30 |الأب والابنة|

5.3K 601 611
                                    

كنتُ أضمها إليّ حتى يصدق جسدي الغاضب أنها هنا مجدداً، ولكني شعرتُ بارتعاشها، شعرتُ أن قدميها ترتجفان، وماعادان قادران على حملها، مما دفعني لأفعل، حملتُها ووضعتُها على السرير وجلستُ مقابلاً لها على الأرض لأسأل أخيراً "هل أنتِ بخير؟" 

"أجل.." قالتها وهي تنظر بعيداً عني، كانت تكذب، على الأقل هي لم تعد كذلك بعد ما فعلتُه للتو. 

"ما بكِ؟" أمسكتُ بيدها التي ترتجف بلا توقف، فتحركت من مكانها مبتعدةً عني وفتحت الدرج المجاور للسرير تعبث بالأغراض وتخرب ترتيبه ثم نظرت نحوي بأعينٍ تجاهد لتخفي الدموع بداخلها. 

"أريد دوائي." 

لم أعلم أين كان بالضبط، ولكني أعرف أن هناك علبة احتياطية في حقيبة حاسبي المحمول لذا جلبتُها لها وحسب وسكبتُ كأس ماء لم تستطع حتى حمله بتلك الأيدي المرتجفة فساعدتُها على ذلك، نظرت نحوي مجدداً وبدت ممتنة ولكني لم أستطع أن أبتسم حتى. 

"هل أنتِ بخير؟" سألتُ وأنا أمسك يدها، أحاول ألا أريها جانباً آخراً مني، جانباً أسوأ من ذلك الذي رأته للتو، جانبي الغاضب الذي كاد يقتل ديان.. من الجيد أنها لم تره مطلقاً. 

"اهدأي.. أنتِ هنا الآن!" 

كنتُ قد قررتُ تأجيل كل التأنبيات التي راودت ذهني لأن حالتها لم تكن بخير، تقريباً.. هي كانت دوماً سيئةً بالتعامل مع المواقف الانفعالية، لكني رأيتُها هكذا لمرة واحدة وحسب، كان ذلك منذ عشر سنوات، حين تقربتُ منها لأول مرة لأن أحدهم كان يهددها.. أنقذتُها ورفضتُ أخذها للمستشفى وإنما جلبتُها لمنزلي، وسمعتُ أنفاسها الهادئة القريبة مني طوال الليل لأول مرة لأني لم أستطع أن أبرح جانبها. 

رغم أن هذه الحادثة هي ما جعلتني نعرف بعضنا تقريباً، لكني تمنيتُ لو أنها لم تحدث مطلقاً، لأن آفيلين وقتها كانت منهارةً بطريقةٍ لم أستطع التصرف بها، لأني كنتُ خائفاً جداً عليها، ولم أرد أن تعاد هذه التصرفات والمشاعر أمامي. 

"اهدأي.. اهدأي.. أنتِ هنا الآن!" أخبرتُها وأنا أشد على يدها لتحرك رأسها إيجاباً وبعض الدموع تسقط على وجهها قبل أن تقول بتشتت "كنت خائفة."

"أجل.. حريٌ بكِ أن تكوني."

"مارتينوس.." صاحب بحدة، وتساءلتُ إن كان الوقت المناسب لأخبرها بما في ذهني، ولكني قررتُ تأجيل ذلك، لن أتوقف عن الكلام لو بدأتُ الآن.

نهضتُ من مكاني ومشيتُ بعيداً عنها وأنا أقول "سأجهز لكِ الحمام، خذي حماماً بارداً والحقيني، سأكون في غرفة روي."

همهمت إيجاباً وهي ترفع قدميها تحتضن نفسها، لم تكن بحالةٍ خطرةٍ لذا تركتها، رغم أنني في العادة لا أتركها حين تكون أقل من هكذا بكثير حتى.

هي لم تفهم كيف أثر تصرفها علي وعلى أطفالنا، هي لم تفهم كم آلمنا ذلك، وكم أن حياتنا ستكون في دمار وفوضى لو لم تعد، هي لم تفهم مقدار الخوف والرعب الذي كان بداخلي، هي لم تعرف أي شيء، هي فقط فعلت ما فكرت به بأنانية، ولا أشعر أني أستطيع تقبل ذلك بسهولة.

Hybrid 2 | هجين 2حيث تعيش القصص. اكتشف الآن