ركضت خارجا وأنا أقول " ماذا يا مي ماذا حدث "
قالت من فورها " لا أعلم هو في مكتبه ويحطم كل شيء أخاف أن يؤذي نفسه ولا أحد هنا ولا حتى وليد "
قلت وأنا أتوجه لسيارتي " أنا قادم فورا "
ركبت السيارة وتوجهت هناك بأسرع ما لدي , ماذا حدث بينهما وما قالته له جن جنونه هكذا إن كان سيزوجها بسليمان بملأ إرادته
وصلت بعد وقت ونزلت ركضا ودخلت المنزل ووجدتها تنتظرني بالمقربة من الباب فقلت " ماذا حدث أمازال هناك "
قالت ببكاء " نعم في المكتب توقف عن تحطيمه لكنه لم يخرج , ماذا حدث يا جواد "
قلت متوجها نحو السلالم " هل تحدثتِ معه "
قالت وهي تتبعني " لم يجب علي , حاولت وبلا جدوى "
وصلت باب مكتبه وطرقته بقوة وقلت " نواس افتح الباب ما نفع ما تفعله , مابك يا رجل هذه ليست أطباعك "
لم يجب طبعا فقلت بصراخ غاضب " زوجتك تبكي عند الباب لقد أفزعتها بجنونك ارحمها على الأقل "
خرج حينها صوته قائلا بهدوء " اتركوني وحدي "
قلت بغيض " تخرج أو كسرنا الباب عليك "
فتح الباب حينها وخرج وضم مي لحضنه بيد واحدة وقال وهو يسلمني ورقة باليد الأخرى " أنا بخير لا تقلقي "
بقيت أنظر للورقة في يده بحيرة فحركها لآخذها منه فمددت يدي وأخذتها فأبعد مي عنه وقال مغادرا " سأخرج للبر ولا أعلم متى سأعود لكني لن أتأخر "
تبعته حتى الخارج وقلت " نواس انتظر "
توجه حيث موقف سياراته وفتح باب السيارة الصحراوية دون أن يجيب ثم ركبها وقال قبل أن يغلق الباب " التوكيل لديك أتم الأمر قبل أن تسافر "
وخرج من المزرعة ولم يزد على ما قال شيئا , اختارت سليمان إذا لكن ما سبب كل هذا الإعصار والتدمير
هذا ما لا يملك جوابه أحد غيرهما , عدت جهة منزل المزرعة ودخلت لأجد المغلوبة على أمرها زوجته تنتظرني وقالت ما أن رأتني " أين البر هذا وهل سيكون بخير "
قلت بهدوء " لا تقلقي سيكون بخير لديه صديق هناك يزوره دائما وسيعود خلال أيام
إن احتجت شيء اتصلي بي , وليد ومعاذ سيكونان هنا الليلة بالقرب منكما حتى يعود نواس اعذريني فلدي ثلاث نساء هناك لا استطيع تركهم في العاصمة وحدهم "
قالت من فورها " لا تقلق علي ولا تنسى أن وليد ابن خالتي إن احتجت شيء لجأت له "
هززت رأسي بحسنا وغادرت من عندها , الغريب أنها لم تُصر لمعرفة ما حدث
غادرت من هناك عائدا للعاصمة ولمنزلنا , نزلت من السيارة ودخلت المنزل وتوجهت لغرفة وسن
وقفت عند الباب فكانت وفرح جالستان هناك فقالت فرح من فورها ما أن رأتني
" هل أتحدث مع عائلة خالي وابنهم سليمان "
نظرت حينها لوسن التي تدحرجت دمعتها من عينها ومسحتها بسرعة وقلت مغادرا " اتبعيني يا فرح "
توجهت لغرفة نواس وهي تتبعني وما أن دخلتْ حتى أغلقت الباب خلفها وقلت " ماذا قالت لك "
رفعت كتفيها وقالت " لا شيء "
قلت بنفاذ صبر " كيف لا شيء ألم تسأليها عما دار بينهما "
قالت بضيق " وما بك معي سألتها كثيراً ولم تجب "
ثم تابعت " وما قال لك شقيقك ؟؟ "
نظرت للجانب الآخر وقلت ببرود " ترك لي توكيلا بتزويجها به "
قالت مغادرة " فعل الصواب أخيرا "
ثم خرجت وأغلقت الباب خلفها فتنهدت ونظرت لورقة التوكيل بقلة حيلة , لا أعلم لما يصنع بنا الكبرياء كل هذا
لو كنت وفرح مكانهما ما استطعت أن أبعدها عني رغم كل عيوبها وما رضيت أن يأخذها مني أحد , لنرى إن كان هذا سيأتي بالحلول للجميع
*
*
بعدما خرج والدي من هنا جلست مقربة الساعتين في مكاني ثلثها أرتجف من الخوف الذي لم يغادرني بعد والثلث الثاني استفيق من الصدمة والأخير أستوعب فيه ما قال وما حدث
بعدها توجهت لغرفتي وسجنت نفسي فيها أفكر في أنه سيأخذني من هنا ما أن تنتهي دراستي فسؤاله اليوم لن يكون بدون سبب
بكيت كثيرا ولا أعرف لما تحديدا ... أساسا كل شيء لدي يستدعي البكاء وحالي كله يُبكي
بعدها أخذت هاتفي واتصلت بوالدتي فطلبه مني الاتصال بها أيضا أمر يدعوا للريبة لأني ممنوعة من محادثتها إلا في المناسبات والأعياد حتى أنها لا تأتي هنا دائما لزيارة والدتها وشقيقها لبعد المسافة فلم نرها منذ عيد الفطر , أجابت بعد وقت قائلة " ملاك كيف حالك بنيتي "
قلت بحزن " بخير أمي وأنتي كيف حالك وأخوتي جميعهم وعمي سعيد "
قالت بصوت مبتسم " بخير جميعنا كيف هي جدتك وخالك "
قلت ببحة ودمعة نزلت من عيني " بخير "
قالت بحزن " ملاك حبيبتي لما الحزن والبكاء "
قلت بعبرة " لا اعلم لما أنا من بين كل البشر حالي هكذا سيأخذني من هنا حتما ويعيدني لها وللعذاب مجددا
لما ليس لي أبا حنونا عطوفا كالجميع , ولما ليس لي منزلا فيه أب وأم وأخوة مثلهم "
قاطعتني قائلة " لن تعودي هناك يا ملاك لا تخافي "
مسحت دموعي وقلت " ومن قال لك ذلك "
قالت " منذ أكثر من شهرين وعمك سعيد يحاول مع والدك وبكل الطرق لنجد حلا كي لا تعودي لمنزله وزوجته "
شهقت شهقة صغيرة بسبب بكائي وقلت " وما يكون هذا الحل "
قالت من فورها " ابنه علاء وافق على الزواج بك لتعيشي معي هنا "
قلت بصدمة " ماذا ! ومن يكون علاء هذا ومتى صار رجلا ينفع للزواج "
قالت بضيق " ملاك لما هذا الكلام الآن علاء ابنه من زوجته رحمها الله يعيش معنا هنا , ولن يوافق والدك إلا إن كنتي زوجته , لقد تعب سعيد كثيرا من اجل إقناعه "
قلت بحدة ودموعي عادت للنزول " ما هذا الهراء لما يجب أن أكون زوجته لأكون مع والدتي , لا يا أمي لن يتصدق عليا ابن زوجك بالزواج به فقط رأفة بحالي
ثم ما اعرفه أنه يكبرني بعام أو يزيد قليلا ومؤكد لم ينهي دراسته بعد أو تخرج حديثا "
قالت " وإن يكن المهم أن تكوني معي وتبتعدي عن تلك الحية أليس هذا ما تريدينه وعلاء زارك في الجامعة كم مرة ليتحدث معك "
هو ذاك الشاب إذا عريس الغفلة وأبو الشهامة , قلت ببرود " وأنا لست موافقة عليه "
قالت بصدمة " ملاك لا تضيعي تعبنا سدا "
قلت بضيق " تعبك في ماذا ؟ في أن أقنعتي ابن زوجك أن يعطف على هذه المسكينة ليتزوجها , لا يا أمي لن أتزوج شخصا يمن عليا يوما بأفضاله ويعايرني بحالي الذي تزوجني من أجله "
قالت بضيق أكبر " ملاك ما لا تعلميه أن زوجة والدك تخطط لتزويجك بشقيقها الصعلوك الفاسد كي لا تعودي إليها
فلا ترمي نفسك للنار بساقيك وما وافق والدك على علاء إلا لأنه يعلم أنك متزوجة لا محالة منه أو من ذاك
على الأقل هنا أنا ووالده ولن ندعه يقربك بسوء ثم هو شاب مهذب جدا , صحيح فاشل في دراسته لكنه ليس سيء "
قلت بعبرة " ما به حظي من بين جميع الخلق هكذا "
قالت بهدوء " وافقي يا ملاك ولا توقعي نفسك في براثن زوجته وشقيقها لأنهم لن يرحموك "
قلت وقد زادت عبراتي " لا أريد أن أتزوج بهذه الطريقة ولا أريد هذه الحياة وهذا الواقع كله .... لا أريد "
قالت بحزن " فكري جيدا بنيتي أقسم لو كان في يدي حل غيره لفعلته لكنك تعرفين والدك جيدا وانا لن أعتبر كلامك جوابا أخيرا , فكري وقرري على مهل "
قلت بأسى " ليتني أموت وارتاح ويرتاح الجميع مني "
قالت بضيق " استغفر الله يا ملاك ما هذا الذي تقولينه "
قلت بحزن " وداعا يا أمي "
ثم أنهيت المكالمة ولم ازدد إلا بكاء على بكائي السابق وسجنت بعدها نفسي في غرفتي ولم أخرج ولا حتى للجامعة
*
*
قلت بهدوء " هل جهزتم كل شيء طائرتنا في الغد يا فرح "
تأففت وقالت " ما بك يا جواد مستعجل هكذا عليها أن تأخذ وقتها كغيرها يكفي أنا "
قلت بضيق " وما بك أنتي "
دفعتني بيدها من صدري وقالت بابتسامة " لا شيء تزوجت بأروع رجل لكن على عجل "
قرصت خدها وقلت " بل متزوجان قبل زفافنا بعام كامل إن نسيتِ ذلك "
أبعدت يدي وقالت وهي تمسح خدها بتألم" بل كل شيء بعجلة حتى ابنك مستعجل على القدوم ولم يتركني أنهي دراستي "
أمسكت وجهها وقبلت خدها وقلت " بل لو تأخر أكثر لكنا وجهنا له نداء مستعجلا "
وقفت حينها وسن عند الباب وقالت " فرح أريدك قليلا "
التفتت لها وقالت " قادمة حالا " ثم غادرت تتبعها فأخرت أنا هاتفي الذي يرن ونظرت للمتصل فكان سليمان فأجبت عليه قائلا " نعم خارج لك حالا "
*
*
كنت انظر بشرود لليد الصغيرة التي تلعب في كف يدي وهو جالس على فخذي حين شعرت بيد والده على كتفي وصوته قائلا " هل أنت مرتاح الآن بما فعلت يا نواس "
رفعت نظري للجبال البعيدة أمامي وقلت بهدوء " لو قلت لك أنها نار تشتعل في داخلي ما وفيت ذاك حقه ... لا يوصف يا خاطر لا يمكن وصفه "
قال بشبه همس " لما لم تتزوجها إذا "
ابتسمت بسخرية وقلت " حتى لو كان ذاك خياري الأخير بعد الذي قالته ما كنت سألجأ إليه فلكل شيء حدوده ولكلن كرامته التي لا يرضى أن يدوس عليها أحد "
تنهد وقال " وهذا ليس حلا أيضا يا نواس وما تشعر به الآن أكبر دليل "
رفعت نظري قليلا ليعانق زرقة السماء وقلت بحسرة " أقسم لك أنه كل نساء الأرض لا تساوي عندي انسدال جفن عينيها لكن الجرح جرح والكبرياء كبرياء وعلى الرغم من ذلك كنت سأدوس عليهما لو لم تختر ذاك الرجل "
قال بسخرية " وهل كنت ستفعلها من أجلك أم من اجل وعدك لوالدتك "
عدت بنظري لكف يدي وقلت بحزن " بل من أجل هذا السعير الذي يغلي في جوفي فلم تعد لدي طاقة لاحتماله يا صديقي "
قال مغادرا " الخطأ خطأك يا نواس أنت من لم ترحم نفسك "
ضغطت بقبضتي على يده الصغيرة وأنا أتذكر كلماتها ذاك اليوم بعدما أخرجَتْهم لنبقى وحدنا حينها
وقالت " من هو الشخص الذي تركَتْك والدتك تختاره لي "
نظرت لها مطولا بحيرة حتى خيل لي للحظة أنها خمنت أنه أنا حتى تابعت قائلة بنظرة ثابتة معلقة في عيناي " من يا نواس وما سر المدة التي أنت ستحددها "
ابعدت نظري عنها بل هربت من عينيها وقلت " شخص أعرف أنه سيرعاك جيدا مهما كانت ظروف زواجك به , وسليمان ما كنت سأوافق عليه لو لم يكن ضمن العهد الذي بيني وبين والدتي "
قالت ببرود " وإن قلت لا أريدهما كليهما "
قلت ونظري لازال بعيدا عنها " حلليني حينها من عهدي لها لأنه في عنقي حتى أموت "
قالت بسخرية " لا يا نواس لن أعطيها لك يا ابن خالتي ولن أبقى حتى تقرر أنت تزويجي بالمجهول كان من يكون لو كنتَ مكاني ما رضيت بها وأعرفك لن تزوجني أبدا "
نظرت لها نظرة قوية وقلت بصدمة " ما قصدك بهذا يا وسن "
أشاحت هي الآن بنظرها عني وقالت ببرود " قصدي لن أتركك تكويني بنار العيش معك وزوجتك لأنه هذ هوا مخططك "
وقفت وقلت بضيق " مجنونة "
وقفت وقالت بغضب " نعم مجنونة وجننت يوم أحببتك يا نواس , يوم سلمتك قلبي لتحرمني منه لتطعنه ألف طعنة ثمنا لذنب أُجبرت أن أكون فيه "
تدحرجت بعدها دمعة من عينها وتابعت بحرقة " قتلتني .... قتلتني مرارا وتكرارا ولم يعد يؤثر بي حتى لو عشت في كنفك معها لذلك سأتزوج سليمان فقط كي لا تفرح بها ولا بينك وبين نفسك "
أشرت بيدي جانبا وقلت بغضب " ها قد قلتها بنفسك لم أعد أعنيك في شيء فلما سيل الظنون الباطلة التي ترميني بها لما تضنينني مجرما لهذا الحد لأفكر بهذه الطريقة ولا تنسي أنك أنتي من قالها لوالدتي ذات يوم وبالحرف الواحد : لو كان زواجي به سيحرق قلب نواس سأوافق عليه "
ثم أشرت لوجهها بسبابتي وقلت بحرقة " في تلك الحالة فقط سأوافق يا خالتي في تلك الحالة فقط , قلتها هكذا بالحرف يا وسن تذكرين أم نسيتي كلامك , فلا ترميني بطباعك "
قالت بصراخ " وما غرضك أنت يوم كويت قلبي بأخرى أقسم يا نواس قسما بمن خلق في ضلوعي قلبا عشقك يوما حد الثمالة أنهم لو جلدوني بسياط من نار ليلة نمت في حضنها لكان أرحم عندي من شعوري ذاك
لقد قتلت قلبي ولن أنسى تلك الليلة ما حييت , فهنيئاً لك بها لأنك نلت مرادك يومها "
غادرت المكان بنار تشتعل في جوفي من الغضب منها ومن نفسي ومن قلبي ولو لم أفرغ غضبي يومها بتحطيم مكتبي لكنت أقدمت على عمل سأدفع ثمنه ندما لباقي حياتي لأني كنت سأرمي الوسن بالرصاص
أخرجني من تلك الذكرى صوت الطفل الباكي لأستيقظ لنفسي وليدي التي تقبض على يده بقوة جعلته يبكي من الألم فتوجه والده نحوي قائلا " هات عنك هذا كصفارة الإنذار إن اشتغل لن يسكت , سآخذه لوالدته "
أخذه مني فتوجهت لسيرتي وفتحتها من الأمام لأفحص زيتها فاقترب مني ووقف مستندا بها وقال " لما تتفحصها يبدوا أنك ستغادر "
أغلقتها وقلت وأنا انفض يداي من الغبار " نعم فجواد طائرته أقلعت منذ ليلة أمس وعليا العودة "
ربت على كتفي وقال " يلزمك أن ترجع هناك لتنام على الأقل فانا أعلم بأنك لم تنم هنا ولا لثانية "
مسحت على ظهره بكفي وقلت " شكرا لك يا خاطر وأعذر ثقل زيارتي لكني لا أرتاح إلا هنا "
قال بعد ضحكة " تعودنا على زياراتك التعيسة وسنعوضها بأخرى أفضل منها ككل مرة "
ابتسمت له وفتحت باب السيارة وركبتها ثم أنزلت زجاجها واستندت عليه بذراعي وقلت " باشر في فكرة بناء بعض الغرف هنا سريعا فهي فكرة صائبة بما انك لا تريد أن تترك هذه الصحراء ولترحم تلك المسكينة "
ضحك وقال " في المرة القادمة ستجد الأساسات هنا ، هل يرضيك هذا "
شغلت السيارة وقلت " ولا تنسى الماء والكهرباء أو أخذتها وابنها منك واشتكيتك لجمعية حقوق الإنسان والطفل مما تفعله بهم "
ضحك كثيرا ثم لوح لي وأنا أبتعد بسيارتي للخلف وغادرت من عنده لأرجع لواقعي الذي لم أتركه خلفي كما ظننت ولم يتركني أغادر دونه كما كنت أتخيل بل جاء معي أحرق قلبي وسرق نومي بل واستل عروقي من أحشائي
فما أقساه من شعور وما أمرّه وصلت هناك مقربة الظهيرة لأني غادرت من عنده بعد الفجر بقليل
وقادتني سيارتي ليس لمزرعتي ولا لمنزل والدي بل لشقة خالتي هنا وكأني أريد زيارة أطياف الذكرى قبل أن ترحل هي أيضا
وقفت تحت عمارتهم ما يقارب النصف ساعة ليس لأقنع نفسي بالنزول بل أقسم أني كنت امنعها من ذلك ثم توجهت لمنزلنا هنا وكأني أقنعها بالقليل وكأني أقول لها حسنا لم أنزلك هناك سننزل هنا
خرجت من السيارة وأغلقت الباب وتوجهت لباب المنزل وفتحته ودخلت وسط الظلام الذي يغزوه ولا أعلم لما أتيت قد يكون لأشاهد بقايا موت الحلم الذي ولد هنا في تلك الغرفة ومات فيها
توجهت عنوة ناحية غرفة والدتي وفتحت بابها ببطء لأقف مكاني أنظر بصدمة للنائمة على سرير والدتي تحضن مصحفها وثوب صلاتها واللحاف الذي كانت تتغطى به وتخفي وجهها في ذراعها الأخرى ... وسن هي أم هيئ لي !! وما تفعله هنا
نظرت تحت قدماي لأجد ورقة التوكيل التي تركتها لجواد ممزقة لأربعة أجزاء ومرمية أرضا عند العتبة
فعدت بنظري لها بعدما تأكدت أني لم أتوهم هذا واتكأت بكتفي على حافة الباب أنظر لها بضياع وحزن أراقب تشبثها بأغراض والدتي وتنفسها الهادئ الذي يدل على نومها
أنا احترق هناك طوال ليلة البارحة وأتخيلها في حضن غيري وأحاول إخماد نيراني بسكب الماء على وجهي كل حين وهي هنا تنام في حضن ذكرى والدتي
مررت أصابعي في شعري حين قال لي عقلي أن هذا يعني أنها لم تتزوجه بل يعني كارثة أعظم أنها نامت هنا وحدها طوال ليلة أمس
فخرجت من المنزل وركبت سيارتي واتصلت بجواد الذي أجاب من فوره قائلا " لم يطاوعني قلبي لفعلها يا نواس
اقسم أنها كانت عليّ أشد مما كانت عليك أنت تزوجها وارحم نفسك وارحمها ولا تفكر في سليمان مجددا لأنه لن يوافق بعد الآن "
قلت بغضب " مجنون كيف تتركها وحدها هنا يا مغفل ماذا لو لم أرجع اليوم بل ماذا لو لم آتي لمنزلنا بتاتا , لا أعرف أي عقل هذا الذي لديك يا جواد "
قال ببرود " كنت أعلم أنك ستذهب هناك "
قلت بحدة " وما كان يدريك أنها ستبقى وماذا إن فعلت في نفسها شيئا أو غادرت ولم نجدها , أنت لا يمكن الاعتماد عيك أبدا "
قال بضيق " توقف عن الصراخ والغضب , سأكون مجنونا وبلا عقل ولا يمكن الاعتماد علي لو كنت السبب في فراقكما لآخر العمر
تصافيا في حساباتكما كما تشاءا وفي النهاية لن يموت الحب يا نواس بل سيقتلكما إن كنت فعلتها وزوجتها به "
ثم تنفس بقوة وقال بشيء من الهدوء " وسن أمانتك يا شقيقي ولا تنسى ما أوصتك والدتي وما عاهدتها عليه .... وداعا "
ثم أغلق الخط فرميت الهاتف بعيدا عني أتأفف بغضب لم أتصور كل هذا ولم يعطني حتى الوقت لأخطط له وأجهز مكانها في المنزل هناك
بل ما الذي سيقنعها الآن ويجرها من هنا لتذهب معي خصوصا بعدما قالته يومها
بعد وقت أمسكت هاتفي واتصلت بوليد فأجاب من فوره قائلا " مرحبا نواس متى عدت "
قلت بهدوء " منذ قليل أين أنت الآن "
قال مباشرة " اليوم المرافعة الأولى لقضية أموال والدي هل هناك أمر ضروري "
تنفست بقوة وقلت " لا ابق فيما أنت فيه الآن ولا تشغل بالك "
ثم أنهينا الاتصال منه واتصلت بمعاذ الذي أجاب بعد وقت فقلت مباشرة " أين أنت يا معاذ "
قال " في العاصمة هل تأمرني بشيء "
قلت بهدوء " أنا عند منزلنا هنا تعال بسرعة "
قال " دقائق فقط وأكون عندك "
اتصلت بعدها بصديقة وسن لتأتي وتكون قريبة منها فلا خيار غيرها فوالدة فرح ستكون في بلدة أشقائها بالتأكيد
بعد قليل وصل معاذ ونزل من سيارته وقال " ماذا بك وما تفعل هنا "
تنفست بضيق ولم أتحدث على اقتراب ملاك مناالتي وقفت وقالت " ماذا حدث هل وسن بها مكروه "
نظرت لها وقلت " ألا تعلمي أنها هنا ووحدها "
قالت بحيرة " لا فأنا لم اخرج من منزلنا من أكثر من ثلاثة أيام ولم أفتح هاتفي إلا اليوم , ماذا حدث "
أشرت بيدي للمنزل وقلت " كوني بقربها رجاءاً لوقت لن يكون طويلا "
هزت رأسها بالموافقة وتوجهت من فورها ناحية المنزل وقال معاذ من فوره " ولما أحضرتني هنا على عجل , ما موقعي من كل هذا "
قلت " أريد منك أن تذهب للمزرعة و.... "
قاطعني خروج ملاك من المنزل مجددا فنظرت لها باستغراب وهي تقترب منا
* *
خرجت مشتعلة غضبا من ذاك المنزل بسبب هذه المجنونة وسن وهي تقول عودي لمنزلك حالا لأني أيضا لن أبقى فخرجت عائدة ناحيته أتمتم بغيض " وكأنه ينقصني هموم على همومي "
اقتربت منهما ووقفت ونظرت لنواس وقلت " طردتني بالعربية الفصيحة "
نظر لي بصدمة وقال " طردتك ! "
نظرت لصديقه فكان يخفي شفتيه بحركة من إصبعيه ويبتسم فقلت بضيق " نعم وكأنه منزلها فأرجع لي كرامتي المهدورة واطردها "
ضحك حينها الذي كان يمسك ضحكته منذ وقت فتجاهلته وتابعت ببرود " وقالت أنها أيضا ستغادر "
تنفس نواس بغيض وقال " هل جُنّت هذه أم ماذا "
ابتعدت عنهم مغادرة وهو يتأفف غاضبا حين سمعت ضحكة صديقه مجددا وصوت نواس قائلا وبضيق " لا تقلها أو قطعت لسانك فهمناها لن أحزن لأنه سرق الحزن من سنيني فغيّر شعارك الهابط هذا "
تسمرت حينها مكاني والتفت أنظر لهما بصدمة وهما يوليان ظهرهما لي على قول صديقه وهو يمسك يده " آه نواس بالرفق "
قال نواس بحيرة " أمازالت تؤلمك ! الحادث مر عليها أكثر من أسبوعان منذ وفاة والدتي "
زادت حينها صدمتي وعيناي قليلا وتخرجا من مكانهما وقال ذاك بتألم " لا أعلم ما بها ما تزال تؤلمني "
قال نواس متوجها جهة باب منزلهم " عد للمستشفى إذا ليرو ما بها بدلا من إهمالك لها حتى حين لا ينفع فيه الندم ولعلك تتوقف عن جنونك الدائم في القيادة "
التفت حينها ليفاجئ بوجودي خلفهم وأنا انظر له دون أن أرمش .... أحزان السنين هو أمامي بشحمه ولحمه الشعار نفسه والحادث لا اصدق هل أنا في حلم
وضع يده في جيبه ونظر لي بابتسامة مائلة وكأنه يقول ما يوقفك خلفنا فابتسمت وقلت بمشاكسة " قالوا أن التجسس ينمي أعصاب المخ ويقويها لكني لا أصدقهم ولم أتجسس عليكما "
نظر لي بابتسامة لعوب فقلت مغادرة " حسنا توبة لن أعيدها "
ثم ركضت مبتعدة وأنا أشعر بسعادة العالم كلها تسكن داخلي أحزان السنين هو يا ملاك هل تصدقي هذا
كم تمنيت أن أراه فقط ولو من بعيد ولم أتخيل أن يكون صديقا لقريب أقرب صديقة لي
هل أنا في حلم يا بشر بل ياله من لقاء رائع انتهى بفكرة سيئة أخذها عني بالتأكيد , لكن لا يهم المهم أن اعرف الآن من يكون
ركضت وأنا أعبر الشارع وأحضن حقيبة يدي واضحك كالمجانين ولو كان بيدي لقفزت فرحا كالأطفال
*
*
بقيت واقفة أنظر له باستغراب من وقوفه هنا وفي هذا الوقت
وقفت متجمدة مكاني ولم أتقدم في خطواتي أكثر أنتظر أن يقول أي شيء فلابد وأنه كان واقفا ينتظرني من أجل شيء ما
لكنه فاجئني حين ابتعد عن الجدار واستدار وعاد لغرفته ودخل وأغلق الباب خلفه دون كلام
فبقيت لوقت مكاني أنظر لباب الغرفة باستغراب ثم توجهت لغرفتي دخلت وأغلقت الباب وارتديت بيجامة النوم وفتحت شعري ودخلت السرير
فتذكرت أني لم أحضرالماء فغادرت السرير وخرجت من الغرفة لأفاجئ بنزار خارج من غرفته ومر من أمامي ونزل دون أن يتكلم فرفعت كتفاي بعدم فهم ونزلت خلفه
توجهت للمطبخ ووجدته واقفا هناك ولا يفعل شيئا فتوجهت لقارورة الماء أخذتها وخرجت فأوقفني صوته قائلا " سما انتظري "
التفت أنظر له بصمت وقد طال صمته ولم يتحدث وهو ينظر لأصابعه على الطاولة المستند عليها بيده
فقلت بهدوء " نعم نزار هل تريد شيئا "
تحرك حينها مارا من أمامي وقال " لا تهتمي للأمر لا شيء مهم تصبحين على خير "
بقيت انظر لظهره حتى اختفى وهو يصعد السلالم بخطوات سريعة , ما به يا ترى وماذا كان يريد أن يقول ولما غيّر رأيه
تنهدت وغادرت أتمتم بحزن " ما هذه المصيبة المسماة حب ليتني لم أعرفه ولم أجربه "
عدت لغرفتي ودخلت سريري أحاول النوم لأنه طار من عيناي , كنت نائمة على ظهري أراقب السقف بشرود أفكر في مستقبلي وما قد يحدث معي , لأول مرة يزورني هذا الهاجس
كنت دائما أفكر فيما أنا فيه الآن ، وأفسر واحلل مشاعري ، وما يحدث معي ولم يخطر في بالي أن أبحث عن نفسي في المستقبل ، فلم أصل قبلا لهذه النقطة
جلست بسرعة حين سمعت طرقات على باب الغرفة مؤكد نزار وقد يكون قرر أخيرا أن يقول ما يريد قوله
غادرت السرير وتوجهت للباب وفتحته فكان واقفا أمامه ومسندا يده على الجدار وقال من فوره " أريد هاتفك قليلا إن لم يكن لديك مانع "
نظرت له باستغراب بادئ الأمر ثم قلت " بالتأكيد لن أمانع "
ثم دخلت وأخرجته له ومددته له قائلة " يمكنك إبقائه لديك كيف تشاء "
نظر لي حينها نظرة لم أفهم مغزاها وكأنه لم يكن يتوقع ما قلته فمده لي دون أن يفعل به شيئا فنظرت ليدهثم لعينيه ورفعت شعري خلف أذني وقلت " هذا فقط !! هل انتهيت منه "
أعاد يده ونظر لشاشته وفتش أو فعل شيئا لا أفهمه ثم مده لي وقال " هذا فقط شكرا لك "
أخذته منه وأنا انظر له باستغراب فقال متوجها ناحية غرفته " أردت أن أبقيه قليلا لأمر مهم لكني تذكرت أن غدا مدرسة وعليك أخذه معك "
ثم دخل غرفته وأغلق الباب فعدت لغرفتي ونمت أحاول أن لا أفكر في شيء لأني لا افلح ولا حتى في التفكير فكيف سأفسر ما يجري
في الصباح استيقظت متأخرة بسبب سهري البارحة دون فائدة أراقب السقف بشرود وكأني أرسم عليه لوحة
ركضت على طَرق نزار على الباب وأنا أتوجه للحمام قائلة " قليلا فقط وسأنزل لك "
خرجت من الحمام وأخذت حقيبتي ومشبك الشعر وحجابي وخرجت ركضا ونزلت السلالم بسرعة ودخلت غرفة خالتي
ونزار كان هناك يقف مستندا بالجدار فجلست أمامها وقلت " امسكي لي شعري أولا "
جمعته للخلف لأنه تناثر بسبب ركضي وقالت وهي تعدله " سأضفره لك ما رأيك "
قال نزار بتذمر " أمي مارسي أمومتك فيما بعد لقد تأخرنا "
نظرت للأرض بخجل من نفسي وقالت خالتي بتذمر " مهلك علينا قليلا لن تطير المدرسة "
ثم قالت وهي تمسكه " سأقص لك غرة أيضاً فيما بعد وستعجبك "
تأفف حينها نزار وخرج فألبستني حجابي وعدلته لي فوقفت وقلت " ما به يبدوا مستاء ! لم يغضب هكذا حين تأخرت تلك المرة "
مدت لي حقيبتي وقال بلامبالاة " لا تكترثي له فالرجال يتضايقون لأسباب خارجية ويصبون غضبهم على النساء "
وصل صوته من الخارج مناديا " بسرعة يا سما "
خرجت مسرعة وأنا أقول " وداعا يا خالتي "
خرجت خلفه وركبت السيارة وانطلقنا في صمت سوا من تنفسه القوي الغاضب بين الفينة والأخرى فقلت بهمس " أنا آسفة لم أقصد أن .... "
قال بهدوء ممزوج بالضيق " لا بأس "
