباب خلال ثلاث ساعات "
قال " حسنا "
ثم أنهيت الاتصال منه وكنت قد وصلت العاصمة لأنطلق والفريق للجنوب من جديد فيبدوا ثمة خيط في القضايا وجدناه وإن كان رفيعا جدا
* *
أعدت الهاتف لجيبي أتأفف بضيق فضحك معاذ بجانبي وقال " أزمناها وجئنا نحلها فوجدناها أزمة فأحضرنا المؤزم فزادها تأزما "
نظرت له وقلت بضيق " لم أعرف أن وليد عداك بشعاراته الهابطة وكأنه ينقصك شعارات سخيفة "
ضحك مجدد ووضع يده على كتفي وقال " أغضبوه وغضب علينا فجئنا نهدئ غضبه فزاد غضبا ونسي المغضوب عليه أنه .... "
لكمته على أنفه ليسكت ففركه متألما وقال " تغار من أنفي المستقيم يا أحمق "
قلت ببرود مغادرا " من يسمعك يضن أن انفي أفطس "
ركبت بعدها سيارتي وغادرت المزرعة أسترجع ذكريات ما حدث يومها حين أخبرتها ففتحت عيناها على اتساعهما من الصدمة وقالت " كذب ... كاذب يا معتصم "
فقلت بحدة " بلى صدقي ذلك يا ابنة عمي ولن تعتب قدماك خارج منزلكم إلا هنا لغرفتي "
فاختفت من أمامي في لمح البصر وكأنها سراب أشرقت عليه الشمس فهي من الذكاء أن تربط الأمور ببعضها لتفهم أن ما كنت أقوله حقيقي فقررت أن أجنبها رؤيتي حتى تستوعب الأمر
تسرعت وتهورت أعترف بذلك لكنها أفقدتني أعصابي بجنونها ولسانها الطويل
وصلت منزلهم بسرعة لأني في ذات المنطقة ونزلت من فوري وطرقت الباب ليفتح لي عمي منصور
نظر لي بصمت في بادئ الأمر ،. ثم قال مبتعدا عن الباب لأدخل " ماذا حدث يا معتصم "
قلت وأنا أتخطاه داخلا " لقد علمت بزواجنا "
ثم التفت له وقلت " سأصعد لها "
هز رأسه بيأس وقال " لن تخرج ، فنحن نحاول معها منذ أكثر من يوم ولا فائدة "
قلت متجها جهة السلالم " سأكسر الباب إن لم تفتحه "
لحق بي هو ورضا الذي خرج من جهة المطبخ وقال وهو يصعد خلفنا " بالرفق يا معتصم لا تقسوا عليها ولا بكلامك "
قلت وأنا أصعد آخر الدرجات " لا تقلق يا رضا ،. لن يحدث شيء مما في بالك "
وصلت باب غرفتها وطرقته وقلت " بتول افتحي الباب " ولا مجيب فطرقت أكثر وقلت بصوت أعلى " أفتحي أو كسرناه حالا فأنتي خارجة في كل الأحوال "
ولا فائدة طبعا فالتفت لهما وقلت " أريد شيئا نكسره به وساعداني لنكسره بأقل أضرار "
نظر عمي منصور لرضا ثم لي وقال " ألا حل غيره "
قلت بضيق " وما الحل برأيك , نرسل لها فأرا من تحت الباب "
ضحك رضا وقال عمي منصور " فكرة ناجحة فهي تخاف حتى من الصرصور الصغير فكيف بفأر "
تنهدت وقلت " علينا كسره إلا إن كنت تخاف على الباب "
قال بضيق " بل أخاف عليها فهي ابنتي ووحيدتي ولا أريد أن نخيفها "
قال رضا مبتسما " من يسمعك لا يصدق أنه لديك ثلاث أبناء غيرها "
قلت بضيق " ليس وقت نقاشات الآن علينا أن نكسر الباب حالا "
نزل عمي منصور لوقت ثم صعد وفي يده مثقاب جدران كهربائي
فضحك رضا وقال " أنت من سيخيفها بصوت هذا "
قال ببرود " هذا أرحم من أن نضربه بالفأس "
