*|🔢|:☟البـــ{السابع}ـــارات☟*

105 5 0
                                    


فتحت الباب بهدوء ودخلت غرفتها ببطء فبعد أن قضت ليلة البارحة سجينة وحدتها يمكنني الاقتراب منها الآن والتحدث معها
كانت متكئة على سريرها وتخبئ وجهها تحت ذراعها فما أن اقتربت منها حتى رفعت رأسها ونظرت لي
فابتسمت وقلت " أردت أن أفزعك وأسترجع ذكريات الطفولة لكنك أمسكتي بي "
سندت نفسها بمرفقها لتقوم ونزلت من إحدى عيناها دمعة سقطت على غطاء السرير
وسن طبعها تبتسم صباحاً مهما كان ما مرت به في اليوم الذي قبله فأن تستقبلني بدمعة يعني أن ما حدث لا يبشر بالخير أبدا
اقتربت أكثر وجلست على حافة السرير وساعدتها لتجلس فصحتها تبدوا لي ليست جيدة
استوت جالسة ثم رفعت لها خصلات شعرها المتمردة دائما عن وجهها وقلت بقلق " وسن ما الذي حدث ؟؟ "
قالت بابتسامة مغصوبة " ما سيحدث غير الوجع تلو الوجع "
أقسم أن ما حدث بينهما كبير لأنها لم تجبني بكلمة لا شيء كعادتها, قلت بتوجس " ما الذي قاله لك ذاك المغرور "
ابتسمت ابتسامة حزينة وقالت بدمعة تترنح على رموشها الطويلة " قال موتي يا وسن "
ثم ضمت يدها لصدرها وقالت بدموع تنسكب لتتساقط عليها" حضنني يا فرح , تصوري نواس الذي لم أسمع منه حتى الكلمات الغرامية طيلة سنوات خطوبتنا ضمني لحضنه "
ثم ضربت بقبضة يدها على صدرها ضربة خفيفة وتابعت بأسى " ضمني لصدره لحيث منفاي وعذابي وحلمي فما يكون ذلك يا فرح غير الوداع الأخير وغير نهايتي على يديه "
أمسكتُ يدها بين يداي بقوة أبكي أكثر من بكائها فشدت بيدها الأخرى على يداي واتكأت عليهم بجبينها وقالت بعبرة " رأيته في الحلم يا فرح , رأيته يُخرج أخرى من الوحل ويتركني فيه "
فككت يداي من يديها وحضنتها أبكي معها في صمت واتركها تبث أوجاعها كي تخفف من الألم القاتل في أحشائها , الألم الواضح على ملامحها رغم صمتها عنه
قالت بوجع " ويريد أن يبقى يعيلني كالمتشردة ويذر بأفضاله علي , يخاف على دراستي ومستقبلي وهو يعلم أني لم أعد سوى جثة لا ويقول لي أنني قتلته فما سأقول أنا عنه "
وبقيت على ذاك الحال تسرد ما قال لها بوجع وتعقب على كلماته بوجع أكبر حتى سكتت ثم ابتعدتْ عن حضني واتكأت على ظهر السرير تتنفس بهدوء فيبدوا لي باتت أفضل بتحدثها عما يضايقها
مسحت على وجهها بيدي وقلت " وسن هل أنتي أفضل الآن ؟؟ هل أحضر لك الحبوب المسكنة "
هزت رأسها بلا وقالت بهمس " أحضري لي كوب حليب بارد "
وقفت من فوري وتوجهت للمطبخ مسرعة وأخرجت الحليب من الثلاجة وسكبت منه في كوب وأخذته لغرفتها وحين وصلت لها لم تكن هناك
بحثت بنظري في الغرفة تم توجهت جهة باب الحمام واقتربت أكثر فسمعت صوتها تتقيأ فطرقت الباب وقلت " وسن هل أنتي بخير "
فتحت الباب بعد قليل وأخذت مني الكوب وقالت " أنا بخير لا تقلقي "
وصلت للسرير وجلست عليه وشربت كوب الحليب دفعة واحدة ثم وضعت الكوب واستلقت على السري وقالت " سأنام قليلا "
قلت من فوري " سأتصل بجواد ونأخذك للمستشفى "
قالت بهمس وهي تدس رأسها تحت اللحاف " أنا بخير يا فرح لا تجعليني أغضب منك "
تنهدت بيأس وقلت " أنتي تضرين نفسك يا وسن فذاك الجلمود لن يضره شيء فكوني مثله أو أقوى "
قالت من تحت اللحاف " أغلقي الباب خلفك سأنام وأكون بخير "
خرجت وأغلقت الباب , كنت أود التحدث معها في موضوع سفر جواد وأنه يريد أخذي معه لكن يبدوا الوقت غير مناسب
*
*
كنت اتكأ بمرفقاي على لوح السياج أراقب جواد ومعتصم وهما يدربان الفرس لوحت لهما بيدي وقلت " أنزل يا جواد ليركبها معتصم بعدك يكفيك هذا يجب أن تتبادلا ركوبها "
لوح لي بيده ثم نزل وركبها معتصم ورن حينها هاتفي فوليتهم ظهري وأجبت من فوري قائلا " أجل يا معاذ ماذا حدث معك "
قال مباشرة " كل الأمور تسير على ما يرام حصلنا على كل كمية النشارة والقش وبالسعر الذي نريده "
قلت بابتسامة صغيرة " جيد أترك الباقي لي وسأستلم البضاعة منهم بنفسي ما أن تنزل الميناء "
قال " هي مقاربة لجودة البضاعة المحلية وبسعر أقل منها وستوفر عليك الكثير "
ابتسمت وقلت " شكرا لك يا معاذ أنت رجل يُعتمد عليه "
قال بصوت مبتسم " وأنت تستحق , وداعا الآن ونلتقي قريبا "
قلت من فوري وأنا أنظر للقادم نحوي " وداعا واعتني بنفسك جيدا "
أغلقت منه الخط على وصول وليد عندي , ضرب كتفي بيده وقال " من يراك لا يصدق أنك تزوجت البارحة "
لكمته على كتفه لكمة صغيرة وقلت " أنت بالذات تسكت ولا تتحدث "
هز رأسه وقال " حتى الآن لم أقتنع بما تفعله يا نواس "
لففت للخلف وعدت للاتكاء على السياج ونظرت جهة معتصم وجواد وقلت " بل هو عين الصواب ليس من أجلك وحدك بل من أجل الرجل الذي لو بعت سمعتي من أجله ما وفيته أفضاله "
قال بهدوء " والدها مات فما سيغير ذلك في الأمر "
أنزلت رأسي للأرض وقلت " لكن سمعة الرجل لا تموت مهما طال الزمن وما طلبه مني مقابل لما فعل لي لا أستطيع رده فيه ولا على رقبتي ثم هل كنت ترى فكرتك أنت لإخراجها هي الصواب , كنت ستزيد الأمر سوءً بتهورك ولا تفتح الموضوع معي مجددا يا وليد كم مرة سأعيدها "
وقف بجانبي وتنهد وقال " لو لم يضن أولئك الأوغاد أنها شقيقتي ما حدث كل ذلك بسببي "
نظرت لوجهه وقلت " لآخر مرة أسالك يا وليد هل لهذا السبب فقط كنت تريد إخراجها من هناك وإنقاذها من بطش إخوتها أم ثمة شيء في قلبك لها "
أنزل رأسه للأرض وقال " نعم لذالك فقط ولا تجعل الأفكار تتحكم في حياتكما وعش معها كزوجين حقيقيين ولا تذبحها فوق ما هي مذبوحة يا نواس "
أبعدت نظري عنه ولذت بالصمت فقال بهدوء " وكيف أقنعتهم أنك لن تطلقها من فورك "
قلت ونظري للبعيد " أمر تفاهمنا فيه بيني وبينهم "
توجه جواد ومعتصم حينها ناحيتنا فقلت بهمس " أنا أتق بك يا وليد لا أحد يسمع بسبب زواجي بها مهما طال بنا العمر "
قال بذات الهمس " لا تقلق سأفعلها من أجلها وليس من أجلك طبعا "
ابتسمت ابتسامة صغيرة ولذت بالصمت على وصول معتصم أولا
قفز لخارج السياج وقال " هيا يا وليد إلى الإسطبل أمامي وفورا "
ضحك وليد وقال " أنت لا تنسى أبدا "
وضع يده على كتفه وقال وهما يسيران معا مبتعدان عني " طبعا لأنه دورك هذه المرة هل ستهرب "
اقترب مني جواد ووقف مستندا مثلي بالسياج وهو داخله واقفا بجانبي وقال بهدوء " هل أخبرت والدتي بزواجك "
قلت بذات الهدوء " وقبل أن اذهب إليهم "
تنهد واكتفى بالصمت فقلت بشبه همس " هل أخبرت فرح بذلك "
أنكس رأسه للأسفل وقال " لا طبعا فشقيقتها لم تتجاوز يوم الأمس بعد لتخبرها بهذا الخبر "
قلت بابتسامة باهتة " لا أعتقد سيعنيها الأمر فوسن تغيرت كثيرا يا جواد "
قال بسخرية " بل قناع يلبسه كل واحد منكما أمام الآخر "
ثم نظر لوجهي وقال " لقد أدرجوا اسمي ضمن بعثة الطلبة للدراسة
في الخارج وسأبدأ بالإجراءات وآخذ زوجتي معي "
نظرت له وقلت بضيق " جواد سبق وأخبرتك أنه علينا أن نقنع والدتي بالعيش معي هنا أولا ومن ثم سأسفرك على حسابي "
وقف على طوله مبتعدا عن السياج وقال " ولما تكلف نفسكوالبعثة موجودة ولا تنسى أنها ستوفر لي ميزات أكبر من دراستي على حسابك الشخصي "
ثم قفز خارج السياج وقال " ووالدتي كما تعلم لن تقتنع بترك منزلها مهما حاولنا وشيء آخر والدة فرح سيأخذها شقيقها معه لقرية عائلتها حيث أشقائها جميعهم أي أن وسن بين أمرين أن تذهب مع زوجة والدها أو تعيش مع والدتي , هذا إن لم تركب دماغها العنيد وأصرت على أن تبقى في شقتهم لوحدها "
قلت بحدة " أي هراء هذا لن تذهب لتعيش مع الغُرب ولن تعيش لوحدها وأنا حي وأتنفس ولن تكون إلا مع والدتي فهي خالتها وقريبتها الوحيدة "
هز رأسه وقال بحيرة " إن كانت تكاليف دراسة وبعض النقود والطعام لم تعد تقبلهم منك كيف ستأخذها هناك أو هنا وتبقى وزوجتك معها , ارحمها منك يا نواس "
قلت بضيق " لا تزدني على ما بي يا جواد أقسم أن النيران تلتهم ضلوعي التهاما وها قد قلتها لك ولغيرك لم ولن أقلها , وعلينا أن نجد حلا أو لن تسافر لأي مكان وستعيش معك أنت وزوجتك "
نظر جانبا حيث منزل المزرعة وقال ببرود " أتركها تتزوج إذا , أنا أعلم أنها خُطبت منك أكثر من مرة وأنك رفضت "
عدلت وقفتي ونظرت باتجاهه وقلت بحزم " لا فهذا ليس وقته الآن "
نظر لي وقال بضيق " أنت وتزوجت فاتركها تأخذ نصيبها "
