الفصل السابع والأربعون
دس عزيز نفسه بدون تردد بين السيدة هدية وهزار التي دفعها إلى الوراء بذراعه مخاطبا أم ليان بغضب :- توقفي ... توقفي الآن ..
الثورة التي فاضت من عيني المرأة التي عرفها تقريبا طوال حياته .. المرأة التي اعتبرها كوالدة له منذ سنوات .. المرأة التي لم يعرفها إلا امرأة طيبة .. حنون .. هادئة .. كانت صادمة للغاية وهي تنفجر به بشراسة :- هي تسببت بقتل ليان .. لم أصدق هذا حتى الآن ...
قال من بين أسنانه :- خالتي ... أن لا تعرفين ما تتحدثين عنه ...
نظرت إليه وهي تهتف بانهيار :- لقد ماتت ليان ... وكادت تموت بيان اليوم بسببها .. بسببها هي يا عزيز .. لا تسمح لها بأن تخدعك كما خدعتني أنا لأشهر بغية أن تدخل بيتي فتبث سمها بين باقي بناتي ..
هزار كانت ورائه .. ملتصقة به .. بينما هو يحجبها عن السيدة هدية بجسده .. شاعرا برجفتها الغير عادية ... قال بتوتر :- أنت مخطئة ..
قست عيناها وهي تهتف به :- أنالت منك أنت أيضا .. أخدعتك ببرائتها ؟؟ هل مسحت عقلك مرة واحدة منسية إياك ليان ؟؟ يجب أن تعرف حقيقتها الآن قبل أن تتورط معها أكثر يا عزيز ... يجب أن تختار الآن .. الآن .. أن تكون وفيا لليان بحيث ترفض أن تتعاطى مع قاتلتها .. أو أن تخرج من هنا معها إلى الأبد ..
أحس عزيز بجسده ينتفض وهو يحدق بالمرأة التي أقسم يوما على حمايتها هي وبناتها وفدائهن بروحه .. وهو ينظر إلى انهيارها .. إلى ألمها ومرارتها .. إلى ذعرها وهي ترى ابنتها تتعرض للخطر بعد أن فقدت الأخرى قبل أشهر فقط .. من ورائها .. كانت بيان ترتجف ... مجرد فتاة صغيرة .. كادت تتعرض للاغتصاب قبل ساعات فقط ... وإيمان إلى جانبها ... مجرد طفلة ... كانت تلتصق بالجدار وهي ترتجف .. بينما تتدفق دموعها فوق وجنتيها .. كما كانت بالضبط ليلة ماتت ليان ....
لقد كان الأمر وكأن الزمن يعيد نفسه .. وكأن الأشهر السابقة لم تحدث قط .. وكأنه قد عاد مرة واحدة ذلك الشبه خطيب والمفجوع بموت المرأة التي حلم طوال حياته بأن تكون زوجته ...
ضائعا .. وجد نفسه يستدير نحو هزار .. التي كانت منكمشة على نفسها .. يدها تغطي وجنتها حيث صفعتها السيدة هدية قبل لحظات .. عاد جسده ينتفض بالغضب والرهبة وهو يتذكر تلك اللحظة ... شعرها الناعم كان منسدلا فوق وجهها ليغطي ما تبقى من ملامحها ... كانت تشيح بوجهها بعيدا ... ترتجف ... لقد كانت ترتجف .. أنفاسها تتسارع بوتيرة غير عادية ..
أمسك بكتفيها ... واعيا للأعين التي كانت تراقبه من ورائه .. و قال بصوت أجش :- هزار ... من الأفضل أن تذهبي ..
لم تبد أي ردة فعل ... فدفعها برفق نحو الباب حتى تجاوزته .. دون أن تنظر إليه .. دون أن تقول أي شيء .. ما تزال ترتعد .. ما تزال انفاسها عنيفة .. ردد :- من الأفضل أن تذهبي الآن يا هزار ... عودي إلى بيتك .. فهمام ينتظرك .. ونحن ... أنا وأنت .. سنتحدث لاحقا ...
عندما لم تقل شيئا ... تركها .. وتراجع إلى الخلف ... يصارع بين الرغبة في احتضانها ... في مواساتها .. في التأكيد لها بأن شيئا لم يتغير بينهما .. بأنه ما يزال يحبها .. ويريدها .. وبين حاجته للبقاء هنا .. حيث يجب أن يكون ...
عندما سمع السيدة هدية تعود لتنشج من جديد ... تلاشى تردده ... عاد إلى الوراء ... وأغلق الباب