قال رضا مبتسما " كنتم أحضرتم أحد حرس جابر الضخام وكان سيكسره بضربة واحدة من قدمه "
قلت بضيق " هل جننت أم ماذا , لن يكسر واحد منهم باب غرفتها ويفتحها عليها ولا على جثماني "
اقترب عمي وناولني إياه ثم أوصله بالكهرباء ووقف عند الباب وقال " بتول سنكسر الباب بالمثقاب إن لم تخرجي الآن "
انتظرنا قليلا ثم أشار لي برأسه أن أبدأ العمل فشغلته وكسرت به اللوح حول قفل الباب حتى ابتعد عنه قليلا ثم ضربناه بقدمينا أنا ورضا ضربة واحدة فانفتح على اتساعه
نظرت للغرفة نظرة شاملة فلم تكن فيها فنظرت لهما بتوجس وكل مخاوفي أن لا تكون هنا من أساسه ,
كنا ننظر لبعضنا كالبكم أعيننا فقط التي تتحدث والقلق والخوف يملأها ، فدخلت الغرفة لأبحث عنها في الحمام رغم أنه كان مفتوحا وهذا يعني أنها ليست فيه
وما أن دخلت أكثر ، حتى وجدتها جالسة علي الجانب الآخر من السرير تخفي رأسها في ساقيها المحتضنة لهما ، فنظرت لهما وأشرت لمكانها بأنها هنا
ثم أشرت برأسي أن يتركانا وحدنا فأشار لي عمي أن بالرفق عليها فأومأت له برأسي بمعنى حسنا فغادرا مباشرة واقتربت منها وجلست بجوارها وقلت بهدوء " هل يعجبك هكذا تقلقي الجميع عليك "
لم تجب طبعا فقلت بذات هدوئي " بتول ما الذي تريدينه بهذا , أن تموتي مثلا ؟ هل تكرهينني لهذا الحد "
بدأ صوت بكائها يخرج واضحا فشددتها لحظني وقلت " توقفي عن البكاء يا بتول ودعينا نتحدث بروية "
قالت بعبرة " أكرهك واكرههم جميعا "
حضنتها أكثر أمسح على شعرها ثم قبلت رأسه وقلت وأنا أثبت ذقني عليه " اعلم أنك تكرهينني ولا تطيقينني في أرض الله , فقط توقفي عن كل هذا "
أمسكت قميصي بقبضتها بقوة ودفنت وجهها في صدري تبكي بمرارة وتقول " لماذا فعلتم بي هذا لماذا "
وغابت كلماتها بين شهقاتها المتتالية ولم أزد أنا حرفا وبقيت محتضنا لها لتهدأ أولا حتى خف بكائها قليلا فقلت مبتسما " هيا فقد اختبرتِ محبة الجميع لك "
ابتعدت عني وقالت مشيحة بوجهها " ابتعد عني ولا تلمسني "
قلت بعد ضحكة " الآن بعدما نمتِ في حضني حتى شبعتِ "
نظرت لي بضيق فقلت بقلق وأنا أنظر لملامحها " بتول انظري لوجهك في المرأة , كم ساعة بكيتي يا غبية "
وقفت وقالت بحدة " أبكي ما أبكيه لا شأن لك بي أم تريدني أن افرح بذلك وأرقص , كيف طاوعتكم قلوبكم تلعبون بي وتزوجونني دون علمي ولا موافقتي , لن أنساها لكم يا معتصم ما حييت "
تنهدت بضيق ورفعت إحدى ساقاي منصوبة أمامي ووضعت ذراي عليها وقلت " لا أريد أن أجرحك يا بتول فلا تفقديني أعصابي "
ابتعدت عني وأولتني ظهرها وكتفت يداها لصدرها ولم تتحدث فقلت بهدوء " تعالي اجلسي دعينا نتحدث قليلا "
لم تتكلم ولم تلتفت إلي فوقفت واقتربت منها وأحطت خصرها بذراعاي وقبلت خدها ثم قلت مغادرا " سأعود في وقت آخر فاهدئي الآن "
ثم خرجت من عندها ووجدت رضا ووالدها عند السلالم فاجتزتهما نازلا وقلت " أخذت نصيبي وبقي دوركما أنتماولا أنصحكم بالمحاولة الآن "