قلت بحدة " ليس قبل أن تنهي دراستها وأقنعها بالعلاج على حسابي تفهم "
ابتسم بسخرية وقال " تضحك على نفسك يا نواس , أنت لا تريد أن تزوجها لا لك ولا لغيرك فلن تستحملها نفسك بينما أنت ضربتها بها ولم تكترث "
قلت ببرود " أسبابي مقتنع بها ولا يجب أن يقتنع غيري "
كان سيقول شيئا لولا رنين هاتفه بنغمة أعرف جيدا لمن تكون, أخرج هاتفه وأجاب من فوره قائلا " نعم يا فرح "
سكت قليلا وغضن جبينه ثم قال " ما بها "
نظر بعدها نحوي ثم قال " نعم "
استمع قليلا ثم ابتعد عني بضع خطوات , مؤكد هي طلبت منه أن يبتعد عني والموضوع يخص وسن بالتأكيد
*
*
ضربت الأرض بقدمها وقالت بحدة " وسن عليك أن تليني دماغك هذا , جواد في الطريق وسيأخذك حالا "
قلت بضيق " فرح أنتي تري بعينيك أنني بخير فأخبريه أن لا يأتي "
تأففت ثم قالت ببرود " هو قادم في كل الأحوال فوالدته تعبت البارحة وسأذهب ووالدتي لنراها فهل ستأتي معنا "
نظرت لها بحيرة وقلت " ما بها خالتي "
رفعت كتفيها وقالت مغادرة " قال تعبت كثيرا البارحة وهي أفضل اليوم , نواس في حظيرة بغاله يمكنك الذهاب معنا "
ابتسمت بحزن وأنا أراقبها تغادر ... فرح لن تحب نواس مستقبلا مهما فعل لهما هي وشقيقه , ليتها تعطيني قلبها ولو بالمال
غيرت ملابسي ولبست حجابي وبعد نصف ساعة كان جواد تحت العمارة ينتظرنا
نزلنا وركبت وفرح في الخلف وزوجة والدي في الأمام ثم انطلق بنا ونظر لي جواد في المرآة الأمامية وقال " كيف حالك يا وسن "
قلت بابتسامة صغيرة " بخير لا تكترث لفرح كثيرا فهي تحب مشاهد أفلام الإثارة والغموض "
ضحك وقال " المهم أن تبتعد عن أفلام الرعب "
ضربته بقبضة يدها على كتفه وقالت " أفلام القتل والإجرام محطتي القادمة فما رأيك "
وعلى مشاكساتهما مرت الطريق , لا أعلم كيف سيعيشان في بيت واحد , وصلنا منزل خالتي
فتح لنا جواد الباب ودخلنا وقضينا عند خالتي ساعتين , كانت ملامحها متعبة ووجهها مصفر لكنها تقول أنها بخير , يبدوا لي حدث معها شيء البارحة سبب لها كل هذا التعب فوق تعبها
وقفنا جميعا لنغادر بعدما تناولنا العشاء فقالت خالتي " وسن ابقي معي الليلة بنيتي مشتاقة لك وأنتي لم تزوريني منذ مدة "
قلت بعد صمت " حسنا "
ابتسمت ومدت لي بيدها لأجلس بجوارها وغادروا جميعهم
فجلست بجانبها ونمت في حضنها , الحضن الوحيد الحبيب لي بعد والدتي ووالدي فأنا بت أجدهما فيه وأجد حتى نفسي فيه معهم
كنت أنتظر أن أعيش معها بزواجي من نواس ولكن هكذا شأت الظروف , كم أود أن أكون معها وأعتني بها ولكن هذا بات مستحيلا فلا أريد مقابلته على الدوام هنا ويكفيني ما بي
كانت تمسح على شعري بحنان ثم قالت " وسن بنيتي كيف تتركين دراستك وتتعبيني فوق تعبي "
قلت بحزن " فلنترك الحديث في هذا حتى الغد خالتي أرجوك "
تنهدت واكتفت بالصمت وقضينا الليل نتسامر ونتجنب الحديث عن المواجع بجميع أنواعها ونِمت معها في غرفتها وجواد نام في المزرعة الليلة , لا أعلم رغبة منه أم ليترك لي الحرية في المنزل
عند الصباح استيقظت مبكرا ووجدت خالتي في الحمام والممرضة تنتظرها عند الباب فلبست حجابي وخرجت من الغرفة ودخلت الحمام الفردي ثم توجهت للمطبخ حيث الخادمة وهي محببة لدي جدا لأنها عربية مسلمة تحافظ على صلاتها ومحترمة
دخلت ووجدها تعد الإفطار فقلت مبتسمة " صباح الخير ما كل هذا النشاط "
ضحكت وقالت " وهل توجد خادمة كسولة "
ضحكنا معا وساعدتها ونحن نتبادل الأحاديث فسمعنا باب المنزل يفتح ويغلق , مؤكد هذا جواد لأنه قال لوالدته أنه سيمر بها صباحا , أنهينا كل شيء وحملت صينية الفطور وقلت " سآخذها أنا معي لا تتعبي نفسك "
خرجت بها من المطبخ وحين اقتربت لغرفة خالتي سمعت صوت جواد وهو يقول لوالدته " وما الذي سيتغير في الأمر "
كنت سأعود أدراجي للمطبخ حين سمعت خالتي تقول بضيق " يتغير الذي يتغير ... لما الاستعجال هكذا يتزوجها من أول زيارة ، كان أجل الأمر قليلا , شقيقك هذا قد فقد عقله "
احسست حينها بالأرض تدور تحتي وقدماي تتخلى عني , حاولت تثبيتهما فانتقلت الرجفة حينها ليداي ووقعت الصينية مني على الأرض
*
*
اقتربت منها فوقفت من فورها فقلت مباشرة " أمازلتِ هنا !! كيف لم تغادري "
قالت " ألم تطلب مني أن لا أغادر ووعدتك "
مررت أصابعي في شعري وقلت " أنا آسف انشغلت ونسيت أنك هنا "
قالت بدموع تلمع في عينيها الواسعة تحت ضوء القمر " كلكم تنسونني , كل من يقول بأنه سيساعدني يتركني وينساني "
أمسكت كتفيها وأجلستها وجلست على مسافة منها ثم قلت " كانت والدتي متعبة جدا وكنت معها في المستشفى وما أن تذكرتك تركتها هناك وأتيت ... أنا آسف حقا "
هزت رأسها بحسنا وهي تمسح دموعها بطرف كم زيها , ليست فقط مراهقة بل تبدوا طفلة
قلت بهدوء " لما لم تنتقلي أماما حيت الأضواء ألم تخافي وحدك هنا "
هزت رأسها بلا وقالت " لم أخف ومما سأخاف "
قلت بابتسامة " ما أعرفه أن الفتيات يخفن من الظلام فكيف إن كان ظلام وفي المدرسة "
قالت بنبرة حزينة " ليستْ أقل ظلاما من هناك "
بقيت أنظر لها بحيرة فقالت " هل تؤمن بالأشباح "
قلت بعد صمت " لا قطعا ولكني أؤمن بالجن "
قالت " ومن يكونون هؤلاء "
قلت من فوري " مخلوقات مثلنا يعيشون معنا ولكنهم يروننا ويسمعوننا ولا نراهم ولا نسمعهم سوى في بعض الحالات "
ضمت يداها لصدرها وقالت " إذا أنا أسمعهم "
بقيت أنظر لها بصدمة لوقت ثم قلت " سما ما قصتك "
أنزلت يديها وأمسكت بحقيبتها وقالت " هل ستصدقني وتساعدني حقا "
قلت بجدية " أعدك أن أساعدك يا سما ألا تثقين بوعدي "
قالت " أمي كانت تقول لي أن من أخلف وعده اكتسب إحدى صفات المنافقين "
هززت رأسي بنعم مبتسما وقلت " أجل فهوا إذا حدّث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان "
لاذت بالصمت فقلت " احكي لي حكايتك وسأصدقك وأساعدك "
قالت بهدوء " ولكن الخالة عفراء قالت لي أن لا أتق في الرجال ولا أقول سري ومكاني لأحد منهم ومن سألني أهرب منه "
أقسم أنها طفلة أكثر من سنها وعليا كسب ثقتها أولا , قلت بهدوء " عليك أن تتقي بي لأساعدك , لو كنت أعلم من تكونين وأريد إيذاءك ما سألتك ولا انتظرت حتى تحكي لي سما لو بقيتي هكذا لن تجدي حلا لمشكلتك "
نظرت للبعيد بشرود وقالت بعد صمت " كنت ووالداي وشقيقي سامي نعيش في الهند منذ ولدت
والدي لديه مصنع هناك ولدينا منزل كبير جدا وأموال كثيرة لكن والدي كان يخاف علينا كثيرا حتى أنه لا يسمح لنا بالخروج وحدنا ولا الاحتكاك بأحد خصوصا الرجال وحين نخرج يمنعنا من ارتداء الحلي أو الثياب باهظة الثمن حتى التلفاز لم يكن يتركنا نشاهده لأنه ضد ما يعرض فيه
هذا العام جئنا للعيش هنا ومعنا خادمة وابنتها لأنها أصرت إلا أن تأتي معنا وتوفيت بعد وصولنا بقليل وابنتها بقيت معنا, والداي كانا يحبانها ويعاملانها كأنها واحدة منا
سجلنا والدي في مدارس خاصة وبعد شهرين بدأ والدي بجلب أمواله وباع مصنعه هناك ووضع المال في قبو المنزل وعلّمنا كيف نفتحه ونغلقه وكيف ندخل ونخرج وأين ينتهي "
امتلأت عيناها بالدموع فمسحتها وقالت " وبعد شهر كنت في الفناء الخلفي للمنزل حيت هناك عش صناعي للحمام تطعمهم والدتي فيه ويأتوه من كل مكان , كانت والدتي تحب الحمام وفي منزلنا في الهند كان لدينا واحد مثله يشبه البرج وأبيض اللون
كان الوقت عند المغيب وطلبت مني والدتي أن أضع الحبوب لأن هذا الوقت يكون فارغا ولم يعد لدينا خدم لأن والدي صرفهم جميعهم وقال بأننا سنسافر قريبا
عندما كنت هناك سمعت أصوات رجال فنظرت من باب البرج فكان ثمة رجال بملابس سوداء يخفون وجوههم قفزوا من سور المنزل وبدؤوا بالدوران حوله "
ارتجفت يداها فضمتهم لصدرها ونظرت للأسفل وقالت " كنت خائفة كثيرا ولم أتمكن من الخروج , تمنيت أن نبهت والداي ليخرجوا أو ذهبت إليهم ليحدث لي ما سيحدث لهم "
مسحت دمعة نزلت من عينها وتابعت " بعد وقت قصير اختفى أولئك الرجال وسمعت جلبة كثيرة في الداخل ثم هدأ كل شيء
فانتظرت أن يخرجوا من حيث جاءوا وطال الوقت ولم يخرج أحد وبعد ذلك بوقت طويل سمعت أصوات لصفارات سيارات الشرطة تقترب وتقترب حتى بات صوتها داخل أذناي وعاد الضجيج وصوت كسر للباب
