تنفست بقوة مهدأ نفسي وقلت " حسناء هربت مع زوج والدتها وليس رجلا غريبا وإلا ما كنت تزوجت بابنته فهي خالتهم ولا أريد مشاكل في المستقبل أنا في غنا عنها حين تعلم أنهم أبناء شقيقتها والسبب الآخر والأهم في زواجي بها تعليم الأولاد "
لاذت بالصمت فوقفت وقلت " لا أريدك أن تغضبي مني يا أمي لكنه قراري النهائي من أجل مصلحة الأولاد فلم أفكر حتى في نفسي وبات واضحا لك ولها حدودي فيما يخص تناقضكما في الرأي "
ثم خرجت مغادرا من جناحها , أعلم أنه ولا واحدة منهما مقتنعة بما أقول وستفعل ما في رأسها لكن المهم عندي أن يرفعا من دماغيهما إدخالي في أي شيء سيحدث بينها
* *
مر يومان لم يتصل بي عريس الغفلة ولم أره خلالهما , يبدوا غيّر رأيه أخيرا , آه كم أشتاق للأطفال وأحتاج لهم وأبدوا كما قال أناقد نفسي
سوسن المضحكة أرسلت لي البارحة أسماء لمراكز عناية بالبشرة ومحلات متخصصة بملابس العرائس كمن كذب كذبة وصدقها
وتضن أنه بالفعل سيمارس حياته معي كزوجين طبيعيان , هي تهذى بالتأكيد هذا الرجل لا يريد زوجة هو يريد مربية ومعلمة ووجدهما لدي وهذا ما أنا أكيده منه وسعيدة به أيضا
سمعت قرعا لجرس الباب فلبست حجابي ونزلت , ليس هو بالتأكيد فهو كالأشباح يدخل دون إذن
فتحت الباب فكان أمامي فتاة تبدوا من دولة غير هذه البلاد وخلفها يقف رجلان , قالت بابتسامة " صباح الخير سيدتي "
نظرت لها بتوجم ... سيدتها !! منذ متى كنت سيدة أحد ؟ قالت عندما طال صمتي " السيد جابر أرسلني والسائق والحارس لأخذك للسوق "
نظرت لها مطولا بصدمة ثم قلت " قلتي لماذا !! "
قالت بذات ابتسامتها " للتسوق سيدتي , هو لم يخبرنا بشيء سوا أنه علينا أخذك لشراء كل ما تريدينه وإيصاله للقصر "
ثم التفتت للخلف وأخذت من الذي خلفها شيئا مربعا ثم نظرت لي وقالت " هذه إحدى بطاقات السيد سندفع ثمن كل ما تختارينه "
قلت والصدمة لم تفارقني بعد " ما تعني بكل ما سأختاره "
قالت بهدوء " ظننتك والسيد متفاهمان على الأمر , أعني الملابس الأحذية الحلي وكل شيء تختارينه أنتي "
ما يعني ! هل أنا متشردة وعليه تغيير مظهري ولما لم يخبرني بهذا, كل شيء يأتي لقوله وليأمرني به وهذا لا
قلت ببرود " عودوا من حيث أتيتم "
نظرت لي بصدمة وقالت " ولكن سيـ.... "
قلت بضيق " لن أذهب معكم فارحلوا في حال سبيلكم "
قال المخيف الواقف خلفها " لا نستطيع مخالفة الأوامر سيدتي "
قلت بجدية " الأوامر لك أنت وليست لي "
أخرج هاتفه قائلا " انتظري قليلا "
أجرى اتصالا وقال " سيدي الآنسة ترفض الذهاب معنا "
خرج حينها الصوت المزمجر من سماعة الصوت من علوه وقال هذا المغلوب على أمره " أخبرناها سيدي ولكنها ..... "
قاطعه بصراخه مجددا فقال " حاضر سيدي "
أنهى المكالمة وقال " لا تسببي لنا المشاكل يا آنسة لأنه عليك الذهاب معنا "
دخلت للمنزل وصعدت لغرفتي وأخذت هاتفي واتصلت به لكنه لم يجب هذا المتعجرف المتحجر
وصلت بعدها رسالة ففتحتها
فكانت منه وفيها ( لن ينزل حق من حقوقك كزوجة أليس هذا ما تريديه فمن ضمن المكانة التي اشترطتها أن تتجهزي كغيرك )
تأففت ورميت بالهاتف بعيدا عني ثم عدت له مصعوقة وقرأت الرسالة مجددا, ما يعني بلن يسقط حق من حقوقي ! لبست حجابي وعباءتي ونزلت لهم محاولة تجاهل كل هذه الأفكار