* *
ما أن نزل معتصم حتى نظر لي رضا وقال " أرى أن تتحدث معها الآن لابد وأنها أفرغت أغلب غضبها به وستكون منهكة ولن تلومك كثيرا "
ضحكت وقلت " ستجد وقتا آخر ، فالأيام أمامنا طويلة " ثم توجهت نحو غرفتها وهو يتبعني قائلا " كنت أخبرته أن يأخذها معه فورا لتهرب من مواجهتها "
خلنا غرفتها فكانت تقف مولية ظهرها للباب وتفرك خدها وتبكي وكأنها تمسح شيئا من عليه
نظرنا لبعضنا ثم اقتربت منها ووضعت يدي على كتفها وقلت بهدوء " بتول بنيتي كيف تقلقيني عليك هكذا "
ابتعدت بخطوات للأمام ثم التفتت لي وقالت بحرقة " أتوقعها من الجميع إلا منك يا أبي "
تنهدت وقلت " أنا وعدت عمك وعدا حرا هل ترضي أن أخلف وعدي له "
قالت ببكاء مشيرة لنفسها " وأنا ورأيي , لما لم تفكر بي "
ثم تابعت وهي تعد على أصابعها وتنظر لهم " هل نسيت أنه لازال أمامي سنتين في الثانوية وجامعة "
ثم نظرت لي مجددا وقالت بعبرة " أي ظلم واضطهاد هذا عمري ستة عشرة سنة فقط ولم أحقق أي حلم في حياتي لأصبح زوجة فجآه ولمن لمعتصم وبالخفية عني وتتركونني كالبلهاء المغفلة "
قال رضا بهدوء " هو من أرادك وأصر عليك وقال أنه لن يحرمك دراستك وهو من أصر أن لا نكشف لك أمر زواجه بك سريعا "
ضربت كف يدها بظهر يديها الأخرى عدة مرات وقالت بحرقة " تكذبون وتتحايلون في كل الأحوال "
ثم أشارت لنا وقالت " هل تعلمان كم مرة ناداني بالعلكة بالفراولة بالمدللة الطائشة الطفلة فلما يريد أن يتزوجني ويصر علي هل ليربيني على طريقته أم يختبر قدراته بي "
قلت بهدوء " بتول ما هذه الأفكار هو أرادك زوجة له حقا لما كان طلبك من نفسه "
صرخت بحرقة " طلقوني منه , أنتم فعلتموها وأنتم تنهونها "
قلت بصدمة " بتول ما هذا الكلام الذي تقولينه "
قالت ببكاء " لا أريده لا أريد ولم أعد أرغب في الزواج من أساسه فاطلبها منه أنت أو طلبتها بنفسي من جابر ليجبره على ذلك "
قلت بحدة " بتول لقد تغاضيت عن صراخك بي وخالك دون احترام لنا مقدرا لصدمتك بالخبر لكن أن تضربي وعدي عرض الحائط وتكسري كلمتي لن تكوني ابنتي ولا أعرفك "
ثم خرجت من عندها غاضبا ورضا يتبعني قائلا " منصور هل جننت ليس هذا وقت ما قلته لها "
أشرت له بيدي ، وأنا أتابع سيري وقلت " عد لها هي تحبك كثيرا فحاول تهدئتها "
ثم نزلت للأسفل لتقابلني أميرة عند أول السلالم وقالت بقلق " ماذا حدث معكم هل فتحت الباب "
قلت متوجها لباب المنزل " نعم وهي بخير ورضا معها فاتركيهما وحدهما "
*
*
نزلت للأسفل متوجهة للمطبخ وبيسان معي متجاهلة عمتي وضيوفها ولم أنظر ناحيتهم حتى النظر
أعلم أنها ستخبرهم أني من أرفض الذهاب لهم ولكن لحسن الحظ أنه حين عدت لأصعد السلالم من جديد كانت إحدى اللتان أهانتني أمامهما موجودة معهن
فموقف عمتي هذه اللحظة ضعيف ولن تصدقها تلك وستحكي للباقيات الموقف بالتأكيد
