نبدأ بسم الله
➖➖➖➖➖
*
فتَحْتُ الباب بهدوء ونظرت نظرة حب وحزن ورحمة للجسد المختبئ تحت طيات اللحاف ليخفي وجهاً وقلباً أشد منه حزناً وبرودة وعذاب
ابتسمت بألم ثم قلت " وسن هل أنتي نائمة "
خرج لي صوتها المتحشرج يحكي ما تخبئه في عتمة سريرها قائلة " لا ... سأنام الآن "
زاد صوت صرير الباب دالا على تحركي قليلا للأمام لتوقفني كلماتها الهادئة " أنا بخير أريد النوم فقط "
تنهدت بضيق ألعن في قلبي ما آلت له شقيقتي بل ما آل له حالنا جميعاً
ثم قلت بهدوء " وسن لا تقتلي نفسك بما تفعليه أخرجي للسهر معي ووالدتي , لما تفعلين بنفسك هكذا كلما عدتِ من هناك "
لم تجبني ولم أنتظر منها جواباً لتتراجع خطواتي خارجه وكل مناي أن لا أسمع منها تلك العبارة التي تقتل بها قلبي كلما قالتها في مثل هذا الموقف , خرجت هرباً من أحرف ليس إلا لكنها تفعل ما يفعله السيف حين ينزل على عنق أحدهم بقوة
حاولت الهرب مسرعه ولكن تلك الحروف سبقتني للباب لترتمي في أذني بصوت شقيقتي الوحيدة وهي تقول من بين حزنها وتعبها وهمومها " ليتني أموت يا فرح "
أغمضت عيناي بحزن أكتم ألمي وقلت بثبات " لو كل من طلب الموت أدركه لما بقي على وجه الأرض أحد يا وسن "
وقفت بعدها عند الباب وقلت بتوجس وخوف من الجواب " هل تحدثتِ معه مجدداً ؟ "
أجابت هامسة باختصار " لا "
قلت وأنا أغلق الباب بهدوء " جيد يبدوا لي تقدمتِ خطوة للأمام "
*
*
" كيف هي الآن , ألن تخرج "
جلست بجوار والدتي وقلت ببؤس " لا بالتأكيد فكما تعلمي لن تفارق سريرها قبل الصباح , تلك عادتها كلما زارتهم لا أفهم لما لا يختفي ذاك الرجل من الخليقة حين يعلم أنها ذاهبة هناك "
اكتفت بالتنهد في حزن فتابعت بحرقة " لا أعلم لما لا يرحمها من رؤيته مادام غروره لن يفارقه ولن يتفهم أسبابها , كم صرت أكرهه وأتمنى من الله أنـــ .... "
قاطعتني بحدة " فرح اصمتي ولا تدعي على أحد لا ينقصنا مصائب يكفينا ما نحن فيه "
قلت بتذمر " وما الذي لم يحدث لنا لنخشاه .. ماذا يا أمي ؟! فمنذ تلك السنة التي فقدنا فيها والدي وشقيقي في نفس اليوم فترملتِ أنتي وفقدتِ ابنك الوحيد وفقدت أنا شقيقي ووالدي وتيتمت وسن لتصبح بلا أب ولا أم , بل من قبل ذاك اليوم حين أصبح والدي مديوناً ومهدداً بالسجن وتقهقر حال كل واحد فينا وأولنا وسن التي بدأت خساراتها تتوالى منذ ذاك الحين , أخبريني ماذا سنخسر أيضا قولي يا أمي "
قالت وهي تغادر " استغفر الله اللهم لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا "
وقفت أتأفف متجهة لغرفتي ليغير مجرى سير خطواتي رنين الهاتف , اقتربت ونظرت للرقم في شاشته لأجد من سيكون متنفساً لغضبي وما أكبته من حسرة , جلست بجوار الطاولة ورفعت السماعة وقلت من فوري " لا مرحباً بكم من عائلة , أخبرني متى سيموت شقيقك ذاك أو يُسجن أو يقوم رئيس الدولة بنفيه من البلاد "
جاءني صوته مصدوماً " فرح حبيبتي كم مرة ستُحملينني إثم غيري ما ذنبي أنا إن كانت أكثر مشاكل البشرية تعقيداً بين شقيقي وابنة خالتي وما ذنبي إن أحببت شقيقتها من بين كل البشر وخطبتها وكنت سأموت إن لم أتزوجها "
قلت بضيق " ذنبك أنك شقيقه , ذاك المغرور المتحجر الذي ثبرت منه الإنسانية , متى سترأفون بحال شقيقتي أي عائلة خالة أنتم أقسم أن لكم نزعة عرق في اليهود "
تنهد وقال " وهل بيدي شيء ولم أفعله , لا تلقي بكل اللوم عليه فلم أنسى يوما حين قال لي بوجع ( ليتها فقط أخبرتني كنت حرثت الأرض بأظافري وأخرجت المال وما تركتها تهورت وفعلت ما فعلته ) هو موجوع أكثر منها وأنــ .... "
قاطعته بحدة " موجوع !! ليته يموت بأوجاعه لا بارك الله في اليوم الذي عاد فيه "
قاطعني بضيق " فرح .. نواس شقيقي في كل الأحوال ولا تنسي ما فعل ويفعل من أجل الجميع "
قلت بغضب " نعم مُنّ علينا بأفضاله فهوا المنقذ الحامي الذي انتشلنا من ديوننا ولولاه لضعنا ولمتنا جوعاً أبو الشهامة "
قال بغضب مماثل " فرح كم مرة سنكون في مشكلة بسبب أمر لا يد لنا فيه "
نزلت دموعي تحكي عجزي وعجزه الذي أعلمه أكثر منه وقلت بعبرة مخنوقة " شقيقتي يا جواد إنها تضيع منا لما لا تشعر بي , متى سيرحمها ذاك الجلمود ويترك المنزل على الأقل حين يعلم بذهابها لخالتها "
تنهد وقال " لا أعلم لما يفعل ذلك هل ليعذب نفسه أم ليعاقبها هي أم لينتقم منهما معاً , حتى أنه لا يغادر مكانه حتى تغادر هي أولا "
قلت بحزن " ما الذي حدث هذه المرة "
قال بهدوء " لا شيء ولا جديد "
سألته من فوري " قالت لم تتكلم معه هل صحيح حدث ذلك "
قال من فوره " نعم لم يتحدثا مطلقا بل لم تنبس شفتاه بحرف لا معها ولا مع غيرها وبعد مغادرتها وقف من فوره ألقى علينا قنبلته وغادر لمزرعته "
قلت بحيرة " قنبلة ماذا !! "
تنفس بقوة حتى كاد نفسه يخرج لي من ثقوب السماعة ثم قال " قال سيخطب قريبة صديقه "
ألقى عليا الخبر كالقذيفة لترتجف يدي وتسقط سماعة الهاتف مني وأنا أهمس بشفاه ترتعش " يا ويل قلبي عليك يا وسن "
*
*
سمعت الطرقات المتتالية على باب غرفتي لأتوجه له فزعة فانا اعلم أن هذه التقوس لا تحمل إلا النكبات
فتحته انظر لابنتي بتوجس وهي تلطم خداها في صمت وتكتم صرخاتها من الخروج فأمسكت معصمها وجررتها معي لداخل غرفتي وأغلقت الباب خلفها ناهرة لها " توقفي عن لطم وجهك أي مصيبة تحملين معك "
أطلقت حينها العنان لصراخها ودموعها المكبوتة لتصرخ بوجع " سيتزوج يا أمي سيدمرها نهائيا جهزي كفناً أبيض جديد لنلبسه لجثة أخرى من بقايا عائلتنا المتبقية "
لتتابع وهي تضرب صدرها بكفها " شيع الجثمان يا أمي وسيكون من المعزين فيه "
كتمت صرخاتها بكفي وقلت " لا بارك الله في أخبارك السوداء أخفضي صوتك لا تسمعك "
أبعدت كفي عنها وقالت ببكاء " ستعلم اليوم أو في الغد ومنا أو من غيرنا فعن ماذا سنتستر "
ضربت كف بالآخر وقلت بحسرة " لا سامح الله ذاك المتجبر خالد ولا اليوم الذي عرفناه فيه , كيف يتحول حالها من عروس لنواس تكاد تزف إليه ليتيمة تبكي ماضيهما "
ثم تابعت بحزن وأنا أجلس على السرير " ما الذي يريد الوصول إليه بما يفعل .... ماذا ؟! "
عقبت فرح بغيض " ينتقم منها ويحرق قلبها . أحرق الله قلبه حتى يتحول لرماد"
قاطعتها بغضب " فرح لا بارك الله في لسانك ما ستجنينه إن استجاب الله لك , لا ليس نواس من ينتقم ويكسر القلوب لن يكون هو ليس لمن غمرنا بفضله لليوم أن يفعل هذا "
قالت معاتبة بلوم " أمي توقفي عن رفع أفضاله فوق رأسك كم مرة ستذكريننا بأنه صاحب المن والفضل "
قلت بحدة " اعترفتِ بذلك أم نكرته فهي الحقيقة فحتى الخبز الذي نأكله هوا من يدفع ثمنه علم من علم وجهل من جهل واعترفتِ أو لا تلك هي الحقيقة فلولاه بعد الله لكنا الآن في الشارع نتسول على الطرقات وترمينا الناس بأقدامها من تحت أحديثهم ولكانت شقيقتك في السجن "
جلست بجانبي وقالت بحزن " وها هوا يسترجع الدَّين يا أمي , ها هوا يأخذ ثمن أفضاله علينا "
*
*
إن وجدت حلا لهذه كيف سأخرج من تلك ولو طلبوا إحضاره من أين سأجد واحدا , لما يحدث معي كل هذا وكيف سأتصرف وماذا إن وجدوني , خالة عفراء كم أحتاجك الآن كله بسببه
" سما "
أيقضني الصوت الذي يردده صدى المكان الواسع
فقلت بتوتر " نعم آنسة "
صرخت بأمر " لمكتب المصلحة حالا "
وقفت بهدوء بين تمتمات وضحكات زميلاتي المنخفضة
وقلت بحزن وعيناي على طاولة مقعدي " فقط هذه المرة آنسة لن أسرح في الحصة مجددا أقسم لك "
ضربت بمقدمة قدمها على الأرض تنظر لي بنفاذ صبر فخرجت من مقعدي ومن فصلي متوجهة لمكتب المصلحة الاجتماعية
المكتب الذي بت أحفظ معالمه كاسمي من كثرة ما زرته , كنت أسير بحزن لا أرى سوى الأرض تحتي وخطواتي عليها
طرقت الباب ودخلت ورأسي أرضا لتتحدث تلك من فورها " هذه أنتي مجددا , إن كنتي ستتكلمين اجلسي أو غادري لغرفة المدير حالا "
نظرت لها وقلت برجاء " إلا مكتب المدير آنسة أرجوك "
تنهدت وقالت بهدوء " سما أنا أريد مساعدتك فإن كانت لديك مشكلة فتحدثي أو سأقدم طلبا بولي أمرك ليحظر "
قلت فزعة " لا آنسة خديجة إلا ولي أمري "
تأففت وقالت " ولما لا هل سنعيد دائما نفس الاسطوانة "
يا إلهي كيف سأخرج من هذه المصيبة كيف سأتصرف يا رب ساعدني , ضربت على طاولتها بقلمها مستاءة وقالت " لمكتب المدير يا سما أو الاستدعاء ولك أن تختاري "
خرجت من هناك وأموري اليوم لا تزداد إلا تعقيدا تنهدت بحزن فلا خيار أمامي عليا الذهاب إليه
كي لا تستدعي المصلحة الاجتماعية ولي أمري فوحدها يحق لها استدعاءه في هذه الحالة تنفست عند الباب بقوة ثم طرقت ودخلت
*
نظر لي بنصف عين وقال " ها كما اتفقنا لا تترك لي المنهج في نصف الفصل الدراسي يا نزار "
ابتسمت بعفوية وقلت " وهل تعرفني من متقلبي المزاج أنا أحتاجها مؤقتا وأنت تعرف ظروفي وإلا ما كنت اخترت التدريس وخصوصا فتيات الثانوية ولا تخف فتحت كل الظروف سأنهي معك العام "
قال بابتسامة " إذا على بركة الله وفصلاك جاهزان أعانك الله على الأطفال الكبار "
ضحكت وأنا أقف قائلا " مررت بهذه المرحلة وأعلم جيدا عقول من هم فيها "
قال من فوره " أين ستذهب ابق قليلا سأخرج معك "
عدت لجلستي على صوت طرقات خفيفة على الباب نظرنا كلينا هناك حيث فتاة بعينين زرقاء واسعة وملامح هادئة وحزينة وشعر كستنائي اللون مجموع كله للخلف
*
نظرت للأرض في صمت فقال " أدخلي يا سما " هذا ليس وقت الفسحة ولا بين الحصص
نظرت له وهمست " وها هي المشاكل سأحضر معك إحداها "
ضحك دون تعليق ثم نظر ناحيتها وقال " ما المشكلة يا سما "
قالت بشبه همس " الآنسة ليلى أخرجتني من الحصة "
قال مباشرة " و السبب "
رفعت نظرها إليه ثم لي ثم أعادته أرضا وقالت " المصلحة الاجتماعية أرسلتني إليك "
تنهد وقال " سما أنتي تعلمي كم وصلت مكتب المصلحة شكاوى بسبب سرحانك في الحصص وكم طلب وصلني منها بشأنك "
هزت رأسها بنعم دون كلام
فقال " إن كان ثمة مشكلة لديك فأخبريها لتساعدك هي امرأة مثلك وأنتي تعلمين جيدا أنها إن قدمت لي طلبا باستدعاء ولي أمرك ستحضرينه أو فصلناك من المدرسة "
رفعت رأسها إليه بعينان تمتلئان دموعا وقالت " لا لن يتكرر الأمر أقسم لك "
قال بحدة " لا أعلم كيف يكونان والداك مهملان هكذا لا أحد منهم يُقيم مستوى ابنته أو يزورنا , صديقة والدتك لا أعرف قريبتها أو من تكون من يوم سجلتك لدينا لم تزرنا سوى مرة واحدة وقالت أن والداك مسافران , هذه مدرسة خاصة لها قوانينها وإن استدعى الأمر إحضار أحدهما فعليك جلبه أو قريبتك تلك مفهوم "
نظرت للأرض لتسقط دمعتها على الأرضية الرخامية وقالت بصوت مخنوق " مفهوم "
تنفس بقوة مهدئاً نفسه وقال " عودي لفصلك الآن "
غادرت من فورها
فقال بضيق " مهما حاولت أن لا تقسوا على الطالبات يخرجنك من طورك "
قلت مبتسما " اخترت أن تكون مديرا لأسوأ مكان "
وقف وقال " إذا أبشرك تلك إحدى طالباتك "
ضحكت وقلت وأنا أشاركه السير خارجان " يالها من بشرى هذه أول الطلبة الفاشلين إذا "
قال بضحكة " لا فهي متفوقة فوق ما تتصور فقط مشكلتها أن لها أمرا لا تفصح عنه "
كنت سأقول شيئا حين رن هاتفي ونظرت للمتصل وأجبت ونحن نستقل سيارتينا " مرحبا جابر أين أنت يا رجل "
تأفف وقال " زوجتي أنت ولا أعلم "
ضحكت وقلت وأنا أشغل سيارتي " مهلك عليا قليلا ما الجديد لديكم "
تأفف مجددا وقال " أتركنا من ذلك سنلتقي اليوم حسننا "
انطلقت خلف السيد منصور قائلا " عند الخامسة مناسب لأنه عليا الذهاب للمنزل بعد قليل كي لا أتأخر عن علاج والدتي "
قال " جيد وأنا أيضا عليا المغادرة قليلا لمدينتي نلتقي عند الخامسة لو تأخرت سأقتلع عيناك "
ضحكت وقلت " رحم الله من يقع تحت يديك "
قال " نلتقي فيما بعد وداعا "
أنهيت الاتصال منه على رنين هاتفي نظرت للمتصل وأجبت من فوري قائلا " نعم يا دعاء "
قالت بهدوء " خرجت للتو من المستشفى وسأمر بها "
أدرت المقود لألف يسارا وقلت " لا داعي لذلك سأعود للمنزل الآن وأكون معها شكرا لك "
قالت من فورها " لا تشكرني على واجبي وسأكون معها في غيابك الأيام القادمة .... وداعا "
*
*
سلكت الطريق مسرعة , عليا اللحاق بهما قبل أن يغلقوا الباب ويتركوهما في الشارع .. آه ياله من يوم
" أرجوان انتظري "
التفتت للخلف حيث الراكضة نحوي بسرعة وقلت " عليا الذهاب لإحضار الطفلين سأتأخر عنهما "
وصلت عندي تلهث قائلة " اتصلت بي ماجدة الآن وقالت أن الحافلة أقلت الأطفال لأن العطل تم إصلاحه "
وقفت أتلقف أنفاسي مثلها فقالت " يالها من مسئولية التي تحملينها عليك أن تتزوجي هذا الوضع صعب عليك وحدك "
قلت ونحن نتابع سيرنا " من سيتزوج بفتاة معها إخوتها الثلاثة الصغار وقد سافر بها العمر "
قالت بضيق " آه بربك أرجوان كلها أربع وعشرون عاما كيف سافر بك العمر ثم أنتي من كنتِ ترفضين الزواج لأجلهم وكل ما أخشاه أن تبقي يوما وحيدة وتندمي على عمرك هذا "
سلكنا الطريق وقلت بأسى " كم أخشى من اليوم الذي يكبرون فيه ويتزوجوا وأفقدهم "
ضحكت وقالت " أرجوان يالا أفكارك , أمجد أكبرهم في الثامنة كم من السنين تحتاجين ليحدث ذلك "
تنهدت وقلت " لا شيء أسرع من ركض السنين "
وقفتْ وشهقتْ ثم قالت بدهشة " غبية ... الآن انتبهت لكلامك ما قصدك أن يتزوجوا وتبقي وحيدة "
وصلت عند باب المنزل وقفت أمامه وقلت " أعني لن أغير رأيي أخوتي هم أبنائي وزوجي وكل حياتي "
هزت رأسها بيأس وتابعت طريقها وتركتني
وضعت المفتاح في الباب فسمعت صوتها خلفي فقلت بفزع
" سوسن يا حمقاء أفزعتني ألم تغادري الآن "
ضحكت وقالت " نسيت أمرا كنت سأخبرك عنه "
نظرت لها بحيرة فقالت " هناك رجل سأل عنك اليوم "
نظرت لها باستفهام وقلت " رجل سأل عني أنا !! "
ضربتني على كتفي وقالت " لا عني أنا "
ثم نفخت بشفتيها قائلة " أوووف لو رأيته يا أرجوان له شخصية مدمرة من أين تعرفين هذا الصنف الهجين من الرجال "
قلت باستغراب " من يكون ؟! "
قالت مغادرة " لا أعلم قال سيعود في الغد كان سيدركك لولا خروجك راكضة من أجل أخوتك "
تجاهلت كل ما قالت ودخلت المنزل وما أن فتحت الباب حتى شهقت بصدمة وقلت " بيسان ما هذا في يدك "
نزلت بجسدها تحييني ثم قالت " مرحبا بالإمبراطورة أرجوان "
ثم دارت حول نفسها وقالت " انظري ماما ما رأيك بما أحضر أمجد "
اقتربت منها أخذته من يدها وقلت " من أين أحضره ومن أعطاه إياه "
قالت بعبوس " إمبراطورا كيف تتكلمين هكذا هل نسيتي أنك سيدة المكان , ماذا سيقول عنك الخدم "
ابتسمت رغما عني , يالا هذه الطفلة الحالمة هذا هو عالمها الذي يستحيل أن يخرجها أحد منه أعانني الله عليها
نظرت حولي وقلت " أين هي ترف وشقيقك "
رفعت فستانها الطويل وقالت وهي تدور حولي " كونتيسة ترف تستحم ولم تخرج ودوق أمجد مختبئ عنك كي لا يستحم "
قلت مبتسما وأنا أتبعها بعيناي " والأميرة بيسان هل استحمت "
حضنتني وقالت " نعم ماما شمي رائحتي "
لمست شعرها وقلت " ولم تغسلي شعرك "
ابتعدت عني وقالت " نعم "
وقفت وقلت " حسننا هيا اذهبي لغرفة الطعام سأصعد لهذين الشقيين وأعود إليك فيبدوا أنا وأنتي فقط سنتناول الطعام معا "
ركضت مرحة وصعدت أنا السلالم , إخوتي أصبحوا كل عالمي منذ ذاك اليوم الذي جاءتني فيه تلك السيدة وأحضرتهم لي وهي تصارع المرض لتخبرني أنهم أبنائها من والدي مع أوراق تثبت ذلك ورسالة منه لي كتبها قبل وفاته وكانت حينها ترف أصغرهم عمرها لم تتعدا الشهور , بيسان عامان وأمجد ثلاث سنوات فقط
خمس أعوام مرت منذ ذاك اليوم الذي وجدت فيه نفسي مسئولة عن ثلاث أطفال وعمري لم يتجاوز التاسعة عشرة تركت دراستي وعملت لأوفر لهم سبيلا للعيش بعد وفاة والدي معيلي الوحيد وأهلي وكل من لي في الحياة رغم أنه كان مسافرا للخارج لكنه كان يعيلني ويرسل لي النقود من مكانه
لتأتيني المفاجئة منه من هناك زوجة وأبناء تركتهم في عهدتي ,
وصلت الغرفة ودخلت الحمام وكما توقعت المياه تملأ المكان والآنسة ترف تلعب في حوض الاستحمام,
وقفت واضعة يداي وسط جسدي وقلت " كم مرة نبهتك وكلما تأخرت كررتِ نفس الخطأ "
خرجت من الحوض راكضة نحوي وحضنت ساقاي بمياهها فلم أستطع سوى الابتسامة لهذه العينان البريئتان
رفعتها من ذراعيها وخرجت بها لففتها في المنشفة وقلت " أمامك عشر دقائق ترتدي ثيابك وتنزلي للأسفل لتتناولي غدائك وتنامي بعدها هيا بسرعة "
*
غادرت من عندها وخرجت لغرفة أمجد دخلت ولم أجد أحدا , أعرف جيدا أين سيكون
وقفت عند الخزانة وطرقت بابها قائلة " تخرج أو أخرجك بنفسي "
خرج صوته من الداخل يردده صدى الخزانة " استحممت ماما لا تحمميني مجددا "
ابتسمت وقلت " أخرج لنرى "
فتح الباب وخرج منها وفتح ذراعيه وقال " هه شمي رائحتي فراولة "
ابتسمت وحضنته قائلة " رائع كبرت يا رجل هيا لتناول الغداء لتنام ثم نرى دروسك اليوم "
نزلت وهو خلفي يحكي ما حدث معه اليوم مفصلا دون توقف حتى وصلنا طاولة الطعام
*
*
وصلت القصر سريعا ودخلت لأجد الجالسة على كرسيها الوثير تصدر أخشابه صريرا وهي تتحرك به للأمام والخلف بنظراتها الباردة التي لم نعرف غيرها في حياتنا بشفاه لم تبتسم يوما وشخصية صلبة ربت جيلا من الصلابة والقسوة ,
وصلت عندها قبلت يدها وجلست بجانبها ، فقالت من فورها " لم أرك أحضرتهم "
نظرت للأرض وقلت بجدية " ذهبت ولم أجدها "
قالت بذات صلابتها وبرودها " هل يلزمك مشاورتها على ذلك , لن تكون ابني الذي ربيته وأنت تراعي مشاعر النساء "
رفعت رأسي ومررت أبهامي على جبيني محاولا تبديد إرهاقي وقلت بهدوء " أنا لا أراعي مشاعرها وأنتي تعرفيني جيدا لكن لكل شيء أصوله فعليها أن تعرف أولا "
قالت بسخرية " لا أعرف كيف تكون جابر الذي يخافه أعتا المجرمين وتلعب بك النساء بسهولة "
وقفت وقلت " أمي هل سنعود دائما لذات السيرة "
وقفت وقالت مغادرة " إن لم تحضرهم معك المرة القادمة لن تكون أقل من ذلك "
تأففت وفتحت ربطة العنق لأتنفس بأريحية ورفعت هاتفي وأنا أصعد السلالم وقلت " جهزوه للتحقيق معه مجددا أقل من ساعة وسأعود إليكم "
قال " لكن سيدي... "
وصلت الغرفة دخلتها وقلت صارخا " من دون لكن ما قلته تفعله , دقائق وسأغادر من هنا عائدا له وأخبر الفريق ليقوموا بزيارة موقع المصنع حالا للتحقيق في الأمر عمار وقيس ويختارا واحدا فقط معهما البقية لقسم التحقيق حالا أجدهم هناك عند وصولي مفهوم "
قال من فوره " مفهوم "
أغلقت الهاتف ورميته على السرير ورميت السترة وربطة العنق
غادرت الغرفة والجناح للغرفة القريبة منها طرقت الباب عدة طرقات ولم يجب فضربته بقبضة يدي بقوة وقلت " معتصم تفتح الباب أو كسرته تفهم "
لم يأتي الرد أيضا فقلت صارخا بغضب " حركات الفتيات هذه أضنك أكبر منها فدعنا نتحدث بلين أفضل لك "
فتح الباب ودخل يردد بغضب " لا أحد منكم له سلطة علي حتى متى سأعيش على هواكم قلت لن أدخل ذاك القسم يعني لن أدخل ولن أترك تلك الشلة ولا تلك المزرعة , حياتي وأنا حر فيها "
أدرته ناحيتي وأمسكته من قميصه وقلت بحدة " تحترمني أولا أنا أكبر منك وما قالته أمي تنفذه فلم تفني عمرها في تربيتنا لنخالفها "
أبعد يدي وقال بسخرية " يكفيها أنت وشقيقتك صنعت منكما ما تريد أنا لا يتحكم أحد بي "
قلت صارخا بغضب " لم أقطع كل هذه المسافة لأسمع منك اسطوانتك المعتادة هذه "
قال بغضب " وأنا لم أفتح لك الباب لتسمعني موشحك ذاته والدتي ووالدتي وربتنا
على ماذا ربتكم يا رجل لم تخطئ حسناء يوم هربت بأبنائها من جبروتكم ولا فؤاد الذي رمى ابنتكم وفر بجلده هاربا من كل البلاد , بالله عليكم عائلة أنتم أم وحوش "
تنفست بقوة وقلت من بين أسناني " معتصم ضع عقلك في رأسك لا أريد أن أفقد أعصابي وأنت تعرفني جيدا "
قال بصراخ " لن يخيفني تهديدك لي لا يا ابن والدتك "
أمسكته بقوة أكبر وقلت من بين أسناني " ابنها مثلك يا صعـ.... "
قاطع كلمتي فأبعد يدي وقال بحدة " نعم قلها صعلوك لأني اخترت أن أدرس ما أريد وأرافق من أريد وأعيش حيث أريد نعم هكذا هم الصعاليك أما الجبابرة مثلكم هم الفخر والمجد "
ثم قال مغادرا الغرفة " ستروا من اليوم وصاعدا ما سيصنع الصعلوك ولم تروه بعد لأنه سيظهر الآن "
*
*
" بتول تعالي وأمسكي شقيقك عني "
قلت بصوت رقيق متذمر " لا أريد تعبت تعبت من أبناءك أف "
قالت بغضب " لا تنفعين لشيء سوى التذمر ولكن الذنب ذنب والدك الذي دللك "
رميت الهاتف من يدي وقلت بضيق " مدللة وسيئة ولا تنفع لشيء , أبنائك كسروا لي ظهري ولا أعجبك لم نعد نريد أبناء يكفي "
قالت بقلة صبر " تعالي وخذيه بعيدا أفضل لك ولي يا بتول "
تأففت واقتربت منه وقلت " مقزز أنظري إليه كم مرة أخبرتك أني لا أحب الأطفال المصابين بالزكام "
عطس حينها ليخرج مخاط أنفه فقلت بقرف " يع امسحيها بسرعة يا أمي "
نظرت للسقف وقالت " أعانني الله عليك بل أعان من سيتزوجك على أطباعك من يراك لا يصدق أنك ابنة السادسة عشرة "
قلت بصوت باكي دون دموع " أمي لما تحبين إهانتي ؟ لما والدي ليس مثلك "
نظرت لي وقالت بحدة " لأنه لا يعاني من تدليله لك غادري الآن لقصر عمك واجلبي أوراق والدك من جابر بسرعة قبل أن يغادر "
ضربت بقدمي الأرض وقلت " لا أريد سأجد ابنهم طويل اللسان ذاك لن أذهب أبدا "
قالت بضيق " لا نفع من هذه الفتاة ستصيبني بالجنون لما تهربين منه دائما أخبريني "
قلت بغضب " أكرهه أمي لا أريد الذهاب "
قالت ببرود " إذا تعالي وامسكي شقيقك وامسحي أنف مصعب وستصل حافلة عمر قريبا لتأخذه للمدرسة فغيري له ملابسه وجهزي له فطوره "
قلت بتذمر مغادرة " تعرفين كيف تجبرينني على الذهاب إن وجدته هناك فلن أذهب لهم ثانيتا ما حييت "
خرجت من باب المنزل الخارجي أتأفف بتذمر وأعدل وشاحي ودخلت باب قصرهم وكل مناي أن لا أجد الكارثة المسماة معتصم هنا ويالا حظي السعيد
كان يقف في الحديقة مستندا على سيارته ويتحدث في الهاتف بغضب ويبدوا مستاءً , حمدا لله لن يجد مزاجا ليسخر مني
تخطيته مسرعة على إنهائه للمكالمة فوصلني صوته قائلا " هيه انتظري "
نظرت له بكبرياء وتجاهلته وتابعت سيري فقال " هيه نخلة انتظري قلت لك "
وقفت والتفتت له وقلت باستياء " نخلة أنت وأمثالك وأشباهك يا متعجرف "
ابتعد عن سيارته وقال " حسننا لا تغضبي فسيلة النخلة أفضل "
ارتفعت الدماء في رأسي لو هناك من سيجعلني أكره اسمي فسيكون هذا المتعجرف , لا بارك الله في اليوم الذي سموني فيه بتول
قلت بحنق " اسمي بتول وليس نخلة تفهم "
وضع يديه في جيوبه وقال ببرود " كلاهما اسمك "
أخرجت له لساني وغادرت وتركته فأوقفني صوته قائلا " هيه فسيلة "
تأففت والتفتت له وقلت باستياء مفعم بالغنج " سترى إن لم أخبر والدي "
قال مقلدا لي وراميا بيده في الهواء " سترى إن لم أخبر والدي "
امتلأت عيناي بالدموع وقلت " سترى يا معتصم "
ضحك وقال " حسننا لا تبكي يا قطعة العلكة الممضوغة "
قلت وأنا أغادر من أمامه ودموعي عبرت خداي " أقسم أن أشتكيك لوالدي وسترى "
وصلني صوته صارخا " علكة وبالفراولة أيضا "
ثم غادر ضاحكا ودخلت أنا القصر ككل مرة كارهة لنفسي بسببهنهاية الفصل الأول
أتمنى أن يكون حاز على رضاكم وإعجابكم
الفصل كان قصيرا لكنكم موعودين بفصول طويلة إن شاء الله
هذا كان مجرد تعريف للشخصيات الأساسية في الرواية فثمة
أحداث وشخصيات كثيرة لم تظهر بعد وستكون شخصيات
محورية في القصص ومفاجأة مخبئة لكم ضمن فصول الرواية
ستكتشفونها مع الأحداث إن شاء اللهودمتم في حفظ الله ورعايته
أنت تقرأ
أوجاع ما بعد العاصفة
Mystery / Thrillerكم حملنا من جراح وحمّلنا الغير إثم وجودها على وجه الأرض وهم لا يعلمون أنها خرجت من عمق أوجاعنا للكاتبة برد المشاعر