خرجت وركبت السيارة الفاخرة التي توصل الأطفال للمدرسة وحكوا لي عنها أخذوني لمركز كبير ومشهور لم أحلم يوما أن أدخله حتى من باب الفضول وبدأت بالتنقل في المحال وهما خلفي وكأني أعيش فلما أمريكيا وأمثل دور أحد الأثرياء فيه
مررت بجانب محل لقمصان النوم ولا شيء غيرها فيه فابتسمت بسخرية وتخطيته متجاهلة له فلن أحتاجه ولن أدخله لأني سأكون مسخرة له حين يأخذون الثياب للقصر ويرى من ضمنها هذه التفاهات وطبعا سيضحك علي وفي وجهي أيضا فلن يفوت كهذه الفرصة
دخلت أحد المحال النسائية الخاصة بفساتين السهرات وانطلقت إحدى البائعات نحونا كالصاروخ قائلة " تفضلي سيدتي ما الذي تحتاجينه "
قلت وأنا انظر للمعروضات حولي " أريد ذاك الفستان الأسود وذاك الأخضر فاختاري لي ما يكون مناسبا لجسدي من ناحية المقاسات "
أخرجتهم لي من فورها مع مجموعة أخرى طبعا تصر عليا أن أجربها وأنها على الموضة فأخذتهم منها فليس ورائي شيء الوقت مفتوح أمامي ولا شيء ورائي أفعله والمال ليس من جيبي
قست كل المجموعة آخذ رأيها والفتاة التي أرسلها وأعجبني ثلاث فساتين اشتريتهم وخرجت أحسب ثمنهم بأصابعي
يا إلهي ثمنهم يساوي رواتبي لثلاث أشهر , تجولنا كثيرا واشتريت كل ما أعجبني وليس ما يلزمني فقط
هذا ثمن بسيط لتضحيتي بالعيش في ذاك الجحيم ومع أولائك الوحوش
وصلنا حينها للطابق المخصص بمحلات الذهب والمجوهرات فتوجها بي لمحل معين لم أختره أنا
دخلت خلفهم فرحب بنا صاحب المحل وأخرج علبة كبيرة سلمها للحارس فأخذها منه من فوره وخرج بها ينتظرني في الخارج فخرجت كالبلهاء لا أفهم شيئا
وقال حينها " إن أنهيت كل شيء سنأخذه للقصر ونعيدك لمنزلك "
قلت ونظري على العلبة " ولما كل شيء باختياري إلا هذا ولم أره حتى "
قال من فوره " هذا على دوق السيد وطلبه "
قلت من فوري " هل لي أن أراه "
قال " معذرة سيدتي لا أستطيع "
تنهدت بضيق وغادرت وهما يتبعاني , دخلت لمحطتي الأخيرة وهي محل خاص بالأطفال لأشتري هدايا لأبنائي ومن ماله أيضا
يالك من مضحكة يا أرجوان أعجبك هذا الدور في مركز التسوق ونسيتِ ما ينتظرك ثمنا لكل هذا , اشتريت هدايا لسوسن وأبنائها أيضا
خرجنا وقلت " هذه سآخذها معي للمنزل "
قال الحارس " الأوامر أن نأخذ ما تطلبين أخذه فقط "
قلت بعد تفكير " حسنا سآخذ بعض الأغراض ممن اشتريته "
أوصلوني للمنزل أنزلت الهدايا وأحد الأثواب مع ملحقاته لألبسه عند ذهابي هناك فقد يكون لديهم أحد فأنا لا أعلم عن ترتيبه للأمر هناك رغم أنه لم يتحدث عن حفل ولا يفكر فيه
هذا أفضل فأنا لا أريد أن تحرجني والدته أمام طبقتهم المترفعة
دخلت المنزل وكل مفاصلي تؤلمني من اللف والتنقل بين المحلات من يرى مبنى المركز من الخارج لا يتخيل انه هكذا من الداخل
رميت بحقيبتي على الأريكة وتوجهت للمطبخ لأعد شيئا خفيفا آكله فلم آكل في المطعم الموجود هناك طبعا لأنهما لابد وسينقلان له كل ما فعلت وسيعتقد أني أهذر ماله عمدا
ههههه غبية وما سيقول عن كل تلك الأشياء التي اشتريتها , لا وهدية لصديقتك وطفليها
ولكن الذنب عليه لما يجعل حسابه مفتوحا لي تناولت طعامي ونظفت المطبخ ثم خرجت وتوجهت لحقيبتي
أخرجت هاتفي ووجدت رسالة منه , لابد سيشتمني على إهداري لماله , فتحت الرسالة فكان فيها ( غدا صباحا سآتي لأخذك للمحكمة )
نظرت للحروف بصدمة أقرأها مجددا , كيف علم أنه لا ولي لي وزواجي لا يتم إلا عن طريق المحكمة !!!