فلن أقابل ضيوفها وأسلم عليهم حتى يتحدث جابر معها وتتوقف عن إهانتي أمامهم لأني متأكدة أنه لم يحدثها بعد فحتى أنا لم أره هذه الأيام إلا لدقائق معدودة
لا أعلم ماذا ترك لرئيس البلاد والوزراء فما أن يدخل الجناح حتى يتصلوا به ليستعجلوه للذهاب لهم وكأنهم يخشون أن يهرب منهم أو أسرق من وقته بل وكأنهم لا يعلمون أنه يعشقهم وعمله بجنون وأني وأبنائه في آخر حساباته
عدت لغرفة الفتاتين بعدما أنهت الخادمات تنظيفها , على الأقل شارك أبنائه ولو قليلا
فهم لم يتوقفوا عن التحدث عن أنه أكل مما صنعوه وأنه أعجبه وأثنى عليه وما لا يعلمونه أنه كان سيغادر دون حتى أن يفكر في رؤية الغرفة ولو من باب الفضول وليس جبرا لخواطرهم أو خاطري ولن أتحدث عن نفسي لأني الأكثر خذلانا منه بينهم
دخلت وقلت " بيسان نادي شقيقك بسرعة لنصلي المغرب حبيبتي "
انطلقت من فورها مسرعة وعادت وهو معها توضئنا وصلينا معا ثم التفت لهم وقلت " ترف أحضري المصحف "
جلبته وعادت مكانها وبدأت اقرأ على مسامعهم بعض الآيات وأشرحها لهم وأعلمهم عن بعض المحرمات بالأدلة من كتاب الله وبعض الأحاديث
عليا أن أتحدث مع والدهم لنظمهم لحلقات تدريس القرآن وأنا أيضا بدلا من جلوسي في المنزل لا زوج ولا عمل أقوم به
قالت ترف " ماما ما يعني يوصلوا شعورهم "
قلت بابتسامة " يعني شعرها قصير تلحقه بآخر ليصبح طويلا ثم تزيله "
قال بيسان بصدمة " ويحرقها الله بالنار "
هززت رأسي بنعم وقلت " بل يلعنها ويغضب عليها "
قالت ترف " هل شعرك أنتي موصول لذلك هو طويل "
ضحكت وقلت " لا حبيبتي شعري طويل دون أن أوصله ، أنا لا أريد أن يغضب الله مني "
قالت وهي تسحب إحدى جديلتيها للأسفل " ولما أنا ليس طويل إذا , المربية قالت لي سابقا إن أمسكته بالمشابك سيصبح طويلا لقد كذبت علي "
قلت مبتسمة " عيب ترف هي لم تكذب عليك فحتى أنا حين كنت في عمرك كان شعري قصيرا مثلك "
قالت بيسان " نعم حتى عمتي زهور كان شعرها مثلي والآن هو أطول "
نظرت لها بحيرة وقلت " ومن أخبرك أنتي بذلك "
قالت من فورها " أرتني صورة لها حين كانت مثلي "
شردت قليلا بفكري ثم نظرت لها وقلت " سبق وأخبرتني أنها أعطتك ذاك الفستان الأبيض أليس كذلك "
هزت رأسها بنعم فقلت " هل هي نادتك أم أنتي ذهبتِ لها "
قالت " بل أنا ذهبت لأخبرها أنك ستأتي للعيش معنا "
قلت بحيرة " هل استقبلتك وأحبتك "
هزت رأسها بنعم وقالت " وعزفت لي ورقصت وتركتني أشاهد حوض الأسماك في غرفتها وسألتني إن كنت أحبها "
قلت مبتسمة " لما لا تزوروها إذا مادامت تحبكم "
نظروا لي باستغراب فقلت " لما لا تذهبون لها "
قالت ترف مبتسمة " حقا نذهب لها "
قلت بابتسامة " نعم لكن حين اسمح لكم فقط "
قالت بيسان " هي جميلة ماما وفستانها جميل كالذي أعطته لي "
قلت مبتسمة " نعم بنيتي لا تخبريني عن جمالها لأنه لا يوصف "
قال أمجد " هل رأيتها !! "
وقفت وقلت " هيا وقت العشاء الآن "
وقفوا وقالت بيسان " بابا لن يأتي كالغداء ؟؟ "
قلت وأنا أسبقهم " يبدوا ذلك " هو لم يكلف نفسه حتى عناء إخباري إن كان سيتأخر أو يبات خارجا لا أعلم حتى متى سأصبر على هذا الحال
ما بك يا أرجوان ألم تتزوجيه من أجل الأبناء فقط إذا ما شأنك به يتأخر يبات هناك أو يفعل ما يحلوا له فيبدوا أعجبتك فكرة تغييره
وصلنا للأسفل وكانت جدتهم غير موجودة ويبدوا لن تتناول العشاء فهي لا تأكل وجبتين إلا نادرا
أنهينا عشائنا وصعدنا صلينا العشاء ودخلنا غرفة قلعة بيسان درستها قليلا ولعبوا بها حتى وقت النوم فأوصلتهم لغرفهم وذهبت لجناحي
استحممت وجففت شعري ولبست بيجامة حريرية فلا حاجة للقمصان اليوم ثم دخلت السرير
أمسكت بهاتفي لأرسل له رسالة ثم غيرت رأيي ورميت الهاتف على الطاولة وأطفأت نور السرير وأخذت وقتا طويلا لأدخل أعماق النوم رغم أن اليوم كان متعبا منذ الصباح الباكر وليته بنتيجة تستحق
*
*
قال بضيق " لا جدوى من بقائنا بعدما مات هو أيضا "
غادرت من أمامه قائلا " إن لم يكن لهم جواسيس في وسطنا لا أكون جابر " ثم خرجت من عنده بل وغادرت الجنوب وعدنا صفر اليدين بعدما قتلوا دليلنا الثاني
بت أشك أن من وراء هذه الجرائم ذراع كبيرة في الدولة فسأترك الأطراف وأغامر بالبحث في الرؤوس فإما أن تتوقف هذه الجرائم أو يقتلوني ويريحوني من كل هذا التعب
وصلت مدينتي عند الثالثة فجرا , دخلت القصر وصعدت لجناحي ودخلت الغرفة شغلت النور وكانت نائمة ولم تخرج لي حتى بيجامة النوم كعادتها , يبدوا عتابا من نوع آخر ...
لا رسالة فيها أنها منشغلة علي ولا حتى سألت إن كنت سأبات خارجا أم لا توجهت نحو هاتفها رفعته وفتحت آخر مكالماتها وكما توقعت رقم غريب ومميز
خرجت من الغرفة واتصلت لأني أعلم انه يجيب طوال النهار وما أن فتح الخط حتى قال " مرحبا معكم مطعم النرجسة البيضاء ، هل نخدمكم بشيء "
قلت " هل حجز لديكم هذا الرقم أي طاولة يوم أمس "
قال " قليلا فقط لأبحث "
قلت من فوري " تحت اسم جابر حلمي "
قال مباشرة " مرحبا سيدي نعم كان هناك حجز اليوم باسمك على طاولة للغداء والعشاء لتحدد لنا أي الوجبتين ستختارون لكن المتصلة اعتذرت عن الغداء قبل وقت الظهيرة ثم عن العشاء عند العاشرة "
قلت بهدوء " أعطني حسابكم لأحول لكم ثمن الوجبتين "
قال " لا تقلق بشأن هذا سيدي "
قلت " كما تريد وداعا "
أغلقت منه الخط وعدت للغرفة وأعدت الهاتف حيث كان مؤكد مستيقظة فهي ما أن ينفتح النور في الغرفة تشعر به فورا ولا تنام قبل أن ينطفئ
نظرت حولي وفتشت الخزانة بحثا عن ضالتي ولم أجدها فتوجهت للدرج بجانبها وفتحته فكانت هناك
أخرجتها وتوجهت بها للأريكة وفتحتها فكانت حافظة لمصحف خاصة بالسيارات أنيقة ومذهبة و بها مصحف كحجم ذاك الذي أعطته لي سابقا , لما لم تقدمها لي كالأطفال وتركتها بل وخبأتها في الدرج !!
وضعتها على الأريكة وتوجهت للخزانة أخرجت بيجامتي ورميتها على السرير خلعت سترتي ورميتها على جسدها ثم ربطة العنق والقميص والبنطلون وهي على حالها تدعي النوم
أخذت المنشفة وقلت متوجها للحمام " أعلم أنك مستيقظة "
استحممت سريعا وخرجت بالمنشفة لأجدها على حالها الفرق الوحيد ملابسي التي رميتها عليها غير موجودة والهدية أيضا اختفت
ابتسمت ابتسامة جانبية ثم جلست على طرف السرير حيث هي نائمة وقلت " أعلم أنك غاضبة مني , هيا لا داعي لهذه الحركات الصبيانية "
قالت وعيناها مغمضتان " لست غاضبة فأطفئ النور ، فأنا متعبة وأريد أن أنام "
قلت بمكر " وإن لم أطفأه "
عقدت حاجبيها وقالت بضيق " جابر من أين تجد كل هذا النشاط لو كنت مكانك لنمت عند باب القصر "
ضحكت وشددت خصلة من شعرها الطويل فغطت رأسها باللحاف تتأفف بضيق فسحبته منها بقوة ورميته بعيدا
فجلست تجمع شعرها للوراء وتحركت حتى جهتي من السرير ورمت عليا بجامتي وقالت " يبدوا أنك أحببت تلك الجهة "
اضطجعتُ في مكانها ومددت لها يدي فنظرت لها مطولا ثم اقتربت مني وقالت ببرود " فقط لأني أخاف أن أحاسب إن رفضت "
قربتها لحظني وقلت " هكذا إذا "
قالت بهمس " نعم "
قلت وأنا أغرس أصابعي في شعرها " ولما تحديدا "
خبئت وجهها في صدري العاري وقالت بهمس " من اجل لا شيء "
قلت وأناملي تسبح في شعرها الكثيف " هل هناك من يغضب من أحد دون سبب "
قالت بذات الهمس " أجل أنا "
قلت بهدوء " لما لم تخبريني أني مدعوا على العشاء معك "
لم تتحدث وشعرت على صدري بشيء أعرفه جيدا فشددها لحظني أكثر وملت برأسي لأذنها وهمست " لما البكاء الآن يا أرجوان "
لم تتحدث فتنهدت وقلت " كنتِ عاقلة طوال الصباح وتصرفتِ بحكمة ما بك الآن وأنا من أخبرك منذ البداية انه إن كان لديك عتاب لا تدخريه لليل "
أحاطت خصري بذراعها بقوة وقالت ببكاء " قلقت عليك "
ابتسمت وقلت " لهذا فقط يا مشاغبة وأنا من كان يفكر كيف يعتذر ويخلص نفسه , إذا كنتِ محقة حين قلتي بأنك غاضبة من لا شيء "
قالت ببحة " بل منك "
ضحكت وقلت " اثبتي على واحدة "
لم تتحدث فقلت بهدوء " حسنا يا سيدة أرجوان أنا لم أخبرك أين سأذهب ظهر اليوم لأني لم أرد أن أفسد الأمور أكثر يكفي الحفل الذي لم أحضره "
لم تتحدث أيضا فقلت " هيا أجلسي أود أن نتحدث قليلا "
ابتعدت عني ونامت على وسادتي وأغمضت عيناها وقالت " لا تمن عليا بشيء هو ملكي وحدي "
ابتسمت ومددت يدي وسحبتها لحظني مجددا ، وقلت " حسنا تمتعي بأملاكك إذا "
أعادت ذراعها حول خصري وقالت " ماذا كنت تريد أن تقول "
