الحلقة 11عنوان الحلقة / لا تقلقي.. أماه!
عاشت تسنيم تلك الأيام بقلق واضطراب شديدين، فهي تفكر كثيرًا بجنات وحياتها الجديدة، هل أخطأت عندما اقنعتها على الارتباط بطاهر؟! هل سيكون هذا الشاب طيب القلب والأخلاق بحيث أن جنات ستتقبل حياتها الجديدة معه؟
بينما كانت تفكر بهذا رنَّ هاتفها، وما أن شاهدت رقمًا غريبًا حتى فتحت الخط بلهفة وهي تقول :
- السلام عليكم.. جنات!؟
- نعم ماما.. أنا جنات وهذا رقمي الجديد، كيف حالكم يا حبيبتي؟
لم تتمالك تسنيم نفسها، بكت وهي تتحدث بصعوبة :
- آه يا ابنتي.. لا تعلمين مدى خوفي وقلقي عليكِ في تلك البلاد الغريبة والبعيدة، أنتِ أمانة في رقبتي يا جنات.. لكني أخشى أن أكون قد ضيعت الأمانة!
- ولكن لماذا تقولي هذا يا امي.. ارجوكِ؟!
- إن عذاب الضمير يقتلني يا ابنتي.. بالله عليكِ أخبريني! كيف هو طاهر معكِ؟ وهل أنتِ مرتاحة معه!
- نعم يا ماما صدقيني! إنه طيب القلب جدًا.. لا يتركني لوحدي مطلقًا بحيث أنني إلى الآن لم أشعر بالوحدة!
يحدثني عن حياته السابقة وعن أمنياته القادمة، يساعدني في أعمال المنزل وعندما..
- وعندما ماذا؟ لِمَ الصمت؟ اكملي!
- وعندما يضايقني عمي في كلامه ينتفض هو للدفاع عني!
- ماذا؟! يضايقك! ولكنك لم تدخلي حياتهم الا قبل فترة قليلة .. هل بدأ عمك يضايقك بهذه السرعة؟ ثم ماذا يريد منك بالضبط؟
- أنه يردد دائمًا أمام مسمعي عبارة متى تتزوجان؟
- اسمعي يا حبيبتي، يجب أن تُذكري عمكِ بوعده لأخيه عندما اقسم له بأنه لن يجبركِ على الزواج بولده على الإطلاق!
- انا أخجل من محادثته يا أمي؟ أحاول أن أحترمه كوالدي تمامًا!
- هل تريدين أن يتصل به أبوكِ ليخبره ذلك بنفسه!
- لا.. لا ياماما! لا أريد أن يعرف طاهر بأني أخبرتكم، قد يتضايق كثيرًا!
دُهشت تسنيم وهي تسمع المنطق الجديد لجنات! هل فعلًا هذه هي جنات التي بكت في حضنها قبل أسابيع قليلة وهي تعلن لها بأنها لا تحب طاهر! كيف حدث وقد انقلبت مشاعرها هكذا تجاه ابن عمها؟!
صارت تردد : سبحان مغير الاحوال!
سمعتها جنات فضحكت بخجل وهي تقول :
- اعرف بأنكِ مندهشة كثيرًا من أمري يا ماما، لكني اقولها لك بصراحة فحتى أنا مندهشة من تبدل مشاعري بهذه السرعة!
بكت تسنيم وهي تردد :
- الحمد لله.. الحمد لله، انه الدعاء يا ابنتي! فمنذ إعلان خطبتكما وإلى يومي هذا وأنا الهج بالدعاء لكِ بأن ينسيكِ الله الماضي ويجعلكِ تتقبلين حياتك مع طاهر بسهولةٍ ويسر!
- حسنًا الآن يا ماما.. سلامي لأبي الحبيب وأخوتي جميعهم، قبليهم بالنيابة عني واحدًا واحدًا.. سأحاول أن اتصل بكم لاحقًا اما الآن فهذا طاهر يطرق باب غرفتي وعليّ الذهاب..
- في امان الله يا نور عيني، وأوصلي تحياتي الحارة إليه.
- ستصل بإذن الله.
أغلقت جنات الهاتف، وركضت للباب فتحتها وهي تقول :
- آسفة تأخرت عليك.. لقد كنت أتحدث مع امي،تفضل تفضل بالدخول!
جلس طاهر على حافة السرير وهو يقول :
- وكيف هو حالها؟ وحال بقية العائلة؟
- إنها قلقة عليَّ كثيرًا وتشعر بتأنيب الضمير!
- ولكن لماذا؟
- لأني قبل أن أعطي موافقتي على هذه الخطبة كنت قد بكيت في حضنها طويلًا وأخبرتها بخوفي وقلقي وعدم رغبتي بالزواج!
نظر طاهر إلى عيني جنات مباشرة وهو يترقب بماذا ستجيب عن سؤاله :
- والآن؟ اقصد.. اقصد ماذا أخبرتها؟!
ابتسمت جنات وخفضت رأسها بحياء :
- أخبرتها بأني مرتاحة هنا ولله الحمد!
قام طاهر من مكانه وأمسك بيد خطيبته وهو يقول :
- أعدكِ بأنك في المرة القادمة ستخبريها بأنكِ سعيدة هنا ولستِ مرتاحة فقط!
مضت الأيام وطاهر يحاول بكل ما يستطيع أن يجعل حياة خطيبته في غاية السعادة، وكانت جنات تشعر بحبه واهتمامه بها حتى صارت هي أيضًا تحاول إسعاده ما استطاعت إلى ذلك سبيلا..
كل شيء كان يجري على ما يرام، خطيبها يصلي ويتكلم عن الدين والإيمان وحب الله وهذا ما كانت تتمناه!
في نفس الوقت كان يمازحها ويلاطفها وكلما بقيا لوحدهما كان يلقي عليها أشعار الحب والعشق دون أن يتعدى حدوده! وهذا أكثر ما كان يعجب جنات فيه، فهو لا يأتي بسيرة الزواج إلا بتلميحات خفيفة على العكس من والده! فما أن يراهما معًا حتى تبدأ سيمفونية كل يوم :
- متى ترحماني لأرى أولادكما؟ ألم تتفقا على موعد الزواج؟ ألم تملّا أجواء الخطوبة هذه؟ ألا تتشوقان إلى حياة الأزواج؟!
كل هذه الأسئلة التي كانت تتكرر يوميًا صارت تعكر صفو الحياة على جنات، حتى ضاقت ذرعًا مما حداها في إحدى المرات أن ترد على عمها بعصبية :
- ولكن يا عمي! ألم تعد والدي بأنك لن تفتح معي موضوع الزواج إلا حينما أطلب أنا ذلك!
تطافرت الدموع من عينيها وهي تقوم وتصعد إلى غرفتها لتغلق الباب بقوة!
شعر طاهر بأن الدم بدأ يغلي في عروقه، حاول أن يتماسك أعصابه، قال لأبيه :
- ولكن يا أبي! إنها أمانة في أعناقنا! اهكذا تتصرف مع الأمانة؟!
ثم ألم تعطي عهدًا لعمي على عدم إجبارها على الزواج مطلقًا؟ فما معنى كلامك هذا وفي كل يوم!؟
- لكني يا طاهر لا أحاولإجبارها بل أنا أحاول إقناعها ليس إلا! وكل هذا لأجلك أنت!
- لأجلي أنا؟! وهي يا أبي؟ هي.. ألا تفكر بمشاعرها!
- وما الذي فعلته بربك يا طاهر؟ أنا مجرد احاول ان اذكركما بين الحين والآخر بأن وراءكم مشروع جميل اسمه ( الزواج).
- تذكرنا؟ وهل نسينا نحن ذلك!
- نعم يا ولدي.. نسيتما! أنا أراكما كالأصدقاء لا أكثر.. نعم فعلاقتك بها علاقة صداقة ليس إلا!
- ولكن يا أبي بربك.. نحن الاثنان راضيان بوضعنا هذا، فلماذا تريد الإسراع بالزواج!
- وهل انت فعلًا راضٍ بهذا الوضع يا فتى؟!
- نعم يا والدي صدقني.. يكفي انها بدأت تحبني كما احبها.. هذه غاية سعادتي!
ضرب الأب كفًا بكف وهو يردد :
- أتمنى أن أراك يومًا واحدًا نعم يومًا واحدًا فقط وقد اتخذت قرارًا صائبًا.. دائمًا على خطأ!
حاول طاهر أن يتكلم لكن والده اكمل حديثه بالقول :
- انك تريد اسعادها بأي طريقة حتى ولو على حساب سعادتك!
اسمع يا بني إن الرجل الحقيقي هو من يثبت شخصيته أمام امرأته.. وأنا أراك بلا شخصية!
استشاط طاهر غضبًا لكنه قرر أن يستمر في سماع والده إلى آخر كلمة!
- ثم انك تتبعها كالمجنون بل كالطفل الصغير، حاول أن تتصرف معها كرجل! حاول أن تفرض رأيك عليها ولو لمرة واحدة في حياتك!
نظر طاهر لوالده بغضب، شعر بأنه جرح كرامته.. حاول أن يثبت له عكس هذا الكلام وبأنه له شخصيته أمام امرأته التي بدأت تحب هذه الشخصية وتقدّرها كثيرًا، قال وهو يتجه إلى الطابق الثاني محاولاً أن يبدو غاضبًا من جنات :
- حسنًا حسنًا يا أبي.. سأفعل ما تريده! سأصرخ في وجهها لأفرض شخصيتي عليها وسآمرها لتنزل وتعتذر منك وإن رفضت سأضربها حتى ترتاح انت!
كان صوته يعلو كلما صعد باتجاه غرفة جنات ليُسمع ابيه ما يريد قوله، بينما دقات قلبه كانت تعلن عن شيء آخر! نعم فما صعد إلا ليطمئن على خطيبته التي ما رآها بهكذا عصبية منذ مجيئها معهم!
طرق الباب بلطف وهو يردد :
- افتحي حبيبتي.. ارجوكِ!
شعرت جنات بأنها بحاجة ماسة إلى الحديث إليه، فتحت الباب وهي تمسح دموعها..
قال وقد شعر بأن قلبه سينقلع من فرط الألم :
- هل.. تبكين؟
- وما الذي يمكن أن أفعله غير البكاء؟
- ارجوكِ غاليتي لا أريد أن أرى دموعك مرة أخرى انها تذكرني بذلك الموقف..
- اي موقف؟
- في الطائرة.. وحديثكِ ذلك عن عدم رغبتكِ في السفر..
ابتسمت وهي تقول بخجل :
- وهل ما زلت تذكره!
قال طاهر بحسرة :
- وكيف لي أن أنساه!
قالت بشيء من الدلال :
- لكنني نسيته!
ابتسم طاهر وهو يردد :
- هل هل فعلا.. ما تقوليه؟ ألم تتندمي على المجيء معي إلى هنا؟
قالت بكل ثقة :
- لا لست نادمة!
لم تكد الفرحة تسعه، أراد أن يصرخ بأعلى صوته بأنه سعيد، لكنه تذكر كلام والده!
استعاد هدوءه قليلًا ثم قال :
- لقد رفعتِ صوتكِ على والدي!
خفضت جنات رأسها وهي تقول :
- نعم وأنا خجلة منك يا طاهر، انت تعاملني بمنتهى اللطف بينما أنا اليوم كنت فظةً كثيرًا مع ابيك!
- اسمعي يا جنة حياتي.. لا عليكِ بما يقوله والدي، صحيح أنني أتوق إلى الإقتران بكِ اليوم قبل الغد لكني أعدكِ - ووعد الحر دين - بأني لن أفتح سيرة الزواج مطلقًا ما دمتِ غير راغبة في هذا الأمر حاليًا..
أما عن أبي فلقد حدثته قبل قليل وسيترك هذا الموضوع إلى أن يشاء القدر!
قالت بفرحٍ غامر :
- بل قل إلى أن يشاء الله!
ابتسم وهو يردد : نعم.. نعم.. إلى أن يشاء الله.
قال وهو يسحبها بلطف :
- تعالي الآن لتعتذري من أبي، لقد كان أسلوبكِ قاسٍ معه بعض الشيء، انه لا يريد لنا إلا السعادة.
أنت تقرأ
تسبيحة الزمن
Espiritualقصة اجتماعية هادفه قصة كتبتها انامل الكاتبة رويدة الدعمي. ما اجملها واجمل احداثها. حقاً انها كاتبة مبدعة. للكاتبة : رويدة الدعمي