يبدوا يعلم عني أكثر من نفسي , صرخت بعدها وقلت " ماذا !! في الغد "
*
*
فتحت الكتاب ومررت صفحاته حتى وصلت لآخر شيء وقفت عنده
( القصاصة السادسة ــ حلم من الماضي البعيد )
قلبت الورقة وقرأت (( ورقة مطوية قلم حبر طرفه مكسور وجريدة أخرى , فنجان قهوة وأغنية بموسيقى حزينة وطفلة صغيرة بفستانها الحريري الطويل ترقص بالمقربة من تلك الطاولة على أنغام تلك الموسيقى , حافية القدمين شقراء الشعر وزرقاء العينين وثلجية البشرة
في أحد أصابعها خاتم ماسي تلف حول نفسها مبتسمة رغم الحزن في كلمات تلك الأغنية ورغم سواد قهوة الفنجان تلف وتضحك وتتطاير تلك الخصلات الذهبية وتنظر بحدقتيها الزرقاء للواقف هناك عند الجدار
صاحب الابتسامة الميتة والنظرة الحزينة والقلب المشتاق , ينظر بشغف لطيف الراقصة أمامه يتمنى لو فقط يسير نحوها ويحملها من خصرها بذراعيه ويلف بها وهو رافعا لها للأعلى تماما كما كانا في ذاك الزمن البعيد , لازالت تلف بجسدها وتركز نظراتها على عينيه وكأنها تخبره أنها المستحيل أنها الغربة في الليل الطويل المظلم
لو فقط يصل ولو لتلك الورقة وذاك القلم ليكتب فيها قصيدة أو أغنية أو حتى رثاء يرثي به حاله , لو يستطيع أن يصل حتى لفنجان القهوة ليسكبه على فستانها الأبيض الحريري لتبكي وتركض إليه وتخبره أن ثمة من سيعاقبها على اتساخ فستانها وتطلب منه أن يخبأها فلا يجد مكانا سوى حضنه يخفيها فيه , تماما كما كان في ذاك الزمان البعيد
ولكنه لا لن يستطيع لأن كل شيء هناك من بعثرات خياله وذكريات ماضيه ولا شيء حقيقي هنا سوى تلك الجريدة التي لا يريد أن يقترب منها لأنها ستخبره أن حبيبته لم تعد كما كانت , لم تعد الطفلة الشقراء ذات الفستان الحريري الطويل
ولم يعد هو في نظرها فارسها الوحيد , لذلك هو لن يفعل شيء سوى أن يُميل رأسه جانبا ونظره لازال على عينيها ويبتسم لها الابتسامة الوحيدة اليتيمة لعلها تصل إلى قلبها يوما وتخبرها أنها هي عشقه الوحيد كانت ولازالت وستضل للأبد ))
أغلقت الكتاب ومرت أطياف تلك الذكرى السوداء أمامي وذاك الرجل يصرخ بي ويزمجر بغضب وهو يدوسني بقدميه " لن تخدعوني يا ابنة الحسب والنسب لن تضحكوا عليا لأخفي عاركم وأتستر عليك , لن أخاف شقيقك ومركزه وستدفعين ثمن خداعكم لي وثمن عبثك من وراء عائلتك أو بعلمهم لا يعنيني ذلك "
رميت بالكتاب بعيدا عني ولا أعلم لما أقرأه وهو سبب رجوع تلك الذكريات السوداء لرأسي دائما , لماذا أكاذيبك يا رضا وحدها من تعود بي لذكرياتي المُرة التي لم أنساها مع ذاك الرجل
ضممت ساقاي بذراعاي جالسة على السرير وخبأت وجهي فيهما وعادت بي الذكرى من جديد ولكن لشخص آخر وزمن بعيد
(( رفعت رأسي ونظرت له وقلت بابتسامة طفولية " هيا نخرج يا رضا "
نزل عندي وفتح لي مشابك شعري كعادته ومشطه بأصابعه موزعا له على أكتافي ليبيح لي أول الممنوعات عني وهي ترك شعري مفتوحا في غير وقت النوم وسار بي على أطراف الحديقة
حتى أخرجني من القصر لألعب مع الأطفال وهو يقف بعيدا يراقبني كي لا يضربني أحد أو يطردني من لعبتهم وأنا ألوح له بيدي كل حين فيبتسم لي ويرفع لي كفه دون تلويح ))
رفعت رأسي ووقفت مغادرة السرير أريد أن أنسى كل شيء ولا شيء يساعدني على النسيان لا شيء أبدا خرجت لجناحي وسمعت طرقات خفيفة ومتقطعة على باب الجناح فتوجهت نحوه وفتحته فنظرتْ لي الواقفة خارجه بابتسامة وقالت " هل أدخل معك "
ابتسمت وقلت " تعالي ادخلي يا بيسان "
دخلتْ وأغلقتُ الباب خلفها قائلة " لما أتيتِ إلي "
توجهت من فورها لحوض الأسماك في غرفتي وبدأت تراقبهم بسعادة وقالت " ما أجملها هل هي حقيقية "
اقتربت منها وقلت " نعم هي حقيقية وحية "
نظرت لي وقالت " هل نستطيع إمساكها "
ابتسمت وقلت " لا فإن أخرجناها من الماء فستموت "
قالت بحزن ونظرها على الأسماك " مسكينة كم ستشرب من الماء ستنفجر معدتها "
غلبتني ضحكتي التي لم اسمعها منذ وقت طويل حتى أني نسيت كيف تكون , اقتربت منها ومسحت بيدي على شعرها وقلت " لم تجيبيني يا بيسان لما أتيتِ إلي "
نظرت لي للأعلى وقالت بابتسامة " هربت من المربية لأزورك " نزلت لعندها وقلت " ولما تهربين منها "
قالت بعبوس " جدتي لا تريد أن نخرج من ممر غرفنا , وغرفتك بعيدة عني "
ابتسمت لها وتوجهت لغرفتي وأنا أقول " تعالي اتبعيني يا بيسان "
دخلت الغرفة وهي تسير خلفي ثم أجلستها على السرير وفتحت خزانتي وأخرجت صورة وجلست بجانبها وأريتها لها فأمسكتها وقالت بدهشة " صورتي !! "
قلت بابتسامة " بل صورتي أنا حين كنت في عمرك الآن "
نظرت لي بصدمة وقالت " هذه أنتي !! "
هززت رأسي لها بنعم فقالت بابتسامة " مثلي أنا أليس كذلك "
قلت وأنا ألعب بجديلتها بين أصابعي " نعم أنتي مثلي "
ضحكت وقالت " كما قال ذاك صديق بابا الذي اسمه رضا "
ماتت ابتسامتي خلف صدمتي وقلت " ماذا قال لك ؟؟ "
قالت " قال تشبهينها في كل شيء وحين سألته من تكون قال حبيبتي وكلمات لا أفهمها "
ابتسمت بحزن وأبعدت نظري عنها فقالت " ماما ستأتي للعيش معنا وجئت لأخبرك "
نظرت لها باستغراب وقلت " من ماما هذه فوالدتكم ميتة "
قالت بابتسامة " التي كانت شقيقتنا ثم وجدنا بابا وظهرت أنها ليست شقيقتنا "
قلت بحيرة " ولما ستأتي هنا "
رفعت كتفيها وقالت " لا أعلم بابا يقول سيتزوجها ، المهم أنها ستبقى معنا للأبد "
كما قال جابر إذا أخرج أمي من مواضيع الزواج في العائلة
قلت بابتسامة " هل تحبينها كثيرا "
فتحت ذراعيها على وسعهما وقالت " أجل هكذا "
ابتسمت وقلت " وهل تحبينني أنا "
هزت رأسها بنعم ثم قالت " هل حقا حين أكبر سأكون كونتيسة جميلة مثلك "
ضحكت ضحكة صغيرة وقلت " كونتيسة !! "
هزت رأسها وقالت " نعم مثل بابا إمبراطور وماما إمبراطورا "
ثم عدت بأصابعها وقالت " ودوق أمجد ولورد معتصم والأميرة ترف "
ثم أشارت لنفسها وقالت " والأميرة بيسان "
فتحت لها مشابك شعرها وأحضرت المشط ومشطت لها شعرها
ثم توجهت للخزانة أخرجت الصندوق الكبير في داخلها فتحته وأخرجت منه أحد فساتيني حين كنت في سنها وألبسته لها فلفت به حول نفسها وقالت بفرح " كم هو جميل مثل فستانك تماما "