خرجت من البرج واقتربت من المنزل لأني ضننت أن الشرطة جاءت لتمسك باللصوص الذين ظننت أنهم جاءوا لسرقة المال ولم أتخيل أنهم جاءوا لسرقة عائلتي مني
اقتربت من إحدى نوافذ الطابق الأرضي لأنه كان مليء بالنوافذ ورأيت رجال الشرطة يخرجون والداي وشقيقي وابنة الخادمة على حمالات ويغطونهم بأغطية بيضاء"
بدأت دموعها بالنزول وقالت بحقد " كانوا يكشفون وجه والدتي ويقول أحدهم ( تعالوا وانظروا للجمال الميت ) ويضحك ويضحكون معه وكأنهم يحملون دمى وليس عائلة قُتلت بدم بارد بل ولم يكلفوا أنفسهم عناء القبض على المجرمين الذين لازالوا يلاحقونني ولم يتساءلوا أين أنا "
قلت بشبه همس " هل قتلوهم جميعهم !! "
مسحت دموعها وقالت " لست تصدقني أليس كذلك "
هززت رأسي بلا وقلت بجدية " بل أصدقك يا سما تابعي ما حدث وأين ذهبتِ بعدها ولما لم تتحدثي مع الشرطة ليأخذوك معهم ويحموك "
قالت بضيق " لن يحدث أبدا , لن يحموني أولئك ميتين القلوب , لما لم يفتقدوا هم ابنة هذه العالة , كل ما فعلوه أنهم بقوا في المنزل لأكثر من يوم وأخذوا عائلتي ثم أغلقوا الباب الخارجي فقط وغادروا أكرههم وما كنت سأطلب مساعدة أمثالهم "
قلت بهدوء " وما حدث معك بعدها وكيف تعرفتِ على المدعوة عفراء وهل هي قريبتك "
هزت رأسها بلا وقالت " لا هي ليست قريبتي ولم أرها سابقا فبعد مغادرة الشرطة دخلت المنزل , كانت تعمه الفوضى وكأنهم بحثوا عن شيء فيه , رتبت المنزل وأنا أبكي ولا أعلم ما أبكي بالتحديد
جلست في الصالة وحدي أحضن المصحف حتى صباح اليوم التالي حين دخلت عليا سيدة لا أعرفها قالت أنها صديقة والدتي وأخذتني معها لشقتها البعيدة عن منزلنا
حكيت لها كل ما حدث معي فقالت لي أنها ستبحث عن عائلتي ليأخذوني وأن لا أخبر أحد بما يجري معي وأن لا أخرج أو أتحدث مع أحد
يبدوا لي كانت تعرف أشياء عنهم وكان زوجها سيئا يضربها دائما ويرجع في الليل يغني ويتمايل ولا أعرف لما يكون كذلك في الليل فقط كانت تطلب مني أن أسجن نفسي في غرفتي ليلا ولا أفتح الباب مهما حدث ومهما ضربها وصرخت
كنت أتجنبه طوال الوقت وأسجن نفسي في غرفتي كلما كان في المنزل , الخالة عفراء هي من سجلتني في مدرستي الجديدة ولا اعلم كيف استطاعت ذلك وهي من كانت تهتم بي وتحبني وطلبت مني أن لا أترك دراستي أبدا لكي تجدني هنا عندما تعرف مكان أهلي
بقيت معها لشهرين وفي إحدى الليالي فتح زوجها باب غرفتي ولا أعلم من أين جلب المفتاح , كان يترنح في مشيته ويقول كلمات لم أفهمها , حاولت الهرب منه فأمسك ساقاي وأوقعني أرضا "
سكتت ترتجف فقلت بصدمة " ماذا حدث يا سما ماذا فعل "
هزت رأسها وقالت " كان يسحبني ولا أعلم لما لا .... "
توقفت عن الكلام فتأففت وقلت بضيق " ماذا ؟؟ قولي "
قالت بعد صمت " لا أعلم لما كان يسحبني "
قلت بضيق أكبر " ماذا فعل أيضا سما تكلمي "
قالت بهمس " لا شيء "
قلت بعد صمت " لا شيء أبدا !! "
بقيت تنظر لي باستغراب ثم قالت " ما تقصد !! ما الذي كان يريد فعله "
تنهدت وقلت " شيء يبدوا أنك لا تعرفينه وكنتِ ستتعرفين عليه بطريقته النجسة لولا ... "
بترت جملتي ثم قلت بحيرة " وماذا حدث وكيف ابتعد عنك " رفعت يداها وكأنها تمسك شيئا وأنزلتهما للأسفل وقالت " جاءت الخالة عفراء وضربته بالمزهرية على رأسه ووقع أرضا "
قلت من فوري " وما حدث بعد ذلك "
قالت بهدوء " طلبت مني مغادرة منزلها حالا والهرب والعودة للمنزل والبقاء في القبو وأنها ستتفاهم مع سائق الحافلة يأتيني أينما أنا أحدد له فخرجت من شقتها وركضت في الشوارع كثيرا كي لا يستيقظ زوجها ويلحق بي
نمت تلك الليلة في الشارع عند سور أحد المباني وفي الصباح ركبت سيارة أجرة بالأموال التي معي وطلبت منه وضعي حيث يمكنني الوصول للباب الخارجي للقبو حيث يبعد عن منزلنا بعض الشيء وهو بين الأشجار وبقيت هناك أعيش فيه حتى اليوم لشهرين كاملان
لم أرى الخالة عفراء بعدها ولم تزرني ولم تعد تجيب على اتصالاتي وهاتفها مقفل دائما ولا أعرف عنوان شقتها "
قلت " ولما لم تخبر هي الشرطة عنك "
رفعت كتفيها وقالت " لا أعلم "
بقيت لوقت أنظر للأرض أستجمع في رأسي ما قالته ثم نظرت لها وقلت " وكيف تعيشين وحدك هناك "
قالت " لا مكان لي غيره وتوجد هناك نقود كثيرة جدا أشتري طعامي من مقصف المدرسة وتوجد إنارة موزعة في جميع أماكن القبو ولكل جهة منه مفتاح وحدها , كنت أعيش جهة السلالم التي تأخذني للمنزل والباقي مظلم "
ثم تابعت بخوف " هناك أشخاص يتهامسون في الليل في تلك الجهة أسمعهم بوضوح "
نظرت لها بصدمة وقلت " من ؟! "
قالت " كنت أضنهم أشباح وأنت قلت أنه لا وجود لهم "
بقيت أنظر لها بحيرة ثم قلت " وما قصة الذين يبحثون عنك والعصا والطرق "
حضنت نفسها بيديها وقالت " هناك من يبحث عني في المنزل ليلا ويطرق بعصا على الأرضية ليعلم أين باب القبو ، لكنه لا يُفتح إلا ببصمات أيدي عائلتنا "
تنفست بقوة ... يا إلهي وكأنني في قصة من الخيال !! صحيح أني أتعاون مع جابر في حل بعض قضاياه لكن هذه كلها ألغاز محيرة , كنت سأسرد عليها الملايين من الأسئلة التي أحتاج إجابتها لكن هذا المكان ليس مناسبا أبدا
وقفت وقلت " هيا قفي معي يا سما لنغادر "
وقفت وقالت " أين ؟! "
قلت من فوري " ألم أعدك أن أساعدك وأنا سأساعدك حتى نجد عائلتك "
قالت من فورها " ولكن أين سنذهب "
قلت بهدوء " لمنزلي الليلة وفي الغد نرى ما سنفعل "
بقيت تنظر لي بصمت فقلت " سما لا تخافي مني أنا لست من الذين يطاردونك تأكدي من ذلك "
اعلم أن هذا مصدر خوفها الوحيد أما أن تخاف مني كرجل هذا لا تعرفه ولا تفكر فيه أبدا
مددت يدي وأمسكت يدها وسرت بها بخطوات سريعة وهي في صمتها لم تتحدث
خرجنا من المدرسة وأغلقت الباب وفتحت لها باب السيارة وقلت " اركبي يا سما ولا تخافي والدتي ستخرج غدا من المستشفى ، وتبقين معها حتى نجد أهلك "
ركبت السيارة بتردد كبير فأغلقت بابها وركبت أنا أيضا وما أن أغلقت بابي حتى فتحت بابها ونزلت
خرجت من السيارة وقلت " سما لا تخافي مني ما بك "
هزت رأسها وقالت " لا أريد سأعود لمنزلنا لتأتي الخالة عفراء "
تنهدت وقلت " ولما تثقين بها و بي لا "
لاذت بالصمت فأخرجت المسدس المرخص الذي أعطاه لي جابر وحركت زناده ثم مددته لها وقلت " جاهز للإطلاق إن فعلت لك شيئا فاقتليني به "
بقيت تنظر ليدي بحيرة ثم فتحت باب السيارة وركبت دون أن تأخذه مني فركبت السيارة وأعدت المسدس مكانه
لقد تصرفت كما توقعت فما كنت سأعطي المسدس لمراهقة صغيرة قد تؤذي به نفسها قبلي , انطلقنا في صمت من كلينا لأن بالي كان مشوشا وكل الأفكار تأخذه وترجعه
أتمنى أن لا أكون تهورت وسأجلب لنفسي مشاكل أنا في غنى عنها ووالدتي لا أحد لها غيري , لكن هل كنت سأترك هذه الفتاة بعدما علمت منها ما علمت , نظرت لها فكانت تنظر ليديها في حجرها وتمسك حقيبتها
فقلت بهدوء " سوف آخذك للمنزل الآن تنامي وترتاحي وغدا عليا معرفة أمور كثيرة منك ولدي صديق في المباحث الجنائية سيساعدنا كثيرا "
نظرت لي وقالت " يعني شرطي "
تنهدت وقلت ونظري للطريق " سيساعدنا فقط يا سما لن يأخذك ولن يستلم هو زمام الأمور حسناً "
عادت بنظرها لحقيبتها وقالت " لا أريد مقابلته "
قلت بضيق " سما كيف سنعلم حقيقة ما حدث إذا "
قالت بعبرة " خذني لقبو منزلنا إذا "
تنهدت واكتفيت بالصمت فليس هذا وقتا مناسبا لنناقش هذا فيبدوا أن عناد المراهقات مركز لديها ولكن عليها التجاوب مع جابر وسأعلم منه مجريات الجريمة فمؤكد هو استلمها
ما يحيرني وهو كثير كيف لم تبحث الشرطة عنها هل ظنوها تلك الفتاة الهندية ولكن يستحيل مؤكد تلك ستكون طفلة , وما قصة عفراء تلك وكيف علمت عن مكانها وكيف دخلت المنزل وما صلتها بالذين يبحثون عنها بل وكيف تحصلت على ورقة تثبت أن والدا سما أعطاها تصريحاً بإدخال ابنتهم لثانوية السيد منصور ولما لم تستخدمها في إخراجها من مدرستها الأولى وغيره الكثير والكثير
نظرت لها مجددا وقلت " هل تريدين شيئا أشتريه لك يا سما , أقصد شيء تحتاجينه الليلة حتى نذهب غدا لجلب أغراضك "
أنزلت رأسها أكثر وقالت " جائعة فقط وأريد النوم "
نعم يالا غبائي كيف نسيت أنها لم تأكل شيئا اليوم نزلت لأحد المطاعم واشتريت عشاءً لها وعدت للسيارة وغادرنا للمنزل لأنه بات قريبا
*
*
لا اعلم لما أشعر بالأمان معه بقدر شعوري بالخوف منه !!
