الفصل الثاني عشر
رسالة من سراب ....
فراس ..... أراك غدا ... في موعدنا المحدد ... وفي المكان المتفق عليه
لا أصدق أنني أفعل هذا ..
إلا أنك تجعلني منذ عرفتك .. أتحدى كل الأعراف التي ظننت نفسي أعجز عن تحديهالم تدرك ملاك أنها كانت تتضور جوعا حتى فاحت رائحة الفطائر التي وضعها صاحب المخبز فوق الطاولة الخشبية التي جلس حولها كل منها ومن جارها الغامض .. وجدت نفسها تتأمل القطع الساخنة التي كان البخار يتصاعد منها وهي تلعق شفتيها دون أن تشعر بنظراته التي تركزت فوق حركتها اللا إرادية تلك ..
رفعت رأسها نحوه وكأنها تنتظر منه إشارة البدء .. فابتسم قائلا :- لم لا نأكل قبل أن يبرد الطعام ؟؟
لم تشعر ملاك بأنها جائعة بهذا الشكل منذ فترة طويلة ... منذ عام كامل .. خلال الأيام التي وجدت نفسها فيها عاجزة عن الوصول إلى لقمة تمنحها القوة على النضال ... وعندما تناولت القضمة الأولى من الفطيرة .. أصدرت أنينا طويلا وهي تقول :- رباه ... هذه أشهى فطيرة تناولتها في حياتي .. لا أصدق أنني أقيم على بعد شارع من هذا المخبز دون أن أفكر بتجربته ..
تململ جميل في جلسته شاعرا بعدم الارتياح وجسده يتوتر استجابة أولا لمرأى لسانها الوردي وهو يلامس شفتيها الرقيقتين ... ثم لسماع أنينها الذي .. يا إلهي .. جميل ... اضبط نفسك .. الصداقة هي ما تريد ... لا أي شيء آخر
رأى وجهها يشرق وهي تقول :- سأشتري لأمي شيئا منها ... ستحبها كثيرا ..
تنحنح وهو يتناول فطيرته هو الآخر .. فاقدا الشهية بشكل مفاجيء .. وراغبا بشدة في النظر إلى عينيها مباشرة .. في رؤية صدى أنين الرضا الذي أطلقته فيهما .. قال بعفوية :- أنت لست بحاجة للنظارات هنا .. المكان مظلل وأشعة الشمس بعيدة عن الوصول إلينا ..
هل شحب وجهها أم أنه يتوهم ؟؟ لامست إطار النظارة بأطراف أناملها وهي تلتفت بعيدا قائلة :- ضوء النهار الساطع هو ما يزعجني ... لا أشعة الشمس المباشرة ..
وقد كانت تكذب .. قال برقة :- لقد سبق ورأيت عينيك إن كنت قد نسيت ..
رأى الاحمرار يزحف ليورد وجنتيها وهي تقول بخشونة :- أخبرتك بأنني أعاني من حساسية من الضوء .. لا علاقة لعيني بالموضوع ...
لم يناقشها .. إذ بدا واضحا أن غرابة عينيها تشكل لديها نقطة ضعف ومصدرا لعدم الأمان ..
بدأ يأكل ببطء وهو يراقب شهيتها تقل حماسا .. وكأنه بتعليقه قد ذكرها فجأة أنها في حضرة رجل غريب .. مما جعله يتساءل عن المرأة الحقيقية التي تتواجد تحت هذه الواجهة المتحفظة والمسيطرة التي يراها أمامه ..
قال محاولا كسر التهور :- إن أردت أستطيع أن أوصلك بسيارتي إلى وجهتك .. لقد سبق ولمحتك عدة مرات خلال الأسبوع الماضي وأنت تستقلين الحافلة ..
زمت فمها وهي تقول :- وأين المشكلة ؟؟ هل أنت من أولئك الأشخاص الذين يترفعون عن استخدام المواصلات العامة .. أو عمن يستخدمونها ؟؟
كنائل مثلا ... الذي أصر رغم مواردهما المحدود ةعلى شراء سيارة باهظة الثمن كي يتباهى بها أمام رفاقه وأصدقائه .. لقد ظنت الأمر غرورا وتكبرا في البداية .. قبل أن تكتشف بأنها وسيلته فقط كي يؤكد لأقاربه بأن زواجه من امرأة مشوهة مثلها قد أتى بالفائدة المرجوة .. إذ كانت ابنة قاسم الحولي على أي حال ..
هز جميل كتفيه قائلا :- لا .. بالتأكيد لا .. إلا أنني قد سبق ورأيتك متعبة .. فكرة تعرضك لحالة مشابهة في مكان عام وبعيد كحافلة مكتظة بالغرباء تسبب لي القشعريرة ... قريبة صديق لي استقلت سيارة أجرة في حالة إعياء ... وجدت بعد فترة ميتة في أحد الشوارع المهجورة ... سبب موتها كان اصطدام رأسها بالاسفلت أثناء رميها لنفسها من السيارة عندما أحست بنوايا السائق الذي عرف بأنها بحالتها تلك كانت لتكون ضحية سهلة ..
عندما رأى وجهها يشحب .. أكمل قائلا :- منذ ذلك الحين ... وأنا أمارس الإرهاب على شقيقتي مها .. ما كنت أسمح لها أبدا أن تستخدم المواصلات العامة لو لم أتأكد أنها في حالة صحية تسمح لها بأن تفعل .. بعد زواجها ... يقوم زوجها المسكين بهذه المهمة بصعوبة إذ أنها عنيدة كالثور ..
بطريقة ما .. حديثه عن شقيقته جعل دفئا ينتشر داخل قلبها ... إذ ذكرها بفراس .. ورقة فراس .. واهتمام فراس .. أكثر ما تحبه ملاك في شقيقها ... وفي عائلتها بشكل عام .. هو أنهم في غاية التفهم اتجاه رغبات وحاجات أي منهم
يتبع
📚📚📚📚📚📚📚📚📚