🖊️ رويدة الدعمي
عادت حياة تسنيم إلى نظامها وسيرتها الأولى بعد أن قررت أن تكون ذات إرادة أقوى وأن تتأسى بصاحب الزمان عليه السلام وأن تجعل من وحدتها سببًا للتقرب أكثر من الخالق عز وجل ومن إمام زمانها من خلال زيادة خدمتها للدين والمجتمع وكذلك طاعتها لزوجها وشريك حياتها وأن لا تجعل للقنوط واليأس طريقًا إلى قلبها السليم والمفعم بالإيمان والطيبة والمحبة.
مضت الأيام وعاد بهاء من سفرته وصار يقسم وقته بين زوجتيه فليلة عند تسنيم وليلة عند مريم.
وبعد شهر من زواجه الثاني منَّ الله عليه وجاءه ذلك الخبر السعيد الذي انتظره طوال سنوات..
- مبارك عليك، زوجتك حامل!
هكذا تحدثت معه المختبرية وهي تعطيهم نتيجة التحليل..
كانت فرحة مريم بالخبر لا تقل كثيرًا عن فرحة زوجها، إلا أن أكثر من فرح وسرَّ بسماعه كانت تسنيم حيث وأخيرًا إنزاح عن كاهلها ذلك الإحساس الثقيل بالذنب تجاه زوجها!
وعندما انتهى بهاء من نقل ذلك النبأ السعيد لها رفعت بصرها نحو السماء وهي تقول : الحمد والشكر لك يا إلهي وسيدي ومولاي، لم تخيبني يا رب ولم تقطع رجائي من جميل كرمك وجزيل نعمائك.
****
مضت الأيام والأشهر الأولى هادئة بين الضرتين لا يعكر صفوها غير بعض تصرفات الغيرة التي تصدر من إحداهن تجاه الأخرى، وكان بهاء يحاول بكل ما أوتيَ من قوة أن يكون منصفًا عادلًا بينهما..
قرر الثلاثة أن يتعاونوا في مسألة الخدمة المهدوية فكان كل من بهاء وتسنيم ينشران البحوث والمقالات عن الإمام المهدي عليه السلام فتقوم مريم باقتصاص بعض المقاطع المؤثرة من كتاباتهما لتصمم عليها صور ومقاطع مرئية تنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي حتى صار هذا شغلهم الشاغل..
حينها لم يجلس الشيطان ليتفرج عليهم حتمًا!!
إن الشيطان وبمجرد أن يرى عائلة هادئة اجتمع أفرادها على محبة الله فسيشحذ الهمم حينها هو وجنوده على جلب الخراب لإفساد لتلك العائلة!
فكيف إن كانت العائلة مهدوية ممهدة لإمام زمانها؟ هل سيتركهم يعملون لأجل خدمة إمام الزمان والذي ستكون نهاية إبليس على يديه؟!
صار أبو مُرّة يتدخل في حياة الثلاثة ويحاول النفخ بخبث في صدر الزوجتين ليوغر نار الحقد والكره بينهما، فيبقى الزوج المؤمن صابرًا محتسبًا يهدّأ هذه ويُقنع الأخرى!!
في إحدى الأمسيات وبينما كانت مريم تنتظر زوجها حيث إنه في هذه الليلة يجب أن يكون عندها انتبهت إلى أن الوقت تأخر كثيرًا!
جاءها إبليس وجلس بقربها وصار يحدثها بذلك الحديث الخفي : زوجكِ الآن مستأنس في الجلوس مع تسنيم فلقد اشتاق إلى تلك الأيام الخوالي حيث هو وهي فقط ولا أحد ثالث في حياتهما! هل ستسكتين عن هذه الإساءة؟ ألا ترين كم هو غير عادل؟
استمرت مريم بالانصات إليه واستمر هو بالنزغ بينها وبين زوجها..
أنه يحبها أكثر منكِ حتى أنه دائمًا يناديها بكلمة حبيبتي أما أنتِ فلم يقلها لكِ ولا مرة واحدة!
لقد تزوجكِ لأجل الأولاد ليس إلا! ولا تستبعدي أن يرميكِ رمي الكلاب في الشارع ما أن تنجبي له الولد! نعم سيأخذه إليها لتربيه بنفسها لأنها حبيبته الأولى والوحيدة..
هنا سمعت مريم صوت فتح الباب فركضت باتجاه السرير ودسّت وجهها بين طيات الوسادة حتى لا يرى بهاء دموعها.
وفي الصباح التالي لم تكن مريم على بعضها أبدًا فخاطبها بالقول :
- ولكن ما خطبكِ يا مريم؟ بالله عليكِ هل كل هذا لأني تأخرت ساعة واحدة عن القدوم؟!
قالت بضجر :
- من حقك أن تتأخر، لا ألومك أبدًا فمن الصعب أن تفارق حبيبة قلبك تسنيم بسهولة!
صعق بهاء لهذه الطريقة في الكلام معه فقال بأسف :
- ألم أحذركِ سابقًا من مكائد الشيطان؟ أسمعيني ماذا قال لكِ أبو مرة ليلة أمس عندما تأخرت؟
تحدثت مريم والدموع تجري على وجنيتها بحرارة عن كل ما نفثه الشيطان في صدرها، فتأثر بهاء على كل ما شبَّ في داخلها من نار الغيرة والحسد قال لها وهو يخفف عنها ألمها :
- لقد تأخرت عند تسنيم لأن ريان أختها قد زارتنا هي وزوجها وكنت قد اشتقت كثيرًا للصغيرة أفنان ونسيت نفسي وأنا أتكلم معها وأمازحها صدقيني..
كما إنه من غير اللائق أن اتركهم بسرعة وأخرج، هذا أولًا وثانيًا كيف تصدقي بكل سهولة كل ما ينفثه الشيطان في داخلكِ؟ أهذه صفة الإنسان المؤمن القوي؟ أوليس المؤمن القوي خير عند الله من المؤمن الضعيف؟ لماذا تجعلين كيد الشيطان قويًا بينما أنتِ من يجب أن تكوني أقوى منه لأنه ببساطة صاحب كيد ضعيف حسب قول الله تعالى في محكم كتابه الكريم ( إن كيد الشيطان كان ضعيفا) فانتبهي يا مريم إن كيده ضعيف ونحن البشر من نجعله قويًا حينما نستمع إليه!
في اليوم التالي تقصدت مريم في تأخير بهاء عندها لترى ما ستفعله ضرتها فهي متأكدة بأن الغيرة التي اشتعلت في قلبها ليلة أمس ستشتعل اليوم في قلب تسنيم بعد أن يذهب الشيطان ليوغر الحقد والحسد في قلبها هي الأخرى!
كانت تأن وتصيح بحجة أن بطنها تؤلمها وهي بحاجة للذهاب إلى الطبيبة فلم يكن بيد بهاء إلا مرافقتها لعيادة الطبيبة مما سبب له التأخر كثيرًا مع مريم فما كانت من تسنيم إلا أن اتصلت لتطمأن عليه فرنَّ الهاتف كثيرًا ولكن دون جدوى وهنا حضر أبو مرة!
جلس بالقرب من تسنيم ودون أن تراه طبعًا او تسمع صوته صار ينفث في صدرها ما نفثه في صدر ضرتها البارحة..
حتمًا أن بهاء صار يرتاح للبقاء أكثر مع مريم كيف لا وهي زوجته الأصغر والأم الحبيبة لطفله المرتقب! وما أن يولد ذلك الطفل حتى ينساكِ يا تسنيم وقد يصبح كارهًا للمكوث عندكِ أصلًا!
انتبهت تسنيم لهذا الهراء فرددت بسرعة : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم!
ذهبت لتتوضأ ثم قرأت المعوذتين وصارت تردد الاستغفار والصلاة على محمد وآل محمد إلى أن هرب الشيطان من بيتها.
صعد بهاء إلى سيارته والتقط الهاتف إذ كان في السيارة ولم يأخذه معه إلى العيادة فوجد أن تسنيم قد اتصلت عليه أكثر من مرة، قال وهو يتصفح سجل الهاتف : لعلها قلقة الآن، تأخرنا كثيرًا ونحن ننتظر دورنا عند الطبيبة..
شعرت مريم بالنشوة فبعد قليل سيدخل بهاء منزله وسيجد أن تسنيم غاضبة ومستاءة منه بعد أن لعب الشيطان بدماغها، وسيتأكد بهاء بأنها ضعيفة أمام مكائد ابليس كزوجته الثانية تمامًا!!
بعد أن أوصلها لبيت أهلها حسب طلبها لتبيت عندهم الليلة اتجه بهاء إلى منزله حيث الزوجة الأولى القلقة من تأخره..
- السلام عليكم
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أهلا بهاء
- كنت قد تركت الهاتف في السيارة ونزلت مع مريم لعيادة الطبيبة.
- ماذا؟ الطبيبة! يا ساتر يا رب..
- لا تقلقي مجرد مغص معوي لكننا ظننا أن الجنين في خطر.
- الحمد لله أنه بخير، ومريم كيف هو حالها الآن؟
- هذه هي اتصلت للتو.. هل تريدين التحدث معها؟
- نعم.. نعم
فتح الخط واعطاه لتسنيم فقالت بصوتٍ يقطر حنانًا ورأفة :
- حبيبتي مريم الحمد لله على السلامة، كيف هي صحتكِ الآن؟
تفاجأت مريم من ردة فعل تسنيم على تأخر بهاء! وهي التي كانت تتوقع عند اتصالها هذا بأنها ستجد بهاء مستاءًا جدًا من أثر الشجار المرتقب!!!
****
في اليوم التالي طلبت تسنيم من زوجها أن يأخذها عند مريم للاطمئنان عليها، وهناك دار بينهما هذا الحديث :
- تسنيم حبيبتي عندما تأخرنا في عيادة الطبيبة، هل حدث لكِ أمر غريب؟
- مثل ماذا؟
- وسوسة شيطان مثلًا!
ضحكت تسنيم من كل قلبها وهي تقول :
- ولكن بربكِ كيف عرفتِ ذلك؟
- لأنه وسوس لي قبل يوم عندما تأخر بهاء عندكِ..
- أَوه.. نعم أكملي!
- وعندما جاء بهاء لم أكلمه ونمت تلك الليلة غاضبةً عليه!
- ولكن هل حقًا هذا ما حصل؟
- نعم والله، لذلك سألتكِ إن كان قد وسوس لكِ أنتِ أيضا ليوقع بيننا..
- للأسف الشديد نعم، لكني تعوذت منه فذهبت وتوضأت وقرأت المعوذتين ودعوت الله أن يبعد عني ذلك اللعين.
- ولكن يا تسنيم كيف عرفتِ بأن تفكيرك السلبي ناحيتي أنا وبهاء ما هو إلا نتاج وسوسة الشيطان؟
- لأنه ببساطة ماكر يحب إشاعة البغضاء والضغينة بين المؤمنين والمؤمنات، ألم يحذرنا منه تعالى بالقول ( إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ)؟
طأطأت مريم رأسها وهي تقول :
- نعم فعلًا.. يجب أن أكون حذرة أكثر في المرات القادمة.
يتبع...
أنت تقرأ
تسبيحة الزمن
Spiritualقصة اجتماعية هادفه قصة كتبتها انامل الكاتبة رويدة الدعمي. ما اجملها واجمل احداثها. حقاً انها كاتبة مبدعة. للكاتبة : رويدة الدعمي