كان وكأنه يريد أن ينهي الكلام وأن لا يسمع صوتي , يبدوا مستاء جدا اليوم لابد وأن تلك الرهام وراء هذا
نظرت للنافذة ولذت بالصمت ، حتى وصلنا المدرسة ونزلت دون كلام ودخلت ووجدت ريحان عند الباب فنظرت لها وقلت باستغراب " ماذا تفعلين هنا !! "
ضحكت وقالت " وأنتي ماذا تفعلين هنا "
قلت ببرود " أدخل للمدرسة طبعا "
ضحكت وقالت " وأنا أخرج منها "
قلت باستغراب" ولما تخرجي ! "
قالت " لا دراسة اليوم "
قلت بصدمة " ولما !! "
رفعت كتفيها وقالت " لو شاهدتِ التلفاز مثل غيرنا لعلمتِ بذلك "
نظرت جهة الباب ثم لها وقلت " وكيف يعلنون عن العطلة من التلفاز "
ضحكت وقالت " وكأنك لم تدرسي حياتك في المدارس الحكومية "
قلت بحيرة " والعمل الآن ؟؟ "
قالت ببرود " لا شيء تقفي مثلي حتى يكتشف أهلك أنه يوم عطلة ويأتوا لأخذك "
مستحيل نزار سيذهب للشركة التي يعمل فيها قريبه حسام ويسلم لهم الخرائط ويبدوا لا يعلم بأمر العطلة اليوم ولن يعود قبل الظهر
تذكرت هاتفي فابتعدت عنها وفتحت حقيبتي وفتشت كثيرا ولم أجده , لا يا إلهي كيف نسيته , كله بسبب الاستعجال
كان في حقيبتي البارحة وحين أخرجته لنزار لم أرجعه لها , توجهت ناحيتها وقلت " خالتي تستمع للمذياع دائما لما لم تسمع عن العطلة "
قالت بضيق " أعلنوا عنها صباح اليوم , لا أعلم هذه الدولة كيف يفكرون ! هذا اليوم ملغى منذ سنوات ولا عطلة فيه كانوا أخبرونا منذ وقت كي كسبناه في النوم والراحة "
قلت " عليا أن أجد هاتفا وبسرعة قبل أن يبتعد نزار "
قالت وهي تقترب من الباب " لا حل أمامي سوا أن أعود للمنزل سيرا على قدماي رغم أنه بعيد قليلا "
قلت بصدمة " وأنا !! "
قالت " تعالي معي ونتصل من هناك بقريبك يأتي لك "
قلت بشبه همس " لا استطيع "
قالت متوجهة نحو الخارج " لا حل لك إذا سوا انتظاره "
نظرت للخارج وكان ثمة شابان يقفان هناك وينظران لي ويبتسمان فشعرت بالذعر من كلام خالتي
لم أكن أخاف من الرجال بهذا الشكل رغم كل خوفي منهم ولم أشك للحظة أنهم مخيفين هكذا
توجهت نحوها وأمسكت يدها وقلت " انتظري أين مدير المدرسة "
ضحكت وقالت " لم يأتي طبعا نام وتركنا نكتشف المفاجأة هنا "
تنهدت بضيق ثم نظرت للبعيد حيث غرفة الحارس وقلت " لنأخذ هاتف الحارس ونتصل ليأتوا لأخذنا "
قالت وهي عائدة معي " فكرة جيدة "
ثم تابعت بضيق ونحن نسير نحوها " الحق عليهم لما يمنعون الهواتف في المدارس , قوانين فاشلة مثلهم "
ريحان لا تتوقف عن ذم نظام البلاد وكأنها ليست دولتها هي لم تجرب أن تخرج منها لأحبتها بكل عيوبها
اقتربنا من غرفته وطرقنا الباب ولم يفتح لنا فقالت ريحان بهمس " قد يكون ميت "
لم استطع إمساك ضحكتي ففتح لنا الباب وشعره مبعثر ووجهه منتفخ من النوم وقال ببحة " ما بكما ألم يخبركم احد أني لا أنام طوال الليل "
نظرنا لبعضنا وقالت ريحان بابتسامة " عم صابر نريد هاتفك قليلا لنتصل بأهلنا يأتوا ويأخذونا من هنا "
قال بحدة " لو كنت من أصحاب الهواتف ما كنت هنا " ثم أغلق الباب في وجهنا بقوة فنظرنا لبعضنا بصدمة
وقالت ريحان " وأين يذهب براتبه إذا هذا الكاذب " فتح حينها الباب ونظر لنا بغضب فركضنا مبتعدتين
ولم نشعر بنفسينا إلا ونحن خارج سور المدرسة نلهث من الركض وقلت " ما العمل الآن "
قالت وهي تسير " أنا الغبية تركت باقي بنات الحافلة ذهبن ولم أذهب معهن وتأملت أن يتذكرنا صاحب الحافلة أو أحد أهلي "
تبعتها مسرعة وأنا أقول " ريحان لا تتركيني وحدي "
وكنت انظر للخلف حيث أن الشابان تحركا خلفنا فوقفت وقالت " تعالي معي أو ابقي هناك حتى يأتي قريبك وقت الظهر لا خيار ثالث أمامك "
ارتجف كل جسدي حين شعرت بيد لامست خصري وقفزت مبتعدة على عبور أحد الشابين جهتي ثم نظر لي للخلف مبتسما فنزلت دموعي دون شعور وقلت بعبرة " وقح لقد لمسني "
سحبتني من يدي قائلة " لم تري شيئا بعد إن بقيتي هنا " سرت معها ولا خيار أمامي وأنا أستمع لهمسات خلفنا
فالتفت فكان ذاك الشاب فقلت بخوف " ريحان إنه خلفنا متى سنصل "
قالت ونحن نزيد سرعتنا حتى كدنا نركض" كله بسببك زرقاء العينين بيضاء البشرة ممشوقة القوام لما لم يلحقني أنا البدينة السمراء "
قلت بضيق " وما ذنبي أنا ثم لست وحدي زرقاء العينين من يسمعك لا يصدق أنه يوجد مثلي وبكثرة "
قالت ونحن نعبر الشارع " لا حل سوا السير بسرعة وإن أمسكك لا اعترف بك سأهرب وأبلغ الشرطة عنه لأنه لن يصنع بي شيئا "
قلت بصدمة " ماذا تهربي وتتركيني " وما أن أنهيت جملتي حتى شعرت بحقيبتي تُسحب للخلف بقوة ثم أمسكت يد بذراعي فصرخت بخوف
وفرت ريحان راكضة وهي تقول " اتركها سأبلغ عنك الشرطة " وبدأ يسحبني جهة منزل لم يكتمل بنائه بعد وكان رفيقه يقف هناك وكأنهما متفقان على إمساكي هنا
صرخت بريحان فقالت صارخة وهي تركض " سأطرق أول باب أجده أمامي وسترون "
قال الآخر بصوت مرتفع " أتركها ستخبر عنا تلك البدينة القبيحة لقد أفسدت كل شيء "
حاولت سحب نفسي لأعيق خطواته وأنا ابكي وأترجاه أن يتركني لكنه لم يستمع حتى لصديقه
فسمعت فجأة صرخته القوية وأفلتني لأسقط أرضا بعد عدة خطوات ونظرت للخلف فكان نزار يضربه بقوة ممسكا قميصه ويلكمه على وجهه ويصرخ به قائلا بغضب ووجه محمر " سأربيك يا حثالة إن لم تجد من يربيك يا صعلوك يا فاشل ألا تخجل من نفسك "
كان يضربه بعنف ويصرخ ويشتم وذاك لا حيلة لديه لأن نزار اكبر وأقوى منه أما الآخر فقد فر عندما رأى ما حل برفيقه
ثم رماه أرضا ووجهه مغطى بالدماء وبصق عليه وقال باحتقار " لعلك تستفيق لنفسك فلن أبلغ عنك وأسلمك للشرطة وأضيّع مستقبلك , غادر بسرعة "
وقف ذاك يترنح في مشيته يحاول أن يسرع ، وتوجه نزار نحوي وأمسكني من ذراعي وأوقفني بقوة سائرا بي نحو السيارة وفتح الباب وقال بحدة " اركبي بسرعة "
ركبت وأغلق الباب بقوة وركب وشغل السيارة وسار بها وقال بغضب " ما الذي أخرجك من المدرسة تكلمي "
كنت أرتجف من الخوف الذي لازال مسيطرا علي وأبكي ولم استطع الكلام , وصلنا حينها لريحان تركض
فأوقف السيارة وقال من نافذته " اركبي "
ركبت بسرعة ودون تفكير وكأنها هي المطاردة وليس أنا وما أن ركبت وانطلق حتى قال بذات غضبه " ما الذي أخرجك من هناك في وقت مبكر هكذا ولم تنتظريني , تكلمي الآن يا سما "
قالت ريحان ببكاء " لم نكن نعلم أن اليوم عطلة و.... "
صرخ بها بحدة " أصمتي أنتي "
سكتت من فورها وقال بصراخ غاضب " لما لم تتصلي بي "
قلت بتنفس متقطع " نسيته في الغرفة "
ضرب على المقود ولف بالسيارة يمينا وهو يقول بحدة " لا اعلم متى ستتوقفين عن التصرف كالأطفال بل الأطفال يثبرون من تصرفاتك الصبيانية , ماذا لو لم الحق بكما ؟ ماذا لو حدث لك شيء هناك , ماذا سأقول لعائلتك حينها تكلمي "
لم ازدد إلا بكاء وتابع قائلا " لما لم تدخلي للمدير وتخبريه "
أبت الكلمات أن تخرج وصرت أشهق كالغريق وقالت ريحان " قالوا لم يأتي "
صرخ بها بقوة " الم أقل تصمتي ثم من أخبرك بذلك , لو دخلتي للداخل يا نبيهة لوجدته في الإدارة وباب المدرسة مفتوح أيضا
لكن اللوم ليس عليك بل على هذه التي خرجت معك , بل وعليا أنا قبلها لأني ظننتها كبيرة وعاقلة "
قالت ريحان حينها " لقد .... "
قاطعها بغضب " أصمتي "
قالت بحدة " لقد فت طريق منزلي هل ستأخذني معكم لأسمع باقي التوبيخ , أنا لست مستغنية عن عمري "
وقف حينها ونزلت ريحان وقالت بضيق " شكرا على إيصالي "
ثم ضربت الباب وغادرت جهة أحياء بعيدة قليلا لأنها تسكن على أطراف المدينة في طريق خروجنا
وتابع الطريق وكان يقود بغضب واضح ويتأفف ويزفر بغيض فقلت بهمس " أنا لم ..... "
قطعني بحدة " أصمتي ولا كلمة "
فلذت بالصمت أتابع بكائي حتى وصلنا ونزل وفتح باب المنزل ودخل وتركه مفتوحا فنزلت احضن حقيبتي وأرتجف من البكاء والخوف
* *
انفتح باب المنزل بقوة فنظرت لباب غرفتي بترقب سما في المدرسة ونزار خارج العاصمة ولا مفتاح لدى غيرهما فمن سيكون هذا !!
وما هي إلا لحظات ودخل نزار ووقف عند باب غرفتي ينظر حيث ممر باب المنزل وكأنه ينتظر أحدهم ليدخل فقلت " نزار ما الذي عاد بك "
قال وهو ينظر هناك وأصبعه يشير لي وبلهجة حادة " ادخلي هنا لنرى "
دخلت حينها سما تبكي وترتجف وركضت فورا جهتي وارتمت في حضني فمسحت على رأسها وما أن فتحت فمي لأتكلم حتى صرخ نزار قائلا " لا مدرسة بعد اليوم تدرسي هنا تبقي من دونها لا يهم "
قلت بصدمة " ما بكما !! "
قال بضيق " اسأليها ما يخرجها من المدرسة مع فتاة لا تعرفها وأين كانت ستذهب وماذا كان سيحدث لها لو لم أدركها , لم تخبريني انك تريدين زيارة منزلهم لأخذتك بنفسي تسكعتِ هناك "
قلت بضيق " نزار ما هذا الكلام الذي تقوله "
قال بغضب موجها حديثه لها وكأنه لا يراني " ماذا كنت سأقول لعائلة والدك حينها ... ابنتكم ضاعت مني وضاع شرفها وشرفكم من أجل دراسة "
قلت بغضب مماثل " نزار توقف حالا الفتاة ترتجف بشدة وفي حالة هستيرية من الذعر "
قال مغادرا وبصراخ " اقسم لو كانت اصغر بقليل لضربتها لتتعلم كيف تتصرف "
وصعد بخطوات ثقيلة غاضبة وتركها ترتجف بشدة في حضني وتبكي بهسترية , حاولت التحدث معها وتهدئتها وبلا فائدة فبدأت أقرا عليها آيات من القرآن وأمسح على شعرها بعدما نزعت لها حجابها
وبقيت كذلك حتى هدئت قليلا فأبعدتها عن حضني وقلت " ماذا حدث يا سما ؟ ما أغضبه منك هكذا "
حاولت أن تحكي لي لكني لم أفهم شيئا من عبراتها وشهقاتها وارتجافها الذي عاد كما كان , كانت تُخرج حرفا وتبلع عشرة وما فهمته أنه ثمة من طاردها وكان سيأخذها لمنزل مهجور
فحضنتها مجددا وقلت " اهدئي يا سما أنتي بخير وحمدا لله أن الأمر انتهى على هذا ... اهدئي "
هدأت بعد وقت طويل وخف بكائها وارتجافها وبعد وقت نزل نزار متوجها لباب المنزل فناديت بصوت مرتفع " نزار "
لكنه لم يكترث لي وخرج ضاربا الباب خلفه بقوة فنظرت لسما التي نامت على السرير بالعرض جسدها فوقه وساقاها خارجه حاضنة ليديها عند صدرها ولازالت تشهق بين الفينة والأخرى
مسحت على شعرها وتنهدت بقلة حيلة , حمدا لله انه وصل هناك في الوقت المناسب حمدا لله الذي حفظك ورعاك يا ابنتي لأني اعرف شعور نزار وأقدره فما كانوا أهلك سيغفرون له إهماله وسيضعون اللوم عليه حينها وأقل ما سيقولونه لو جلبتها لنا منذ البداية لحميناها بأنفسنا
ولو كنت مكانهم لصنعت ذات الشيء بعد وقت دخل نزار ووقف عند الباب هذه المرة ونظر لها وهي نائمة مكانها ثم لي فقلت بضيق وصوت منخفض " تصرف بلين لقد أرعبتها فوق رعبها "
قال بحدة وصوت منخفض " أمي لا تفتحي معي هذا الموضوع كي لا أزيد غضا فوق غضبي "
ثم غادر جهة المطبخ ولم اعد استمع إلا لأصوات الأواني وكأنه إعصار دخل المطبخ وبعد وقت حركت كتفها وهمست قائلة " سما بنيتي استيقظي "
فتحت عيناها بصعوبة ثم قفزت جالسة بذعر فقلت بهدوء " لا تخافي أنتي في المنزل "
التفتت في كل اتجاه وقالت بخوف " كان هنا "
مسحت على شعرها وقلت " لا احد هنا كل شيء انتهى هيا اصعدي لغرفتك صلي الظهر وانزلي لتتناولي غدائك "
وقفت وقالت بملامح متعبة من البكاء والخوف " هل عاد نزار ؟ صوته في المطبخ "
هززت رأسي بنعم وقلت " لا تتحدثي معه الآن لازال غاضبا جدا "
نزلت دموعها وقات ببكاء " لم اقصد إغضابه كنت خائفة من الشابين وريحان كانت ستغادر وتتركني وحدي وهي قالت أن المدير ليس هناك و ....."
وعادت تسرد عليا كل ما حدث مجددا ، فقاطعتها قائلة " نعم يا سما اعلم ولكنك أخطأتِ بنيتي الوقت كان مبكرا والشوارع لا حركة فيها والشباب المراهق المنحرف لا يخاف ولا يستحي وخروجك كان خطرا أكبر من بقائك هناك "
زاد بكائها فتنهدت وقلت " توقفي عن البكاء ولا تتحدثي معه أبدا , هيا اصعدي وصلي صلاتك وارتاحي "
تركتني وصعدت لغرفتها ، وبعد وقت دخل نزار يجر طاولة الطعام في صمت وخرج وجلب الأطباق والأكواب ثم جلس وقال بضيق " اتصلي بها لتنزل "
سويت من جلستي ورفعت هاتفي واتصلت بها فأجابت بعد وقت فقلت مباشرة " انزلي لتتناولي الغداء معنا يا سما "
قالت بصوت واضح عليه البكاء " لا رغبة لي في الطعام "
تنهدت وقلت " حسنا نامي الآن وارتاحي وتناوليه فيما بعد "
ثم أنهيت المكالمة ونظرت لنزار الذي كان ينظر لي وقد حول نظره بسرعة لطبقه وقال ببرود " لا تفتحي الموضوع معي يا أمي رجاء المدرسة انتهى أمرها وغيره لن نتكلم فيه "
تنهدت ولذت بالصمت لأن الكلام لن يجدي الآن أنهينا غدائنا وأخرج كل شيء وعاد لضجيجه في المطبخ
ثم صعد لغرفته ولم أره باقي اليوم ولا سما التي كلما اتصلت بها قالت أنها بخير ولا رغبة لها في النزول ولا الطعام وعند أول المساء دخل نزار من الخارج وقف عند باب غرفتي وقال " هل أعد العشاء "
قلت بهدوء " أنا لا رغبة لي في الأكل وسما لم تتناول حتى غذائها , إن كنت أنت تريد شيئا فأعده لنفسك "
قال بعد صمت " اتصلي بها وانظري ما بها قد تكون مريضة "
قلت ببرود " أنت أسرع يمكنك الصعود والاطمئنان عليها "
قال مغادرا " انسي الأمر إذا "
قلت منادية " نزار تعال قليلا "
عاد عند الباب فقلت " أدخل "
فتح فمه ليعترض فقلت بضيق " نزا لا تنسى أني والدتك وقد تغاضيت عنك صباحا لان مزاجك كان سيئا من قبل حتى أن تأخذ سما للمدرسة "
نظر لي باستغراب فقلت بإصرار " أدخل يا نزار "
دخل وجلس على الأريكة مبتعدا عني قليلا فقلت " ما بك بني "
نظر لي بجمود دون كلام فتنهدت وقلت " قد تكذب على الجميع لكن قلب الأم لا وثمة ما كان يزعجك قبل مشكلة سما كلها
أنا معك أنها أخطأت لكن الشابان كانا أمام باب المدرسة ويترصدان لها وصديقتها ستذهب وتتركها وحارس المدرسة صرخ بهما وأغلق باب غرفته ونام ومؤكد أنت تعلم أن غرفته بعيدة عن الباب وهما رأتا باب المدرسة الداخلي مغلق بالفعل "
قال بضيق " لكني اتصلت بمدير المدرسة وأنا ذاهب وقال انه هناك وفي الداخل ولا احد في المدرسة فما أدراه بذلك "
قلت بجدية " وسما لن تكذب تحت أي ظرف كان وكانت في موقف سيء وأنت أكثر من يعلم أنها لن تعرف كيف تتصرف في هذه الأمور "
أشاح بنظره عني وقال بضيق " أخطأت يا أمي أخطأت "
تنهدت وقلت " أعلم لكن غضبك كان مبالغا فيه وسببه لم يكن هي فقط "
بقي على حاله هاربا بنظره مني ولم يعلق ولا يعترض على كلامي فقلت بهدوء " رهام أليس كذلك "
نظر لي بسرعة وصدمة فابتسمت بسخرية وقلت " لم أكن أتصور انك لازلت تحبها "
وقف ينظر لي بملامح عابسة وقال بصوت مشمئز " أمي ما هذا الجنون أنا أحب تلك "
قلت ببرود " فسر لي سبب حالتك هذه إذا "
قال بحرقة وغضب ملوحا بيده في الهواء " نعم سببها هي ولكن ليس كما تتخيلي
بلى ما أن أراها واسمع صوتها أموت بأرضي لكن ليس حبا لها بل لأنها باتت شيئا يذكرني بواقعي ما أن أراها حتى أشعر بك وبعجزك عن الحركة وعجزي عن مساعدتك
ما أن أراها حتى أتذكر أن من هُم في سني أبنائهم حولهم وطولهم يقاربهم , ما أن أراها أتذكر أن من كانوا اقل من مستواي في دفعتي يعيشون الآن في الخارج وصورهم تملأ الصحف والمجلات
هل تعلمي الآن ما تفعله بي رهام وما يفعله بي ذكر حتى اسمها , هي من تركني خلف الجميع ليسير الكل للأمام إلا أنا
هل تتصوري معنى أن يكون الرجل عاجزا عن مساعدة الجميع وحتى نفسه , هذا هو أنا هذا هو ابنك نزار فاشل يفترض به أن يخجل حتى من صورته في المرآة "
ثم خرج من فوره ولم أتكلم ولا امنعه فهذا ما كنت أريده أن يفرغ الغضب الذي في داخله قبل أن يدمره أكثر والذي سببه تلك الرهام لا بارك الله فيها ولا في عملها
* *
مرت عدة أيام على ذاك اليوم ونزار يرفض حتى التحدث معي ومجرد أن ادخل مكان وهو فيه يخرج ويتركني ، ولم أذهب للمدرسة طبعا منذ ذاك اليوم
أعلم أني مخطئة واعترف بخطئي فلما يأخذ مني كل هذا الموقف ولما غضبه وتجاهله لي أمر لا أحتمله ويحرق قلبي حرقا ولا أجد سوى البكاء وحدي وسيلة لتخفيف ذلك عني حتى جفت دموعي
نزلت متوجهة لغرفة خالتي أنظر للجرح في يدي بعدما نزعت الشاش وبقي أثره لم يشفى بعد
دخلت وكان نزار هناك فوقف وخرج من فوره طبعا دون حتى أن ينظر ناحيتي , نظرت حينها لخالتي ، وقلت بحزن ، وهمس " هل رأيتِ كيف يعاملني "
قالت بابتسامة " قد يكون يختبر معزته عندك "
تنهدت وقلت " ولما يختبرها أنا حقا لا أحب أن يغضب مني "
ربتت بيدها على السرير بجانبها وقالت " تعالي أفهمك شيئا "
توجهت نحوها وجلست رغم أني لا افهم شيئا فأمسكت يدي وحضنتها بين كفيها وقالت " سما بنيتي الرجال التعامل معهم ليس كالنساء , هل تذكري حين كان يود أن يعتذر منك ما فعل "
قلت بهمس " أشترى لي هدية "
قالت مبتسمة " وأنتي أول ما تفكرين فيه أن تعتذري أليس كذلك "
هززت رأسي بنعم فقالت " وهذا هو الاختلاف , هو لا يعبر عن مشاعره مثلك بوضوح كذلك سيقبل اعتذارك لكن ليس بطريقتك "
قلت من فوري " هل اشتري له هدية "
ضحكت وقالت " لا طبعا " ثم تنهدت وشردت بنظرها للفراغ وقالت بحزن " نزار تغير كثيرا منذ انتهت قصته مع رهام وجرحته ذاك الجرح , كان شابا متفائلا يفكر كيف سيكون في المستقبل وينظر له بإشراق
أحبها ورأى فيها مجدافه للمستقبل ليكتشف أن ذاك المجداف مكسور فتحول لإنسان متشائم لا يثق بأحد ولا حتى بنفسه
ونظرته للحياة أصبحت سوداوية والأسوأ من ذلك أنه بات ينظر لنفسه على انه عاجز عن فعل أي شيء لأي أحد وهذا أكثر ما يدمر الرجال يا سما هذا أكبر مطب قد يصطدم به الرجل لينهيه كرجل "
قلت بحيرة " ولما يرى نفسه هكذا ! بالعكس أنا لا أراه رجلا عاجزا وفاشلا أبدا يكفي بره بك وتضحيته من أجلك وما فعله لي لن أنساه ما حييت يا خالتي أبدا ما حييت وما كان غيره ليفعله
وحينما رأيت ما حدث لي من ذاك الشاب يومها أدركت أكثر أنه يتميز عن غيره بالكثير حتى أنه أخبره بأنه لن يبلغ عنه الشرطة كي لا يضيع مستقبله وعله يستفيق لنفسه "
مسحت بيدها على خدي وقالت مبتسمة " نعم هذا ما ينقص نزار ليعلمه وأنتي من عليه إيصاله له قبل غيرك "
قلت بحيرة " لما قبل غيري لم أفهم !! "
قالت بعد ضحكة صغيرة " كمسابقة التفاحة من يقفز أكثر يقضمها ويفوز بها ويكون الأسرع بل الأذكى ولا احد يعلم "
ثم ضغطت على كفي بقوة وقالت " رهام كسرت شيئا كبيرا داخل نزار تفاقم مع السنين وجعله ينظر لنفسه نظرة استصغار
ودعاء لم تتحلى بالذكاء الذي يجعلها تلمس ذاك الوتر الحساس والذكية من تصل له وتعزف عليه بإتقان "
بقيت أنظر لعينيها بتركيز وأترجم ما تقول فقالت " إن كنتي تريدين أن يقبل اعتذارك مسي ذاك الوتر فقط فيقبله مباشرة "
قلت بهمس " كيف ؟؟ "
ابتسمت ولم تتحدث ثم تركت يدي وقالت " ذكائك عليه أن يفهمها وإن لم يفعل يكون الوقت غير مناسب لهذا يا سما "
نظرت مطولا لكف يدي الذي كان بين يديها استرجع ما قالته , هي لم تقل شيئا مبهما ولا صعبا بل شرحت بكل تفصيل فلما أشعر بأني لم افهم !! هو الخوف فقط من أن أجرب وأفشل
وقفت وغادرت غرفتها وعدت لغرفتي أفكر في كل حرف قالته , رهام حطمت ثقته بنفسه وأصبح يرى أن الناس لا تتق به
ودعاء لم تُرجع ذاك في داخله لكن كيف ألمس ذاك الوتر كما قالت ؟ أنا افهم معنى كل كلمة قالتها لكن كيف أطبقه !
أنا حقا أشعر بالعجز وبقيت على ذاك الحال طوال النهار أحاول صياغة ولو جملة تشمل ما قالته خالتي وفي النهاية استسلمت ولكن ليس لفشلي بل أن أترك الجمل تصوغ نفسها بما أن خالتي قدمت لي المضمون على طبق من ذهب وكان بإمكانها أن تعطيه لدعاء ولم تفعل
نزلت للمطبخ وكان حينها بداية المساء وكان هناك فهو لم يتركني اطبخ حتى بعدما شفيت يدي أو أنا من لم تتجرأ أن تتحدث معه في الأمر وهو غاضب مني هكذا
وقفت عند الباب وكان يقطع البصل فنظر لي ثم عاد بنظره على يديه ولم يتحدث ولا يمكنه الهرب مني طبعا
توجهت للطاولة سحبت الكرسي وجلست عليه ، وقلت بهدوء ونظري على يداي فوقها " نزار حلفتك بالله أن لا تخرج وتتركني , استمع لي فقط على الأقل "
لم يتحدث ولم يلتفت لي ولم يخرج وهذا الأهم , تنفست بقوة أهدئ اضطراب قلبي وقلت بهدوء " لو كان لي شقيقا اكبر مني لما تمنيت أن يكون إلا مثلك لأنك تعرف كيف ترعاني كفتاة ولو كان لي زوج ما حلمت أن يكون أفضل منك لأنك تملك كل تلك المقومات وحتى ابني إن اخترت كيف سيكون سأختاره مثلك ليكون لي كما أنت الآن مع والدتك
أنت لا تعلم كم تذكرني بوالدي رحمه الله حتى خوفك علي مثله تماما وأدركت بعد تلك الحادثة انه كان على صواب دائما
نزار أنت رجل يعرف كيف يكون في المقام الأول في حياة كل من يحيطون به , وأنت لست شقيقي ولا ابني ولا زوجي لكني لا أريد أن أخسرك في كل حياتي فقط ولو أن تذكرني دائما بذكريات جميلة وتتحدث عني بالحسنى "
نزلت دمعة من عيني مسحتها وقلت " أنت قدمت لي ما عجز عنه حتى من يمثلون العدالة في هذه البلاد ويحتمي الناس بهم , ما عجز حتى رئيسها أن يعطيه لي وهو الأمان في أشد خوفي ولا أريد أن أخسرك أبدا , أنا آسفة عدد شعر رأسي وأعترف أنني أخطأت , لا أريد مدرسة ولا دراسة فقط لا تغضب مني "
زادت حينها دموعي ولحقتها عبراتي أخفي وجهي بذراعي متكئة على الطاولة فسمعت صوت السكين وهو يضعه في المغسلة ثم بخطواته تقترب ويده تمسح على شعري ووصلني صوته قائلا " توقفي عن البكاء يا سما لست غاضبا منك هيا توقفي "
جلست ومسحت دموعي ونظري للأسفل لم أرفعه فعاد لما كان يفعل وعاد للصمت أيضا فوقفت أشعر بكم هائل من الفشل وخيبة الأمل وتوجهت جهة الباب لأخرج
فأوقفني صوته قائلا " تحدثت مع جابر وستدرسين في المنزل ووافق أيضا أن نخرج للبحر لأنه مكان مزدحم وسيوفر لنا الحماية لقد وافق بصعوبة فقط لأنه متأكد من بعدهم عنك جهزي نفسك سنذهب في الغد "
بقيت انظر له بصمت وهو نظره على ما يفعل لم ينظر ناحيتي أبدا ثم وضع السكين ونظر لي وقال " وأنا أيضا لو كان لي شقيقة أو زوجة أو ابنة ما تمنيتهم أقل منك أنا آسف أيضا أعلم أنني أناني وأفكر في نفسي فقط "
ارتسمت حينها على شفتاي ابتسامة وقلت بهدوء " شكرا لك يا نزار "
لم أجد وقتها غيرها لأقولها لأنه لا كلمات قد تعبر عما اجتاحني من مشاعر حينها ولو تركت العنان للساني لقال مالا أحب أن يقوله أبدا
ثم غادرت مسرعة ودخلت غرفة
خالتي وقلت مبتسمة " لقد تصالحنا أخيرا ولم يعد غاضب مني "
قالت بابتسامة " جيد علمت انك ستفهمين مقصدي يا سما "
بعدها بوقت أدخل نزار الطاولة وجلب العشاء وجلس يتناوله معنا ويتحدث ويحاول أن يبتسم لكن ليس كالسابق وكأن ثمة ما غيّره فجأة لكنه أفضل بكثير من الأيام الماضية وجميعنا تصرفنا وكأن شيء لم يكن
أمضينا وقتا تحكي
خالتي عن رحلاتهم سابقا للبحر وحكت عنه في طفولته حين كانوا يأخذونه إليه وأنا أضحك وهو غضب منها وصعد لغرفته بسببها كأغلب المرات
نظرت لها وقلت مبتسمة " أغضبته ككل مرة "
قالت ضاحكة " من يكره أن يحكوا له عن طفولته هو لا يقدر هذا النعيم "
نظرت للأرض بحزن وقلت " نعم فلن أجد أنا من سيحكي لي عما نسيته من طفولتي "
قالت " لما لا نقرأ روايتنا ونترك عنا الأحزان فنحن لم نقرأها منذ ذاك اليوم الحزين "
تنهدت وقلت بأسى " لا أحب أن أتذكره أبدا "
ضحكت ومدتها لي وقالت " هيا خذي لنعلم ما حدث مع رُدين "
أخذتها منها وعدت للجلوس مكاني وفتحت حيث وقفنا وقرأت
(( نظرت له بصدمة ثم قلت " ومن أخبرك أني أحبه "
وضع الصحن على الطاولة وقال " علمت وحدي "
بقيت أنظر له بحيرة يستحيل أن يعلم ! هذا خبيث يمارس ذكائه علي ولأنه محقق يملك حيلا كثيرة بالتأكيد "
قلت ببرود " لعبة قديمة وسخيفة ومكشوفة أيضا "
رفع حبة لوز وفتحها وقال " فسريها كما تشائين "
بقيت أنظر له بتشكك وهو منشغل بما يفعل , هذا الأحمق يلعب بأعصابي وأفكاري ويريد إيهامي بأشياء غير موجودة
سأل إن كنت أحب اللوز الأخضر وليس لأنه يعرف فإن صادفت هو الرابح وإن فشل لن يخسر شيئا
كان يأكل ويرمي القشور على الطاولة بعشوائية ثم قال " ماذا ستدرسين في الجامعة "
نظرت له وقلت بسخرية " وقل ما أحب منالتخصصات أيضا يا ذكي "
رمى بقشرة أمامي تماما وقال ببرود ونظره عليها " المحاماة "
وقفت حينها على طولي أنظر له بصدمة لم أستطع إخفائها
فرفع نظره لي ومد لي بيده مليئة باللوز الذي قشره وقال " أنتي الخاسرة إن رفضتِ فلا يوجد غيره في الداخل "
قلت ناظرة له متجاهلة يده " لما تجمع كل هذه المعلومات عني ومن أخبرك "
أعاد يده وقال وهو يأكل منها " لم يخبرني أحد مجرد لعبة سخيفة وقديمة وصادفت "
وضعت يداي وسط جسدي وقلت بسخرية" لم أكن أعلم أني مهمة لديك هكذا تتحرى عني وتترك أعمالك "
ركز نظره على خصري حيث أمسكه بيدي بنظرة غريبة بتركيز فأنزلت يدي وقلت بحدة " أبعد نظرك يا وقح "
رفع نظره لعيناي لثواني بهدوء وصمت ثم أبعده عني وقال ببرود " أنظري لإصبع يدك التي جهة الوقح "
رفعتها ونظرت لأصابعي وصرخت بكل صوتي انفض من عليها الحشرة الخضراء الكبيرة وهو يضحك علي
فتوجهت لحوض النعناع مغتاظة وأخرجت خرطوم المياه منه فوقف وقال بتحذير " أقتلك إن فعلتها "
لكني طبعا من حرقتي ولأني رُدين التي لا تضيع حقها مهما كانت النتائج رششته فورا بالماء ولم أتوقف حتى وصل عندي فرميته علية وهربت عائدة جهة المنزل
وما أن وصلت الباب حتى شعرت بذراعين أمسكتاني من خصري بقوة ورفعتاني عن الأرض وسارتا بي حيث كنا وأنا أرفس واصرخ لعل عمي رياض أو عمتي سعاد يسمعاني وبلا نتيجة
وصل بي عند حوض النعناع الكبير ورماني فيه بكل بساطة لأجد نفسي في الماء والطين والحشرات
رفعت يداي ونظرت له وهو يقف يقطر ماءا وعيناه ستحترق من الغضب فأشرت له بإصبعي وبدأت بالضحك
قد تكون حالة دفاعية فقط كي لا أشعره أنه هزمني لكن شكله كان مضحك بالفعل
توجه جهة الخرطوم رفعه ورشني به وأنا وسط سيقان النعناع الطويلة أشعر بالماء والتراب تحتي أخفي وجهي بذراعي وهو يرشني دون توقف حتى صرخت به " يكفي .... يكفي هذا توقف يا فراس "
فرماه عليا وغادر فوقفت من فوري وأمسكته ولحقت به أرشه من ظهره فالتفت لي ولم أتحرك من مكاني أرشه بأكبر قدر أستطيع عليه فوصلني يحمي وجهه بذراعه
وأصبحنا نتشاجر على الخرطوم أنا أمسكه بقوة بكلتا يداي وهو يسحبه مني والماء يطير في كل اتجاه مرة عليه ومرة علي أو في الأرض أو الهواء حتى توقف ضخ الماء فجأة وأصبح الخرطوم بين يدينا لا شيء ينزل منه سوا بعض القطرات
التفت للخلف ليرى من أغلقه وظهر لي من كانا ورائه والده ووالته ينظران لنا باستغراب ثم انفجرا ضاحكين على أشكالنا وتحرك فراس وقال بضيق مارا بجوارهما " زوجوها بسرعة رجاءا "
أما أنا فبقيت أنفض يداي من الماء وأبعد شعري عن وجهي وأبصق التراب من فمي وأمسحه حتى تحول الأمر لبكاء أخفي عيناي بذراعي وأبكي بحرقة , أنا من النوع الذي لا ترى دموعه إلا نادرا وها أنا أبكي للمرة الثانية هنا وبسببه هو في المرتين
اقتربت مني عمتي سعاد وأمسكت يدي وأدخلتني وأنا على حالي أبكي بشدة وصعدت بي حتى غرفتي وأخرجت لي ثيابا ووضعتها في الحمام وخرجت وقالت " أدخلي هيا استحمي وغيري ثيابك وسيرا فراس عقابه منا وإن فعلتها أنا وحدي وحقك لن يضيع "
جلست على الأرض ولم أزدد سوا بكاء وأنا عن نفسي أستغرب لما ابكي هكذا , شعرت أني ابكي حزن كل سنيني وعقباتها التي واجهتها بقوة وصمود حتى تعبت ثم وقفت
ودخلت الحمام استحممت ولبست ثيابي وخرجت جففت شعري وأنا أشعر باستياء لم أشعر به حياتي لن يأخذ أحد حقي إلا نفسي وسيرى
لم اخرج من غرفتي باقي النهار ورفضت حتى أن أتناول العشاء ولم يغمض لي جفن تلك الليلة حتى أشرقت شمس الصباح وما أن ذهب ذاك المتوحش لعمله حتى جلست
وأمسكت هاتفي انتظر وأنظر لساعتي وبعدما مضى أكثر من نصف ساعة على خروجه اتصلت بجوجو فقالت مباشرة " مرحبا رُدين ما هذه المفاجئة "
قلت بابتسامة خبيثة " مرحبا جوجو أين أنتي الآن "
قالت من فورها " في عملي طبعا هل من مشكلة "
قلت مباشرة " أعطني فراس قليلا "
قالت باستغراب " من فراس "
قلت بصدمة " فراس ابنـ آآآآ أعني شقيقي وشقيق أشرف "
قالت بعد صمت " وما علاقتي به أعطيه لك ، أنا لا يعمل معي أحد اسمه فراس "
قلت بصدمة أشد " وأين تعملين أنتي "
قالت من فورها " موظفة في شركة تصدير "
كذب عليا أشرف ذاك المحتال ليأخذ مني ما يريد , قلت " لكنه تعرف عليك عندما حييتني وأنا راكبة السيارة معه "
قالت بعد صمت " تلك أول مرة أراه فيها , أنا حقا لا اعرفه "
ضغطت على أسناني بقوة من الغيظ , أشرف المخادع وها هي خطتي فشلت , لكن مهلا كيف عرفها إذا ولما سألني إن كنت أعرفها الحقيقة كلها عند الكاذب أشرف
قلت من فوري " شكرا لك يا جوجو يبدوا أني أنا من فهم الأمر خطأ ولا تخبري أشرف رجاءا ... وداعا "
أنهيت المكالمة معها ورميت بالهاتف بعيدا عني ثم خرجت من غرفتي وتوجهت لغرفة التنين النائم أشرف
فتحت الباب ودخلت وهززته بقوة قائلة " أشرف استيقظ "
قفز جالسا وقال " ما بكم ماذا حدث لكم "
وضعت يداي وسط جسدي وقلت بغيض " حدث أنك كاذب وكذبت علي وخدعتني أيضا لكني أحفظ رقم أسوم تلك ومرمر ووجدان وكل من رأيت أرقامهم في هاتفك وسأنتقم منك "
قال بضيق " توقظينني لأجل هذا يا أفعى "
أخذت الوسادة وضربته بها على رأسه وقلت " نعم فأنت الكاذب وأنا المكذوب عليه "
أبعد الوسادة عنه وقال " أنا لم أكذب عليك "
قلت بحدة " بلى كذبت وقلت أن جوجو تعمل مع فراس وهي تعمل في شركة تصدير ولا تعرفه أيضا "
نظر لي بصدمة وقال " من أخبرك !! "
قلت بضيق ملوحة بيدي " علمت ولا يهم وإن لم تخبرني بالحقيقة أفسد عليك كل مغامراتك يا قيس النساء "
عاد نائما في سريره وغطى رأسه فسحبت اللحاف منه قائلة " قل الحقيقة أو ندمت على ما أخبرتني "
أعاد اللحاف على رأسه قائلا " جاءني بشعاراته الهابطة مثلك عندما رآني معها لذلك عرفها فاتركيني وشأني "
وضعت يداي وسط جسدي وقلت " لم أفهم "
جلس وصرخ بي " أخرجي حالا "
فهربت خارجة وأغلقت الباب من زمجرة هذا الأسد على ظهور فراس من نهاية الممر فغادرت بخطوات مسرعة لا أريد أن أراه حتى النظر هذا الوقح القذر
وما أن وصلت لغرفتي حتى كانت ذراعي في قبضته ولفني حوله فقلت بتذمر متجنبة النظر له " ماذا بقي لم تفعله جئت لتمارسه علي "
ضغط على ذراعي بقبضته بقوة وقال من بين أسنانه " ماذا كنتي تفعلين في غرفة أشرف " ))
نظرت لها وقلت " يبدوا تعقدت الأمور أكثر "
قالت مبتسمة " ولن يسكت لها عليها طبعا أو تتوقعين العكس "
رفعت كتفاي وقلت " لا أعلم لا أستطيع أن أتوقع شيئا "
ثم قلت بحيرة " لكن هل أخطأت بدخولها لغرفته "
قالت " نعم هو يبقى رجل ولكلن حدوده "
قلت ونظري للأرض " لكني أدخل غرفة نزار ليشرح لي بعض المسائل أو آخذ ثيابه أو أضع المكوية وهو موجود هل أكون مخطئة مثلها "
وصلني صوتها مبتسمة " لا خوف من ابني نزار وأعرفه جيدا ورُدين دخلت غرفته وهو نائم أما أنتي فتطرقين الباب أليس كذلك "
نظرت لها وهزت رأسي بنعم وقلت " ولا أدخل أبدا إن لم يأذن لي "
ثم قلت بشرود " لكنه لا يدخل غرفتي أبدا وإن أراد شيئا قال لي أن أخرج للممر ليتحدث معي , إذا أنا مخطئة أليس كذلك "
قالت بعد ضحكة " لو رأى أنك مخطئة لن يخجل من قولها لك وتعرفين نزار جيدا ثم غرفة الفتاة ليست كغرفة الرجل ولا يجوز أن يدخلها إلا إن كان مُضطرا "
تنهدت واكتفيت بالصمت فمدت يدها وقالت " هاتي هيا وللنوم لتستيقظي باكرا من أجل الرحلة للبحر "
وقفت و مددتها لها وقلت مبتسمة " أجل عليا أن أنام باكرا لأستيقظ باكرا نشيطة "
وعند الصباح استيقظت منذ الفجر وكانت فرحتي لا توصف لأني سأخرج أخيرا من المنزل
جمعت كل ما قد نحتاجه من أغراض هناك وجهزت نفسي وطرقت باب غرفته ففتحه يتثاءب وقال " سما ما كل هذا النشاط "
قلت بتذمر " نائم حتى الآن وأنا أنتظر أن تنزل في أي لحظة !! بسرعة نحن جاهزتان "
خلل أصابعه في شعره وقال بعين واحدة مفتوحة " البحر قريب لما كل هذه العجلة منذ الفجر "
أدرته للخلف ودفعته جهة الحمام وأنا أقول " بسرعة أمامك عشرون دقيقة فقط وتكون في السيارة "
ثم خرجت من فوري ونزلت للأسفل وساعدت خالتي لتجلس على الكرسي ووضعت جميع الأغراض عند الباب وأخرجتها للصالة على نزول نزار قائلا بابتسامة " ما كل هذا النشاط يا كسولتان "
قالت خالتي ضاحكة " بقي أن تشغل لك السيارة فقط وتناديها بالكسولة "
وصل عند كرسيها وأخذه مني فأعدته منه قائلة " ضع الأغراض في السيارة أنا من سيوصلها هناك "
قال وهو يتوجه جهة الباب " بل أنتي من تخرج للسيارة مباشرة "
نظرت لي خالتي للأعلى وقالت " ما كل هذا التدليل ما الذي قلته له بالأمس "
شعرت بالدماء تصعد لوجهي من الخجل وقلت ونظري للأرض " دائما يحرص على هذا كي لا يعرفني أحد قد يكون يبحث عني "
قالت وهي تحرك العجلات بيديها " ذلك كان في السابق أما الآن فلا حاجة له وها قد سمحوا لك حتى بالذهاب للبحر ، وليس فقط الوقوف لدقائق في الشارع "
دخل حينها نزار وأمسك بيدا كرسيها وسحبها خارجا بها وتبعتهم لأرى إن كان كلامها صحيحا ووقفت معهم في الشارع حتى انزلها وأركبها السيارة ووضع الكرسي في حقيبة السيارة وبالفعل لم ينبه علي للصعود
ثم قال وهو يتوجه لبابه " يبدوا ستبقي هنا "
ابتسمت وفتحت الباب الخلفي وصعدت وقلت وأنا أغلقه " أرأيتِ خالتي يريد إبقائي هنا "
ضحكت وقالت " الرحلة كلها من أجلك كيف نبقيك "
انطلق قائلا " كنت سأخبر عوني يأتي معنا لولا تيقني من رفضك يا أمي "
قالت خالتي " لا نريد أن نمضي الوقت نراقب الأطفال وتركضون خلفهم , وحدنا أفضل "
نظر ناحيتها وقال " وكيف ستفعلين مع أحفادك الذين تنتظرينهم وتريدين الخروج معهم "
ضحكت وقالت " سأقوم وحدي بالواجب أنت فقط تزوج "
غريب ذكر نزار للزواج ! أول مرة يتحدث عن شيء يخص هذا الأمر , تُرى كيف كان في الماضي إن كان كما قالت خالتي أنه تغير كثيرا بعدما تركته رهام !