مسحت على شعرها وقلت " نتفق على بعض الأمور "
أبعدت وجهها من صدري ونظرت لي وقالت " مثل ماذا "
دسست وجهها في حضني مجددا وقلت " لا تتركي أملاكك يا مستهترة "
ثم تابعت " مثل أني هذه الفترة على قدم وساق كما تري "
نظرت لي مجددا وقالت " وأنا لم أشتكي كما طلبت "
مررت أبهامي على خدها وقلت بابتسامة " اعلم وأريد أن يستمر هذا "
نظرت لعيناي مطولا بحيرة ثم قالت " وحتى متى "
قلت " حتى تنتهي هذه الأزمة في البلاد "
قالت باختصار " ثم "
قلت باستغراب " ثم ماذا "
قالت " بعد ذلك هل ترجع لتكون موجودا عند وجبات الطعام فقط "
لذت بالصمت أحاول مجددا فهم خبايا دماغها لأني كلما قلت شيئا كان جوابها مغايرا لما اعتقدت وعندما طال صمتي جلست وقالت " جابر سأتحدث ولا تقاطعني حتى أنتهي ومهما قلت أو لن أتكلم وننسى كل هذا "
هززت رأسي بحسنا لتتكلم فقالت " أبعدني أنا جانبا ولن نتحدث في هذه النقطة بتاتا , آلا تحب أطفالك مؤكد الجواب نعم ، آلا تشتاق لهم لرؤيتهم كما يشتاقون لك هم ويفتقدونك
أتعلم في الماضي في يوم عيد ميلادي كنت أتمنى أن يحضروا لي هم هدايا من أنفسهم دون أن أعلم لشدة حبي لهم وكنت أتخيل كيف ستكون سعادتي وتدمع عيناي كلما تخيلت ذلك لهذا فكرت أن أفعل هذا لك بالأمس لأني اعتقدت بأنك ستشعر بكم السعادة الذي كنت أنا أتخيله
لكنك حتى ابتسامتك لهم وأنت تشكرهم كانت تدل على أن دماغك مع شيء آخر وليس معهم "
سكتت فقلت " هل انتهى كلامك "
نظرت ليديها في حجرها وقالت " لنعتبره انتهى "
جلست أيضا وقلت " إذا هذه نقطة وقوف فقط "
نظرت لي بصمت فقلت مبتسما " تبدين أخطر مما تصورت هل تقرئين الابتسامات أيضا "
قالت بضيق " نعم وابتسامتك هذه معناها أنك تسخرومني أو أنك لم تعر ما قلت أي اهتمام "
قلت بهدوء " لو كان الأمر كذلك ما تركت النوم مع كل تعبي وجلست أتحدث معك "
قالت " إذا دعنا نستغل الوقت لتنام ولو لوقت قليل قبل أن يتصلوا بك "
قلت " دعينا نؤجل نقطة تواجدي معهم قليلا كما تؤجلين تلك النقطة دائما وبمزاجك "
لاذت بالصمت ولم تعلق فقلت " وغيرها دعينا نتناقش فيه "
قالت من فورها " أي شيء غير ذلك "
قلت " تقريبا "
رمتني بالوسادة وقالت بتذمر " أنت لا يمكن محاصرتك أبدا أي حظ هذا الذي رماني على رئيس محققين "
ضحكت وقلت " لن يفهمك أحد مثله يا أرجوان وعرف حظك أين يضعك "
لوت شفتيها بعدم اقتناع فقلت " إهانة مقبولة منك فتابعي "
قالت وهي تعد على أصابعها " أريد مسبحا للأطفال مادام لا يمكنهم الخروج كي لا يتعرضوا لأي خطر وأن نلحقهم بدورات لتحفيظ القرآن
أريد أن يخرجوا للحديقة ونشتري لهم دراجات أريد أن يكون لهم مراجيح والعاب في الحديقة الواسعة بلا فائدة أريدهم أن يشعروا أنهم أطفال أريد لهم غرفة العاب ولو ليدخلوها لأوقات محددة بدلا من اللعب بدمى القلعة فقط "
بقيت أركز على ملامحها بصمت حتى انتهت وسكتت فقلت " ألا يوجد شيء لك كله لهم "
نظرت للأسفل وقالت " إن سعدوا هم سعدت أنا "
قلت بهدوء " هل تعني أن السعادة ما ينقصك هنا أم أنك لا تريدي غير سعادتهم ولا شيء لديك "
رفعت نظرها لي وقالت " منذ تزوجنا كان اتفاقنا أنه زواج من أجل الأولاد فإن طالبت بشيء منك لي أكون أستحق الجلد ويكفي أن مالك مفتوح لي ولا تحاسبني عليه وأنا أحترم كل بنود ذاك الاتفاق كما ترى "
نظرت لها مطولا بتركيز حتى ابتعدت بنظرها مجددا ثم قلت " تعني أنك لم تغضبي اليوم مني لأنك تنفذين الاتفاق "
لاذت بالصمت فقلت " ولما اشتريت لي هدية إذا وتزينتِ وحجزت من اجل العشاء لنا فالأطفال خارج كل هذا "
ابتعدت لتغادر السرير فأمسكتها وقلت " حسنا لن نتحدث في هذه النقطة حتى تسمحي بهذا "
ثم قلت بهدوء " أنتي تعلمي أن والدتي لن توافق كل ذلك فاختاري شيئا واحدا منهم حاليا والباقي لنتركه للوقت "
قلت بهدوء " لكن امجد يحب الدراجات وترف تحب السباحة
وبيسان تحب المراجيح فمن بضنك سيختاره قلبي على الآخر "
قلت " المسبح يأخذ وقتا والعمال يحتاجون من يراقبهم ولا وقت لدي كما تري وكذلك الألعاب الثابتة في الحديقة "
قالت باستياء " إذا بقي الدراجات فقط "
قلت بجدية " أرجوان عليك أن تقدري ظروفي أيضا فأنتي لا تعلمي أني أستمع لسيل من الملاحظات من والدتي وأتجاهله كله لاتفاق زواجنا فأن أقوم بما تريدين وأتجاهلها هي أمر سيجرحها بالتأكيد وهي في النهاية والدتي "
اقتربت مني قبلت خدي وقلت " إذا ننسى كل ما قلناه , وبالنسبة لي ما كنت سأتحدث عنه وأنت من فتح هذا الموضوع "
شددتها لحظني وقلت " نؤجله فقط "
قالت بعد ضحكة صغيرة " حاضر يا سيد تأجيل "
لم أستطع إمساك ضحكتي التي انطلقت مرتفعة ثم قلت " لقد أصبتني بحساسية من كلمة مشغول والآن تريدي أن تضيفي هذه لها "
نظرت لي وقالت " وتنيني أيضا "
أمسكت أنفها وقلت " إذا لدي ما لم أتحدث عنه بعد يا مشاغبة "
نظرت لي باهتمام فقلت " نحن متزوجان من فترة وأرى دورتك منتظمة ولا مشاكل فيها فلما لم تحملي بعد "نهاية الفصل
*❀يتـــ⇓⇓⇓ــبــــــ؏❀*
➖➖➖➖➖➖➖
☆☆☆☆☆☆
أنت تقرأ
أوجاع ما بعد العاصفة
Misterio / Suspensoكم حملنا من جراح وحمّلنا الغير إثم وجودها على وجه الأرض وهم لا يعلمون أنها خرجت من عمق أوجاعنا للكاتبة برد المشاعر