الحلقة 18عنوان الحلقة / أريد القناعة!!
أكملت جنات وهي تحاول أن تقلل من الغضب الذي صار يضرب بكيان خطيبها طاهر :
- لا تتصل بأبي أرجوك .. وأعدك بأني سأبحث عن طالبة أخرى لتركب السيارة معي يوميًا حتى لا أبقى مع إيهاب لمفردي!
- وإن لم تجدي طالبة أخرى هل ستخبرين والدك بضرورة استبدال السائق؟!
- نعم.. أعدك!
تنفس طاهر الصعداء وهو يقول :
- أنا أعلم إنكِ انسانة عاقلة وملتزمة لكن خوفي ينبع من عدم معرفتي بذلك الشاب، وخاصة أنه تقدم لخطبتك سابقًا!
- نعم.. نعم أعرف ذلك يا عزيزي ولهذا أخبرتك.. لأني خشيت إن علمت بعد فترة قد تؤنبني بشدة!
- نعم أحسنتِ الصنع.. هذا هو ظني بكِ غاليتي، دعينا الآن من هذا الموضوع ما دمنا توصلنا إلى حل مناسب بإذن الله..
قالت جنات وقد ارتاحت لعودة الهدوء إلى خطيبها :
- أخبرني كيف هو حالك هذه الأيام؟
أجابها طاهر :
- لا أعرف حقًا أفكر أن أترك الجامعة!
- ماذا؟ ولكن ما السبب؟
- وهل أضمن أن أعيش إلى أن اتخرج وأعمل .. أنا ما زلت في المرحلة الثانية!
- ولكن هذا عكس إتفاقنا يا طاهر! لقد وعدتني أن تكون إنسانًا قويًا، ألم تعدني بذلك؟
- ولكن يا جنات.. لا أشعر بأن لي هدف من هذه الحياة!
- أرجوك يا عزيزي.. لا تقل هذا الكلام، استمر بالذهاب للجامعة فالعلم مفتاح كل خير خاصة إن كنت تطلبه لأجل خدمة المجتمع.. فأنت تدرس ( علوم الحياة) ويمكنك من خلال هذا الاختصاص أن تدرس ضرر الفايروسات على البشر وتعمل دراسات مهمة من ضمن حالتك! وفي نفس الوقت ستنفع بتلك الدراسات الكثير من البشر..
أما تفكيرك بالموت الآن فهذا ليس من الحكمة في شيء يا طاهر! ألم تسمع قول الشاعر الذي يحكي عن واقع هذه الحياة حين يقول :
كم من صحيحٍ مات مِن غير علةٍ..
وكم من عليلٍ عاش حينًا من الدهرِ!
***
بينما كانت الفتيات الثلاث ( جنات وأريج وإيثار) يتهيأن للخروج من القاعة، اعترضت طريقهم طالبة من نفس مرحلتهم واسمها ( غدير) قالت بشيء من الارتباك :
- المعذرة منكن.. لكني كنت أجلس خلفكن عندما سمعتكن تتفقن حول زيارتكن للأستاذة تسنيم!
قالت جنات بدهشة :
- نعم صحيح.. لكن بماذا يمكن أن نخدمكِ غاليتي؟
- أتمنى لو تأخذوني معكم فلقد سمعت الكثير عن حكمتها ودرايتها، وأتمنى أن اسألها عن أمرٍ ما وقد بات يحيرني كثيرًا!!
قالت جنات وهي تمد يدها لغدير :
- هيا هيا.. على الرحب والسعة.
رحبت تسنيم بالفتيات الثلاث وأشارت إليهن بالجلوس، أما جنات فلقد اتجهت إليها وقبلتها لتجلس بقربها وهي تشعر بالفخر من هكذا أم واستاذة!
قالت تسنيم :
- من هي منكن أريج؟ ومن هي ايثار؟
ابتسمت الفتيات، وأشارت جنات إلى صديقاتها لتعريف تسنيم بهن.. ثم قالت :
- ماما أن غدير لديها سؤال!
قالت تسنيم بابتسامتها المعهودة :
- نعم حبيبتي غدير تفضلي..
قالت غدير بعد هنيهة من التفكير :
- إنني أعاني من عدم القناعة يا استاذة.. حتى باتت هذه المشكلة تؤذي والدي ووالدتي وحتى أخوتي!
- ولكن كيف ذلك أوضحي لي.. إن أمكن؟!
- أنني لا أقنع بأي شيء في حياتي، دائمًا أتمنى لو أكون الأفضل من غيري سواء في الملابس أو طريقة المعيشة، وصارت طلباتي تتزايد يومًا بعد يوم فكل شيءارتديه أو أملكه أشعر بأنه لا يليق بي!!
حتى أن أهلي ضاقوا بي ذرعًا، وأنا أعلم بأني على خطأ لكني لا أعلم لماذا افكر هكذا؟ أشعر بأن مشكلتي نفسية ليس إلا!
قالت تسنيم وهي تُحَيي غدير على صراحتها :
- جميل أن يكون لديكِ تأنيب الضمير هذا يا عزيزتي ، فهو يدل على روحكِ الطيبة وفطرتك السليمة، أنتِ فقط تحتاجين إلى معرفة بعض الأمور المهمة!
- نعم يا أستاذة.. وكلي آذانٌ صاغية!
- لنعرف بالبداية ما هي القناعة؟ ففي " لسان العرب" لابن منظور يقول ( القناعة هي الرضا بالقسم) أما في " النهاية" لابن الأثير فهي ( الرضا باليسير من العطاء) هذا من ناحية المعنى اللغوي أما من ناحية الدين فلقد ذكرت الكثير من الأحاديث والروايات الشريفة التي توضح لنا المعنى الحقيقي للقناعة وهي ( الرضا بما قسم الله تعالى) وهذه تأتي إن نحن سلمنا جميع أمورنا بيد الله تعالى سواء في مسألة الرزق أو غيرها وفوضنا أمرنا إليه فهو الذي حثنا في محكم كتابه الكريم على ذلك بأن نردد هذه الآية الكريمة ( وأفوض أمري إلى الله، إن الله بصيرٌ بالعباد) هو سبحانه يعلم مصلحة عباده فيجعلها لهم بأي طريقة كانت، فعلينا أن نرضى بذلك ولا نعترض بل نحمد الله على كل حال..
وورد في بحار الأنوار قول الإمام علي عليه السلام في هذا المعنى ( طلبتُ الغنى فما وجدته إلا في القناعة، عليكم بالقناعة تستغنوا).
وفي معاني الأخبار ورد عن إمامنا الصادق عليه السلام ( الغنى في القناعة، وهم يطلبونه في كثرة المال فلا يجدونه)!
وإن سبيل كسب القناعة والرضا بما قسمه الله لنا عينه الإمام الصادق عليه السلام فلقد ورد في الكافي قوله :
( انظر إلى ما هو دونك في المقدرة، ولا تنظر إلى من هو فوقك في المقدرة، فإن ذلك أقنع لك بما قُسِم لك).
سألت غدير :
- وكيف يكون ذلك استاذة.. إذا أمكن توضيح!
- أن الإمام عليه السلام يقصد أنه اذا نظرنا إلى غيرنا ممن هم أقل مستوى منا ماديّا فنرى معاناتهم وكيف يكابدون صعوبة العيش حينها سنحمد الله على ما منَّ علينا من نعمه وافضاله، وسنقنع بما وهبنا إياه من نِعم وأفضال لا تعد ولا تحصى!!
قالت إيثار وهي تتجه بنظرها صوب تسنيم :
- هل تسمحين لي يا استاذة أن اشترك بالحديث؟
قالت تسنيم بفرحٍ غامر :
- نعم.. نعم تفضلي حبيبتي!
- شكرًا استاذتي.. لقد قرأت عن تجارب أشخاص يعانون من عدة مشاكل نفسية ومنها مشكلة اختنا غدير، ولقد علق في ذهني كلام لأحد الشباب الذين كانوا يعانون من عدم القناعة فعالجها طبقًا لحديث الإمام الصادق عليه السلام والذي ذكرتموه قبل قليل!
حيث يقول ذلك الشاب :
لقد عالجت مشكلتي تلك بزيارة الأحياء الفقيرة لأشكر الله على ما أنعم عليَّ، كما زرت المستشفى لأتفقد أحوال المرضى هناك ولأشعر بعظمة نعمة الصحة التي أنعمها الله عليَّ، أيضًا فلقد زرت المقبرة لينشرح صدري ( إن ضاقت بكم الصدور فعليكم بزيارة القبور).. أكملت إيثار بكل ثقافة :
- وأعتقد يا استاذة بأن انشراح الصدر عند زيارتنا للقبور يأتي من علمنا حينها بأن حدود الدنيا هي هذه! وإن ما بعدها خير وأبقى!
أعجبت تسنيم بلباقة إيثار وثقافتها الواسعة، شكرت غدير للأستاذة تسنيم لطافتها وكذلك شكرت لإيثار مداخلتها الجميلة.
استأذنت الفتيات من تسنيم وخرجن بينما بقيت جنات بقربها..
سرحت تسنيم بفكرها قليلًا بعد أن أعجبت بشخصية إيثار صديقة جنات وصارت تسأل نفسها ماذا لو خطبتها لابنها علي؟!
ثم قالت وهي تبتسم : إن حصل ما أفكر به لن يبقَ إلا إيهاب وسأبحث له عن فتاة لا تقل التزامًا وثقافة عن ايثار!
وعندما وصلت تسنيم إلى التفكير بإيهاب قالت لجنات :
- أخبريني يا ابنتي.. ألم تجدي طالبة أخرى تشاركك طريقكِ من وإلى الجامعة؟!
قالت جنات بفرح :
- لقد نسيت أن أخبرك.. تحدثت مع " أريج" اليوم عن ذلك ووافقت على المجيء معي في نفس السيارة!
أنت تقرأ
تسبيحة الزمن
Spiritualقصة اجتماعية هادفه قصة كتبتها انامل الكاتبة رويدة الدعمي. ما اجملها واجمل احداثها. حقاً انها كاتبة مبدعة. للكاتبة : رويدة الدعمي