*|🔢|:☟البـــ{الثاني عشر}ـــارات☟*

106 5 0
                                    


استيقظت باكرا استحممت ولبست ثيابي وحجابي وأخذت مذكراتي والمعطف الطبي من أجل المعمل وخرجت من غرفتي , منذ سافرت فرح والمكان أصبح هادئا وكئيبا بدون ضجيجها وضحكاتها التي تسمعها أينما كنت في الشقة وفتحها للأبواب بعنف وكأنها ستذهب لمقابلة تلفزيونية وليس الجامعة أو السوق
توجهت لغرفة الطعام وكانت زوجة والدي هناك تنتظرني , دخلت وقلت " صباح الخير "
قالت بابتسامة " صباح الخير بنيتي تناولي إفطارك جيدا ليس كاليومين الماضيين "
ابتسمت وجلست وقلت " لا تقلقي بشأني سآكل في الجامعة "
تنهدت وقالت " لو فرح هنا ما تركت أحد ينهض إلا وهو أكل حصته وزيادة "
ضحكت ضحكة صغيرة وقلت " ذلك من كثرة ثرثرتها تجعلك تأكلين دون شعور وأنتي منسجمة مع ما تقول "
قالت بابتسامة " وفقهما الله , اليوم ستداوم في الجامعة هناك "
قلت بهدوء " البارحة تحدثت معي وتبكي طبعا وقالت لم تحب المكان ولا البلاد , وهي وصلتها منذ أيام فقط "
ضحكت وقالت " أعان الله جواد عليها ستجعله يكره السفر والدراسة "
قلت وأنا أشرب الشاي " ستحتاج لوقت لتتعود لقد اتصلت به وتحدثنا في الأمر وقال بأنه يعلم أن كل من يسافر يمر بهذا بادئ الأمر فقط النساء يعبرون بدموعهن والرجال لا "
تنهدت وقالت " أعانني الله على فراقكما , لو تبقي لي أنتي على الأقل "
قلت بابتسامة حزينة " هذا ما كنت أتمناه أن نبقى أنا وأنتي كما كنا ولكن من يستمع لنا ولرغباتنا فالمرأة تبقى تابعة للرجل ، حتى القبر وهو يأخذها له بنفسه "
ضحكت وقالت " من أين تأتين بهذه الحِكم "
وقفت وقلت بضحكة صغيرة " الحياة كفيلة بذلك "
غادرت بعدها المنزل وركبت السيارة التي تنتظرني في الخارج؟كم مرة قلت أني سأركب سيارات الأجرى ولكن من يفهم ما أقول
المهم عندي أنه لن يصرف علي من جيبه ولن أدرس على حسابه وإن كنت سأعيش في منزلهم
أنزلني السائق عند بوابة الجامعة وتوجهت للداخل وقابلتني ملاك عند الباب قائلة " بسرعة لما تأخرتِ "
قلت وأنا أسير معها مسرعتين " قابلت شابا في الطريق وجلسنا نتسامر "
ضحكت وقالت " أخبريه في المرة القادمة يقابلك ، وقت مغادرتك وليس قدومك "
ضحكنا سويا ثم قالت " أحضرت لك جميع المحاضرات التي فآتتك وكشكولي أيضا "
قلت بهدوء " جيد عليا مراجعتها بسرعة "
قالت بضيق مصطنع " في المرة القادمة حين ترفعين راية الغطرسة والخروج عن قوانينه أعلميني مسبقا لأتحد معك "
عدنا للضحك مجددا ولكن ضحكي مختلف عنها كثيرا ضحك ملئه حسرة وألم , دخل علينا صوت المار بجوارنا مسرعا وهو يقول " بسرعة يا كسولات الدكتور قريب منكما ستخسران المحاضرة "
وما أن سمعنا كلماته حتى ركضنا كلانا ركضا وهو يضحك علينا فقالت ملاك بصوت مرتفع ، وهي تتوجه لقاعة المحاضرات " حسابك معي يا طلال وسترى "
ضحك ودخل خلفنا قائلا " أحضرت مواد رسالة التخرج علينا دراستها معا يا كسولتان , نريد أن نخرج من هذه السنة بأسرع ما يمكن "
اجتزنا المدرج للأعلى وأنا أقول " سنتحدث لاحقا في المعمل "
جلسنا ودخل دكتور المادة قبل أن يدخل قبلنا والحمد لله , قام بتقسيم اللوح لثلاث كعادته وملأه أولا ثم أظلم القاعة وشغل العارض الضوئي وكأن من يركض ورائه كل شيء مع بعضه
وعند هنا هدأ الجميع لأنه مع الظلام لا هواتف محمولة تفتح ولا حواسيب لوحيه ولا مذكرات ولا شيء يُرى غير شاشته الكئيبة , بدأ في شرحه الطويل الممل وسافرت أنا بنظري للفراغ , عليا إنهاء جمع أغراضي لانتقل لمنزل خالتي .... آه استغفر الله لما أنا لا مأوى لي
لما المرأة عليها أن يكون لها شقيق أو والد أو زوج كي لا تعيش عالة على أحد , لما رجعت من سفرك يا نواس ولما أنت من بين خلق الله ابن خالتي ولماذا رحل كل أهلي بعيدا عنك إلا أنا
اتكأت على الطاولة أمامي وخبأت وجهي فيها حين شعرت بيد تمسح على ظهري وصوت هامس اقترب مني قائلا " وسن هل أنتي بخير "
كم صرت أكره هذه الكلمة , أنا بخير نعم بخير لو ابتعدت عنه لو أكون في عالم لا وجود له فيه وبقلب لا يعشقه وعقل لا يفكر به فمتى سأكون بخير بنظركم متى !!
رفعت رأسي وجلست مستوية في صمت وعدت أشغل عيناي وتفكري بالمحاضرة
*
*
اقترب مني ووضع يده على كتفي وقال " هل يمكننا الاقتراب منك الآن " أنزلت رأسي للأسفل وأنا أتكئ بذراعي على حافة النافذة الواسعة في مكتبي في المزرعة
قلت بهدوء " وهل تراني بارودا لا يمكنك الاقتراب منه "
وصلني صوته المبتسم قائلا " هل نست ما فعلته عند وصولك للمزرعة ليلة زواج جواد "
رفعت رأسي ونظرت للبعيد وقلت بابتسامة ساخرة " لا أذكر سوى أني لم أقتل نفسي تلك الليلة "
تنهد وقال " وليد يبدوا مستاء منك حتى الآن لقد أفرغت غضبك به وكل ذنبه أنه ذكرك بالواقع "
أنزلت رأسي مجددا وهززته يمنه ويسره وقلت بمرارة " ابتعد عني يا معاذ لا أريد أن اخطأ بحقك أنت أيضا "
قال بهدوء " مابك يا نواس لم أعرفك هكذا سنين معرفتي بك كلها, منذ عامان وأنت مزاجك في تقلب وهذه الفترة ازداد أكثر وهاذان اليومان أمامي نواس لا اعرفه "
قبضت أصابعي بقوة وقلت " اتركني وحدي يا معاذ "
لاذ بالصمت مطولا ثم تنهد وقال مغادرا " تحدث مع وليد على الأقل "
ثم خرج وأغلق الباب خلفه , كيف أهدأ وكيف أتنفس بروية وكيف أنام وكلمات والدتي تضرب راسي كالفؤوس وهي تقول (( على وسن أن تبتعد عن هذا الجو المشحون من أجلها وأجل صحتها , وسن لم تعد لك مثلما أنك أنت لم تعد لها وباختيارك يا نواس , أنا معك في أن جرحك منها كبير لكنه الواقع بني , وسن صفحة عليها أن تطوى من حياتك
الشاب جيد وعمله يوفر له راتبا جيدا ولديه منزل وكم شكرته لي والدة فرح سابقا لأنه زينة أبناء أخوتها وسأقنع وسن به بأي طريقة وعليها أن توافق فالمرأة مشاعر الأمومة لديها فوق كل شيء وحين سترزق بأبناء منه ستعيش حياتها تكرس وقتها لهم وستنسى ))
رفعت يدي ومسحت بها وجهي وأنا أتذكر كلماتها الحادة وهي تقول
(( ليست عذرا يا نواس دراستها تنهيها هناك وعلاجها لن يتباطأ فيه وهو طبيب ويلم بهذه الأمور , وسن سيموت قلبها قبل جسدها إن بقيت هنا ))
رفعت رأسي ونظرت للسماء وابتسمت بألم, اقتنع بهذا يا نواس احترق ألف مرة , اسجن نفسك حتى تشبع وأفرغ غضبك بكل من حولك وفي النهاية اقتنع بهذا وسلمها لغيرك
خذ غزالتي خد روحي خذها لأنها لم تعد لي ولم أعد لها , آه يا أمي لما سيموت قلبها وهي لم تعد تحبني ولا تريدني في حياتها
عدت بنظري من السماء للأرض وضربت بقبضة يدي على حافة النافذة عدة مرات وأنا أتذكر عودتي تلك الليلة إلى هنا أضر كل شيء بأعاصير مشاعري وأولهم وليد الذي ذكرني أني أصبحت ملكا لأخرى وأني أخونها بمشاعري وتصرفي , أني أسجن نفسي في أوهام الماضي وأنسى الواقع وأنه ما من رجل لا يستطيع محو أحلامه وأمانيه ومعايشة الواقع من أجل أشخاص لا يستحقون أن نجرحهم بجراح ماضينا
تنفست بقوة وغادرت المكتب بحثا عنه ووجدته في المطبخ يتكأ بمرفقه على ظهر الكرسي ويضايق الخادمة المنزعجة منه كعادته, لا اعلم متى سيرحم هذه المرأة المسكينة
لففت ذراعي حول عنقه وقربت رأسي من رأسه وهمست في أذنه " لا تغضب مني يا وليد اقسم أني لم أكن في وعيي "
عدل وقفته وقال وهو يبتعد عني " لو كان لدي مكان غير الشارع لذهبت إليه ولو كنت أعلم أنك قلت ما قلت من قلبك لاخترت الشارع على البقاء هنا "
قلت بهدوء " آسف يا وليد أعلم أني أخطأت في حقك ، لكنها الأولى فاغفرها لي "
قال مغادرا المطبخ " ليست الأولى ولست غاضبا منك يا نواس فقط أريدك أن تضع مي نصب عينيك "
وغادر مبتعدا وهو يتمتم بأشياء لا أسمعها , أقطع ذراعي من منبتها إن لم يكن ثمة شيء ورائك يا وليد لكن ما يحيرني ويجعلني أتردد في هذه الفكرة أنه لا يخفي عني شيئا فلو كان كما أضن لقال لي
تنهدت بضيق وهممت بالمغادرة حين استوقفني صوت الخادمة قائلة " إن غادر وليد سأغادر أيضا "
التفت لها وقلت مبتسما " إن لم تكوني في الأربعين لقلت أن ثمة أمر بينكما , هذا وهو يضايقك طوال الوقت "
قالت ببرود وهي تعود لعملها " هو نكهة المكان هنا يسليني ويضحكني , أنا أعتبركم أشقائي الأصغر مني ولا أريد أن تغيبوا عني وخصوصا وليد "
قلت مغادرا " لا تخافي لن أدعه يغادر هذا المكان إلا بعد موتي "
خرجت للخارج وأخرجت هاتفي واتصلت بوالدتي التي أجابت من فورها قائلة بضيق " ألا تعرف أني مريضة ولا ينقصني تعب مع تعبي تخرج من عندي وجهك أظلم من تلك الليلة ولا تجيب على اتصالاتي ليومين أو يزيد افرض حدث لي شيء أو لابنة خالتك هل نطلب من جواد العودة فورا أم نطرق أبواب الجيران لنقول أغيثونا فليس لدينا أحد "
تنفست بقوة مهدئا نفسي ولذت بالصمت فقالت " نواس تسمعني "
قلت بهدوء " نعم أسمعك أمي وابنة شقيقتك تلك متى ستقرر سيادتها أن تنتقل عندك "
قالت من فورها " قالت ستنهي وزوجة والدها ترتيب الشقة وجمع أغراضها وستأتي "
قلت بضيق " ما لا تعلميه أنها تؤجل ذلك عمدا وقد طلبت من شقيق زوجة والدها أن لا يأتوا لأخذها الآن ويتركوها معها لأيام , لا أفهم كيف تفكر وسن , هل يعجبها بقائهما لوحدهما في الشقة أم تفعل ذلك عمدا لتحرق لي دمي , أعلم أنها باتت تكره رؤيتي لا داعي للتطبيق "
قالت بهدوء " نواس لا داعي لهذا الكلام الآن سأتحدث معها وينتهي الأمر "
قلت بحزم " أقسم إن لم تكن في منزلنا اليوم ذهبت لإخراجها بنفسي وها قد أقسمت "
قالت بحدة " هل فقدت عقلك يا نواس إن علمت وسن بما تقوله الآن فستركب رأسها ولن تأتي "
قلت ببرود " ما لدي قلته وإن كانت مشتاقة لرؤيتي فليحل عليها الليل وهي ليست معك ... وداعا "
*
*
" وسن انتظري "
التفت لها فقالت " لا تنسي فتح بريدك الليلة سأرسل لك محاضرة التشريح "
قلت مغادرة " حسنا لا تنامي وتتحججي ككل مرة "
قالت ضاحكة وأنا ابتعد جهة بوابة الجامعة " جربيني هذه الليلة "
خرجت وركبت السيارة وعدت للشقة , فتحت الباب ودخلت وأنا أجيب على هاتفي قائلة " مرحبا خالتي كيف أنتي اليوم "
قالت بهدوء " الحمد لله تبدين كنتي خارج المنزل "
قلت وأنا أدخل " كنت في الجامعة وعدت للتو "
قالت " هل تستطيعين القدوم إلي الآن إن لم تكوني متعبة فلدي ما أقوله لك "
دخلت غرفتي وقلت وأنا أرمي الحقيبة والمذكرات على السرير " هل من مكروه خالتي "
قالت من فورها " أريدك في بعض الأمور المهمة "
قلت مغادرة الغرفة " حسنا مسافة الطريق فقط "
أنهيت المكالمة منها وتوجهت جهة المطبخ وقفت عند الباب فابتسمت لي زوجة والدي وقالت " لحظات ويكون الغداء جاهز ما أن تستحمي وتغيري ملابسك "
قلت من فوري " خالتي اتصلت بي تريد أن أذهب لها الآن "
قالت بقلق " ماذا حدث !! لما تطلبك في هذا الوقت "
رفعت كتفاي وقلت " لا أعلم لا يبدوا أن أحدا به مكروه , سأذهب لرؤيتها وأعود "
قالت وهي تتبعني لأني ابتعدت " سأنتظرك فلا تتأخري "
قلت وأنا أقترب من الباب " حسنا "
*
*

أوجاع ما بعد العاصفةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن