*|🔢|:☟البـــ{الثالث عشر}ـــارات☟*

167 4 0
                                    


منذ أن وصلتني رسالة أمي التي كتبت لي فيها ( لا تغلق هاتفك ولا تضعه على الوضع الصامت ولا تبعده عنك حتى الصباح )
علمت أن ثمة شي يجري وأمي خائفة من تطوره ومؤكد وسن في الموضوع وما زاد الأمر سوء إغلاقها لهاتفها والممرضة وفتحية لا يجيبان فلم يبقى لي عقل في رأسي طوال الطريق
وما أن وصلنا حتى باتت الأرض لا تحملني ولم أشعر بنفسي إلا خارجا من المنزل تاركا لكل شيء ورائي وما أن خرجت من باب المنزل حتى لفت انتباهي حركة العمال جهة الإسطبلات فانطلقت نحوهم على الفور وسألت أول من صادفني قائلا " ما بكم "
وقف وقال " الوسن سيدي "
يبست في مكاني وقلت " ما بها ؟؟ هل ماتت "
قال من فوره " هائجة وتصهلل ولم نعرف كيف نتحكم بها وجرحت نفسها من عنفها داخل الإسطبل "
ركضت أمامه قائلا " وكيف لا تخبروني عنها يا حمقا "
قال وهو يركض خلفي " وليد ومعاذ ليسا هنا وأوصيانا أن لا نقلقك بشيء الليلة "
قلت صارخا وأنا أركض وصوت صهيل الوسن المدوي بات يقترب " وهل هذا شيء تخفونه , إن حدث لها شيء لن أغفر لكم جميعكم "
دخلت الإسطبل وكانت تصهل بقوة وتضرب بحوافرها وهم يحاولون تهدئتها وإمساك لجامها فأبعدتهم وقفزت معها على صوت صراخهم الناهي لي عن فعل ذلك
أمسكت بلجامها وقفزت به للخارج محاولا تهدئتها بعدما ركزت قليلا في الأرض وقلت بصراخ " ماذا بها ما الذي أخافها هكذا "
قال أحد العمال صارخا لأسمعه " لا شيء لا أحد اقترب منها ولا شيء في الإسطبل "
غريب ما السبب إذا !! خطر في بالي فجأه يوم مرضت الوسن ووسن معا , أعلم أنها فكرة مجنونة ولكنها ارتبطت عندي بالفعل, سلمت اللجام لأحدهم وقلت خارجا بسرعة " حاولوا تهدئتها حتى أعود ولا تدعوا اللجام ينفك منكم "
توجهت لسيارتي فورا ركبتها وخرجت بها مسرعا وتوجهت من فوري للعاصمة ووصلت في وقت قياسي
وصلت المنزل ونزلت دخلته والهدوء يعم المكان وكأن لا أحد فيه , اقتربت من غرفة والدتي فكان نورها مضاء حتى الآن وهي من عادتها النوم مبكرا , فتحت الباب ببطء وكل هواجس العالم تقودني وما أن فتحته حتى وقع نظري في نظرها جالسة على السرير ووسن جالسة على الأرض ومتكئة بذراعيها على سريرها تخفي وجهها فيهما وأمي تمسح على شعرها برفق والممرضة و فتحية معهما أيضا
أشارت لي والدتي بأصبعها دون كلام أن أخرج لكن لا مفاصلي ولا الأرض التي أقف عليها ولا قلبي ولا عقلي يسمحون لي
فتحت فمي لأتحدث فأشارت لي بأصبعها على شفتيها أن أصمت فابتعدت عن الباب تاركا له مفتوحا واستندت بالجدار المجاور له واتكأت عليه برأسي , لم تصهل الوسن عبثا إذا بل شعرت بها حقا
بقيت مكاني لوقت دون حراك عجز حتى عقلي عن التفكير واتخاذ أي خطوة ولو المغادرة أو الدخول لهم من جديد
بعد وقت وصلني أنينها الموجع ليختلط ببكائها المكتوم وقالت الممرضة " هل نحقنها بالمهدئ "
قالت أمي بصوت منخفض " لا .. تكفي حقنة واحدة "
قالت " حسننا مسكن على الأقل ليخفف ألمها "
أجابتها أمي مباشرة " حقنتِها به مرتين الليلة نخاف أن يضرها "
لم أستطع حينها السيطرة على شيء ولا حتى أعصابي كنت أضغط قبضة يداي بقوة حتى كادت تتمزق
وكنت سأدخل لهم حين قالت فتحية " هل ستتركونها تتألم هكذا , أي ليلة هذه الليلة السوداء , سامحك الله يا نواس "
قالت أمي " إن أشرقت عليها شمس الصباح ستكون أفضل حتى من السابق وإن ماتت قبل أن تشرق الشمس تكون ارتاحت وارتاح قلبي عليها قبل أن أموت "
وكانت هذه الكلمات هي النصل الذي ذبحني من الوريد حتى الوريد فتحركت ودخلت لهم وتوجهت نحوها أمسكت ذراعها وسحبتها لحظني وحملتها بين ذراعاي متجاهلا كل كلام أمي الحاد القاسي وهي تقول " ابتعد عنها يا نواس أرحمها منك الليلة بالذات لا تقتلها وهي ميتة "
التفت ناحيتها وأنا أدس وجه وسن في حضني لأكتم أناتها المتوجعة بين ضلوعي وقلت صارخا في أمي بحرقة " كل ما يعنيك أن تموتي وهي قد سبقتك واطمأننتِ عليها فكري بي أنا على الأقل وما سأفعل بعدها "
ثم خرجت بها مسرعا وغادرت المنزل وهي وكأنها مخدرة من الألم الممزوج بالبكاء , وضعتها في السيارة وركبت وأخذتها للمستشفى بأسرع ما لدي وأخاف في كل ثانية أن تسكت عن الأنين والبكاء وتموت
وصلت المستشفى وأنزلتها بين ذراعاي ودخلت بها لتستلمها الممرضات وبقيت أنا في الخارج نصف ساعة حتى خرج الطبيب
فوقفت وقلت " ما بها وكيف هي الآن "
قال من فوره " من حقنها بالمهدئ "
قلت " ممرضة ترعى والدتي "
هز رأسه بالإيجاب فقلت " ماذا هناك أيها الطبيب أرحمني "
تنهد وقال " انهيار عصبي وتبدوا تشتكي ألاما في أمعائها هل كلامي صحيح "
قلت " نعم القرحة النفسية هكذا قال الطبيب "
هز رأسه بالإيجاب وقال " لهذا هي اشتدت معها الآن "
قلت بقلق " وكيف حالتها الآن "
قال " نامت وستكون أفضل ما أن تستفيق أرى أن تتركوها هنا هذان اليومان "
هززت رأسي بحسنا وقلت " هل يمكنني رؤيتها "
قال " قليلا فقط إن لم تكن سبب انهيارها أو لا تدخل رجاء من أجل صحتها فقد تستفيق وأنت في الداخل وتسوء حالتها أكثر "
ثم غادر وتركني بعدما حرمني حتى من أن أدخل لها فجلست على الكرسي في الخارج منتظرا أن تستيقظ ولم أجب على اتصالات أمي المتكررة لتجرب ما فعلته بي في هذه الليلة المنكوبة
لم أغادر مكاني حتى أخبروني أنها استفاقت وأنها بحال أفضل فنبهت عليهم أن لا يتركوها تغادر فأنا أعرف عنادها جيدا
ثم غادرت المستشفى للمزرعة بعدما أرسلت رسالة لأمي أخبرها فيها أنها بخير ثم توجهت من فوري للإسطبلات ولإسطبل الوسن تحديدا
وجدت عاملان معها هناك اقتربت وقلت " ماذا حدث معكم "
قال أحدهما " كما طلبت منا تبادلنا عليها طوال الليل لقد هدأت قليلا لكنها لم ترجع لطبيعتها بعد والبيطري عقم الجرح بصعوبة وقال بأنه سيعود اليوم ليلفه ما أن تهدأ أكثر "
أمسكت منه اللجام وهي تحاول الابتعاد عني بوجهها فقلت بأسى " توقفي يا الوسن لا تكرهيني أنتي أيضا وتُعرضي عني "
قربت وجهها لي محاولا لمسه برفق حتى ركز أمامي قليلا وهي تحاول الرجوع للخلف فقربته مني أكثر وحضنته بيدي وهمست في أذنها " هي بخير يا الوسن بخير واستعادت وعيها
اهدئي الآن , أنا الملام ، أنا من ربطتك بها , اهدئي لقد هدأت هي أيضا منذ قليل "
رفعت رأسها عني وضربت بحوافرها ضربة بسيطة ثم أنزلت رأسها أرضا وعادت لطبيعتها مع زفير بسيط يخرج منها متكررا
فتركت لجامها وقلت " سأتصل بالبيطري ليرى جرحها مجددا لا تبتعدوا عنها وأعلموني بكل شيء "
ثم خرجت من عندهم متوجها للمنزل هنا
* *
مرت الساعات وأنا أنتظر الغائب الذي خرج من هنا ولم يرجع حتى غلبني النعاس وأنا جالسة مكاني ولم أستيقظ إلا على أذان الفجر دخلت الحمام توضأت وصليت وجلست أقرأ في مصحفي لوقت ثم رتبت ملابسي في الخزانة وحملت ثيابي التي كنت أرتدي وسترة نواس وربطة عنقه اللتان رماهما قبل أن يخرج ونزلت للأسفل أبحث عن الخادمة التي وجدناها هنا البارحة
فوجدتها في المطبخ , نظرتْ لي بابتسامة وقالت " صباح الخير "
قلت بهدوء " صباح الخير , أين يمكنني وضع هذه "
اقتربت مني مسرعة تمسح يديها من الماء وأخذت الثياب مني وقالت " اتصل بي نواس البارحة لأخبرك أن قريبته المسئول عنها مرضت و سينام خارج المزرعة لكني لم أحب إزعاجك لأني فكرت أنك قد تكونين نائمة "
قلت بحيرة " قريبة هو مسئول عنها !! "
قالت " نعم فلا ولي لها غير نواس هذا ما أعرفه عنها وتقيم مع والدته لقد تعبت البارحة وغادر لأخذها للمستشفى "
هذا سر الرسالة إذا يبدوا أخبروه أنها مريضة قلت " وكيف حالها الآن "
قالت وقد عادت لعملها " لم يتصل بعدها ولا أعلم لكنه قال سيأتي ما أن تستيقظ "
دخل حينها نواس بوجه متعب وقال " صباح الخير "
قلنا معا " صباح الخير "
قالت الخادمة " كيف هي الآن "
قال مغادرا " بخير , مي اتبعيني "
خرجت خلفه وصعد لغرفتنا وأنا أتبعه دخل ودخلت خلفه
قائلة " تبدوا لم تنم البارحة "
أردت أن أقول أي شيء ولم أجد غير هذه الجملة فتح أزرار قميصه وهو يقول " نعم واشعر بتعب يهد الجبال سأستحم وأنام قليلا , أنا آسف لأني خرجت البارحة ولم أخبرك "
قلت ونظري للأرض " لا باس المهم أنها بخير وحمدا لله على سلامتها " قال متوجها للحمام " سلمك الله هاتفي عندك هناك سجلي لي رقم هاتفك فيه وخذي رقمي لتتصلي بي حين تحتاجينني "
ثم دخل الحمام من فوره دون أن يضيف شيئا , حملت هاتفه من على الطاولة وسجلت رقمي فيه باسمي واتصلت به ليظهر رقمه عندي ثم أعدته على الطاولة
شغلت التكييف في الغرفة على درجة منخفضة لأنه سيخرج مبتلا وقد يمرض ثم خرجت وأغلقت الباب ونزلت للأسفل أتسلى مع الخادمة هنا لأمضي الوقت خيرا لي من أن أبقى وحدي كليلة البارحة ولكن المهم انه بخير فلا ينقصني أن أصبح أرملة أيضا لتكتمل مأساتي
* *
دخلت عليا الغرفة لتسألني للمرة العاشرة " هل اتصل بك "
هززت رأسي بلا وقلت " لقد اتصلت بزوجته وقالت أنه عاد منذ وقت استحم ونام ولم يستيقظ حتى الآن المشكلة
أن هاتف وسن بقي هنا "
تنهدت بحزن ثم غادرت عائدة لعملها ورن هاتفي فنظرت للمتصل بسرعة فكان جواد فأجبت فقال من فوره " أعطني وسن لتكلمها وترتاح يا أمي "
قلت بصوت منخفض " وسن في المستشفى ابتعد لنتحدث "
قال من فوره " حسنا أخبريني ما أن تخرج وسأتصل بك بعد قليل "
ثم أغلق الخط , فرح لم تنم البارحة ولم تدعه ينام
هي تعلم أن ليلة كهذه الليلة لن تمر على وسن بسلام ولو علمت أنها تعبت كل ذاك التعب فلن ترتاح حتى تكون هنا , توقعت أن يؤثر ذلك على وسن لكني لم أتخيل أن يكون بهذا الشكل وكنت متخوفة من أنها ستموت وكنت أجهز نفسي للفاجعة سامح الله كل من كان السبب فيما حدث حتى الآن
بعد وقت رن هاتفي مجددا فأجبت على الفور قائلة " هل هذا صنيع تصنعه يا عاقل يا راشد يا نواس , كيف تتركني في انشغالي طوال الليل "
قال بصوت ضعيف " وهل الذي فعلته أنتي يجوز "
قلت بقلق " ما به صوتك هل أنت مريض "
قال " هل سيعنيك هذا قد أموت أنا أيضا وترتاحي قبل موتك "
قلت بتذمر " نواس كف عن لعب الأطفال واحترمني على الأقل "
قال بضيق " ولما لم تقدريني يا أمي أنا أبنك الأكبر والمسئول عنكم , لولا أن مي انشغلت عليك وأيقظتني لأكلمك ما فعلتها "
ثم تأفف واستغفر وقال " كنتي ستقتلينها متعمدة يا أمي "
قلت بهدوء " يبدوا صوتك ليس بخير عد للنوم وارتاح الآن ، ولكل حادث حديث "
ثم أغلقت الخط وتنهدت بضيق ولا أعلم على ماذا أتحسر على وسن أم نواس أم زوجته المظلومة مثلهما
* *
حاولت العودة للنوم ولكن عبثا أحاول فجلست أتنفس بضيق رن هاتفي نظرت للمتصل فكان جواد أجبت عليه قائلا " نعم يا جواد "
قال من فوره " ما به صوتك يا نواس "
قلت ببرود " لا شيء يبدوا أني سأصاب بنزلة برد "
قال باستغراب " نزلة برد في الصيف !! "
قلت بضيق " استحممت ونمت والتكييف قوي ما بك معي أنت "
قال بهدوء " اعلم أن مزاجك سيء لا داعي لأن تريني ذلك "
تأففت في صمت فقال " فرح منشغلة على شقيقتها وسوف تجن لي هنا أخبرني ما بها "
قلت وأنا أمسح جبيني المتعرق " هي بخير تعبت البارحة لكنها بخير أطمأن وطمئنها "
تنفس بقوة وقال " وأنت زرت الطبيب أم لا "
قلت " سأستحم مجددا وآخذ مسكنا وخافض للحرارة وينتهي الأمر "
قال " هل تحدثت مع والدتي تعلم أنها متعبة ومنشغل بالها عليها "
قلت باختصار " نعم "
قال بعد صمت " ما أمورك وزوجتك " أدرت عيناي محاولا التركيز معه وقلت
" قضيت ليلة البارحة في المستشفى كيف ستكون أمورنا "
ثم تنفست بصعوبة وقلت " سأتصل بك لاحقا يا جواد وداعا الآن "
رميت بعدها بالهاتف جانبا وأشعر بكل مفاصلي تؤلمني ورأسي سينفجر , فتحت مي الباب فقلت " أشعلي النور وأطفئي التكييف يا مي "
فعلت ما قلت على الفور ثم وقفت قريبة من السرير وقالت بقلق " هل أنت بخير "
رميت اللحاف عني وقلت وأنا أغادر السرير " يبدوا أني سأصاب بالحمى أو الزكام سأستحم سريعا انزلي لراضية واطلبي منها أن تريك مكان الصيدلية المنزلية أحضري لي حبوبا مسكنة وخافض حرارة "
قالت مغادرة من فورها " حسناً "
غادرت السرير ودخلت الحمام فتحت الدش ودخلت تحته بملابسي وكأني أغسل نفسي وروحي ورأسي من ذكرى ليلة البارحة
وكلمات أمي تتردد في أذناي وهي تقول ( إن أشرقت عليها شمس الصباح فستكون أفضل من السابق )
لم تعني والدتي بذلك صحة وسن بل عنت شيئا آخر أنا أكثر من يفهمه ويبدوا أن آخر الخيوط بيننا انقطع البارحة يا وسن
خرجت بعدها من تحت الماء وخلعت ملابسي وارتديت منشفة الاستحمام وخرجت للغرفة وجدت ثيابا لي على السرير ومؤكد مي من جهزتها لي والحبوب أيضا وكوب الماء على الطاولة
لا أسوء حظا منا إلا أنتي يا مي فلم يعرف قدرك أين يضعك إلا عند رجل قلبه خارج جسده , يا رب ساعدني كي لا أظلمها معي مثقال ذرة فالقلوب بيدك ولا حكم لنا عليها
لكن التصرف والمعاملة الحسنة بيدنا فاجعلني منصفا معها ولو في العشرة الطيبة
غيرت ثيابي أخذت الحبوب وبلعتها بالماء وجلست على السرير متكأ على طهره ورأسي للخلف مغمضا عيناي حتى شعرت بكف يلمس جبيني ففتحت عيناي
فكانت مي فأبعدت يدها بسرعة وقالت بخجل " حرارتك مرتفعة زر الطبيب "
أغمضت عيناي مجددا وقلت " أخذت الحبوب وستنخفض حرارتي شكرا لك يا مي "
قالت بشبه همس " عفوا "
ثم سمعت خطواتها تخرج ففتحت عيناي فكانت الغرفة مظلمة والباب مغلق , عدلت نفسي أكثر على السرير وعدت للنوم
بسبب تأثير الحبوب وبعد وقت طويل استيقظت ونظرت يميناًفكانت مي تجلس عند النافذة وتنظر للخارج بشرود ثم نظرت للجانب الآخر كانت توجد صينية بها ماء ومنشفة عند طاولة السرير
وضعت يدي على جبيني فكانت حرارتي قد انخفضت
جلست ببطء فانتبهت لي فوقفت وقالت " صلي العصر لأنه فاتك من وقت وسأحضر لك شيئا تأكله "
قلت " أكون ممتنا لك بذلك "
غادرت هي الغرفة من فورها وأمسكت أنا بهاتفي واتصلت بالمستشفى لأطمئن عليها فقالوا أنها بحال أفضل ولم يسمحوا لها بالخروج رغم إصرارها وأنه يمكنني إخراجها عند أول المساء كم أنا محتاج لوجودك الآن يا جواد فأنا ليس لي أي طاقة أذهب بها لها وهي من مصلحتها أن لا ترى وجهي
غادرت السرير ودخلت الحمام توضأت وخرجت صليت وجلبت مي حساءً من اللحم والخضار ووضعته بالقرب مني وخرجت أنهيت صلاتي وجلست عند الطاولة وتناولته كله لأنه لم يدخل معدتي شيء منذ الأمس
غيرت ملابسي وخرجت زرت الإسطبلات والوسن أولا واطمأننت على جرحها وحالتها وأخذت وقتا مع العمال لأنه لا معاذ ولا وليد هنا ولا أحب إهمال شيء
بعد المغيب خرجت من المزرعة لمنزل والدتي استحممت وغيرت ثيابي ثم غادرت للمستشفى وصلت أمام باب غرفتها طرقته عدة طرقات ودخلت , كانت تجلس على السرير والطبيب أمامها وما أن رأتني حتى أشاحت بوجهها للجانب الآخر , اقتربت منهما فاستدار لي الطبيب وقال " ها قد جاء من سيخرجك لا تقلقي "
ثم قال مغادرا الغرفة " وقع لنا يا سيد وأخرجها ، لن نتحمل مسئوليتها قبل الغد "
ثم خرج وأنا لم أنطق بحرف بقيت واقفا مكاني للحظات ثم قلت مغادرا " سأوقع لهم وأعود "
لم تتحدث ولا بكلمة ولا حتى اعتراض أنها لن تعود معي أكملت الإجراءات وعدت لغرفتها كانت واقفة وما أن رأتني حتى خرجت أمامي في صمت قاتل دون أن ترفع نظرها لي
وأنا أتبعها حتى وصلت السيارة وفتحت الباب وركبتها فركبت وانطلقنا , كانت طوال الطريق تنظر جهة النافذة دون حراك جمعت كل قواي وقلت " وسن "
وصلني صوتها وهي لازالت على حالها " لا تتحدث "
قلت " أسمعيني فقط "
قالت " حلفتك بالله يا نواس إن كنت تحمل في قلبك ذرة صغيرة مما كان أن لا تتحدث في الأمر "
لذت بالصمت وكل ما كنت أفكر فيه البوح بسبب زواجي من مي وكسر عهدي لإخوتها وعمها أنه لن يعلم من أهلي أحد عما جرى لها وسبب زواجي بها
وها هي ذي أشرقت عليك شمس الصباح يا وسن وأظلمت علي أنا, رن حينها هاتفي نظرت للمتصل فكانت مي فلم أجب عليها
اتصلت ثانيتا وبات الأمر مكشوفا فأجبت عليها دون كلام فقالت " نواس هل أنت بخير "
قلت باختصار " نعم بخير "
قالت من فورها " خرجت وأنت متعب ولم ترجع "
أغمضت عيناي بشدة وألم وقلت " أنا بخير لا تقلقي سأعود بعد قليل " ثم أنهيت الاتصال لألمح يد وسن التي تمسك معدتها بقوة فقلت " وسن دعينا نتحدث لأني إن لم أتكلم الآن فلن أتكلم ما حييت "
قالت ونظرها لازال جهة النافذة " لا تتكلم "
فلم يكن أمامي من خيار سوى أن لذت بالصمت ووصلنا ونزلت هي مسرعة ودخلت المنزل شبه راكضة وكأنها تريد الهرب مني
*
*
جهزت نفسي مبكرا أخذت حقيبتي ونزلت السلالم وأشعر أنني في حلم , هل صحيح سأعود لدراستي ولن أخسرها للأبد كأهلي
فهي الشيء الوحيد الذي لم يسرقه مني أولئك المجرمين وأتمنى أن لا أخسرها لأني أحب الدراسة منذ صغري
وصلت للأسفل وكان نزار ينتظرني لأنه هو من سيوصلني وصلت عنده وقلت " سأرى خالتي أولا "
ضحك وقال " كلها ساعات وستعودين لها "
هززت رأسي بلا مبتسمة فرفع يديه وقال مبتسما " أمري لله ودعيها بسرعة لألحق على طالباتي "
تذكرت حينها كيف كن مبهورات به عندما جاء لتدريسنا ترى هل تستحوذ إحداهن على قلبه
آه سما لقد تعلمتِ مصطلح جديد وبت تطبقيه عليه كل حين, دخلت لخالتي واقتربت منها وقبلت رأسها وقلت " هل تحتاجين شيئا قبل ذهابي "
قالت مبتسمة " وفقك الله وحفظك يا سما اعتني بنفسك جيدا "
قلت بهدوء " هل ستبقي وحدك "
قالت " قالت دعاء أنها ستأتي لرؤيتي منتصف الصباح ونزار لن يتأخر سيعود ما أن ينهي حصصه "
قلت بعد تردد " هل كانت دعاء تبقى معك دائما "
قالت " تزورني وقت غياب نزار ومن سنوات فهي صديقة قديمة لنا "
وقف حينها نزار عند الباب وقال " سما بسرعة سنتأخر "
تحركت بسرعة قائلة " أنتم الرجال لا تحبون الانتظار "
قال ضاحكا وهو يخرج أمامي " أمي ستفسد أطباعك بما تعلمه لك من حكم , لا تنسي ارتداء النظارة الشمسية قبل أن تخرجي "
لبستها وأنا أقول " لا أحب النظارات وهذه كبيرة جدا من أين جئت بها "
قال ضاحكا وهو يفتح لي باب السيارة " لم أجد واحدة صغيرة كوجهك هذه أصغر واحدة دائرية وجدتها "
ثم  ركب السيارة وقال منطلقا" انظري في المرآة الجانبية لتلك السيارة السوداء المظلمة "
أبعدت النظارة قليلا ونظرت فكانت بالفعل تتبعنا فقلت بخوف " من هذا الذي يتبعنا ؟؟ نزار عد بي لخالتي فورا "
ضحك وقال " لم أعرفك جبانة هكذا هؤلاء من ستكونين في حمايتهم , وضعهم جابر لهذا "
نظرت جهة النافذة وقلت بضيق " لما تسخر مني "
وصلني صوته مبتسما " أنا لم أسخر منك ، بل حقيقتا ظننتك لا تخافين من شيء "
نظرت لحقيبتي في حجري وقلت بحزن " هل أنا في نظرك كالرجال "
بقا صامتا لوقت ثم قال " أنا كنت أمزح فقط "
لذت بالصمت أكابر دموعي كي لا تنزل فقال بهدوء " سما هذه الأيام أشعر أنك تتحسسين من كل شيء أقوله مازحا هل أخطأت معك في شيء دون قصد أو جرحتك كوني صريحة معي "
نزلت مني دمعة دون شعور ومسحتها بسرعة من تحت النظارة , أنا حقا لا أعلم ما بي هل أبدوا حمقاء بتصرفاتي هكذا
شعرت بالسيارة توقفت فرفعت رأسي ونظرت جهته فمد يده وأزال النظارة عن عيناي وقال " حسنا لما تبكي أجيبي ولو عن سؤال واحد "
نظرت للأسفل وقلت بهمس " لا شيء نزار أقسم لك "
طرق حينها أحدهم على نافذة السيارة فنظر ناحيته وأنزل الزجاج فكان رجلا بملابس غامقة ونضارة شمسية
قال مباشرة " لما توقفت هل من مكروه "
قال نزار " لا كن مطمئنا نحن آسفون "
ثم ابتعد عائدا للخلف وأغلق نزار النافذة قائلا بضحكة " ها هم رجالك كادوا يلقون القبض علي ويرمونني في السجن "
قلت من فوري " خسئوا هم مكانهم السجن "
لاذ بالصمت فشعرت أني قلت شيئا يبدوا سخيفا أو خاطئ كنت سأعتذر فانطلقت ضحكته العالية ثم قال " لو سمعوك لسجنونا كلينا "
ضحكت ضحكة صغيرة وقلت " أنا مسجونة على كل حال أنت من سينتقمون منك "
عاد للضحك مجددا وقال " لكن ذاك السجن لا وجود لوالدتي فيه لتسليك "
لما لم يقل ولا أنا فيه مع والدته أنا لا أريد الابتعاد عن كليهما وصلنا حينها للمدينة ودخلنا إليها فقلت " هل هنا تكون المدرسة "
قال " نعم سندخل سويا لنقابل المدير , هو على علم بوصولك فجابر رتب لكل شيء
لأنك وكما تعلمي لا أوراق لديك كتوكيل من ولي أمرك ولا ولي لك قانونيا غير والدك رحمه الله  في الوقت الحالي
فأي إجراءات قانونية سنقوم بها قد تعرض حياتك للخطر وجابر تصرف من هذه الناحية لأن مركزه يخوله لذلك "
قلت بهدوء " أنا متوترة جدا , المدارس باتت تعني لي كابوسا بعد المدارس الخاصة "
وقفنا حينها عند باب المدرسة وقال " ابنة عم جابر ستكون في انتظارك كما أخبرتك "
ثم نظر ناحيتي وقال " سما اسمعيني جيدا المدارس الحكومية ليست كالخاصة أبدا وأنتي كالورقة البيضاء لم يكتب فيك أحد شيء
فأي شيء جديد عنك تعلميه منهم تسألي والدتي عنه ولا تفعلي أي شيء تطلبه منك إحداهن وأخبريني عن كل ما تريدي إخباري عنه والباقي والدتي تنصحك فيه "
قلت بحيرة " لما !! ما الذي يجري هنا لقد أخفتني "
ضحك وقال " لا تخافي يا سما أنا لم أقصد تهويل الأمر لكن عزل والدك لك كل تلك السنين حجبك عن أمور كثيرة في الحياة ستتعلمينها يوما بشكل سليم أو خاطئ فأخبري والدتي عن كل ما تعلمي أو تسمعي , هل تعدينني بذلك "
هززت رأسي بنعم وقلت " أعدك رغم أنني لا افهم شيئا "
قال مبتسما " لو كان الأمر بيدي لتركتك لا تفهمين شيء فلا أفضل من المرأة النقية "
ثم نزل من السيارة من فوره وتركني حائرة فيما قال , قد أعلم يوما ما يعني لأني إن فكرت فيه كثيرا الآن سأتعب ويبدوا أنني كما قال لا أفهم من الحياة شيئا
لو علمنا والدي كل شيء بطريقته لكان أفضل من أن يجعلنا كالأصم الأبكم , لعرفت حينها كيف أتصرف حين استفردت بي دعاء وخاطبتني بأشياء تضنني أفهمها
وأنا لم أعلم عما كانت تتحدث إلا حين شرحت لي خالتي ولكنت فهمت ما عناه نزار سابقا عما كتبت وجدان في ورقة الامتحان وظننته رشوة
نزلت أتبعه ودخلنا كان عدد الطالبات كثير ليس كمدارسي التي درست فيها ويتحدثون بفوضوية وعشوائية ويصرخون وكأنهم يلعبون في الشارع
كنت أسير بجانبه وأنظر لكل ما حولي ثم قلت " وكأننا لسنا في مدرسة "
ضحك ضحكة صغيرة وقال " أخبرتك أن كل شيء مختلف هنا وستحبينهم حين تتقربين منهم أكثر "
قلت بابتسامة " أخاف أن أصبح مثلهم "
قال " هناك كثيرات مثلك لهم شخصية هادئة وخجولة لكن ما لفت نظرك النوع الآخر فقط "
دخلنا مبنى المدرسة وتوجه من فوره لغرفة المدير دخل ملقيا التحية ودخلت خلفه وقال " أنا نزار الأحمدي وهذه سما أحمد "
قال بابتسامة " أجل لدينا العلم بوصولها اليوم وسنقوم بالواجب "
نظر لي نزار حينها وقال " يمكنك الذهاب يا سما بتول قالت ستنتظرك عند الباب يبدوا أنها لم تأتي بعد فانتظريها هناك "
هززت رأسي بحسنا وخرجت وبقي هو معه
خرجت للخارج واقتربت من الباب الخارجي لحظة دخول فتاة بيضاء البشرة بعينان عسليتان دخلت تتأفف وتتمتم بغيض
فقابلتها واحدة أخرى وقالت " هيه بتول مابك تنفخين عند الصباح "
قالت بتذمر " ابتعدي عني لا شأن لك بي "
ضحكت وقالت " ابن عمك الوسيم أوصلك رأيته عند الباب بسيارته الفاخرة يفترض بك أن تبتسمي "
قالت لها ببرود " ابتعدي عني يكفيني سائق الحافلة الذي لم يعرف متى يمرض إلا اليوم , أنا أبحث عن الفتاة الجديدة لا تلهيني كعادتك "
أشارت لي تلك الفتاة وقالت " لابد أنها هذه "
نظرت لي وقالت " أنتي سما "
قلت " نعم "
اقتربت مني ومدت يدها قائلة " أنا بتول أخبرني جابر أنك ستدرسين معي "
صافحتها قائلة بابتسامة " نعم وأنا أخبرني أنك ستكونين في انتظاري "
قالت الفتاة " ومن ذاك الوسيم الذي دخل معك قولي أنه شقيقك "
دفعتها بتول وقالت " ريحان ما بك تفقدين عقلك إن دخل أحد للمدرسة "
ضحكت وقالت " أنتي لم تريه فقط , أو ما الفائدة منك حتى ابن عمك الوسيم تكرهينه "
خرج حينها نزار بخطوات سريعة وقالت ريحان " هيه بتول ها هو , انظري انظري "
التفتت له ومر بجوارنا وأشار لي بيده مبتسما بمعنى وداعا وخرج فنظرتا لي كلاهما بصدمة وقفزت ريحان قائلة " لا تقولي أنه خطيبك "
ضحكت وقلت " لا هو قريبي فقط "
تنهدت ريحان وقالت " من أين تجدون كل هؤلاء الوسيمين ما به حضي أنا أقاربي كلهم أبشع مني "
أمسكت بتول بيدي وقالت وهي تسحبني معها " تعالي فهذه المجنونة ستصيبك بعدواها وتفسد أخلاقك "
ركضت ريحان خلفنا ،  قائلة " هيه بتول أنا صديقتك  أم بعتني بالطالبة الجديدة "
اقتربنا من مجموعة فتيات ، وقالت بتول " اسمعن يا بنات هذه سما ستدرس معنا "
سلمن عليا جميعهن ، وضحكت ريحان ، وقالت " أرأيتن الشاب الذي دخل معها "
قالت إحداهن " لو سمعتك الآنسة انتصار لذبحتك "
لوحت لها بيدها بعدم مبالاة وقالت بتول " تعاليا سندخل الفصل الحصة ستبدأ قريبا "
وترافقنا ثلاثتنا حتى بدأت الحصة ودخلت المعلمة وبعدما وضعت كتبها نظرت لي وقالت " أنتي هي سما "
وقفت وقلت " نعم آنسة "
قالت " في أي درس توقفتِ في هذه المادة "
أعطيتها عنوان الدرس فقالت " بما أننا متقدمين في المنهج سنعود معك لأنك لن تفهمي لاتصال الدروس ببعضها "
قلت " يمكنك شرحهم لي جميعهم في هذه الحصة "
نظرت لي باستغراب ثم قالت " هل ستفهمينهم معا "
قلت " نعم "
قالت " إذا اجلسي وباقي البنات سنعد هذه الحصة كمراجعة "
قالت إحدى الطالبات " آه ليتك تأتين جديدة كل يوم يا سما "
ضحكن جميعهن وقالت واحدة أخرى " قولي أنك لم تفهمي والحصة القادمة نعيد الشرح "
وعدن للضحك والمعلمة كأنها غير موجودة وأنا أنظر لهن باستغراب , في المدارس الخاصة هذا يعد جريمة كما أن الطالبات لا يتصرفن بعفوية هكذا وكأن كل واحدة منهن تحاول أن تظهر نفسها الأكثر خلقا والأرقى تفكيرا وأسلوبا
وكأنهن في مسابقة وينتقدن أي واحدة يصدر عنها تصرف غريب , وأمضينا بعدها الحصص وكل معلم أو معلمة يدخل يسأل عني وأين توقفت في دروسي ليجد الطريقة لمساعدتي
وكم كنت سعيدة بكل هذا وباهتمامهم بي فكم أنا ممتنة لنزار كثيرا ولصديقه ذاك لكن قليلا فقط وليس مثله , عند وقت الفسحة خرجت وبتول وصديقتها وليس وحدي كالسابق لأني كنت أتجنب الجميع
والطالبات هناك لا يحتككن مع بعضهن كثيرا , جلسنا في مكان معين وقالت ريحان " بتول أنتي الثرية بيننا , هيا أشتري لنا شيئا نأكله "
قالت بتول ببرود " أنا لست جائعة " قالت ريحان بتذمر " بخيلة من يوم عرفتك ، ولن تتغيري ابدا , سما ما نسبة ثرائك ، لنصير أنا وأنتي فقط صديقتان "
شعرت بالإحراج فأنا حقا ليس معي مال في حقيبتي رغم أني من الأثرياء , قالت ريحان " هيا ابحثي في حقيبتك وأنا سأبحث في حقيبتي قد يكون ثمة جني وضع لي شيئا ونتشارك أنا وأنتي ونشتري شيئا نقهر به البخيلة بتول "
ضحكت ضحكة صغيرة وقالت بتول " وقحة طوال حياتك وجشعة أيضا , هذه طالبة جديدة تشحذين منها من أول يوم "
تجاهلتها تماما وفتحت حقيبتها وهي تقول " لا تحرجوني يا معشر الجن أريد شيئا أستر به نفسي أمام سما "
لم استطع إمساك نفسي عن الضحك وقالت ريحان " بسرعة يا سما قد تكوني نسيتي درهما هنا أو هناك "
نعم لعلي تركت بها شيئا رغم أني جهزتها بالأمس ولا تحوي أي نقود فتحت الجيب الأمامي لأفاجئ بنقود في داخله فأخرجتهم مصدومة من وجودهم لأني متأكدة أنها لم تكن هنا فمن أين جاءتني !!
هل هو نزار نعم وحده يمكنه فعل ذلك لكن لما لم يخبرني أو يسألني إن كنت أحتاج لنقود , يبدوا خشي أن أرفض ذلك ! كم أنت رائع يا نزار رغم كل المصاريف التي تتحملها براتبك البسيط تفكر في أني قد أحتاج شيئا أشتريه رغم أن خالتي أوصتني صباحا أمامه أن آخذ سندوتشات معي لمدرسة
قالت ريحان مصدومة " رائع نقود يا سما هيا للمقصف "
قالت بتول " ريحان استحي ما هذه التصرفات , الفتاة جديدة على حركاتك المجنونة "
ضحكت ريحان وقالت " أعرف انك تريدين أخذها لمروى للتسوق لديها كعادتك "
قالت بتول ببرود " خير لي من أن أدعك تأكلي نقودي كل يوم حلوى ومكسرات "
نظرت لبتول وقلت " من هي مروى "
ضحكت وقالت " فتاة تحضر أشياء جميلة كهدايا ورمز من دول مختلفة لتبيعها خلسة فاجمعي مصروفك اليومي وحين يصبح لدينا مبلغا معتبرا نذهب لنشتري منها "
قلت مبتسمة " فكرة جيدة "
قالت ريحان " سما أنتي حليفتي أليس كذلك "
ضحكت وقلت " أنا لم أقل ذلك وكما أني لا أحب الأكل كثيرا "
وقفت وقالت " سأبحث عن ابنة عمي إذا , ابقيا وبخلكما " ثم غادرت ونحن نضحك عليها
*
*
غادرت من هناك بعدما أوصلتها وتحدثت مع مدير المدرسة وأوصيته كثيرا عليها رغم تحدث جابر معه لكن كان عليا إيضاح بعض النقاط المهمة له عنها ومنها كثرة خجلها وتكتمها عمن يضايقها وأن يراقب لي مع من تحتك وأي نوع من الفتيات هن لأني أعلم بالمدارس الثانوية وما يجري بها
وسما قطعة طين جديدة أي أيدي ستسبق إليها ستشكلها كما تريد رغم أني متأكد من ذكائها وسرعة فهمها للأشياء ولكن يبقى الأمر خطرا عليها وهي أمانة في عنقي حتى أسلمها لأبناء عمها
توجهت لمدرستي وأنهيت حصصي وعدت من فوري للمنزل دخلت وكانت ثمة أصوات في غرفة والدتي اقتربت منها ووقفت عند الباب فكانت دعاء معها , نظرت باتجاهي فقلت " مرحبا "
قالت مبتسمة " مرحبا وصلت للتو يبدوا تأخرت "
قلت مبتسما " شكرا لك يا دعاء واعذرينا على تعبك معنا "
قالت من فورها " كم مرة أقول أني لا اتعب في هذا أم تعتبرني غريبة "
دخلت وقلت " أبدا ولكن الأمر لا يحتاج "
تغيرت ملامحها للسوء فجأة ثم قالت " كنت أعتبر نفسي واحده منكم ويبدوا أني أفرض نفسي عليكم "
قلت من فوري " أبدا أنا لم أقصد هذا "
ابتسمت ابتسامة صغيرة وقالت " فكرت أنه مادامت الفتاة ليست هنا قد تحتاج والدتك شيئا "
ثم تخطتني خارجة من الغرفة وهي تقول " وداعا يا خالتي "
ثم خرجت وغادرت المنزل فنظرت لوالدتي باستغراب فقالت مبتسمة " أنت من ترفض أن تشعر بها رغم أنك تفهمها جيدا أليس كذلك "
تنهدت وقلت " لا أريد أن أعشمها بشيء لن تجده عندي , عليها أن تفهم هذا من تلقاء نفسها ولا أجرحها به "
اتكأت للخلف وقالت " لو تجرحها بالحقيقة أفضل من أن تتركها تعيش على الأمل "
قلت ببرود " هي كانت صديقة رهام وتعلم جيدا ما حدث وأني رفعت النساء من دماغي "
تنهدت بضيق فقلت بتذمر " أمي زواج لا وسما لا تتحدثي عنها مطلقا "
قالت بضيق " ولما لا أتحدث عنها اعتقدت أن دماغك قد لان "
تأففت وقلت " الفتاة تسبح في وادي وأنتي في وادي آخر ولا تفكر في كل هذا يا أمي فأخرجيها وأخرجيني من دماغك "
قالت بجدية " وإن سألتها واكتشفت أنها لا تمانع "
قلت مغادرا الغرفة " قلت لا يعني لا الفتاة مراهقة وتحتاج لسنوات لتعرف ما تقرر وما تريد فلا تستغلي ظرفها "
توجهت بعدها للمطبخ لأعد الغداء فسما ستأتي بعد الظهيرةوستكون متعبة وستصر على إعداده
دخلت المطبخ ووجدت قدرين على الطاولة وورقة فوق إحداهما , اقتربت وأمسكت الورقة فكان مكتوب فيها ( نزار لا تلمس شيئا ولا تعد الغداء أنا طهوته نصف نضج وحين أعود أكمله , إن وجدتك أعددت شيئا غضبت منك كثيرا ... سما )
ابتسمت وهززت رأسي وخرجت من المطبخ , قضيت بعض الوقت مع والدتي ثم خرجت من المنزل وزرت جابر وأعطيته المعلومات التي طلبها من سما عن أي علامات عن الشارع الذي توجد فيه شقة السيدة المدعوة عفراء ثم غادرت العاصمة لأحضر سما من المدرسة
لأني رفضت أن تستقل الحافلة فلا حافلات ستأخذ طلبة من العاصمة لمدينة مجاورة بالتأكيد والحافلة العمومية ستنزلها في المحطة ولن أسمح لرجال جابر أن يوصلوها هم كما اقترح فلن أؤمنهم عليها فهم في النهاية رجال كما أنها لن تقبل بهم أبدا
وصلت عند بوابة المدرسة ووجدت سيارة معتصم شقيق جابر هناك فنزلت وطرقت على زجاج سيارته فما أن رآني حتى نزل وصافحني
قائلا " مرحبا نزار أين أنت يا رجل لا نراك سوى في الأعياد "
ضحكت وقلت " إذا عيد الأب بات وشيكا وسنلتقي "
ضحك وقال " نعم فاليوم عيد المعلم هل لاحظت هذا "
ضحكنا معا ثم قلت " وما تفعل هنا يا صعلوك هل تلاحق فتيات الثانوية "
قال بضيق " احترمني يا نزار أنت لست ندا لي "
قلت مبتسما " قل الحقيقة ولا تتهرب "
نظر لباب المدرسة المفتوح وقال " هل ترى تلك القادمة "
نظرت وقلت " الكثيرات قادمات أي واحدة منهن "
ضحك وقال " تلك الجميلة البيضاء صاحبة العينان العسليتان "
قلت ببرود " وكيف سأرى عيناها يا مغفل "
ضحك مجددا وقال لي " ها هي تقترب ، مع الفتاة الجميلة ذات الشعر الحريري "
نظرت لسما القادمة وقلت " آه أجل عرفتها ما بها "
قال بهمس " تلك هي زوجتي ولكنها لا تعلم "
نظرت له بصدمة وقلت " زوجتك ولا تعلم "
قال بهمس " أصمت إن سمعتك أسقطت جدار المدرسة على رأسك ورأسي "
اقتربتا حينها منا وقالت الفتاة لسما " سما ما رأيك لو توصلوني معكم "
شدها حينها معتصم من يدها قائلا " نعم فأنتي لا تريني بطولي وعرضي "
ثم فتح لها باب السيارة وركبتها ضاحكة فنظرتُ لسما وقلت " هل ستعودين معي أم يوصلوك أيضا "
ضحكت وقالت " لا طبعا سأذهب معك ألا تراها كيف تكرهه "
ثم ركبت السيارة وركبت وانطلقنا وقالت " كنت تقف مع ابن عم بتول هل تعرفه "
قلت " نعم فهو شقيق جابر وهو ابن عمها ألستِ تعرفي ذلك "
قالت " نعم ولكني لم أكن أعلم أنه شقيقه ظننته ابن عم آخر لها "
قال " هو شقيقه الوحيد , أخبريني كيف كان يومك "
قالت بابتسامة " كان جيدا , بتول وصديقتها أحببتهما كثيرا وتسليت برفقتهما , وجميع المعلمين اهتموا لأني جديدة وقد فآتتني دروس "
قلت مبتسما " هذا جيد "
قالت من فورها " عالمهم مختلف عن المدارس الخاصة لكن ثمة ما يميزه وهو الحياة على طبيعتهم دون تصنع وترفع "
قلت " نعم هم هنا يمثلون حياتهم الواقعية "
قالت باختصار " نعم لاحظت ذلك "
ثم لاذت بالصمت باقي الطريق ولم تتحدث عن شيء غيره كما عرفتها سابقا كلامها قليل ولا تعطي التفاصيل حيزا كبيرا
فمن عادة الفتيات أنهن يسردن يومهن كاملا إن سألتهن فقط كيف كان يومك وخصوصا سما التي دخلت مكان جديد عنها كهذه المدرسة , هي من النوع الذي يرتاح منه رأس الرجل ويعيش معها حياة هادئة هانئة , لو كانت فوق العشرين لكنت أخذت بنصيحة أمي
لكني لن أظلمها بأن تفني مراهقتها معي مستغلا وضعها ووحدتها واحتياجها لحنان رجل بالنسبة لها يعوض حنان والدها فقط
لتعيش مع رجل يحتاج لمن تخدمه ووالدته فقط بالنسبة لي اقتربنا من المنزل فقلت " جابر يقترح أن تقصي شعرك "
نظرت لي بصدمة وقالت " ولما ؟؟ "
قلت بهدوء " ليخفي ملامحك بقصة قصيرة فلا تنسي أن زوج عفراء يعرف شكلك ولابد وأنهم سيكلفونه بالبحث عنك "
قالت بعد صمت " لكني لا أريد ذلك "
نظرت لها ثم للطريق وقلت " علينا أن نغير من شكلك القديم وعليك أن تضحي يا سما من أجل دراستك وسلامتك وسيعود شعرك كما كان "
قالت بعد صمت " أغلب الفتيات في تلك المدرسة متحجبات إلا عدد نادر جدا عكس بنات الأثرياء في المدارس الخاصة وأنا أريد بالفعل أن أتحجب مثلهن , أنا عشت حياتي في الهند دون حجاب لكني لم أعد أريد الخروج من المنزل بدونه "
وصلنا حينها وأوقفت السيارة وقلت " وهذه فكرة جيدة سأعرضها على جابر ونرى "
نظرت لي وقالت بضيق " ولما كل شيء يقوله جابر ويقرره "
تنهدت وقلت بهدوء " هو يتعب حقا في قضيتك يا سما ولا أريد أن أدمر ما يبنيه "
لاذت بالصمت ثم قالت " أنا آسفة لكني حقا أريد أن تساعدني أنت وليس هم "
فتحت باب السيارة وقلت " سأساعدك أنا بمساعدتهم هم حسنا "
قالت وهي تنزل " حسنا "
* *
دخلت المنزل وتوجهت من فوري لغرفة خالتي , دخلت واقتربت منها فمدت ذراعاها لي فحضنتها وقبلت خدها وقلت " اشتقت لك "
ضحكت وقالت " وأنا افتقدتك كثيرا فقد اعتدت على وجودك معي طوال الصباح "
جاء حينها صوت نزار من عند الباب قائلا " لما لا تتركا عنكما الرومانسيات لنتناول الغداء فأنا أكاد أموت جوعا "
قالت خالتي ضاحكة " الله أكبر على الغيرة "
قال مغادرا " غيرة غيرة أريد أن أتغذى لأنام "
ابتعدت عن حضنها مبتسمة فقالت بهمس " ما رأيك لو تركناه بدون غداء "
قلت هامسة من فوري " سيغضب مني حينها ولن يأخذني للمدرسة "
ضحكت وقالت " لو سمعك لغضب منك حقا "
ضحكنا سويا ثم وقفت وقلت " سأضع الطعام على النار لينهي نضجه وأستحم وأغير ثيابي وأضعه فورا "
قالت مبتسمة " أعانك الله على ما أتاك من تعب يا ابنتي "
قلت بضيق " خالتي لما تقولين هذا أنا لا أفعل شيئا أمام ما تفعلانه لأجلي ولن أوفيه حياتي "
قالت بابتسامة " يسعدك الله يا ابنتي ويرعاك "
ابتسمت لها وغادرت من فوري للمطبخ أشعلت الفرن والموقد لأنهي تجهيز الطعام وصعدت لغرفتي استحممت سريعا وغيرت ثيابي ثم نزلت ووضعت الغداء وتناولناه سويا
ثم نظفت المطبخ والمنزل وصعدت لغرفتي لأذاكر دروسي ومر بي باقي النهار وعند المساء جلست عند سرير خالتي وقلت " الآن وقت روايتنا أكاد أموت فضولا لما سيجري "
ضحكت وقالت " هل أنهيت كل دروسك "
هززت رأسي بنعم فأخرجتها وقالت " لن نقرا كثيرا لتنامي مبكرا حسنا "
هززت رأسي بحسنا مبتسمة ثم أخذتها منها وفتحتها حيث توقفنا وقرأت
(( قال فراس " غادرا كليكما واتركانا وحدنا "
قال اشرف " ما ستفعل بها وحدكم "
قال فراس ببرود " أرقص معها رقصة الشتاء "
ضحك أشرف بصوت عالي وقال " ولما ليس الصيف ستكون ساخنــ "
بثر جملته تلك لأن شيئا ما ضرب وجهه وهي مفاتيح فراس وأنا فتحت فمي من الصدمة ووقف أشرف مغتاظا يمسح الخدوش الدامية من أثر المفاتيح على أنفه وقال بغضب " تمد يدك علي يا فراس "
قال فراس صارخا به " وأحطم وجهك ، يا قليل الأدب على ما كنت تريد قوله "
أشار أشرف بأصبعه السبابة لوجه فراس وقال بحدة " أنت بدأ بها أنا لم أتكلم عن الرقص يا نبيه "
وقف حينها وائل وقال " توقفا كليكما لستم صغارا لتسمحا لهذه الطفلة أن تتسبب بدمار العائلة "
نظرت له بصدمة وقلت " أنا أتسبب بدمار العائلة !! "
غادر اشرف حينها قائلا " مجانين من أكبركم لأصغركم وجلبوا لكم مجنونة جديدة "
وترك الغرفة ، وقال وائل موجها كلامه لفراس " هل تراه طفلا تضربه يا فراس "
قال بضيق " تصمت أنت أو نلت مصيره , يعرف أني أفقد أعصابي بسرعة وقال ما يجعل الحجر ينطق "
يا إلهي هل يفقد أعصابه بالضرب بأي شيء في يده ؟ جيد أنهم لم يخرجوا ويتركوني معه
قال وائل متوجها جهة الباب " كنت أسمع فقط عن امرأة فرقت بين الأخوة لكني بث أرى ذلك الآن , وليثه حبا لها كالبقية بل كرها "
تبعته أركض ناحيته وأمسكت قميصه من الخلف قائلة " هيه وائل أين تذهب وتتركني معه وحدنا "
التفت لي وابعد يدي عن قميصه بقوة وقال " انتي ماذا تريدي مني وما شأني بك "
ضحكت ضحكة صفراء وقلت " أريد أن أخرج معك , أود أن أقول لك كلمة سرية بيننا "
مرر فراس يده بيني وبين وائل ودفعه نحو الخارج قائلا " أخرج أنت والكلام السري مؤجل قليلا "
فخرج وائل من فوره غير مكترث بي , ولما سيكترث بي وهو يكرهني كأخويه وبقيت وحدي في مواجهة التنين
أغلق الباب بيده بقوة فرمشت بعيناي وهما في عينيه عدة رمشات ثم رجعت بخطواتي للوراء وأنا أقول " إن مددت يدك علي أخبرت والدك "
وضع يديه في جيوبه وقال بابتسامة سخرية " جيد وتهددين أيضا "
قلت بثبات " نعم وأكسر لك رأسك "
ضحك بصوت مرتفع فقلت بضيق " هل قلت ما يضحك لن تستطيع فعل شيء لي يا فراس لأن والدك لن يسامحك وأنا لست خائفة منك "
اقترب مني فابتعدت للخلف أكثر حتى وصلت الجدار والتصقت به فوصل عندي ووقف أمامي واضعا كفه على الجدار بجانب رأسي ووجهه في وجهي وعيناه في عيناي وقال " ما الذي تريدينه منا يا رُدين "
استجمعت كل قواي التي لم يتبقى منها إلا القليل وقلت بنظرة ثابتة " لا شيء طبعا ووالدكم وضح هذا وقال بأني مجرد ضيفة هنا حتى حين "
ابتسم بسخرية وقال " هل تقنعيني أن فتاة صغيرة وجميلة تتزوج من رجل في عمر والدها من أجل الا شيء "
قلت بابتسامة جانبية " آه شكرا هل أنا حقا في نظرك جميلة أنت أبن زوج مــ.... "
كتم كلماتي بكف يده الذي أطبق به على فمي وقال " من أنتي ومن أين تستمدين كل هذه الثقة والقوة "
كنت أنظر له بصدمة وقد نسيت أنه محقق وسيحلل كل شيء بذكاء
تابع قائلا " لم اقتنع حتى الآن فاشرحي لي يا ابنة المجهول "
ثم ابعد يده عن فمي وقال " يمكنك الحديث الآن يا ثرثارة "
قلت بضيق " اسأل والدك عن كل هذا بدلا من أن تستعرض عضلاتك على فتاة صغيرة كما قلت يا ابن الحسب والنسب "
قال من بين أسنانه " أجيبي عن سؤالي "
انفتح حينها باب الغرفة بقوة وكان .... ))
انتهت حينها الصفحة فنظرت لخالتي نظرة استجداء فضحكت وقالت " في المرة القادمة هيا الآن للنوم "
تنهد بقلة حيلة ووقفت وضعت الكتاب بجانبها وهممت بالخروج حين استوقفني صوتها قائلة " سما "
التفت لها فقالت " نسيت أن أعطيك هذه " نظرت للكيس في يدها بحيرة وقلت " وما هذه "
قالت " جلبهم نزار ولأنك كنتي تدرسي لم يحب إزعاجك فتركهم عندي "
اقتربت منها وأخذت الكيس وفتحته فكان فيه حجابان جاهزان باللون الأبيض وشيء آخر أخرجته فكان مشطا خشبيا
نظرت له ثم لخالتي باستغراب فقالت " يبدوا سمع حديثك معي عن مشط الفتاة التي حدثتني عنها في المدرسة "
نظرت للمشط في يدي لتعود تلك المشاعر الغريبة تغزوا كل جسدي وأولهم قلبي ثم نظرت لها وقلت " أنا تحدثت عن أنه أعجبني فقط ولم اقصد أني أريد مثله , هل أنتي أخبرته عنه يا خالتي "
هزت رأسها بلا وقالت " اقسم أني لم اخبره ولا تنسي أنه دخل وقتها على حديثك عنه "
عجز لساني عن قول أي شيء فغادرت جهة الباب أطفأت نور غرفتها وصعدت للأعلى , لما يكلف نفسه دفع النقود على أشياء من المفترض أن لا يهدر ماله عليها !
أنا الملامة أترك كل تلك الأموال في القبو وأتعبه برغباتي وحتى مصروف المدرسة هو من تكفل به وصلت لغرفتي وضعت الكيس فيها ثم توجهت جهة غرفته
طرقت الباب عدة طرقات خفيفة ليفتح لي إن كان مستيقظا فقط ففتح الباب وكان لم ينم بعد
نظرت له مطولا بصمت ثم أخفضت نظري وقلت " أنا موافقة أن نذهب وصديقك جابر ورجاله للقبو "
*
*
وصلت القصر قرابة العصر ودخلت بخطوات سريعة فمؤكد الجميع في انتظاري من أجل الغداء , دخلت بذات خطواتي السريعة وصعدت لجناحي فتحت الباب ولا شيء سوى الصمت
فتحت باب الغرفة ولا أحد فيها , طبعا ستكون مع الأطفال فهم صفقتها الوحيدة من هذا الزواج ولن تعترف بحقوقي كزوج وأنه عليها على الأقل استقباله لترى ما يحتاج
أغلقت الباب وغادرت الجناح وتوجهت لغرفة الفتاتين وفتحت الباب الشبه مفتوح , كان أمجد منشغل بالكتابة في كراسة وفي صمت و بيسان أيضا تكتب وتقول " يخرج الجيوش هكذا صفان خلف ثلاث ثم واحد ونصبح في خط البداية "
وأرجوان طبعا تجلس أمامها فعلى ما يبدوا تكثف لهما الدروس كي يلحقوا ما فاتهم , وتربط شعرها عقدة كالصباح وترف طبعا تمسح لها عليه بكفها الصغير على ظهرها معطيتان ظهرهما لي ولا أحد يراني
حركت أرجوان ظهرها وقالت " ترف ابتعدي عن شعري يكفيني واحد "
قالت وقد حضنتها من ظهرها ونامت بخدها عليه " أحبك ماما متى سيصبح شعري طويلا كشعرك "
حمحمت بصوت واضح واقفا عند الباب وممسكا المقبض بيدي فرفعا بيسان وأمجد رأسيهما ونظرا لي والتفتت أرجوان وترف
توجهت ترف من فورها نحوي فرفعتها وقبلت خدها فقالت " بابا تعال انظر كيف رسمت بيسان "
أنزلتها وقلت " مشغول ترف وتريني بزي الشرطة بسرعة انزلوا لنتناول الغداء لأنه عليا المغادرة "
ركضت للداخل مسرعة وهي تقول " رسمت ماما أيضا "
عدت بعدما استدرت لأغادر فكانت أمامي بورقة مدتها لي فأخذتها منها فكانت رسمه لفتاة تعطي ظهرها وشعرها طويل وعيناها في رأسها من الخلف
فضحكت ونظرت لأرجوان فكانت تنظر لي بضيق فأرجعت الورقة لها وقلت " أكتبي فوقها (هذه التي تنسى حقوق الكبير وتنظر للخلف من أجل حقوق الصغير ) "
ثم غادرت من عندهم ونزلت للأسفل حيث طاولة الطعام ووالدتي هناك , توجهت نحوها وقبلت رأسها وجلست بجانبها
وبعد قليل دخلت أرجوان والأطفال وجلسوا وطبعا هي جلست في الجانب الآخر بدلا من أن تجلس بجانبي
جلست ترف على يمينها و بيسان على شمالها طبعا وإلا كانت ستقوم حرب طاحنة هنا وأمجد المستسلم دائما وض يديه وسط جسده ينظر لهم بضيق وصمت فقلت " أمجد أجلس هنا "
توجه ناحيتي بصمت وجلس بجانبي وبدأنا الأكل وبعد قليل قالت ترف وهي تمسك الجزر الغريب الشكل " سأكلك أنتي أولا أيتها الطائرة "
وتطيره بيدها واحدة بعد الأخرى وتأكلهم فتأففت والدتي بصوت مسموع وقالت أرجوان " كلي الطماطم و الخس أيضا يا ترف فلم يصبك الإمساك إلا لأنه لم تأكلي خضراوات منذ وقت وإن بقيتي هكذا ستنفجر معدتك "
ضحكت بيسان وقالت " وسيطير علينا الطعام منها "
قالت والدتي حينها بحدة " بيسان احترمي الطعام أمامك "
سكتت بيسان وقالت أرجوان " كلي الخس حبيبتي قليلا فقط هيا "
قالت ترف " لا أريد ... لا أحبها ماما "
نظرت أرجوان للخلف ، وقالت لإحدى الخادمات " الشكلاته السائلة من فضلكم "
توجهت إحداهن للمطبخ من فورها وأحضرتها لها فسكبت منها خيوطا متفرقة على صحن السلطة أمامها
فأمسكت ترف الشوكة وقالت " الآن هي لذيذة "
وأصبحت تتبع القطع التي سالت فوقها الشكلاتة
نظرتْ لي والدتي حينها وقالت " زوجة عمران العامري تحدثت معي من أجل زهور "
قلت ونظري على الطبق أمامي " عائلة العامري تجار السيارات ما غيرهم "
قالت " نعم ما غيرهم طلبوها لابنهم الأوسط الذي توفيت زوجته العام الماضي , العائلة كبيرة ومعروفة وأرى أن هذا الزواج لا يفوّت أعلم أنه ليس هذا مكانا للحديث عن الأمر لكنك غير موجود أغلب النهار ولن تكون موجودا في الليل أيضا بعد الآن "
شرقت حينها أرجوان باللقمة في فمها وبدأت ترف بضربها على ظهرها بقبضتها وهي تقول " ساعديني يا بيسان ستموت ماما ونبقى من دونها " ضحكت حينها أرجوان وأمسكت أنا ضحكتي
وقالت والدتي بهمس من بين أسنانها " فوضى وكأننا نأكل في الشارع "
تجاهلت كل ما سمعت وقلت بهدوء " أخبرتك أن القرار لزهور ولن نجبرها إن رفضت "
قالت بضيق " إن تركنا الخيار لها فسترفضه طبعا "
قلت " ما لدي قلته منذ وقت وأضننا تفاهمنا فيه فتحدثي معها في أمره وخذي رأيها "
وقفت متضايقة وقالت مغادرة " سأتصرف في الأمر وما أريده سيكون "
تنهدت بضيق وتابعت أكلي فوقف أمجد وقال " شبعت "
قالت أرجوان بضيق " أجلس يا أمجد "
جلس مجددا وقال " نسيت ماما الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام ورزقنه من غير حول مني ولا قوة "
قالت بذات ضيقها " ولا تغادر الطاولة ووالدك جالسا أحترمه يا أمجد "
قال بهدوء " آسف ماما "
ثم رفعت صحن الزيتون من أمام ترف وقالت " ترف سأضربك أقسم أن أفعلها "
وقفت حينها وحمدت الله بصوت مسموع وغادرت غرفة الطعام وتوجهت لمكتبي أبحث بين الأوراق على عجل
حين طرق أحدهم باب المكتب ودخل دون أن آذن له فعدلت وقفتي والتفت فكانت أرجوان , اقتربت قليلا وقالت " أريد الخروج "
نظرت لها بصمت لبعض الوقت ثم قلت " ولما ؟؟ "
قالت بهدوء " أريد بعض الأغراض لي و... "
قاطعتها قائلا وأنا منشغل بالورق في يدي " ألم يكفيك كل الذي اشتريته ما هو الذي تحتاجينه "
قالت بعد صمت " نظرتي في الناس لا تخيب وأقسم أنك من الرجال الذين لا يحاسبون المرأة على مالهم "
رفعت نظري لها أحاول ترجمة كلماتها ولأول مرة أحتاج لثواني لفهم خبايا الكلام ومن امرأة تحديدا
عدت لشغل نفسي بالورق أبحث عن ضالتي وقلت " وإن كنت عكس ما تضنين "
قالت دون تردد أو انتظار " أقص شعري حد أذناي "
عادت لسرقة عيناي من أوراقي من جديد لأنظر لها فقالت وقد حولت لهجتها للعفوية " لأني أريد مشابك شعر بدل التي كسرتها , على الأقل أمام الضيوف والأطفال "
قلت بسخرية " أراك وجدتِ حلا له , ما تريديه بالمشابك "
تنفست بقوة وقالت " جابر لا أريد أن أقول سأشتريها من مالي لأني سأكون بذلك أهنتك إهانة لا حجم لها وأستحق أن تضربني عليها "
أعدت الأوراق للرف وأنا أقول " حتى أي سنة درستِ يا أرجوان "
قالت " و بيسان أريد أن أشتري لها لعبة القلعة والجنود من أجل تدريسها كنت في السابق لا أستطيع شرائها لأنها مكلفة وراتبي لا يساعدني "
سحبت من الملف الورقة التي وجدتها أخيرا وتوجهت نحوها ووقفت أمامها ومددت يدي وأدرتها خلف رأسها وفتحت ربطة شعرها وقلت وعيناي في عينيها " لأي مرحلة دراسية درستِ "
قالت ببرود " أنهيت الثانوية "
قلت بابتسامة جانبية وأصابعي تتخلل دواخل ليلها الكحيل الكثيف " حقيقة هذه أم مزحة "
قالت بهدوء " حقيقة طبعا فاخصم من عمري خمس سنين منذ جاءتني زوجتك بأبنائك تجدها نهاية مرحلة الثانوية وإلا ما كنت عملت في مصنع أقمشة وتركت شهادتي
وأضنك أذكى من أن يفوتك كل هذا ، لكنك تصبوا للوصول لأمر ما انا لا أفهمه "
غصت بيدي أكثر في شعرها وقربت وجهها مني وهمست في أذنها قائلا " تعجبني المرأة الذكية يا أرجوان لا تنسي هذا أبدا "
وغادرت من أمامها وقلت خارجا من المكتب " أخرجي برفقة السائق وسيلا واشتري ما تريدين "
وغادرت من فوري وخرجت من القصر راكبا سيارتي ، حسناء احتاجت معي لسنين لتفهم أنه لا يمكن التعامل معي بالشد والرد وحتى حين فهمت لم تطبق ذلك
هذه الفتاة فهمت هذه النقطة جيدا ليس من اليوم والليلة التي قضتهم معي بل من الفترة واللقاءات البسيطة الماضية وأتمنى أن لا تضيع من نفسها هذا الطرف لأنها ستنتهي حينها نهاية حسناء
*
*
رمى بالصندوق على السرير وقال " وصلك هذا وللمرة الألف أنا لست خادما لديك تفهم "
مررت أصابعي في شعري لتتساقط الخصلات مجددا على جبيني وقلت بشبه ابتسامة " ومن طلب منك إحضارها لي , ثم الشقة شقتي وإن فتحت الباب يأتيك الجواب وتُدخل لي ما يأتيني "
قال بتذمر مغادرا " يكفي أش أش ما أحَب الثرثرة لديكم معشر الأدباء "
واختفى من أمامي وأنا أنظر له بابتسامة ثم عدت لأوراقي ليلفت انتباهي لون غلاف الصندوق وكأني كنت غافلا عن هذا الأمر نظرت له بسرعة وتدقيق ... صندوق بنفسجي اللون !
قد أكون أتوهم ذلك لأنه يستحيل أن يكون منها ولكن في الحياة كل شيء يجوز , وقفت وتوجهت نحوه أمسكته وبدأت بتقليبه , لم يكن كبيراوكان مستطيل الشكل وبه شيء صلب ويبدوا مستطيلا أيضا
قربت الصندوق من أنفي واستنشقت العطر فيه بعينان مغمضتان منها أقسم أنه منها ولن يخطئ قلبي قبل أنفي بقايا عطرها فيه
أزلت الغلاف وفتحته بسرعة لأصدم بما في داخله ( شريط فيديو ) بقيت لوقت أنظر له بعدم استيعاب ثم رفعته أقلبه أمام عيناي
لا شيء معه ولا شيء مكتوب عليه , لتعود لي الهواجس من جديد .... منها أم ليس منها عطرها أم أنا أتوهم
توجهت من فوري لغرفة الجلوس وأغلقت الباب خلفي وشغلت التلفاز ووضعت الشريط في آلة الفيديو وجلست أنتظر بترقب شاشة سوداء لبضع ثواني ثم ظهر فيها ما جعلني أقف على طولي
زهور تجلس على البيانو الخاص بها وتعزف وزهور الطفلة بفستانها الأبيض تدور وترقص حولها , موسيقى !!
نعم أعرفها جيدا لمن تكون إنها معزوفة أغنية حزن الشتاء وأعرف جيدا كم كانت تحبها كانت تعزف وتتابع بعيناها حركة الفتاة التي ترقص حولها أما أنا فعيناي كانتا ترقصان بينهما لم أعرف فيمن أركز منهما
لو كان باستطاعتي لجعلت كل عين تنظر لواحدة , كنت أتفتت وأنا أرى الماضي والحاضر أمامي في آن واحد , زهور الماضي وزهور الحاضر , مؤكد تلك ابنة جابر نسختها المصورة
بعد لحظات بدأت زهور بالغناء بصوتها الجميل تردد كلمات الأغنية ونظرها على أصابعها التي تلعب على النوتات ببراعة وتردد تلك الكلمات الحزينة " ما أطول الليالي حين ينتصف الشتاء ... حين ترحل شمس حلمي حين تسود السماء ... والسماء تبدأ تمطر تمطر كالبكاء .... أم أنا ابكي دموعا كالسماء .... عودي يا ليالي الربيع وسافري سحب الجفاء عودي يا ليالي الخريف عودي حتى بالخواء "
كان صوتها العذب واضحا مع الموسيقى الحزينة المنخفضة والطفلة تدور بفستانها ترفع يداها للأعلى , تماما مثلها فحتى في رقصها تشبه زهور في طفولتها , الابتسامة ذاتها والحركة والخطوات
جلست منهارا على الأريكة وعيناي مرتكزة عليهما , ما الذي تريدين فعله بي يا زهور ماذا !! لو لم أكن رأيت ابنة جابر سابقا بعيني لما بقيت بعقلي الليلة , لازلتِ تذكرين كل تفاصيلي يا زهور حتى عنوان شقتي هنا
انتهت المعزوفة والأغنية وصفقت زهور للطفلة ونظرها عليها بابتسامة ثم قالت لها جملة كانت الضربة القاضية لي
*
*
دخلت القصر أنا والخادمة نجر الصندوق الكبير لتساعدنا الأخريات وأخذناه للأعلى حيث أحد الغرف الشاغرة والمجاورة لغرفة الفتاتين
وقد طلبت وضع سجادة كبيرة فيها فقط دون أي أثاث أخرى ودخل الأبناء بعدنا على الفور ينظرون للصندوق والرسوم عليه و بيسان تحضنه من الخارج وتقول " قلعة وجنود لا اصدق "
خرجت الخادمات وبدأت أنا والأولاد بإخراج محتوياته وركّبنا القلعة وفرزنا كل ملحقاتها
كنت أنا و بيسان نقسم الجنود فكل الغرض من شرائها هم , أما ترف فكانت تضرب بيدها على أعلى مبنى القلعة الكبيرة وتقول " أخرجوا بسرعة من الأبواب بسرعة "
ثم تنظر من النوافذ فيها وتقول " ماما لما لا يخرجون أراهم في الداخل "
قالت بيسان بتذمر " ماما ستكسر قلعتي أنظري لها كيف تضربها "
قلت ونظري على الجنود الكثيرين أمامي " لن تنكسر بنيتي لا تخافي "
أما أمجد فكان يحرك العربات ويضرب جنودنا بالمنجنيق و بيسان تكاد تشتعل وهم يعبثون بحلمها ,
نظرت له وقلت بضيق " أمجد لا تضرب به هنا اضرب القلعة هناك "
احتضنتها ترف وقالت " لا قلعتي لا تضربوها "
وقفت بيسان واضعة يديها وسط جسدها وقالت " ابتعدا عن مملكتي ما قلعتك وقلعتك "
قلت بحدة " بيسان لن تكون لك وحدك وسيلعبون بها معك ولن تفتح هذه الغرفة إلا أوقات معينة أو سنعيد اللعبة من حيث أتينا بها "
قالت باستياء " ولكن ماما .. "
قلت بضيق " بيسان لا تغضبيني منك "
جلست وقالت بحزن " حاضر إمبراطورة "
ثم انشغلت معي بالجنود وصرنا نطبق الدروس بها نظريا وكان الأمر أسهل من الخيال
قضينا هنا مقربة الساعتين ثم وقفت وقلت " ضعوا كل شيء من أيديكم بسرعة وسنخرج من هنا "
تذمروا جميعهم فقلت بأمر " الآن "
وقفوا مبتعدين عنها وترف تخفي يدها خلفها فمددت يدي لها فقالت بابتسامة وهي تمرر لسانها على شفتيها الصغيرتان " لا شيء لدي ماما أنتي تتوهمين ذلك "
لم استطع التحكم في ابتسامتي وقلت " أعطني ما لديك أو لن تدخلي معنا المرة القادمة "
مدته لي بشفتان ممدودتان فأخذته منها وقلت ضاحكة " سرقتي الملك مرة واحدة "
وضعته مع باقي الدمى وقلت وأنا أخرجهم أمامي " في الغد سنلعب مجددا الآن لصلاة المغرب بسرعة "
عدنا لغرفتهم صلينا معا ثم جلست أدرس أمجد , الدروس متراكمة وسنحتاج لوقت لإنهائها
أشعر أن عظامي ستتكسر من الجلوس منحنية على الكراسات والكتب , بعد وقت سمعنا جرس العشاء
نظرت للساعة فكانت الثامنة ثم تذكرت أن العشاء هنا حسب مزاج وأعمال السيد جابر طبعا
لكن ما لم أتوقعه أن يكون قرار زواج شقيقته المجهولة في يده , توقعت أن والدته هي من تسير الأمور هنا
وهذا ما فهته من البداية فهي تستمد قوتها من احترامه لها ولرغباتها وها هو تزوجني أنا ضد رغبتها وتبدوا شقيقته كذلك
نزلت مع الأولاد للأسفل بعدما طلبت منهم غسل أيديهم , وصلنا طاولة الطعام وكانا جالسان مكانيهما عند الغداء وجابر هذه المرة يرتدي البذلة الرسمية وربطة العنق وقد غير زيه الخاص بعمله
أنا طبعا كما قال أهمل الكبير ولا أعلم حتى متى جاء وغير ثيابه , وما دخلي به هو تزوجني مربية ومعلمة وقد قالها بصريح العبارة وأنا تزوجته من أجل الأبناء
كما قال وهي الحقيقة وقبل أن نكمل دروسنا لا أعترف به وصلنا لطاولة الطعام وأجلست ترف على الكرسي
فقال جابر بجدية ونظره على طعامه " تجلسون ثلاثتكم أمامي ووالدتكم هنا بجانبي لا نريد مشاكل على الطعام كل مرة "
نظرت لي ترف بعبوس فأشرت لها بعيناي أن لا تتكلم وتوجهت للجهة الأخرى وسحبت الكرسي بجانبه وجلست من قال له هذا أني أريد الجلوس بجانبه
غريب أين تكون زهور تلك لم تتناول الغداء ولا العشاء معنا تبدوا كما قالت بيسان لا تخرج إلا في الليل
تابعنا طعامنا في صمت حتى قالت ترف وهي تدفع يد بيسان بعيدا عنها وتأخذ الجزرة من شوكتها " ليست لك هذه الجزرات لي أنا "
وقفت حينها جدتهم وغادرت، قائلة " جابر , ما أن تعود لاحقا وافني في جناحي "
وغادرت من فورها وها هي بدأت بأولى جولاتها , نظرت لترف وقلت بحدة " ترف أنتي ممنوعة من الحلوى تسمعي "
قالت بتذمر " لا ماما "
وقف جابر وخرج وهو يتحدث في الهاتف قائلا " نعم قادم الآن .... لا لن أتأخر " وغادر المكان فوقفت بعده وتوجهت نحوها ورفعتها من الكرسي
وصعدت أنا بترف للأعلى ودخلت بها للغرفة
وقلت بحدة " ترف ما هذا الذي تفعلينه على طاولة الطعام "
نزلت من عينيها دمعة فقلت بذات حدتي " أنتي مؤدبة وأنا ربيتك سيقول الجميع الآن أني أنا سيئة "
قالت " آسفة ماما "
قلت بضيق " لا أريد أسف فقط بل لن تعبثي بالطعام مجددا أو سيخرجونني من هنا وأعود لمنزلي "
هزت رأسها بلا بدموع دون صوت فجلست على الأرض ومددت يداي لها فاقتربت مني ونامت في حضني تبكي
مسحت على شعرها وقلت " الفتاة الجيدة لا تفعل ذلك ، عليك أن تكوني كأخويك "
قالت بعبرة " حاضر ماما ولكن لا تتركينا "
قبلت رأسها وقلت " لن أترككم لو تصرفتِ بأدب "
تحرك حينها أحدهم عند الباب فنظرت له بسرعة فكان جابر واقفا ويده في جيب بنطاله ويبدوا كان هنا منذ وقت 
وقفت ترف وابتعدت عن حضني ونظرت باتجاه والدها ،  ووضعت سبابتها أمام شفتيها وقالت " أقسم بابا لن افعلها مجددا ، لا تأخذ ماما من هنا وتعيدها لمنزلها "
اقترب منها ورفعها له وقال " حسنا لن آخذها هيا لتأكلي الحلوى ما دمتِ اعترفتِ بخطئك ولن تكرريه "
نظرت باتجاهي وقالت " ولكن ماما قالت لا آكلها "
وقفت وقلت " إن قال والدك شيئا ينفذ على الفور مهما كان مفهوم "
هزت رأسها بحسنا دون كلام وغادر بها وجلست أنا على الأريكة أتنفس بهدوء , ترف لم أستطع السيطرة عليها في هذه النقطة مهما حاولت وجدتها ستستغل الوضع بالتأكيد لتثبت أني فشلت في تربيتها
بعدها بقليل صعد الأولاد وتابعت دروس اليوم معهم وصلينا العشاء وعند العاشرة نومتهم في أسرتهم وتوجهت للجناح الذي لم أدخله منذ خرجت منه صباحا , كان نظيفا ومعطرا فما أروع الخدم
دخلت غرفة النوم استحممت وارتديت بيجامة حريرية ونمت من فوري من شدة التعب
*
*
دخلت القصر بعد منتصف الليل , عليا زيارة والدتي أولا رغم أني أعلم ما ستتحدث عنه وهم زهور وترف , وأنا متعب وأريد الراحة قليلا
توجهت لجناحها طرقت الباب ودخلت وكما توقعت كانت تنتظرني في الجناح ولم تنم , ألقيت التحية وجلست أمامها
فقالت " هل ترى حقا أنه علينا أخذ رأي زهور في ابن العامري "
قلت ونظري بعيد عنها " نعم والرأي لها "
قالت بضيق " جابر هل تراه شاب يفوت "
نظرت لها وقلت " لا طبعا ولكن الخيار لها ولن تتزوج إلا من تختاره "
ثم قلت بهدوء " هل تحدثتِ معها "
قالت من فورها " أريدك أنت أن تقنعها , تبقى تحترمك وتحبك دون الجميع فزهور لم تتغير وإن كانت تسجن نفسها في حزنها "
وقفت وقلت " تبقى هذه الأمور تخص النساء وستتقبلها منك أكثر "
قالت ناظرة لي " أجلس لم ننتهي بعد "
قلت ولازلت واقفا " ترف تصرفت أرجوان في أمرها وإن تكرر الأمر أنا من سيتدخل فيه وانتهى "
قالت بحزم " سنين وهي معها الآن ستتصرف فيه , ما هذا الجنون "
قلت مغادرا الغرفة " سأتحدث معها في الأمر وننتهي منه ، دون أن تتدخلي فيه "
* *
توجهت بعدها لجناحي ودخلته ثم لغرفة النوم التي كانت مظلمة تماما شغلت الأنوار فكانت أرجوان نائمة بعمق وكأنها عزباء وفي غرفتها لوحدها
لا أنكر أني في الماضي كنت أدخل القصر ليلا متمنيا أن أجد حسناء نائمة وليست ككل ليلة تنتظرني بتشكيها الدائم
لكن هذه لم تتزوجني إلا من يومين وتعاملني وكأني جدار سوى مع الأولاد وكأنها ترسم لي حدودا محددة , أحترمك أمام أولادك وأعلمهم احترامك وتنفيذ أوامرك وهذه هي وضيفتي فيما يخصك
اقتربت من السرير وجلست وهززتها وقلت " أرجوان "
همهمت قائلة " همممم أتركني يا جابر أرجوك "
هززتها مجددا وقلت " استيقظي هيا "
قالت بتذمر وعيناها مغمضتان " ألا تشعر بالتعب لابد وأنك متعب نم بسرعة أنا متعبة وأحلم بالأرقام تدور حولي "
قلت بضيق " استيقضي ... أنتي متزوجة ولك زوج تنتظرينه أين تضنين نفسك ؟ في منزلك مثلا "
فتحت عينا واحدة نظرت لي بها ثم أغمضتها مجددا
فقلت بأمر " أجلسي بسرعة "
أبعدت اللحاف عن جسدها وجلست تجمع شعرها للخلف
وقالت " ها قد استيقظت وجلست أيضا "
غادرت السرير وقلت وأنا أنزع سترتي وأفتح أزرار قميصي " أخرجي لي ثياب النوم سأستحم بسرعة ، واشتريت قمصان النوم ليس لأتفرج عليها في غرفة تبديل الملابس "
ثم دخلت الحمام واستحممت سريعا لأجدد نشاط جسدي وأنام مرتاحا , خرجت بعدها ووجدت بيجامتي على السرير وهي منشغلة بالخزانة
فأخذت البيجامة ولبستها ثم جلست على السرير ناصبا ركبتي أمامي ومتكأ على ظهر السرير وقلت " أحضري لي صحن المكسرات من المطبخ في الجناح "
نظرت لي باستغراب وكانت تتوقع طبعا أني سأنام لكن لا بأس عليها أن تتعلم حقوق الزوج قليلا
تركت بعدها الغرفة في صمت وخرجت وبعد قليل عادت بالصحن ووضعته بجانبي وتوجهت لطاولة
التزيين وجلست عليها تبحث عن شيء ما لمدة طويلة ثم أخرجت ورقة وقلم وجلست على الأريكة تكتب فيها متجاهلة لي مجددا أكلت القليل من الفستق ثم قلت " ماذا تكتبين في هذا الوقت "
نظرت لي ثم عادت بنظرها للورقة مجددا وقالت " يبدوا أنه لا رغبة لك في النوم وأنا لا أنام إلا في الظلام فسأجهز ما سأدرسه لأمجد غدا "
قلت بسخرية " أنتي في غرفة النوم يا حرم جابر حلمي وليس في مدرسة "
نظرت لي نظرة باردة ثم عادت لورقتها فأخذت قشرة فستق ورميتها بها ولا أعلم لما يروق لي مضايقتها وهي تتجاهلني هكذا
نظرت لي وقالت بضيق " هذه المرة سأعتبرها بالخطأ إن تكررت فستكون إهانة لن أقبلها أبدا "
وعادت لورقتها بالطبع فأخذت حبة فستق كاملة ورميتها عليها فوقفت واضعة يديها وسط جسدها تنظر لي بضيق وقالت " هل تشرح لي سبب هذا , لا نوم تريد أن تنام ولا تترك غيرك ينام "
قلت بجمود " أرجوان تحترميني أو تري مني مالا تحبين "
قالت بضيق أكبر " ولما لا تحترمني أنت "
نظرت لها مطولا بصمت ثم قلت " أين تصنفين نفسك في الجمال "
نظرت لي باستغراب من سؤالي فقلت بابتسامة جانبية " سؤال صعب عند جميع النساء أليس كذلك "
رمت شعرها للخلف وقالت بسخرية " لا طبعا وأنا من الجميلات "
ضحكت وقلت " وكيف قيمتي نفسك "
قالت ببرود " لا أحد يقيم نفسه يا نبيه وأنت تعلم ذلك من قبل أن تسألني فالجواب لديك وليس لدي "
قلت ببرود " أنا لم أقيمك "
قالت بابتسامة جانبية " زوجتك كانت أجمل مني أليس كذلك "
قلت بنظرة ماكرة " لا أذكر "
قالت وهي تغير مكان وقوفها " لأنك لا تعير الشكل اعتبارا أليس كذلك , وليس هو ما يهمك في المرأة "
فهمَت الرسالة إذا , اتكأت على السرير بابتسامة صغيرة وأخذت إحدى الوسائد ووضعتها أيضا تحت رأسي وقلت " غيري ملابسك بسرعة "
دخلت غرفة التبديل وخرجت مرتدية قميص النوم ودون كلام فمددت يدي لها وقلت " تعالي ... ورائي غدا نهار طويل ومرهق "
اقتربت من السرير ودخلته وهي تقول " ابتعد عما سيعرضني لأسئلة أبنائك وبالرفق رجاء "
اقتربت منها وسحبتها من ذراعها قائلا " الا تعرفين كيف تفعلي شيء بدون تذمر "
*
*
سمعت طرقات على باب غرفتي فنظرت لساعة الحائط من فوري , ترى من هذا الذي دخل جناحي هذا الوقت !! هممت بالوقوف حين انفتح الباب ودخلت والدتي
نظرت لها باستغراب فقالت بجدية " ظننتك نائمة "
قلت بهدوء " لا لم أنم تفضلي "
اقتربت وقالت دون أن تجلس " ابن العامري طلبك للزواج فما رأيك "
بقيت أنظر لها باستغراب .... أمي تأخذ رأيي !!
تابعت " هو فرصة جيدة ولا تفوت زوجته متوفيه وليس لديه سوى ابن واحد وصغير وعائلتهم كبيرة ومعروفة "
لا ليس قبل أن آخذ بحقي , ليس قبل أن أنتقم ممن سرق طفولتي وشبابي ومشاعري وأحلامي
قالت عندما طال صمتي " ماذا قررتِ ؟؟ "
قلت " سأوافق على رضا وبشروطي وغيره لا "

نهاية الفصل

*❀يتـــ⇓⇓⇓ــبــــــ؏❀*

➖➖➖➖➖➖➖➖

☆☆☆☆☆☆

أوجاع ما بعد العاصفةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن