في منزل الشباب !

189 23 0
                                    


الحلقة 3
عنوان الحلقة / في منزل الشباب!



هيّأت الفتيات الثلاثة أنفسهن لمرافقة أخيهن علي إلى بيت ام إيهاب ، كانت المرة الأولى التي ستخرج فيها مريم من منزلها بعد دخولها سن التكليف الشرعي، اتجهت إلى غرفة والدتها وطرقت الباب، جاءها صوت والدتها : تفضل الباب مفتوح!
اتجهت مريم نحو تسنيم وهي تقول :
- ماما.. انظري إلى حجابي يا ماما هل هو مستوفي لشروط الحجاب الصحيح؟
نظرت تسنيم لابنتها من أعلى رأسها إلى اخمص قدميها، فتحت لها ذراعيها وهي تقول :
- ما شاء الله، تبارك الرحمن.. ما أجملك يا غاليتي، نعم مستوفي للشروط بإذن الله تعالى.
- وما هي شروط الحجاب بالضبط يا أمي؟
- أن يكون فضفاضًا واسعًا لا يشف عما تحته، أي أن لا يكون القماش شفافًا يبدي لون الجلد، ولا يكون ضيقًا يوضح تفاصيل الجسم يا حبيبتي.. كما علينا أن نختار الألوان التي لا تجذب النظر، وأخيرًا أن يكون ساترًا لكل أجزاء الجسم ما عدا قرص الوجه والكفين!
قالت مريم : ولكن يا ماما..لماذا لا تشتري لي عباءة زينبية مثلكِ أنتِ وأخواتي.. فهي تستوفي كامل هذه الشروط!
- سيكون ذلك قريبًا بإذن الله تعالى، أعدكِ بذلك بنيتي الحبيبة.
قبّلت مريم والدتها واتجهت نحو الباب للخروج من الغرفة لكنها توقفت فجأة.. سألتها تسنيم :
- هل هناك أمر آخر تودين السؤال عنه؟
عادت مريم أدراجها وهي تقول :
- نعم إن كان لديك وقت طبعًا!
- اسألي حبيبتي.. كل وقتي لكم أنتِ وأخوتك.
- ماما.. ماذا تعني كلمة ( التكليف)؟!
- إن الإنسان يا مريم عندما يبلغ هذا السن يعني أنه أصبح ( مكلفًا) بكل الواجبات التي فرضها الله عليه، فأنا مثلا عندما أكلفكِ بأمر ما فهذا يعني أنني أطلب منكِ تحمل مسؤولية ذلك الأمر، فالله سبحانه تعالى كلفك منذ هذا العمر بتحمل مسؤولية نفسك وما عليها من واجبات شرعية كالصلاة والصوم والحجاب وغيرها..
وضعي في بالك يا عزيزتي إنكِ بعد أن تكلفتِ فكل شيء ستقومين به سُيكتب!
- يُكتب!؟ وأين يُكتب يا ماما؟
ابتسمت تسنيم وهي تجيب :
- نعم يا حبيبتي.. يُكتب في صحيفة أعمالك، فبعد إكمال تسع سنوات قمرية ينزل عليكِ ملكان يكتبان كل ما تقومين به من أعمال مهما كانت صغيرة!! وسواء كانت صالحة أم لا! فلا يضيع عند الله شيء أبدًا وسنجده أمامنا يوم الحساب.. وهو قوله تعالى ( ومَن يَعمل مِثقالَ ذرةٍ خيرًا يره، ومَن يَعمل مِثقالَ ذرةٍ شرًا يره).
- ولكن قد يخطأ الإنسان بل وينسى وجود الملكين فيبدأ باكتساب الذنوب.. هل يعني هذا إنه سيحاسب على كل أخطائه حتى وإن كان بسبب الجهل أو النسيان والغفلة؟
فرحت تسنيم وهي ترى ابنتها مهتمة كل هذا الاهتمام بالسؤال عن أمور دينها، ودعت الله في سرها لها وابنتها ولباقي أفراد عائلتها بحسن العاقبة.. قالت أخيرًا :
- إن الله يا حبيبتي ما خلق البشر ليعذبهم، بل حتى مع اكتسابهم للذنوب وحتى بعد عنادهم وتجرأهم على الله بالمعاصي ترك باب ( التوبة) مفتوحًا لِمن آمن واستغفر.
- هل يعني هذا أننا عندما نستغفر الله من ذنوبنا ونتوب منها سيغفرها الله لنا بكل سهولة؟!
- نعم يا حبيبتي.. لكن الأهم أن تكون توبتنا خالصة لله تعالى مع الندم والإصرار على ترك تلك الذنوب، أما أن نستغفر ثم نعود فنذنب ثم نستغفر ثم نعود وهكذا.. فهنا لن يقبل الله منا توبتنا لأنها ليست توبة صادقة والدليل عودتنا إلى الذنوب كلما سنحت لنا الفرصة!
- وإن كانت التوبة صادقة ولم يرجع الإنسان للمعصية فهل سيحبه الله ويقبل توبته؟!
- نعم بكل تأكيد.. فكيف لا وهو القائل ( وقل استغفروا ربكم إنه كان غفارا)؟!
******
في بيت ام إيهاب كان الشباب الأربعة يجلسون أمام شاشة التلفاز وقد شدتهم مباراة للمنتخب الوطني، أما الفتيات فكن يتفقدن إحتياجات البيت من تنظيف وطبخ وغيرها كما تفعل أمهن في كل مرة بالضبط..
شعر علي بالعطش، قال لإيهاب :
- إداء المنتخب نشف ريقي، ارجوك اسعفني بالماء البارد!
اجابه إيهاب وهو يهم بالقيام :
- فعلا والله كنا نتوقع لعب أفضل من هذا بكثير!
اتجه إيهاب نحو المطبخ فوجد جنات هناك وهي تعد لهم طعام العشاء..
لم يدخل بل بقى متسمرًا عند باب المطبخ وهو يتساءل مع نفسه :
- هل سيأتي ذلك اليوم الذي يحقق الله فيه أمنيتي لتقاسمني هذه الفتاة حياتي؟!
ثم صار يتذكرها وهي طفلة عندما تأتي مع الاستاذة تسنيم لزيارة والدته قبل وفاتها.. لقد كانت جنات حينها صغيرة ومرحة كثيرًا، أما اليوم فلقد صارت شابة جميلة ومهذبة جدا..
التفتت جنات نحو الباب فإذا بإيهاب يقف وينظر إليها بكل حنان، ارتبكت كثيرًا ولم تعد تعرف ماذا تفعل؟!
هنا صاح علي بأعلى صوته :
- ألم يكتمل تحضير الماء يا إيهاب؟ هل تريدني أن أعلمك من ماذا يتكون؟ إنه يا صاحبي عبارة عن ذرتي هيدروجين مع ذرة واحدة أوكسجين! ها.. هل ستنجح في تحضيره قبل انتهاء المباراة؟!
شعر إيهاب بالخجل وخاصة بعد أن سمع ضحكات اخويه ( سيف وحسام) وهما يسخران من موقفه هذا!
اتجه بسرعة نحو الثلاجة ، أخذ الماء وعاد إلى الصالة مسرعًا، حينها فقط كانت جنات قد تنفست الصعداء!
دخل إيهاب صالة الجلوس وقد بدى عليه الارتباك قليلًا فظن علي أن أمرًا ما قد حدث في المطبخ.. ثم تبادر إلى ذهنه أن إيهاب قد أساء الأدب مع إحدى أخواته!
قام علي وهو يقول :
- سأعيده بنفسي إلى الثلاجة خذ راحتك يا إيهاب.
دخل علي المطبخ فوجد جنات تعد الطعام فسألها بغضب :
- أين هبة ومريم؟!
أجابت بتوتر :
- إنهما.. إنهما في الطابق الثاني، ستكملان تنظيفه وتنزلان على الفور.
نظر علي إليها شزرًا ثم خرج وهو يتأفأف!
وفي طريق العودة إلى المنزل تحدث علي مع أخته التي تكبره بعام واحد قائلا :
- هل أساء إيهاب الأدب معك يا جنات ؟
- ماذا؟ إيهاب؟.. لا.. لا أبدًا!
قالت جنات عبارتها هذه بشيء من الارتباك لم يكن ليخفى عن أخيها مما حدى به إلى تكرار السؤال بصيغة أخرى :
- عندما كنتِ تقفين لوحدكِ في المطبخ ودخل هو ليحضر الماء.. هل تحدث معكِ بأمرٍ ما؟!
شعرت جنات بالبرودة الشديدة التي صارت تسري في جميع أطرافها رغم حرارة الجو!! قالت أخيرًا :
- أبدًا صدقني.. أقسم إليك بروح والدتنا!
حينها استعاد علي هدوءه ولأنه كان كثير الغيرة على أخواته فلذلك صار يتمتم مع نفسه بالقول :
لن أرضخ لأوامر والدي مرة أخرى إن طلب مني أن اصطحبكن معي إلى هنا.. فليست في كل مرة ستسلم الجرة!

تسبيحة الزمنحيث تعيش القصص. اكتشف الآن