ماذا لو كان أحد أولئك المجرمين وسيسلمني لهم وماذا إن كان يكذب علي وسيسلمني للشرطة ليهملوا القضية ثم يرموني في دار الأيتام , وصلنا منزلا صغيرا جدا بالمقارنة بمنزلنا
نزل من السيارة وتوجه لبابي وفتحه وقال " انزلي يا سما هنا منزلي الليلة فقط وغدا ستأتي والدتي من المستشفى "
تردت كثيرا لكن ما باليد حيلة سأسلم قدري لهذا الرجل يصلحه أو يدمر ما تبقى منه , نزلت أتبعه فتح الباب بالمفتاح ودخلنا , كان هناك ممر طويل قليلا اجتزناه فكنا في صالة متوسطة الحجم بها باب واحد يمينا يبدوا غرفة ودرج ملاصق لها يؤدي للأعلى وفي اليسار بابين يبدوان واحدا مطبخ والآخر حمام
شغل الإضاءة وقال " لا يوجد في هذا الطابق سوى غرفة والدتي بسرير طبي , الغرف في الأعلى الحقي بي "
ثم توجه من فوره لتلك السلالم وتبعته ببطء وصعدنا للأعلى كان في الأعلى ممر طويل به أربع أبواب
فتح ثاني باب ودخل ووضع الكيس هناك وقال " هذه غرفتي نامي هنا الليلة حتى أجهز لك الغرفة الأخرى غدا أو تنامي مع والدتي , الطعام في الكيس والمطبخ في الأسفل فيه كل ما تحتاجينه , يوجد حمام في الغرفة هنا وفي الأسفل , سأذهب لوالدتي الآن لأراها وحين أعود سأنام في الطابق السفلي حسنا "
هززت رأسي بحسنا فقال " إن كنتي خائفة اتصلت بها فقط وغادرت صباحا "
هزت رأسي بلا دون كلام فخرج من الغرفة ونزل السلالم وغادر
دخلت الغرفة أحضن حقيبتي ونظرت لها كانت نظيفة ومرتبة وهناك صور على الحائط لمخططات هندسية وأدوات هندسية أيضا , كانت بسرير واسع ومكتب ومكتبة متوسطة الحجم مليئة بالكتب والمذكرات الهندسية والأوراق الملفوفة وكأنها مكتب مهندس وليس غرفة نوم
اقتربت من السرير ووضعت حقيبتي عليه وضحكت في نفسي ... من كان يتصور أن أدخل منزل الأستاذ نزار وأنام في غرفته , تُرى لو تعلم وجدان ماذا ستفعل ، لا أعلم لما دائما مخططاتها تنقلب ضدها
سمعت صوت معدتي تتحرك من الجوع فأمسكتها وابتسمت وحمدت الله أنه ليس هنا وسمعها
ماذا لو كانت قصة والدته غير حقيقية وذهب لجلبهم لي أو تسليمي لهم ؟ لا أعلم لما لا أثق به ! وكيف سأثق بأحد بعدما رأيت
ولكنه قال أن له صديق في الجنائية وتحدث مع تلك المرأة المسماة دعاء أمامي وأخبرته عن والدته
من تكون تلك يا ترى هل هي زوجته ! لكن أين تكون إذا وهو قال يعيش ووالدته فقط ، قد تكون خطيبته أو ....آه لا أعلم وما علاقتي أنا نزلت للأسفل حاملة معي كيس الطعام
دخلت المطبخ كان صغيرا ومرتبا وضعت الكيس على الطاولة وبحثت عن الأطباق وباقي الأدوات وفتحت الثلاجة وأخرجت العصير وجهزت الطعام على الطاولة وجلست أتناوله وقد عادت الهواجس والمخاوف تسيطر على عقلي وكل خوفي أن أكون سلمتهم نفسي بنفسي
*
*
فتحت باب غرفتها ببطء ودخلت وما أن وقع نظري عليها حتى ابتسمت وقلت " ظننتك نائمة !! كيف تشعرين الآن "
قالت بابتسامة صغيرة " بخير بني هل نمت وارتحت "
اقتربت منها وقبلت رأسها وقلت " لم يغمض لي جفن حتى الآن "
قالت بلوم " نزار لما تحب إتعابي على تعبي "
جلست على طرف السرير وأمسكت يدها وقبلتها وقلت " ولما تُتعبي نفسك فأنا بخير "
تنهدت وقالت " لو كنت أم ولك ابن لعلمت معنى ما أقول "
لذت بالصمت أنظر للأرض فقالت " نزار لما تركتك رهام "
نظرت لها مطولا بصدمة ثم قلت " أمي ما مناسبة هذا الموضوع الآن "
قالت بتعب " أجبني يا نزار هو سؤال خطر في بالي "
تنهدت وقلت " يمكنك السفر لها وسؤالها هذا السؤال فحتى أنا لا أملك جوابه ولا يعنيني "
قالت من فورها " ألم تتحدثا قبل تركها لك ؟ أصدقني القول بني وأَقسم قبل أن تتحدث "
قبلت يدها وقلت " أقسم أنها الحقيقة وأني لا أعرف السبب ولا أريد معرفته لأني خمنته دون أن تقول "
قالت " وما هو ؟! "
ابتسمت وقلت " يبدوا جابر أصابك بعدواه "
ابتسمت وقالت بحنان " أين هو لم يعد يزورنا هذا على أساس وعدني أن أتعرف على أبناءه "
قلت مبادلا لها الابتسامة " تجديه الآن يشد شعر رأسه منهم الأطفال ليسوا مسئولية سهلة خصوصا من غير زوجة ولا أم "
قالت ببرود " أمامه الزوجة والأم ولكنه يغمض عينيه "
ضحكت وقلت " يبدوا لي أنك وراءه وراءه حتى تزوجيه بها "
قالت بضيق " ولما لا ... هي ربتهم وتحبهم وتعودوا عليها وفتاة صغيرة فما المانع غير أنكم أنتم الرجال رؤوسكم كالصخر وأجبني بسرعة عن السؤال الذي تهربت من إجابته "
قلت بابتسامة " حسناً فقط لا تتضايقي من أجل صحتك أمي ، رهام تزوجت غيري من أجل المال والسلطة , وجدت بي فرصة لها وحين وجدت الأفضل مني تركتني "
قالت بضيق " لو كان أفضل منك ما طلقها "
نظرت لها بحيرة وقلت " وما يدريك أنه طلقها "
قالت بضيق " نزار هل مازلت تفكر بها "
ضحكت وقلت " لا طبعا فلما فسرتِ هذا التفسير "
قالت بذات ضيقها " ولما إذا سألت هذا السؤال "
قلت من فوري " أنا استغربت فقط كيف علمتِ وهي مسافرة من سنوات "
قالت بلامبالاة " علمت ولا يهم كيف , إنسا الموضوع ، هي لم تستحقك يوما بني "
قبلت يدها مجددا وقلت بابتسامة " وحدك تستحقينني أليس كذلك "
ضحكت ضحكة متعبة وقالت " بل بنات الكون ملايين وفيهم الكثير يستحقونك وليس أنا "
نظرت ليدها في يدي وقلت بهدوء " أمي ثمة فتاة نائمة الليلة في منزلنا "
طال صمتها فنظرت لها فكانت تنظر لي بصدمة فتابعت " هي يتيمة وتمر بظروف صعبة بل بمشاكل كبيرة وأنا وعدتها أن أساعدها قبل حتى أن أعلم قصتها "
قالت بصدمة " فتاة وفي منزلنا !! "
قلت " نعم هي الآن .... "
قاطعتني بضيق " نزار أين عقلك كيف تجلب فتاة لا تعرفها وقد تكون ورائها مصيبة وتلصقها بك وأضنك تفهم ما أقول "
قلت بجدية " لا أمي لا مصائب ورائها من النوع الذي في بالك ولكني لن أتخلى عن مساعدتها حتى أجد أقارب والدها أو والدتها وأسلمها لهم "
قالت بضيق " نزار تتوقف عن الجنون فورا وتعيد الفتاة من حيث جئت بها "
قلت بضيق مماثل " أمي الفتاة قتلوا والداها وشقيقها أمام عينيها ويطاردونها هي أيضا فهل أتركها وهي وثقت بمساعدتي لها "
قالت بحدة " وهل كل ما نسمعه نصدقه ؟ ماذا لو كانت لعبة منها وتجد نفسك غدا في قسم الشرطة بتهمة شرف أو تسرق المنزل وتهرب "
ضحكت وقلت " أمي من أين لك بكل هذه الأفكار يبدوا أن جابر أثر عليك بما يقوله أمامك "
تأففت ولم تتحدث فقلت بهدوء " قصتها حقيقية ومتأكد منها اطمئني "
ثم وقفت وقلت " الطبيب قال بإمكانك الخروج غدا , سآتي مبكرا لأخذك قبل ذهابي للمدرسة ولا تخبري أحد ولا حتى دعاء بقصة الفتاة لأني سأقول للجميع أنها قريبة لنا "
فتحت فمها لتتحدث فقلت " أمي اتركي كل شيء للغد حسناً "
تنهدت بضيق ولاذت بالصمت فقبلت رأسها وخرجت وعدت من فوري للمنزل , دخلت وكان هادئًا تماما فتوجهت من فوري لغرفتي حيث تكون سما , عليا إخبارها أني سأقول أنها قريبتي وأن لا تتحدث مع والدتي حتى أعود من المدرسة كي لا تقسوا عليها أمي بكلماتها وترحل
طرقت الباب عدة مرات ولا جواب , هل نامت يا ترى ؟!
طرقت الباب بقوة أكبر ولا شيء , فتحته ببطء ونظرت للسرير فكان فارغا , فتحت الباب بوسعه فلم تكن في الغرفة والحمام مفتوح فنزلت للأسفل ركضا وتوجهت للمطبخ ولم تكن هناك
ما كان عليا تركها وحدها كيف لم يخطر في بالي أن تُغير رأيها وتترك المنزل
*
*
وقفت أنظر له بغيض , ما الذي يريده هذا الرجل وها هو في كل مرة يتمادى أكثر من سابقتها
عملي ثم منزلي والآن يطلب القهوة وكأنه منزله أو مقهى
قلت بضيق" أود سؤالك فقط لو كانت شقيقتك أو إحدى ابنتيك مكاني هل كنت ترضى لهما ما يحدث الآن "
قال ببرود ونظره على التلفاز " هل يرضيك أن اجلب معي سيارات المباحث وأفراد مكتبي ونحدث شوشرة في الحي ، زيارتي لك في المصنع لم تعجبك فكيف تريدين أن أتحدث معك "
قلت من بين أسناني " هناك اختراع اسمه هاتف إن كنت لا تعلم "
رمى جهاز التحكم وقال " هذا أمر لا يكون التحدث فيه في الهاتف ولا تنسي أني في المرة الماضية حدثتك في الهاتف ولم نصل لنتيجة فأنتي الملامة الوحيدة فلا تلقي باللوم علي "
قلت بسخرية " يا سلام أصبح كل شيء الآن بسببي ما رأيك لو أزورك في مكتبك فكرة أفضل أليس كذلك "
قال بحدة " أرجوان انتهى النقاش في هذه النقطة "
نظرت له بصدمة كادت تخرج معها عيناي , يا عيني وأرجوان حاف هكذا , ما هذا الهمجي صدقت بيسان حين كانت تردد هذه. الكلمة على تصرفات إخوتها لأن البعض يستحقها
قلت ببرود " حاضر يا سيد جابر "
نظر لي مطولا بصمت فذكاءه كفيل بفهم مغزى كلامي أشاح بنظره عني للتلفاز وقال ببرود " رأسي يؤلمني فلم أشرب القهوة اليوم "
لا أعلم قالها ليتجاهل ما قلت أو ليذكرني أنه طلب القهوة سابقا أو ليوضح لي سبب قوله اسمي دون رسميات
تتفست بقوة بل بغيض ودخلت المطبخ وأعددت له كوبا من القهوة أتأفف كل حين , انظري ما ألتي إليه يا أرجوان رجل غريب في منزلك لا وتضيفينه أيضا , لا ينقص الآن إلا أن يدخل علي أحد الجيران وتكون نهايتي , لابد وأنه عاد ليقنعني مجددا بالتحدث معهم , هو ووالدته لن يرتاحا حتى يأتيان بأجلي
خرجت له بكوب القهوة ووضعته أمامه على الطاولة وقلت " في المرة القادمة اشرب قهوتك في منزلك "
ثم قلت مغادرة جهة السلالم " أغلق الباب حين تغادر "
وصلني صوته قائلا " سوف آخذك لزيارة الأطفال "
وقفت جامدة مكاني ثم التفتت ناحيته وكان ظهره لي يشرب القهوة فقلت بهدوء " ولما !! "
وضع الكوب على الطاولة وقال " عليك زيارتهم سريعا "
كل الأفكار حينها سافرت بي وأعادتني وتلتها مخاوفي فقلت بتوجس " هل أحدهم به مكروه هل ستتركون البلاد ؟! ماذا هناك "
وقف وقال " بيسان تراجعت للصفر في الرياضيات وأمجد بدأ مستواه يتراجع تدريجيا وترف تتعب الجميع
كل مخالفاتهم يتسترون بها على بعض ليحكوها لك ما أن يروك والمشاكل تتراكم في السر ولا تُعالج "
قلت بهدوء وأنا أنظر له معطيا ظهره لي " بيسان لا تفهم الرياضيات إلا بطريقة واحدة وقد تحدثت عنها في الورق
أمجد كان متفوقا دائما كيف تتراجع درجاته هكذا
أما ترف فما تزال صغيرة وتحتاج لوقت لتصبح كأخويها فبيسان في سن ترف كانت أسوء منها "
التفت ناحيتي وقال " المعلمة الخصوصية لبيسان حاولت وعجزت معها أريدك أن تُفهميها على الطريقة
وأمجد يُتعب المدرسين وينتقدهم وكأنهم طلبة لديه وأصبحت تصرفاته عدوانية في المدرسة
ترف تشتد عنادا يوما بعد يوم وتتعب المربية حتى في تدريسها , لم ألجا لك إلا لأني جربت كل الطرق ولم تنجح "
لذت بالصمت فقال " هم يُصرون على وجودك في العيد معهم فهي فرصة لنبحث سبيلا لحل مشاكلهم "
هززت رأسي بلا وقلت بعينان تمتلئ بالدموع " آسفة يا سيد , أن أحاول معك لحل مشاكلهم لا بأس لكن أن تقتلني وأنا ميتة لا , أنت لا تعلم ما أقاسي حتى الآن ولم أعتد على غيابهم
فأن تأخذني لهم لأيام ثم ترمي بي خارج منزلك وترجع بي لنقطة الصفر أبدا لن يحدث , سأذهب من أجلهم لكن أن أبقى لأيام لا وألف لا ... يكفيني عذاب أرجوك "
تنفس بقوة ثم قال " والحل , لقد تعبت معهم لا والدتي انصاعوا لها ولا أنا يعتبرونني والدهم , يعيشون عالم هم فيه لوحدهم وينتظرون أن تجتاحيه لتجبري كسوره, إن لم أكن خائفا على مصلحتهم ما أتيت "
لذت بالصمت فقال " لما لا نجري اتفاقا ... أنتي تعملي الآن لتوفري لقمة العيش لك لما لا تكوني في القصر عندنا بدلا من المدرسين والمربيات وتتقاضي راتبهم جميعا لكن بشرط كل شيء على نظام والدتي "
قلت ببرود " أعذرني لن أدوس النار بقدماي مجددا فهم في النهاية ليسوا لي وفي أي يوم ستطردونني أنت أو والدتك وأعود أسوء مما كنت "
قال بضيق " لا أخرج منك بنتيجة أبدا , تعلمين أن الأطفال متعلقين بك كثيرا وتستغلين ذلك يا آنسة "
قلت بضيق أكبر " لا يا أناني أنا أفكر بنفسي أيضا لأنها ستكون المتضرر الوحيد , ثم ما تعني بأني أستغل ذلك لما لا تتكلم بوضوح "
قال بحدة " أعني تضغطين علي لأرجعهم لك "
قلت بغضب " واهِم ، لن آخذهم من والدهم وهو أحق مني بهم وسيحميهم مما أعجز أنا عن حمايتهم منه , أقسم أني بقدر حزني عليهم سررت أن لهم أبا مثلك "
نظر لي نظرة غريبة في صمت , ويحي ما هذا الذي قلته كيف سيفهمه الآن , قلت بهدوء وخجل " أعني رجلا في مركزك سيحميهم وخصوصا الفتاتين "
غادر من أمامي ووقف بالمقربة من الباب وقال ونصف وجهه مقابل لي " أنتظرك في السيارة عند أول الشارع , أعلم أنك لن ترضي أن يكون لأحدهم مشكلة لديك حلها وتبخلي , سوف آخذك وسأعيدك متى أردتِ ذلك وعرضي ما يزال قائما "
قلت بهدوء " سأذهب ونرى حلا لذلك وأعود اليوم وعرضك لن أفكر فيه مطلقا , وابتعد بسيارتك قدر الإمكان أرجوك لا أريد مشاكل "
التفت إلي وقال " إن تكلم معك أحد بسوء أعطني اسمه فقط "
قلت بسخرية " لن أدخل المنازل لأسمع الأحاديث الخفية ولولا الأولاد ما قبلت بكل هذا ولو كان ثمنه موتي أو قتلتك "
ابتسم ابتسامة صغيرة وقال " لو لم أكن أعلم أنك من هذاالنوع ما دخلت منزلك في غيابك ولا أخذتك لأولادي ، سأنتظرك أمام باب منزلك ومن له لسان ليتحدث "
ثم خرج من المنزل وتركني أغلي كالبركان , يفعل ما في رأسه ولا يهتم مهما شرحت وقلت وأعدت
أخذت حقيبة يدي من على الأريكة حيث وضعتها عند دخولي وخرجت من المنزل
وكان كما قال أمام الباب بسيارته , نعم فهو لن يمس سمعته شيء ولما سيهتم بي وبما سيقال عني فلست أقرب له ولا اعنيه في شيء هذه نهايتك يا أرجوان وتركبين معه السيارة أيضا
تنهدت بضيق وأغلقت باب المنزل , سأعتبره سائق تكسي فكلاهما رجل ولم أفعل شيئا جديدا , ركبت السيارة في صمت وانطلق يتحدث بهاتفه طوال الطريق ويصرخ ويتأفف بغضب
مما مخلوق هذا الرجل لا يعرف حتى الابتسامة , منذ قليل في منزلي حين ابتسم تغيرت كل ملامحه وظهرت وسامته ، فلما يعشق أن يكون بشعا ومخيفا هكذا , أعان الله من ستتزوجه عليه ، بل علمت الآن من قتل حسناء بالبطيء
بعد مسافة لا بأس بها وصلنا للمدينة المجاورة للعاصمة ودخلناها وسار بعض المسافة ثم دخلنا شارعا بمنازل راقية جدا وبه قصر كبير على الطراز القديم في نهاية الخمسينيات , لا يشبههم تماما ولكنه يقرب أن يكون مثلهم, هل يسكن في هذا الحي يا ترى ؟؟
لا بد وأن بيسان ملتصقة بالنافذة طوال الوقت تشاهد هذا القصر فهذه الحقبة من الزمن جنونها الحقيقي ولكن المفاجأة أنه دخل بي لسور القصر ذاته !! هل هذا هوا منزله ؟!
كنت أنظر لكل شيء بدهشة ... ما كل هذا العالم الخيالي والخدم والحراس , صدقت سوسن حين قالت أنه من الجيد أن الأطفال لم ينسوني , هذا ونحن في الخارج ففي الداخل كيف سيكون !
وقفت السيارة عند باب القصر وفتح لنا الأبواب الحرس الشخصي أو لا أعلم ما يكونون , نزل من فوره ووقف ينتظرني فنزلت ببطء
وتوجه هوا للداخل يقول " اتبعيني يا آنسه وأنت يا علاء جهز لي السيارة الخاصة بعملي لأني سأعود هناك حالا "
دخلت أتبعه ... كل شيء في الداخل لا يقل فخامة عن الخارج كتلك القصور تماما
الخشب المحفور والأثاث وحتى اللمسات البسيطة , اللوحات وتوزيع الأثاث ونقوش الأعمدة والأقواس وأشكال الأبواب
غريب من هذا الذي ورثت منه بيسان هذا الهوس ! هل تكون هذه الصخرة أم والدته وقد يكون والده فهو لم يتحدث عنه ويبدوا ميتا
توجه بعدها ناحية السلالم الضخمة بل المخيفة أعمدته وكأنها جذوع أشجار عالية ... النقوش في خشبه العريض وكأنه سلالم لوحده
توجهت خلفه أصعد ببطء ووقع نظري على الثريا المعلقة في الجزء الموجود خلف السلالم , كانت وكأنها نجوم تتدلى من السماء
غريب هذا القصر يبدوا مزيجا بين الحاضر والماضي أي فنان هذا الذي صممه هكذا وفكر فيه بهذه الطريقة !
تجاوزنا الطابق الثاني وصعد بي للثالث , لا أعلم لما يكون قصرهم بكل هذه الفخامة ولا يوجد مصعد يوصلك للأعلى مباشرة أم يريد أن يتعبني , لكنه رغم ضخامته درجاته متقاربة ومريحة
وصلنا الطابق وتوجه بي لممر معين وما أن وصلناه حتى خرجت ترف تركض من إحدى الأبواب تبدوا هاربة من أحدهم وفي يدها شيء ما لم أستطع التأكد ما يكون لأن عيناي امتلأتا بالدموع ما أن رايتها
كانت تركض ونظرها للخلف وما أن رأتنا حتى رمت ما في يدها وصرخت بكل صوتها " ماماااااااااا "
وركضت مسرعة نحوي فنزلت جالسة على الأرض من خور قواي وارتمت هي في حضني تصرخ بفرح وتنادي أمجد الذي خرج يركض من الباب ذاته الذي خرجت منه وارتمى هو أيضا في حضني وتعلق في عنقي يبكي وما هي إلا لحظات وخرجت بيسان من باب آخر ترتدي فستانا من فساتين أحلامها الذي لم أستطع توفيره لها كما تريد
كان منفوشا وطويلا ومتدرجاً كفساتين الكونتيسات , ترتدي قبعته بباروكة الشعر وفي يدها مظلة ما أن رأتني حتى رمت المضلة وركضت لتقع القبعة خلفها
أصبحوا ثلاثتهم في حضني كالحلم الذي لم أتخيل أن يصبح حقيقة كالسنوات التي ضننت أنها رحلت ولن تعود , كنت أحضنهم بقوة وأبكي ... كم اشتقت لكم يا أبنائي وكم اشتاق لكم هذا الحضن وكم تعبت من فراقكم
بعدها همست لهم بصوت مبحوح من البكاء " حيوا والدكم بسرعة "
ابتعدا أمجد وبيسان عني وقالا معا " مرحبا بابا "
وبقت ترف متعلقة في حضني فقلت " ترف بسرعة تحركي "
ابتعدت عني ورفعت يداها له وقالت " مرحبا بابا "
رفعها من ذراعيها وقبل خدها وأعادها للأرض ويبدوا انها اعتادت على هذه الحركة منه ,
قال بعدها " سأغادر الآن لأمور ضرورية وسأعود وقت حضور المدرسين لا تتعبوا والدتكم مفهوم "
قالوا معا بمرح " مفهووووم "
ثم غادر على صدمتي من كلماته فلم أتوقع منه أن يبقى يعترف أمامهم أني والدتهم رغم أنهم هم ذاتهم يعلمون أني لم أكن أمهم ويضنونني شقيقتهم
سحبتني بيسان من يدي وهي تقول " تعالي ماما لتري غرفنا "
وقفت معها أسير ببطء ... نعم هم لم ينسوني لكن هذا العالم سينسيهم منزلنا ذاك بالتأكيد
دخلنا لغرفة فخمة بسريرين كانت واسعة جدا حتى أن السريران بالكاد يظهران فيها بها مكتب صغير للدراسة وخزانات كبيرة وأريكة طويلة وكراسي تجلس على أحدهم فتاة تبدوا في نهاية العشرين
وقفت وحيتني باحترام فأجبت تحيتها , لابد وأنها المربية لكن الغريب أنها لم تلحق بالأطفال وقت خروجهم هل هي ممنوعة من مغادرة الغرفة أم ماذا ؟!!
جلست على الأريكة وبدآتا ترف و بيسان بجلب كتب التلوين ومجلات الأطفال والحلي الصغيرة المناسبة لهم ويرونني إياها
فقلت بابتسامة وعيناي تمتلئ بالدموع " جميل كل شيء رائع هنا أليس كذلك "
هزوا رأسيهما بنعم وقال أمجد من فوره " لكن منزلنا هناك أجمل "
نظرت له باستغراب فقال " هنا كل شيء ممنوع هناك أفضل "
قالت بيسان " لا يسمحون لنا باللعب في الحديقة , جدتي تغضب إن ركضنا في غير ممر غرفنا ولا تريد أن ننزل السلالم بسرعة
أمجد تزحلق عليها فوبخته ولا تتركنا نأكل البطيخ وحبوب الرمان بأيدينا ولا أن ..... "
قاطعتها قائلة " بيسان لا يجوز أن تتحدثي عن جدتك هكذا "
قالت بدمعة محبوسة " هي لا تحبك ماما وتقول كلمات لا أفهمها "
قلت بضيق " بيسان لا تجعليني أغضب منك جدتكم تحبكم لا تغضبوها "
لاذوا بالصمت ثم قالت ترف " لا أحب المربية ماما "
نظرت لها حيث جالسة بعيدا فابتسمت وهزت رأسها وقالت " لم أعرف كيف أتصرف معها وأجعلها تتقبلني "
نظرت لترف وقلت بهدوء " ولما لا تحبينها بنيتي انظري لها جميلة وعيناها جميلتان وتحبك "
هزت رأسها بلا وقالت " هي لا تتركني ألعب في الحمام وأتوضأ كثيرا مثلك ولا تحب القصص والحكايات وتغضب مني دائما وتقول أني مُتعبة وتهددني وتخبر والدي عني فيغضب مني "
مددت يداي لها فنامت في حضني فحضنتها بقوة وقلت " إن لم تحبيها فيعني أنك لا تحبينني "
طوقت خصري بيداها الصغيرتان وقالت " لاا ، انا أحبك ماما "
قبلت رأسها وقلت " إذا لا تتعبيها حبيبتي وستحكي لك القصص وتتركك تتوضئي كما تريدين "
ابتعدت عني وقالت بمرح " إذا أحبها وعليها أيضا أن لا تمسك
لي شعري بالمشابك لا أحبهم وتلعب معي لعبة الأصابع مثلك ولا أريد أن تمسكني وأنا أشاهد من الشرفة و.... "
واشتغلت كالمذيعة دون توقف , نظرتُ انا للمربية فهزت رأسها بقلة حيلة وقالت " ليس الأمر بيدي أوامر السيدة الكبيرة كثيرة وصارمة وهم لم يستوعبوها "
لذت بالصمت فقالت " انفصال الوالدان يتعب الأبناء دائما "
قلت بابتسامة " لست والدتهم ولا انفصال بيننا "
قالت بإحراج " آسفة ظننتك والدتهم "
رن بعدها هاتفها فأجابت عليه ثم وقفت وقالت " السيد سمح لي بالمغادرة اليوم لقد سررت بمعرفتك "
قلت بابتسامة " وأنا كذلك شكرا لك "
وما أن خرجت حتى قالت ترف " ماما امجد يضربني ولا يعطيني ورقة من كشكوله "
نظرت لأمجد وقلت " أمجد ألم نقل انك رجل وهي صغيرة "
قال بتذمر " لديها كتب تلوين كثيرة أحضرها بابا لها وحدها لما تأخذ مني "
قلت بجدية " عليك إعطائها إياها "
ثم نظرت لترف وقلت " سأخبر والدك يأخذ كتب التلوين لأنك لا تحتاجينها "
قالت باعتراض " لا .... أنا أريدها "
قلت " لا .... ستأخذين من كراسة أمجد وتلك لم تعد لك "
قالت بعبوس " لا ماما "
قلت " إذا "
قالت بحزن " لا أريد ورق كراسته "
ثم نظرتْ جهة أمجد وقالت " أمجد يسهر على التلفاز ماما "
نظرت له بضيق فقال من فوره " لا ماما هي مرتان فقط ووبخني والدي ولم أعدها "
فنظر لبيسان وقال " هي تقول عنا همجيين وتأكل الشيكولاتة كثيرا وكسرت علبة التلوين الخاصة بي و.. "
قاطعته بيسان قائلة " أنت رميتني بها وقلت للمربية أني من كسرها من تلقاء نفسي , أنا رميتها عليك وارتطمت بالحائط و... "
قلت بضيق " ولما تتركون كل هذا لتخبروني به ولا تخبروا والدكم "
لاذوا بالصمت فقلت " بعض المشاكل تافهة المربية تتصرف فيها أما الأمور الكبيرة تخبروا والدكم عنها فأنا لن أكون هنا دائما تفهموا "
قال أمجد "والدي دائما غير موجود لا نراه أبدا إلا لوقت قليل جدا "
قالت بيسان " نعم هو لا يجلس معنا "
قلت " هذا لأنه مشغول دائما ليوفر لكم كل هذه الأشياء الجميلة التي لديكم , هو يسهر ويتعب هل تضنونه يحب التعب هذا من أجلكم لأنه يحبكم "
قالت ترف " ماما لما لا تبقي معنا "
قلت بهدوء " لا أستطيع حبيبتي لا يمكن هذا منزلكم وليس منزلي "
قالت بيسان " إذا نذهب معك "
قالا أمجد وترف معا " نعم "
قلت بحدة " بيسان لا تكرري هذا ولا أسمعه من أي منكم ولا تعيدوه خصوصا لوالدكم تفهموا "
ثم قلت بحزم " إن علمت أنكم قلتم هذا لأحد لن آتي إليكم أبدا " لاذوا بالصمت وقالت بيسان " آسفة ماما "
قلت بلوم " والدكم يحبكم ويريدكم لو سمع هذا سيغضب "
قال أمجد بهدوء " ونحن نحبه أيضا ولكننا نريدك معنا "
تنهدت بيأس فيبدوا لن نجتاز هذه النقطة أبدا , ثم فتحت ذراعاي لهم وقلت بحب " لما لا نترك المشاكل تعالوا لحظني لعلي أشبع منكم "
بقوا قليلا في حضني يتحدثون عن كل شيء حتى رن جرس في الغرفة فوقفوا وقالوا " الغداء "
نظرت لهم بحيرة وقلت " هل ينادونكم بالجرس هكذا "
هزوا رؤوسهم بنعم فنظرت للساعة في الحائط , يبدوا أنهم يتناولونه متأخرا ! قلت " مع من تتناولون الغداء دائما "
قالت بيسان " مع جدتي وبابا وعمي معتصم أحيانا "
ابتسمت وقلت " لكم عم "
قالت ترف " نعم وهو يحبنا ويحضر لنا الهدايا "
قالت بيسان وهي تلف بيديها " ويطيرني هكذا ويقول لي كونتيسة ويقبل يدي مثلهم "
ابتسمت بعفوية فيبدوا في هذه العائلة طفرة وراثية , واحد لا يشبه شقيقه ووالدته
قلت " ومن لديكم هنا أيضا "
قال أمجد " عمتي زهور لكننا لم نراها "
غريب كل هذه الفترة ولم يروها هل هي مريضة !!
قالت بيسان " يبدوا لا تظهر إلا في الليل هي شبح ماما "
قلت بهدوء " وهل هذا جيد بيسان كيف تقولي عنها شبح "
قالت بحيرة " ولما هل هم سيئين "
قلت بجدية " نعم ولا يقولون عن شيء أنه شبح إلا سيء "
قالت " حسنا لن أقولها "
قلت بابتسامة " بسرعة انزلوا للأسفل لتتناولوا الغداء "
قال أمجد " وأنتي ألن تنزلي معنا "
فتحت فمي لأتحدث على صوت طرقات على الباب ثم فتحته امرأة يبدوا أنها الخادمة وقالت " آنسة السيد يطلب نزولكم جميعا للغداء "
آه من هذا السيد الذي أوامره لا تنتهي , وقفت وقلت " حسنا "
نزلت معهم وصلنا لطاولة طويلة تجلس في رأسها سيدة يبدوا عليها الشموخ والتعالي وكأنها جبل , مؤكد هي كذلك فمن ستنجب هذا الصخرة غير واحدة مثلها
كان جابر يجلس في الكرسي المجاور لها وهناك ثلاث خادمات يقفن بعيدا وما أن اقترب الأولاد حتى اقتربت إحداهن
فقالت ترف " أجلس بجوار ماما "
رفعتها الخادمة ووضعتها على الكرسي واقتربت أنا أكثر
وألقيت التحية وقلت " سرني التعرف عليك سيدتي "
قالت ببرود دون أن تنظر إلي " شكرا "
يا إلهي ما هذه الجليدية ؟ سحبت الكرسي بجوار ترف وجلست فتوجهت بيسان للكرسي بجانبي
فقالت ترف " كرسيك هناك أنا فقط بجانب ماما "
تحدثت حينها جدتهم بحدة " فوضى ككل يوم وها هي تزداد "
ما الذي تقصده هذه المتعجرفة هل أنا ربيتهم على الفوضى وأزيدها بوجودي , تكلم حينها والدهم قائلا " بيسان لكرسيك فورا "
توجهت للكرسي المجاور لأمجد الذي يفصلها عنه وجلست حزينة وبدأ الجميع بتناول الطعام في صمت تام
ما هذا النظام المتجبر ! ما في الأمر إن جلست بيسان بجواري , ترف أخطأت
وهذه خصلة سيئة فيها لم أستطع تغييرها لكن ما ذنب بيسان ولما لم تترك الأمر لي كنت سأحل المشكلة بطريقتي ككل حياتهم معي
نظرت جهة ترف وقلت " عليك أن تتخلصي من أنانيتك يا ترف ما في الأمر إن جلست بيسان هنا لقد أغضبتِ جدتك "
قالت بهدوء " آسفة ماما "
قالت جدتهم بسخرية " جيد تعرفون عبارات الأسف "
نظرت لها بصدمة وهي على حالها تنظر لطبقها ... أعانكم الله يا أبنائي على كل هذا هل تريد أن تعقدهم أم ماذا
قد تكون تتعمد هذا فقط بسبب وجودي , وهذا التمثال أين لسانه ؟ نصف قوتها تستمدها منه وهولا يتكلم معها أبدا
عدت للصمت دون تعليق فقالت بيسان " ماما ترف لم تأكل الخضار هنا أبدا ألم تقولي أنه علينا أكلها لنكبر بسرعة "
نظرت لها فقالت " لا أحبها ماما وهم لا يصنعون طائرات من الجزر مثلك ويغمسون رأسها في الشكلاته لأطيرها وأكلها "
آه لابد وان ترميني هذه العجوز بقدمها خارج القصر
ابتسمت وقلت " سنصنعها معا فيما بعد بنيتي "
قالت بمرح " حسنا "
قالت جدتهم ببرود " كم مرة قلت كثرة الكلام على الطعام عادة سيئة "
ثم وقفت وقالت مغادرة " جابر عليكما أن تتحدثا في حل مشاكل بعض السلوكيات وليس الدروس فقط "
ثم غادرت مبتعدة وهو لم يتحدث بحرف وكأن الأمر لا يعنيه
رن حينها هاتفه فأجاب عليه وقالت ترف هامسة لي " لما بابا يتحدث على الطعام ؟ جيد أن جدتي ليست هنا لوبخته "
لم استطع إمساك ضحكتي وقلت بهمس " ترف كلي في صمت "
خبئت فمها بيدها الصغيرة بضحكة صامتة فنظرت لوالدها فكان ينظر لنا , لابد وأنه يعتقد أننا نضحك عليه أو على والدته وهذه نهايتك يا أرجوان
وقف حينها وقال " سيصل المدرسون بعد ساعة "
ثم غادر في صمت فنظرت لهم وقلت " هل انتهيتم "
قالوا معا " نعم "
قلت بابتسامة " وماذا نقول "
قالوا " الحمد لله "
وقفت ووقفوا معي وأنزلت ترف وصعدنا لغرفتهم
*
*
توجهت لمكتبي جلست وشغلت حاسوبي المحمول فلم أفوّت اليوم شيء مما يجري في غرفتيهما لأني الفترة الماضية زودت الغرف بكميرات مراقبة كي لا يفوتني شيء مما يجري وخصوصا المربيات
تبادر لذهني الشك للحظات أنها ستستغل تعلقهم بها وتَقلبهم علينا لكنها خانت تلك الظنون
ركزت الكميرة عليهم حيث استقروا على أحد أسِرتهم وجلسوا جميعهم , رفعت بيسان القبعة والمضلة وقالت " انظري ماما أحضره لي عمي معتصم "
ثم قالت بعبوس " لكن بابا قال لا تلبسيه في العيد بل في غرفتك فقط "
قالت أرجوان " وعندما يقول بابا لا يعني لا "
قالت بتذمر " لماذا "
قالت ببعض الضيق " بيسان حبيبتي عمك لم يحضره إلا لأن والدك موافق , إن خالفته لن يتركه يحضر لك غيره "
قالت بهدوء " حقاً ؟ "
قالت أرجوان " نعم لا تخالفوا والدكم ولا تغضبوه سيغضب الله منكم "
بعد ذلك نزعت أرجوان حجابها ونزل شعرها الأسود بانسياب يغطي ظهرها كشلال حريري
فوقفت ترف على السرير تمسده لها بيديها وقالت " ماما هيا نمشطه لك كما كنا نفعل "
جمعته للأمام وقالت " لا ترف هذا ليس منزلنا وقد يأتي والدك في أي وقت , أنا شعرت برقبتي تؤلمني من الحرارة بسببه فقط وسأعيد حجابي بعد قليل , هذا ليس وقت التسريح "
قالت ترف بعفوية " حسنا وإن رآه والدي ها نحن نراه "
كتمت ابتسامتي وأنا أراقبهم , يالا سذاجة الأطفال كيف ستشرح لهم الآن
قالت أرجوان " أنتم صغار أما والدكم كبير لا يجوز "
قالت بيسان " ولكنه يرى شعري "
ضحكتْ وانطلقت ضحكتي معها ثم قالت " وأنا والدي كان يرى شعري "
قالت ترف " ولما والدي لا "
قالت بهدوء " أنتم صغار حين تكبرون ستفهمون لما لا يرى الرجال شعرنا ماعدا رجال محددين "
بقيتا تنظران لها باستغراب فقال أمجد " يا غبيتان لا يراه سوى الأطفال والنساء وزوجها ووالدي ليس زوجها "
قالت أرجوان بحدة " أمجد كم مرة أقول هذه الأمور لا تتحدث عنها خصوصا أمام شقيقتاك , أنت كبير وتفهم هما لا "
قال بهدوء " آسف ماما لكن معلمة التربية الإسلامية قالت لنا هذا "
تنفست بقوة ولمت شعرها وأعادت حجابها وقالت " لن تروه أنتم أيضا "
قالت ترف بضيق " هل ارتحت الآن ، لن نراه حتى تصبح ماما عجوز وتموت "
وقد عادت أرجوان للضحك مجددا , لا أعلم كيف جعلتهم يعتذرون من أي شيء يضايقها واستطاعت حل أي مشكلة تحدث أمامها بسرعة , أنا حين اشتكت لي ترف من أن أمجد ضربها ولم يعطيها الورقة أسكتهما وتركت المشكلة مُعلقة وهي وجدت لها حلا في ثواني
هل هي كثرة احتكاكها بهم أم حبها لهم يجعلها تخرج بالحلول من تحت الأرض
ومر الوقت بعدها تتحدث وأمجد ولا أسمع شيئا لأن الفتاتان تقفزان على السرير وتغنيان ولم تنهاهما طبعا كالمربية التي تكبلها الأوامر
بعد وقت نظرت لهما وقالت " ترف بيسان يكفي ستقعان أرضا قفزتما بما فيه الكفاية "
توقفت بيسان ونزلت من السرير وترف العنيدة طبعا وكأن الكلام لا يعنيها فقالت أرجوان ببرود " ترف لا حلوى اليوم ولا لعبة أصابع ولا حـ.... "
توقفت وقالت بصراخ " ها قد توقفت ماما لا تتابعي "
قالت بهدوء " جيد تداركتِ الأمر ولم تخسري غير اللعبة والحلوى, عنادك يزعج الجميع ترف هل تعلمي بهذا "
قالت بعبوس " أنا لست سيئة كلكم لا تحبونني "
فتحت ذراعاها لها وقالت " بل أنا أحبك أكثر من كل شيء إلا أمجد و بيسان "
قفزت في حضنها وقالت " وأنا أحبك أكثر من أمجد "
ضحكت وقالت " لو أعلم ما عقدتك من أمجد "
ثم نظرت جهة أمجد وقالت " ولحسن حضك امجد بعقل كبير ورجل رائع يستحملك دائماً "
ابتسم أمجد وقال " هل تحبينني كثيرا "
مسحت بيدها على وجهه وقالت " لا تتصور كم يكون ذلك بني "
بهذا إذا تكسب قلب أمجد بالتشجيع والرفع من معنوياته
قالت بيسان " ماما لما تبكي "
طرق أحدهم باب مكتبي فأوقفت الصوت وابتعدت عن الحاسوب وقلت " تفضل "
دخلت الخادمة وقالت " المدرسان وصلا سيدي "
نظرت للساعة في يدي , هل مر الوقت بسرعة هكذا !!
قلت " اتركيهما يدخلان "
دخلا بعد قليل وقفا أمامي فقلت " الفتاة التي كانت تدرس الأطفال هنا اليوم وستتعلمون منها طرق تدريسها حسنا "
قالا معا " حسنا "
وقفت وقلت " آنسة وجد ستأخذك الخادمة للمكان المخصص بتدريسهم دائما وأنت أستاذ ربيع ستأخذك لغرفة الضيوف حتى تنتهي الآنسة لأني أريد حضور دروس اليوم معكم لأعرف أين المشكلة "
قال من فوره " كما تأمر سيدي " ثم ناديت الخادمة الواقفة في الخارج وسارا معها
وصعدتْ لهم إحدى الخادمات لتخبرهم وينزلا , بعد قليل توجهت لغرفة الدروس كانت غرفة بطاولة طويلة وكراسي كانت سابقا غرفة طعام واستبدلتها بأخرى
فتحت الباب ودخلت فكانت المعلمة تجلس بجانب أرجوان و بيسان بجانبها توجهت نحوهم وجلست مبتعدا عنهم بعض الشيء
أمسكت أرجوان الكتاب وقالت " لنرى ما هوا الدرس الأول لك معها لأن كل الدروس مرتبطة ببعضها "
قالت وجد " جمع الكسور "
فتحت ارجوان كشكولها وأمسكت القلم وقالت " بيسان ماذا قلنا عن تقسيم الجيش قبل الخروج من القلعة "
قالت من فورها " كل صفوف متشابهة مع بعضها ويترأسها واحد "
قالت " جيد .... وكما قلنا سابقا عن طريقة خروجهم "
قالت " المتشابه مع بعضه "
قالت " ممتاز ... إن خرجَت كهذه مجموعة من أربع جنود
يترأسها واحد وأخرى من أربع يترأسها واحد ، كم يكون مجموعهم في الحرب "
قالت من فورها " اثنان على أربعة كل اثنان يقاتلان بالتبادل ورؤسائهم يقاتلون جميعا "
قالت " رائع هكذا جمعنا الكسر المتشابه أليس كذلك "
قالت " نعم هكذا سهل جدا "
وأعطتها بعدها أمثلة أخرى ثم قالت " والآن سيستدعون الاحتياط وأولئك ليسوا متشابهين "
قالت بيسان ناظرة لها بصدمة " ولما !! هل سيخسرون الحرب وهل سيموت الإمبراطور "
قالت بابتسامة " لا حبيبتي سنحاول جهدنا حسنا "
هزت رأسها بحسنا فقالت أرجوان وهي تكتب في الكراس
" مجموعة من ست جنود وحارسان وأخرى ثلاث جنود وحارس أنظري كيف سنفعل ليكونوا متشابهين ويهزموا العدو , هنا ست جنود وهنا ثلاثة كم يلزمهم ليصبحوا كهؤلاء "
قالت من فورها " ثلاثة "
قالت " جيد ولكن لا جمع فيهم ما الذي سنفعله , نريد كيف نطعمهم ليزيدوا كما تعلمنا السنة الماضية "
قالت بيسان من فورها " اثنان يطعمونهم يصبحون ستة "
قالت أرجوان " ممتاز يعني يطعموهم اثنان بالشوكة والسكين " وكتبت لها علامة الضرب ثم قالت " ولكن الحارسان سيأكلان أيضا " واستمرت معها هكذا حتى انتهت من درس الكسور بجمعها وطرحها
بيسان مثل أمجد تم رفعها سنة فوق سنها فمن المفترض أنها في الثانية لكنها الآن في الثالثة الابتدائية ، وكانت ستخسر هذه السنة وكل التي تليها بالتأكيد...
نظرت بعدها أرجوان للمعلمة وقالت " الأمر سهل إن اعتدتِ عليه "
هزت رأسها وقالت " مستحيل هناك أساسيات لكم لا أعلمها ولكي أصدقك القول لم أفهم مما قلتما شيئا وكأني أشاهد لغزا هذا صعب ولا يمكن لغيرك شرحه لها سأحتاج لجامعة تدرسه لي من جديد "
قلت حينها بضيق " وهل احتاجت الآنسة أرجوان لجامعة ؟ هي الرغبة فقط "
وقفت وقالت " أعذرني وابحث عن غيري عن إذنكم "
ثم خرجت من فورها فتأففت وقلت " بيسان اصعدي لغرفتك وأخبري أمجد أن ينزل حالا وأخبري الخادمة ترافق مدرسه إلى هنا "
وقفت وقالت " حسناً "
ثم غادرت وأغلقت الباب خلفها ولم يبقى غيري وأرجوان التي كانت تجمع الأوراق والكتب ثم قالت بهدوء ونظرها عليهم " تحتاج بعض الوقت لتستوعب ، الطريقة ليست صعبة لكنها تحتاج وقتا "
قلت بضيق " لو كانت ابنتها لاخترعت أفضل منها ولم تتركها ترسب ولكنهم لا يهتمون سوى بالرواتب "
لاذت بالصمت ولم تعلق على كلامي ودخل حينها أمجد يتبعه معلمه وأعتقد أن هذه الجلسة ستفشل كتلك
اقتربا فوقفت أرجوان مبتعدة وجلسا هما الاثنان وقلت " أمجد ما مشكلتك مع الفهم "
قال أمجد من فوره " طريقته مختلفة ولا يريد أن أتعلم غيرها وفي الامتحانات أربكتني ولم أستطع الإجابة عن شيء "
قالت أرجوان " أنا وكما تعلم لم أنهي دراستي بعد الثانوية وتخصصي كان أدبي والمناهج تغيرت السنتين الماضيتين وازدادت تعقيدا لذلك أتخذ أساليب سهلة لتعليمه مما درسته في كتب تعليم الطالب "
قال ربيع " ولكن تلك الكتب لا تتماشى مع طرق دراستنا إنها أسلوب مختلف "
قالت أرجوان " ولكنه صحيح وسهل ولا علاقة له بالمسألة هو في خطوات الحل فقط وتكون في ذهن الطالب أثناء الحل فقط ثم هو في السنة الرابعة الابتدائية وليس في الثانوية "
قال بهدوء " سأحاول الإطلاع عليها بنفسي وأرى رغم أن الأمر سيكون صعبا لكني سأحاول "
وقفت حينها وقلت " يمكنك المغادرة الآن "
وقف ورفع كتابه وغادر فقلت " أمجد عد لغرفتك "
خرج من فوره فقلت " يمكنك البقاء حتى الليل سأذهب وأعود مساءً وأرجعك لمنزلك وإن كنتِ تريدين الذهاب معي الآن فلا بأس "
قالت بهدوء " المساء أفضل سأشرح لبيسان المزيد من الدروس "
وغادرت حينها في صمت وخرجت من القصر ومن المدينة للمركز
*
*
كنت جالسة على السرير وأصابعي تلعب على ضفاف تلك الصفحات أقرأ البقية المتبقية من الكتاب
( القصاصة الخامسة ـ على أعتاب الخريف )
( عند تلك الطاولة الدائرية بأغطية بنفسجية اللون ومزهرية وزهرة بنفسجية وحكاية من بنفسج وقصيدة في جريدة ملقاة على تلك الطاولة , هل تعلمين أين أنتي هناك ؟
أنتي الزهرة والغطاء أنتي البنفسج في الحكاية أنتي الخيال والطائر الحزين الذي يغني على تلك الشجرة فوق تلك الجريدة
لكنك لستِ القصيدة أتعلمين لما !! لأنها ليست بحبر بنفسجي اللون وأتعلمين أنا أين أكون ؟
أنا المزهرية لتلك الزهرة أنا الطاولة لذاك الغطاء وأنا حكاية البنفسج وطبعا لست الورقة الصفراء التي سقطت على تلك الجريدة أتعلمين لما !! لأنك لستِ تلك القصيدة , إذاً أنا الغصن حيث يقف ذاك العصفور )
سمعت حينها طرقات على الباب فقلت بهدوء " تفضل "
دخلت الخادمة وقالت " سيدة زهور هناك طرد بريدي وصلك "
نظرت لها باستغراب وقلت " وصلني أنا ؟! "
قالت من فورها " بعم "
قلت باختصار " ضعيه هناك "
وضعته على الطاولة وقالت " السيدة الكبيرة قالت أسألك إنـ "
قاطعتها ببرود " سأتناوله في غرفتي كم مرة سأقولها وأغلقي الباب خلفك "
قالت من فورها " حاضر سيدتي كما تريدين "
ثم خرجت وأغلقت الباب , بعد وقت غادرت السرير وتوجهت للطرد , كان شيئا مغلفا وكأنه علبة مسطحة بلا طوابع بريدية ولا عنوان , أي طرد هذا !! , أزلت الغلاف من عليه فكانت علبة بنفسجية فتحتها برفع غطائها فكان فيها كتاب وزهرة بنفسجية من النوع المفضل لي , رفعت الزهرة ثم الكتاب فكان كتاب ( قصاصات من ألم ) للكاتب ( رضا أسعد الحارث )
وبطاقة داخل الصندوق رفعتها فكان مكتوب فيها ( لا تمزقيني مع كتاباتي يا زهور ليس من العدل قتل قلب كاتب يعشق بجنون )
رميت البطاقة والزهرة وحتى الكتاب في الصندوق وعدت لسريري , كاذب ... أنا لم أعدك بشيء يوما كنا أطفال نعبث ونلعب , كنت تقوم بتهريبي من نافذة غرفتي كي لا تراني والدتي ونلعب في الخارج , تحضر لي الأشياء الممنوعة عني والتي أحبها , تغني لي كثيرا رغم أني لا افهم كلمات أغانيك كنت معتادة عليك وكنت تعبث ...
أجل عبثت كثيرا حتى دمرت كل شيء لكنك لست عاشق ولم أعدك أنا بشيء مررت حينها أصابعي على الجرح القديم في عنقي وعاد الألم لقلبي المكسور , أنت تعي يا رضا أي أذى سببته لي في زواجي بذاك لكنك لا تعلم حجم الألم في داخلي من تسترك عن أمر كذلك الأمر , لقد شوهتني من الداخل يا رضا ... لقد دمرتني
*
*
مر بي الوقت من مركز الشرطة لمكتبي للمصنع الذي تتكرر فيه الجرائم الغامضة حتى سرقني الليل وسرقت منه الكثير
رن هاتفي نظرت للمتصل ثم أجبت قائلا " نعم يا نزار "
قال من فوره " أريد مقابلتك سريعا "
قلت بتوجس " لما ما الذي حدث معك هل والدتك بخير "
قال " تعبت اليوم لكنها أفضل وستخرج غدا من المستشفى أريدك في أمر مختلف وشيء آخر والدتي تسال عنك وعن وعدك بإحضار أطفالك لها "
قلت من فوري " سنزورها خلال أيام العيد , أخبرني أنت ما بك "
قال على عجالة " نتقابل في أسرع وقت ماذا قلت "
قلت " أنا الآن منهمك وأكاد أنام واقفا وورائي مشوار للقصر وعودة هنا ثم عودة هناك , غدا نتقابل حسنا "
قال من فوره " حسننا وباكرا اتفقنا "
قلت بابتسامة " لا أعدك بذلك ولكن سأحاول , تصبح على خير "
أغلقت الخط منه وركبت سيارتي وعدت من فوري للقصر ودخلت مسرعا فعليا أخذها والعودة , كم أنا منهك ولا تدري عني لرحمتني ونامت هنا, وصلت غرفة الفتاتين وطرقت الباب عدة طرقات ولم يجب أحد ففتحته ولم يكن في الغرفة أحد , غريب أين يكونون !!
لو لم يكن القصر محاطا بالحراسة المشددة لقلت أنها كررت فعلة حسناء , توجهت لغرفة امجد وطرقت الباب وأيضا لا مجيب ففتحته ببطء فكانوا ينامون جميعهم معها على ذات السرير ...
ترف وبيسان في حضنها وامجد نائم فوقهم شبه بالعرض , ابتسمت على منظرهم
وبقيت واقفا مكاني لوقت حتى سمعت صوت والدتي من خلفي قائلة " يبدوا أنك تفكر في مشروع زواج "
أغلقت الباب بهدوء ونظرت لها وقلت بصوت منخفض " لا أعلم "
ثم هممت بالمغادرة جهة جناحي حين استوقفني صوتها قائلة " أخبرتك سابقا عن ابنة راضية فما يميز هذه عن تلك "
التفتت لها وقلت " أمي أنا إن تزوجت فمن أجل أبنائي ابنة راضية غيرها لا يهم وهذه لديها سبب يرجحها "
نظرت لي نظرة أفهمها جيدا فقلت " لا شيء مما في راسك "
قالت مغادرة " أتمنى ذلك لأن الرجل إن ابتلي بعشق امرأة تحول لأرجوحة في يدها "
تنهدت بضيق ولحقتها لجناحها تحدثنا قليلا ثم توجهت لجناحي استحممت ونمت فورا
*
*
استيقظت مبكرا وغادرت غرفة الأطفال ونزلت للأسفل وسألت إحدى الخادمات عنه فقالت لم ينزل من جناحه بعد
فجلست انتظر حتى مر بجواري فوقفت وقلت " سيد جابر "
التفت لي في صمت فقلت " هلا أعدتني لمنزلي من فضلك "
سكت لوقت ثم قال " أمازلتِ مصرة على رفض عرضي لك "
قلت بهدوء " نعم وأسبابي وحدي أفهمها , يمكنني تقديم المساعدة من أجلهم في أي شيء وغير ذلك لا أستطيع , يمكنك التعاقد مع معلمة جديدة لبيسان وتأتيني يوميا لأعلمها طريقتنا ومعلم أمجد وعدك أنه سيحاول مع الكتاب المساعد للطالب "
قال مغادرا جهة الباب " اتبعيني للسيارة "
سرت خلفه أردد بهمس " ياله من متحجر ومغرور حتى أنه لم يشكرني أو يعتذر لأنه لم يأتي مساء أمس ليأخذني لمنزلي "
وخيرا فعل فهكذا أفضل لي ولهم أن أذهب وهم نيام , ركب السيارة وركبت أنا أيضا وانطلقنا من فورنا خارجين من القصر
كان لا شيء طوال الطريق إلا الصمت وهاتفه كان يضيء طوال الوقت وهو لا يجيب عليه , عندما اقتربنا من المنزل قال " خلال هذا الأسبوع سنكتب كتابنا "
ثم رفع هاتفه وأجاب على المتصل وكأن شيء لم يكن

*❀يتـــ⇓⇓⇓ــبــــــ؏❀*
➖➖➖➖➖➖➖➖

☆☆☆☆☆☆

أوجاع ما بعد العاصفةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن