انتشر خبر وفاة الزوجة الثانية للأستاذ بهاء وكان أغلب الأساتذة يعرفونها شخصيًا كونها كانت طالبة جامعية لديهم منذ سنوات، وفي إحدى الجلسات التي تجمع بهاء مع زميله الأستاذ عمار سأل الأخير قائلًا :
- كيف يعيش أبناءك الآن مع الأستاذة تسنيم؟
لم يستغرب بهاء هذا السؤال فقد تصوره سؤالًا عاديًا :
- بخير والحمد لله.
- أقصد ألا يسببون لها المشاكل؟
- إنهم مؤذون بعض الشيء وخاصة علي لكن تسنيم عاقلة وتعرف كيف تستميل الصغار إليها فضلًا عن الكبار!
ابتسم عمار بحزن وهو يهمّ بالقول :
- فعلاً إن الأستاذة تسنيم لها القدرة على استمالة قلوب الجميع إليها.. أما زوجتي!
قال بهاء بدهشة :
- خير ان شاء الله؟ ما بها زوجتك؟
اخذ عمار نفسًا عميقًا ثم أطلقه بحسرةٍ طويلة..
- ما بك يا أخي؟ لقد اقلقني أمرك!
أجاب عمار وقد بدى الهم واضحًا على تقاسيم وجهه المتعب :
- أنت تعلم يا أبا علي بأن زوجتي الأولى قد انتقلت للرفيق الأعلى قبل أعوامٍ ثلاث.
- نعم نعم.. رحمها الله تعالى.
بعدها بأشهرٍ قليلة تزوجت بالثانية بعد أن رأيت حاجة أطفالي لأمٍ ترعاهم وتلبي احتياجاتهم.
- وهذا هو المطلوب.. أكمِل!
- لكني وبعد الزواج بفترةٍ وجيزة ندمت أشد الندم وتمنيت لو أنني بقيت أرعاهم بنفسي 💔
- ولكن لماذا يا أخي؟
- لقد بدأت زوجتي تغار من أطفالي، ولشدة حبها لي كانت لا تطيق رؤيتهم حولي! فأرى دموعها وهي تنظر إليهم وفي بعض الأحيان تتركنا وتتجه لغرفتها وعندما أباغتها في الدخول للغرفة أجدها تبكي بحرقة!
ضرب بهاء كفًا بكف وهو يردد الحوقلة والاستغفار..
- نعم يا صاحبي، فبدلًا من أن تخف معاناتي بزواجي صارت تلك المعاناة ضعفين!
- والآن بعد مرور ثلاث سنوات؟!
- صار الأمر أسوء.. صدقني.
- لا!
- لقد صارت تعامل أطفالي بقسوة وتحرمهم من رؤيتي أو الجلوس بقربي، وعندما أكلمها تقول : ليس بيدي، لا احتمل أن يشاطرني فيك أحد آخر.
شعر بهاء بأن أعصابه ستنفجر، قال بغضب :
- ولكن كيف تسمح لها بالتحدث هكذا؟ ثم عندما تزوجتك ألم تكن تعلم بأن لديك أطفال من زوجتك الأولى؟!
- بلى تعلم ذلك بكل تأكيد.
- إسمع يا أخي.. لو أن شعورها هذا لم يؤثر على أحدٍ غيرها لما كان الأمر يستدعي التدخل، لكن عندما تقول لي بأن مزاجها السيء والمستمر صار يؤثر على الأولاد وعلى علاقتهم معك بحيث إنها لا تدعهم يجالسوك أو يتكلموا معك بحرية فهذا ما لا يطاق أبدا..!
قال عمار خافضًا رأسه حانيًا ظهره كمن حمل هموم الدنيا كلها على كتفيه :
- لذلك أنا اليوم أتحدث معك بمشكلتي، أردت أن أعرف كيف تتعامل زوجتك مع أطفالك الأيتام؟ وهل تشعر بالغيرة منهم كزوجتي؟!
اتسعت حدقتا عيني بهاء وسأل بدهشة :
- وهل يجب أن تغار زوجتي من أطفالي؟ أقصد هل يجب على كل زوجات الآباء أن يتعاملن مع أبناء أزواجهن كما تتعامل زوجتك مع أولادك يا أخي؟!
- لا طبعًا.. لكني توقعت أنها تحبك كثيرًا وسيدفعها حبها هذا للغيرة من الأولاد فهم في النهاية ليسوا أولادها! وحتمًا إن مشاعر النساء متشابهة كثيرًا يا أبا علي.
_ إسمع يا أبا لبنى، لا تحاول إقناعي بأن زوجتك تحبك كثيرًا لذلك هي تتصرف هكذا مع اطفالك!
إسمح لي أن أقول لك بأنها تحب نفسها أكثر مما تحبك، لذلك فتصرفها هذا نابع من أنانيتها المفرطة ولو كانت تحبك فعلًا لفكرت في راحتك وراحة أطفالك ولداست على المشاعر التي يؤججها الشيطان داخلها.. هل فهمت؟
قال عمار وكأنه كان ينتظر كل حرف من هذا الكلام :
- أنا أفكر في هذا أيضًا، لكن أخبرني بربك ماذا أفعل معها؟ هل أخبرها بهذه النتيجة؟
- أي نتيجة؟!!
- بأنها أنانية وتحب نفسها أكثر مني؟
- يالعاطفتك يا أخي 🤦♂️ ألا ترى بأنك رومانسي أكثر من اللازم؟!!
خجل عمار وأراد أن يقوم لولا أن بهاء أمسكهُ من ذراعهِ وأعاده إلى مكانه قائلًا :
- آسف إن أزعجتك بكلامي، لكن تذكر بأنك الرجل وبأنك صاحب القرار في المنزل من غير ظلم ولا إجحاف ، اترك العاطفة جانبًا فإنها من شأن النساء ولا تليق بالرجال دائمًا!
كن حازمًا معها يا أخي لأجل أولادك فليس لهم الآن إلا الله وأنت! عيونهم عليك أنت لا غيرك!
كل منهم قد كُسِرَ أحد جناحيه فصار يقاوم الحياة بجناحٍ واحد..
فكيف إن كان هذا الجناح أيضًا غير قادر على حمله في مواجهة مصاعب الحياة؟!
ثم ما ذنب هؤلاء المساكين أن تحرمهم هذه المرأة منك ومن عاطفتك وحنانك.. ها؟ ما ذنبهم.. أخبرني!
هل ذنبهم أن أمهم قد ماتت ويجب أن يقنعوا بكل ما تفعله زوجة أبيهم معهم حتى لو كانت ظالمة؟!
قال عمار بحذر :
- وبماذا أنت ناصحي يا أبا علي.. هل أطلقها؟
- لا لم أقل ذلك معاذ الله، فالطلاق من أبغض الحلال إلى الله، ولن أسامح نفسي بل لن يسامحني الله إن كنت ممن يفرق بين المرء وزوجته هكذا!
أنت تقرأ
تسبيحة الزمن
Espiritualقصة اجتماعية هادفه قصة كتبتها انامل الكاتبة رويدة الدعمي. ما اجملها واجمل احداثها. حقاً انها كاتبة مبدعة. للكاتبة : رويدة الدعمي