وصلنا سريعا وكان عدد الناس قليل , نزلت من السيارة أنظر للبحر وأشعر أني تحررت من قيود كثيرة , ما اغرب هذا الشيء يشعرك بالحزن والفرح والراحة في آن واحد وأهم شيء يشعرك فعلا بوجودك
نظرت للناس بحزن وتذكرت خروجي في السابق وعائلتي له وشعرت بالكآبة غزت فرحتي وأفسدتها
التفت للخلف فجأة فكان نزار يُنزل خالتي وحملها بين ذراعيه لأنه طبعا لا يمكن للكرسي أن يتحرك على الرمال ، ثم قال " سما أحضري الكرسي رجاءا "
توجهت بسرعة له ورفعته بصعوبة وثبات حتى وضعته في مكان بعيد قليلا ومناسب وعاد هو جهة السيارة ينزل باقي الأغراض وبقيت أنا مع خالتي وعيناي لم تفارق البحر لحظة وكأني أغسل نفسي بمياهه
ثم اقتربت بضع خطوات من الشاطئ حتى أصبح صوت أمواجه في أذناي وكأنه يتحرك في رأسي ثم عدت سريعا جهة خالتي وأمضينا الوقت نتحدث عن كل شيء أمامنا وأعددنا الطعام والشاي
كان كل شيء ممتع رغم أن نزار كان يتجنبنا طوال الوقت وكأنه يهرب من التحدث إما يشوي أو يرتب الأغراض أو يشرد بعينيه حيث الأطفال وبعدها صلينا الظهر
جلس مبتعدا عند صخرة كبيرة ينظر للبحر بشرود لوقت طويل وعيناي لم تتوقفا عن النظر له بين الحين والآخر
وأنا أتأمله ببنطلونه الأسود وقميصه الأسود أيضا والجمجمة المرسومة على ظهره بخطوط بيضاء رقيقة مع بياض ذراعيه ووجهه وسواد شعره ولحيته الخفيفة
كان الهواء يحرك شعره بطريقة غريبة تجعلك تتأمله دون توقف ولا ملل , لأول مرة يرتدي ملابس كلها سوداء هكذا
لا أعلم لما يبدوا لي حزينا وكئيبا وكأنه مثلي حين نزلت وكأن البحر قد ذكّره بذكرى قديمة وحزن كبير
كانت الإذاعة عند برج المراقبة تصدح بأغاني أجنبية منذ وصلنا وفجأة وقفت الأغنية وغيروها بواحدة عربية , كانت من قصائد نزار قباني تغنيها مغنية أسمها غادة رجب ,
أعرفها جيدا فوالدتي كانت تحب جميع الأغاني المغناة لذاك الشاعر لحبها له وتسمعها من أشرطة الكاسيتات لأن والدي كان لديه تحفظات كثيرة بشأن التلفاز , عم صوتها الأرجاء وهو ينتقل مع الريح قائلة
( لماذا تخليت عني إذا كنت تعلم أني أحبك أكثر مني لماذا )
امتلأت حينها عيناي بالدموع وأنا أراقبه على وقع تلك الكلمات على مسامعي , لم أكن أهتم لها في السابق ليس فقط لأني لا افهمها لكني لا اشعر بها , وما أن كررتها مجددا
( لماذا تخليت عني إذا كنت تعلم أني أحبك أكثر مني لماذا )
حتى خلل نزار أصابعه في شعره ونظر للجانب الآخر وأخرجني حينها صوت خالتي من أفكاري قائلة " نزار لا يعجبني أبدا هذه الأيام "
نظرت لها بصدمة فتابعت ونظرها عليه " عيب الرجال أنهم لا يفتحون قلوبهم بسهولة والأم آخر من يستطيع أن يجد حلا لفلذة كبدها وهذا أكثر ما يتعبها "
نظرت له فكان يمسك ذراعه بيده الأخرى ويقبض عليها بقوة تكاد أصابعه تخترقها ونظره لازال للأفق
شعرت بغصة اعتصرت قلبي ودموعي تستعد للنزول وقلت ببحة " والحل يا خالتي "
تنهدت وقالت " نزار يحتاج لمن يغسل حزنه ويجبر كسوره لكنه يكابر ويعاند ويفرض على نفسه الخيارات الخاطئة ويتمسك بأفكاره وشعاراته وكبريائه وسيخسر الكثير ولا يدرك ذلك "
نظرت لها وقلت بحيرة " خالتي كلامك مبهم جدا لما لا أفهمك "
ابتسمت وقالت " أنا أفضفض عن خاطري فقط , ما رأيك أن تذهبي له لا أحب عزلته هكذا
أشعر انه يسجن نفسه في حزن قديم فاستخدمي ذكائك مجددا وأخرجيه منه ولو الآن فقط "
بقيت انظر له لوقت , قد لا يكون ذكائي من جعله يرضى عني يوم أمس وهي المصادفة ليس إلا لكني حقا أتألم لرؤيته هكذا وخصوصا بعد كل الكلام الذي قالته خالتي
وقفت دون تردد وتوجهت نحوه بخطوات بطيئة حتى وصلت ووقفت خلفه مباشرة وهوا لم يشعر بي وقلت بهدوء " هل أجلس "
نظر للأعلى حيث وجهي فنظرت للأسفل وقلت بذات هدوئي " لو كنت تريد البقاء وحدك أخبرني ولن أغضب منك أبدا "
عاد بنظره للبحر وقال " أبدا ... يمكنك الجلوس يا سما "
ابتسمت برضا وجلست بجانبه وغلب الصمت على جلستنا هو لم يقل شيئا وأنا ضاعت مني الحروف وكأني لم اجلس حياتي بقربه , لكن حقا لم يكن قريبا هكذا حتى أنه لو حرك ذراعه ستصطدم بذراعي مباشرة
قلت بعد قليل ونظري عليه " نزار هل أسالك سؤالا تجيبني عليه بصدق "
قال ونظره لم يغادر الأفق " نعم "
ولم يزد شيئا فتمنيت أني لم أتحدث فيبدوا لا يريد إلا سجن نفسه كما قالت خالتي , نظر حينها باتجاهي وقال " ماذا كنتي تريدين أن تسألي "
وقفت وقلت " إنسا الأمر يبدوا أني أزعجتك حقا "
وهممت بالمغادرة حين قال " أجلسي يا سما "
التفت له وقلت مبتسمة " لا تقلق لن أغضب من ذلك وسأتركك وحدك "
قال وهو يشير بنظره حيث كنت جالسة " أجلسي أو غضبت أنا منك "
عدت للجلوس حاضنة ساقاي وقلت مبتسمة " لا رجاءا فأنت إن غضبت يصعب إرضائك "
قال بصوت مبتسم " ولا تنكري أني لا أغضب بسهولة "
قلت ونظري على قدماي " لا أنكر ذلك أبدا "
قال وهو ينظر لي " هل ستسالين سؤالك أم غيرتي رأيك "
نظرت لوجهه وشعرت بقلبي ينبض بشدة حتى خيل إلي انه يسمعه فهربت بنظري وعدت به لقدماي فوق تلك الصخرة وقلت بهدوء " أمازلت غاضب مني "
لاذ بالصمت لوقت ثم قال بنبرة استغراب " لما هذا السؤال يا سما !! "
رفعت نظري للأفق وقلت " لأنك لست كما كنت وكأنك غاضب من احدهم بشدة , وليس غيري حمقاء تخطئ دائما "
قال من فوره " لا تقلقي لست غاضبا منك أنتي ولستِ حمقاء أيضا "
نظرت له وهو ينظر للبعيد وقلت " ممن إذا "
أنزل يده للصخر وأخذ حصا صغيرة ورماها في البحر وقال ونظره حيث سقطت " غاضب من نفسي "
لم اعرف ما أقول بقيت أنظر لملامحه بشعور لم استطع تفسيره سوى بشيء واحد لم أفكر فيه من قبل أبدا وهو أني أردت أن أحضنه ولو لدقيقة واحدة فقط ومرة واحدة أيضا
عاد الصمت مجددا وعيناي معلقتان به لتتخلله كلمات الأغنية بوضوح
( وخلفت هذي الصديقة هنا عند سور الحديقة على مقعد من بكاء .... لماذا ) فرفع نظره للبحر مجددا وقال بهدوء " تعجبني كثيرا هذه الأغنية "
شعرت بدمعتي طارت مع هواء البحر , هو لم يراها بالتأكيد وخدي لم يحتضنها لأنها طارت من عيني مباشرة ولا أعلم أين استقرت
مسحت طرف جفني بأصابعي وقلت بحزن " والدتي كانت تسمعها دائما , لم أكن افهم يوما معناها لكني الآن فهمت كم هي جميلة وحزينة وتعبر عن الجرح والخذلان "
نظر حينها ناحيتي لتقع عيناه على عيناي مباشرة وقال " سما هل أسألك أنا الآن سؤال تجيبي عنه بصدق "انتهى الفصل
*❀يتـــ⇓⇓⇓ــبــــــ؏❀*
➖➖➖➖➖➖➖➖
☆☆☆☆☆☆
أنت تقرأ
أوجاع ما بعد العاصفة
Mystery / Thrillerكم حملنا من جراح وحمّلنا الغير إثم وجودها على وجه الأرض وهم لا يعلمون أنها خرجت من عمق أوجاعنا للكاتبة برد المشاعر