أمسكتها من يدها وحملت الحقيبة التي في أعلى الخزانة وقلت " تعالي معي يا بيسان سنفعل شيئا ستحبينه "
أطاعتني من فورها وخرجت بها من الغرفة , وها هي هذه الطفلة تخرجني من غرفتي وعزلتي للمرة الثانية , نزلت بها للطابق الأول وتوجهت للغرفة التي لم أزرها منذ سنين , فتحت الباب ودخلت وهي معي يدها في يدي , ما تزال الغرفة كما هي لم تتغير أبدا
وضعت الحقيبة على الطاولة ثم فتحت السحّاب وأخرجت منها آلة التصوير وثبته على الطاولة ثم توجهت للبيانو الذي لم المسه من وقت طويل , فتحت الغطاء وجلست أمامه
ونظرت لها وقلت " اقتربي يا بيسان وافعلي ما سأقول لك "
*
*
عند الصباح استيقظت على صوت رنين الهاتف فأخرجت يدي من تحت اللحاف وأدخلت الهاتف معي تحته ونظرت لأسم المتصل بعين واحدة مفتوحة ثم أجبت قائلة " سوسن ما بك مزعجة هكذا قلت لك سأستيقظ بنفسي , مادمتِ متحمسة جدا تزوجيه أنتي إذا "
وصلني صوت رجولي ثقيل ، قائلا بضيق " نعم وزعيني على صديقاتك أيضا "
جلست مفزوعة ونظرت للرقم بتركيز ثم أعدت الهاتف لأذني وقلت " من أين تحصلت على هاتف صديقتي "
قال بسخرية " افتحي عينيك جيدا يا آنسة وانظري للاسم "
نظرت له فكان سوسن لكن الرقم ليس لها هذا رقم مميز فهو رقمه بكل تأكيد من أين لتلك المعدومة بهذا الرقم
لقد فعلتها بي تلك المخادعة إذا حين زرتها البارحة وأخذت الهدايا لها الوقحة سترى ما سأفعل لها, أعدت الهاتف لأذني وقلت " نعم "
قال ببرود " أنا في الأسفل بسرعة لا تعطليني ورائي مشاغل كثيرة "
شددت على أسناني بغيض أكتم كلماتي كي لا أنفجر فيه هذا المتعجرف المغرور لكن علاجك عندي يا عدو النساء
غادرت السرير ودخلت الحمام سريعا وخرجت , غيرت ملابسي ولبست عباءتي وحجابي ونزلت له
سيد المنزل والآمر الناهي فيه وجدته جالس على الأريكة لا ويشرب القهوة , وبكل وقاحة يعد القهوة في منزلي أيضا , لم أقابل في حياتي أوقح منه
وقفت عنده وقلت ببرود " صباح الخير "
قال ونظره على الفنجال في يده " الآن صباح الخير "
تنهدت وقلت " جابر اترك عني وعنك لعب الأطفال "
نظر لي بابتسامة جانبية فقد فهم مقصدي جيدا , وضع الفنجال على الطاولة أمامه ثم وقف قائلا " لا تعامليني بمبدأ ما قُلتَه لي سابقا أعيده لك الآن لأن اللعبة لن تعجبك "
قلت وأنا أسير خلفه خارجا من الباب " قد تعجبنا ونتسلى بها "
قال وهو يفتح الباب " إذا لا تنسي أوراقك جميعها كي لا نعود مجددا لأخذها يا .... آنسة أرجوان "
وقد ضغط على الكلمتين الأخيرتين ليذكرني أني منذ قليل قلت له جابر فقط ولأتذكر ما قلته سابقا حين ناداني باسمي دون رسميات , من صدمتي لم استطع الرد عليه
من أين جاء لي حظي التعيس بهذا الداهية ؟ سيأتيك اليوم يا أرجوان الذي
ستقولين فيه وبحرقة جملة سوسن الشهيرة ( لا بارك الله في اليوم الذي عرفت فيه والدكم ) ويبدوا قريبا جدا
خرجت خلفه وصعدت السيارة وانطلقنا في صمت حتى قال ونظره على الطريق " سنتم كل شيء
وآخذك للقصر أم لك رأي آخر "
نعم فكل الرأي لي ولا تتحرك دون أخذ رأيي , قلت بهدوء " أريد العودة لمنزلي أولا لدي بعض الأغراض أريد تجهيزها لآخذها معي "
قال ونظره لم يفارق الطريق " إذا سأتصل لك بالسائق لتعودي معه أنا مشغول اليوم سأترك لك السائق يأخذك للقصر متى تريدين "
لم اعلق بشيء ولن أقول أنت ستكون زوجي وأنت من عليه أخذي لأني في هذا الزواج اعلم أنه لا يعتبرني زوجة وأنا أكثر منه لا أعتبره زوجا ومستغنية عن خدماته
وصلنا المحكمة وأتممنا الزواج وأنا انظر للعقد بحسرة حين كنت أوقع عليه والقاضي يسألني إن كنت موافقة , آخر ما تخيلته أن أتزوج , وبمن !! بوالد أشقائي
كم في الحياة من عجائب وهذا الصخرة أعجوبة لوحده
خرجنا بعدها من مبنى المحكمة وكان السائق في الخارج فتح لي باب السيارة وتوجهت من فوري لها وركبتها دون أن أتحدث معه أو أسمع منه كلمة , ركب السائق وعاد بي جهة منزلي وأنا متكئة على النافذة أنظر للسيارات بشرود طوال الطريق
صحيح أني لم أكن أفكر في الزواج من اجل الأطفال ولكني كأي فتاة كنت أتمنى إن تزوجت أتزوج رجلا حنونا عطوفا يحبني ليس كهذا الصخرة وليس يوم كهذا اليوم
حتى بعد أن صرت زوجته لا كلمة جميلة منه لا همس لا أمسك يدي وأخرجني معه ولا حتى كلمة مبارك لنا أيتها التعيسة أرجوان , تنهدت بأسى ورفعت رأسي
وقلت موجهة حديثي للسائق " أوقف هذه الأغنية "
امتثل لأمري فورا فلم يزدني بؤسا سوى سماعي لهذا اللحن وهذه الكلمات الرومانسية الحالمة
أوصلني للمنزل وقال بأنه سيبقى في الخارج حتى يغادر بي ولو بقي النهار بطوله لأن الأوامر هكذا
طلبت منه أن يترك لي رقم هاتفه ويغادر لكنه رفض فدخلت للمنزل وتركته , هو اختار هذا فليتحمل إذا
غطيت أثاث المنزل دون أن أحرك شيء منه من مكانه فمن يعلم قد أعود له قريبا , صعدت بعدها لغرفتي استحممت ولبست الفستان الذي تركته هنا ولم أضع شيئا على وجهي وتركته على طبيعته ومر الوقت من تنظيف وتغطية أثاث وتجهيز لنفسي حتى بعد الظهيرة وذاك السائق لازال في الخارج , رحمت حاله وأعددت وجبة سريعة لي وله وأخرجت له الطعام للسيارة فقبله من فوره
عدت للمنزل نظفت الأواني التي أكلت فيها ثم أغلقت جميع الغرف والمطبخ والحمامين وأخرجت هدايا الأولاد ووضعتها في السيارة وقلت للسائق " سأسلم على جاراتي القريبات مني وآتي إليك "
قال من فوره " كما تريدين سيدتي ويمكنني أخذك بالسيارة "
قلت بابتسامة " شكرا منازلهم هنا قريبة , لي صديقة تبعد عن هنا بشارعين ستأخذني لها قليلا "
هز رأسه بحسنا فشكرته وأغلقت باب السيارة وسلمت على جاراتي المقربات وكل واحدة منهن صُدمت لخبر زواجي وحين سألنني عن العريس وعرفنه من يكون قالوا أنه فُتحت أبواب السماء لدعواتي ويالهم من واهمين , كل واحدة منهن كان في ملامحها معرفتهم بأمر تردده على منزلي والجميع خائف من السؤال لأنهم بالطبع سيخافون منه
عدت للسيارة ركبتها وأخذني لمنزل سوسن , نزلت وقرعت الجرس ففتحت هي الباب لي فنظرت لها بضيق وقلت " لم أكن أريد زيارتك على الموقف السيئ الذي وضعتني فيه صباحا لكني أفضل منك وجئت لأودعك مؤقتا "
ضحكت وقالت " ولما مؤقتا وليس أبدا "
قلت ببرود " لأني أجزم بأنني عائدة لك عما قريب "
ضحكت وقالت " هيا أدخلي "
قلت من فوري " عليا أن أرحم المسكين ينتظرني منذ الصباح "
نظرت لي بصدمة فقلت بضيق " سوسن السائق أعني فلا تعكري لي مزاجي فوق تعكيره "
حضنتني وقالت بدموع " سأشتاق لك يا أرجوان "
قلت بحزن " سأزورك دائما فأنا لن أسافر يا غبية "
ضحكنا معا ثم غادرت من عندها ووصلنا القصر بعد نصف ساعة من السير بالسيارة
دخلت للداخل واستقبلتني خادمتان وصعدتا بي للأعلى فقلت ونحن نصعد السلالم " خذاني لغرفة الأطفال "
أخذاني لممر غرفهم فورا , طرقت باب غرفة ترف و بيسان وفتحته ودخلت فكانت المربية معهم وما أن رأتاني حتى قفزتا ركضا ناحيتي ونزلت لهما واحتضنتهما بشدة
هذا أجمل ما في الأمر كله هؤلاء الأطفال الذين أصبحت زوجة والدهم الآن ولم أعد فتاة غريبة عنهم
قالت ترف وهي تحضنني بقوة " أحبك ماما وأخيرا ستبقي معنا "
قلت بحنان ماسحة على شعرها " نعم صغيرتي ولن أترككم أبدا "
وقفت المربية وقالت " أنا سأغادر الآن فوظيفتي انتهت هنا أتمنى لك السعادة سيدتي , أبناءك من ألطف وأفضل من قابلت ونعم التربية حقا , وسررت بمعرفتك "
وقفت وصافحتها وقلت " شكرا لك يا آنسة أنتي مؤدبة جدا أتمنى لك التوفيق "
اكتفت بالابتسام لي وغادرت الغرفة من فورها
نظرت بعدها من حولي وقلت " أين أمجد "
قالت بيسان " أخذه عمي معتصم معه "
قلت " أين السجادة لم أصلي العصر والمغرب يقترب شيئا فشيئا "
ركضت ترف وأحضرتها لي على الفور فأخذتها منها وقبلت خدها وقلت " هل تصلون كما أوصيتكم "
قالت بيسان " نعم ماما نحن والمربية وأحيانا بابا "
ابتسمت وقلت " هذا جيد حبيبتاي "
قالت ترف "سأصلي معك "
قلت مستغربة " ألم تصلوا بعد ! "
قالت من فورها " بلى لكني أريد أن أصلي معك "
ضحكت وقلت وأنا ألعب بغرتها بين أصابعي " لا يجوز حبيبتي الصلاة مرة واحدة فقط سيغضب الله منك "
قالت بحزن " حقا سيغضب مني "
قالت بهدوء " نعم حبيبتي وسنصلي المغرب معا لا تقلقي "
ابتسمت بسعادة فوقفت وطرحت السجادة وصليت ثم نزعت عباءتي , كنت أرتدي فستانا من الفساتين التي اشتريتها كان طويلا باللون الأحمر الغامق له أكمام قصيرة جدا وفتحة عند الصدر مربعة الشكل
لو كنت اعلم انه لن يستقبلني غير الخادمات ما كنت لبسته , قالت بيسان " ماما فستانك جميل "
قلت بابتسامة " وفستانك أيضا "
قالت وهي تلف به " عمتي زهور ألبستني إياه البارحة ولم أترك المربية تنزعه مني ونمت به "
قلت بحيرة " عمتك زهور ألبسته لك !! "
هزت رأسها بنعم وقالت " هي جميلة ولطيفة ، ولديها حوض أسماك في غرفتها "
نظرت لها ترف وقالت وهي تمرر يدها على عنقها " لو رأتك جدتي تذهبين هناك لذبحتك "
قلت بصدمة " ولما لا تذهب هناك ! "
قالت ترف " جدتي تقول لا تغادروا ممر غرفكم ، وتركضوا في ممرات القصر "
يا إلهي ما كل هذا الجبروت والجنون , هذه ليست سوى المعلومة الأولى ولكني لن أسمح بهذا أبدا , جمعت شعري ولففته وأمسكته بمشبك أخرجته من حقيبة يدي وأمضيت بعض الوقت معهما حتى أذن المغرب وصلينا , لا أعرف أين أخذوا ثيابي لأغير هذا الفستان ولا أستطيع سؤال احد لأني لا أعلم حتى كيف أتحرك هنا
بعد ساعتين طرق أحدهم باب الغرفة ودخل فكان امجد الذي ركض مسرعا نحوي واحتضنني وقال " ماما لما لم تقولي أنك ستأتي اليوم "
جميل ولم يخبرهم أني سآتي , يقول فقط مع يهمه ويخدم مصلحته قلت بابتسامة " حدث الأمر سريعا بني "
ثم أبعدته عن حضني وقلت " أين كنت رائحتك هكذا !! "
قال بابتسامة " أخذني عمي معتصم للخيول إنها كثيرة وجميلة وأركبني إحداها أيضا "
قالت ترف ويدها وسطها " ولما لم يأخذني أنا "
نظر لها وقال ببرود " أنتي فتاة لا يأخذك "
مدت شفتيها وقالت " أريد الذهاب "
قلت " هيا بني عليك أن تستحم بسرعة "
قال من فوره " حاااضر "
وغادر الغرفة متوجها لغرفته استحم وعاد لينظم إلينا
بعد وقت طرق أحدهم الباب ودخلت خادمتان بالطعام وكانتا غير اللتان أوصلتاني إلى هنا
وضعاه على الطاولة وقالت إحداهما " السيد اتصل وأمر بإحضاره لكم هنا الليلة "
قلت بابتسامة " شكرا لكما "
ثم قلت مباشرة " أين ملابسي وغرفتي هنا " نظرتا لبعضهما باستغراب فيبدوا سألت سؤالا سخيفا أو لا يعلمان أني تزوجت بجابر وسأعيش هنا , هل سأقيم مع الفتاتين هنا في غرفتهما ؟ حسنا ملابسي على الأقل
قلت بهدوء " يمكنكما المغادرة "
غادرتا في الفور , تناولنا العشاء سويا وعادتا بعد نصف ساعة
وأخذتا الأطباق وقالت إحداهما مشيرة للهاتف في الغرفة " إن احتجت أي شيء سيدتي الهاتف موصول بالمطبخ وغرفة الخدم والسائق أيضا , في الأزرار الثلاث الأولى "
قلت بابتسامة " شكرا لك "
وغادرتا مجددا صلينا العشاء وجلست على الأرض أدرس بيسان قليلا وترف تنام على ظهري ولم أنهاها كما في السابق فانا اشتقت حتى لمشاكستها لي وأنا أدرس أخويها , وامجد كان يمسك كتابه
ينتظر أن ننتهي لأرى دروسه , فتح حينها أحدهم الباب ونظرنا له جميعنا فكان جابر
سويت جلستي وأبعدت ترف عني وأجلستها في حجري فقال بهدوء ممزوج بالجدية " مساء الخير "
قلت بشبه همس " مساء النور "
ركضت ترف ناحيته فرفعها من ذراعيها وقبل خدها وهمس لها شيئا فقالت " حاضر بابا "
ثم انزلها فقالت مشيرة بإصبعها لي " ماما جاءت وأنت غير موجود " كتمت ابتسامتي بأصابع يدي ولا أعلم من أين له هذا التحكم في نفسه ولم يضحك مما قالت
نظر جهة امجد وقال " لغرفتك يا أمجد ألا ترى أنها العاشرة "
وقف امجد وقال " كنت انتظر أن تدرسني بعد بيسان "
قال من فوره " تدرسك غدا الوقت أمامكم بطوله , هذا وقت النوم هيا بسرعة كلن في سريره "
توجه أمجد نحوي وقبّل خدي وقال " تصبحين على خير ماما "ثم خرج مارا بوالده وقال له نفس الشيء وغادر الغرفة لغرفته
وتوجهت الفتاتان من فورهما لأسرتهم وبقيت المربية أرجوان جالسة على الأرض , نظر لهما ثم أطفأ النور وقال مغادرا " اتبعيني لجناحنا يا أرجوان "نهاية الفصل
*❀يتـــ⇓⇓⇓ــبــــــ؏❀*
➖➖➖➖➖➖➖➖
☆☆☆☆☆☆
أنت تقرأ
أوجاع ما بعد العاصفة
Mystery / Thrillerكم حملنا من جراح وحمّلنا الغير إثم وجودها على وجه الأرض وهم لا يعلمون أنها خرجت من عمق أوجاعنا للكاتبة برد المشاعر