نعمة النسيان

145 17 0
                                    


َالحلقة 7

عنوان الحلقة / نعمة النسيان!

سألتها تسنيم بحنان :
- إلى الآن لم نسمع منكِ يا جنات كلمة واضحة لا بالرفض ولا بالإيجاب! أتمنى أنا ووالدكِ أن نعرف هل أنتِ راضية بالزواج من طاهر أو رافضة له يا ابنتي؟
- أماه أرجوكِ .. أنتِ تعلمين أني لا أحبه!
- هل تكرهيه؟
- لا.. على الإطلاق!
- إذًا ماذا تقصدين بأنك لا تحبيه؟
- أقصد تلك المشاعر الجميلة التي تجمع بين الرجل والمرأة!
- ولكن كيف تحبيه وأنتِ لم تعطيه حتى فرصة واحدة للتحدث إليكِ؟ ثم إنكِ تبحثين عن الحب قبل الخطوبة والزواج وهذا أغلبه غير ناجح لأنك ستحبين من لا تعرفيه!
إن الحب الحقيقي يا ابنتي هو ما يأتي عن معرفة جيدة بالشخص وبصفاته الروحية لا الجسدية فقط!!
طأطأت جنات رأسها وهي تقول :
- وإيهاب.. ألسنا نعرفه منذ زمن طويل؟
- أهاا.. قولي هذا إذًا.. أنت تفكرين بإيهاب.. صحيح؟!
- نعم.. لا أخفي عليكِ ذلك يا أمي!
- اسمعي يا حبيبتي هذا لا يسمى حبًا بل إنه إعجاب ليس إلا.. صدقيني!
الحب يأتي بعد أن تعاشري الشخص وتتعرفي على صفاته كما أخبرتك، وغالبًا ما يأتي هذا الشعور الجميل بعد عقد القرآن بين الرجل والمرأة وتعرف أحدهما على الآخر عن قرب.. أما أن تكوني قد رأيتِه مرتين أو ثلاث ولفترات متباعدة دون أن تعرفي شخصيته الحقيقية فهذا لا يمكن أن يكون شعورًا بالحب!!
- لكن يا أمي صدقيني.. أنا أنا اتمنى أن ارتبط به..
هنا حضنت جنات أمها وصارت تبكي.. فما كان من تسنيم إلا أن حضنتها بكل عطف وقد نزلت دموعها هي الأخرى من دون إرادتها!
قالت وهي ترفع رأسها نحو تسنيم :
- لنفرض أنني لم أحب عفوًا لم أعجب بإيهاب..فهل برأيكِ سيعجبني طاهر هذا؟
- ولمَ لا!
- لا أعرف.. لم يدخل قلبي!
- هذا لأن قلبكِ مشغول بشخص آخر، يجب أن تنسي أمر إيهاب يا حبيبتي.
-لكن ألم يخطبني من أبي؟ ألم توافقا عليه؟ كيف ظهر هذا الـ ( طاهر) في حياتنا فجأة؟! كيف؟
ثم صارت تضرب بكفها على وجهها وهي تبكي بقوة وتلعن حظها العاثر!!
حاولت تسنيم تهدأتها بالقول :
- جناتي الغالية.. اسمعيني أرجوكِ! فكري في الأمر من جميع النواحي، أولًا إن إيهاب يكبرك ب 10 سنوات بينما طاهر لا يكبرك إلا بسنة واحدة، كما أن وجودك في أوربا سيمنحك فرصة الدراسة بأفضل الجامعات عالميًا.
- لكن يا ماما.. إن طاهر أشبه ما يكون باولئك الغربيين ولا يوجد فيه شيء من صفات الرجل الشرقي.. ألم تنتبهي لملابسه؟ وكذلك تصرفاته؟ وحتى كلامه! صحيح أنني رأيته يؤدي الصلاة في وقتها لكن ما أدراني إن كان هذا الأمر فعلًا من صفاته أم إنه أمامنا فقط يؤديها؟! لا أعرف طبيعة تصرفاته هناك وهو يعيش منذ طفولته في بلاد الغرب؟
- لا أعلم يا جنات.. لكني أشعر بأن هناك حكمة في موضوع خطبتك من هذا الشاب.. قد يكون بحاجة إلى الهداية في بعض الأمور المهمة ، نعم قد تتمكنين من التحدث معه وإصلاح ما يمكن إصلاحه من أمر دينه ودنياه؟! ألا تشعرين مثلي بأن هناك تدبيرًا إلهيًا في الموضوع؟ ففي اليوم الذي قررنا أن نعطي فيه موافقتنا على إيهاب يتصل عمك ليخبرنا بأمر مجيئه!
هنا تذكرت جنات الرؤيا الغريبة التي رأتها في تلك الليلة، صمتت ولم تعقب!
قالت تسنيم بشيء من الحيرة :
- هل صمتك يعني موافقتك؟ أم ماذا؟
- لا أريد أن أرفض يا أماه لأني..
- لأنك ماذا.. تكلمي!
- لأني أخشى أن يكون طاهر فعلًا بحاجة ماسة لوجودي في حياته..فما تشعرين به أشعر به أنا أيضًا ..!
ثم سردت الرؤيا لأمها وعقّبت بعدها بالقول :
- هذا ما يجعلني أخشى الرفض.. رغم عدم رغبتي بالزواج منه على الإطلاق!
- لن يكون هناك زواج يا حبيبتي إلا بعد أن تقتنعي به بالكامل.. سوف يتم عقد القرآن بينكما لكن الزفاف والزواج الرسمي سيكون بعد عام من سفرك.. ستكونين حينها قد عرفتِ طباعه وما هي صفاته الروحية وأخلاقه الحقيقية.. وإن لم تقتنعي فستعودين إلى أرض الوطن وكأن شيئًا لم يكن!
- وهل برأيك سيتركني بحالي سنة كاملة؟ ألم يرغمني على الزواج به قبل هذه الفترة؟
- سيأخذ والدك عهدًا منه ومن أبيه أن يتركا لك حرية اختيار وقت الزواج، وسيرسلان في طلبنا لنحضر حفل زفافك يا نور عيني.
- ولكن يا ماما كيف إن كان تفكيره يختلف عن تفكيري؟! ماذا أفعل حينها!
- ابنتي الغالية إن الإنسان المؤمن أينما حل وأينما نزل سيكون له تأثير إيجابي على الآخرين خاصة إذا كان ذلك المؤمن يتمتع بقوة الشخصية ولديه من العلم والثقافة ما يكفي، حينها سيكون قويًّا ومؤثرًا، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وآله : " المؤمن القوي خير عند الله من المؤمن الضعيف".
أكملت تسنيم وهي تشد على يدَي جنات :
- استمعي إلى هذه القصة القصيرة في كلماتها والكبيرة في مضمونها ومعانيها، وجاءت على لسان الأديب سعدي الشيرازي حيث يقول :
( وصلتني من المحبوب يومًا تربةً عطرة، فقلت لها : هل أنتِ مسكٌ أم أنتِ عنبر؟ فأجابتني : لم أكن سوى تربةً وضيعة، إلا أنني جاورت وردةً ردحا من الزمن فأثرت بي واكتسبتُ الكمال منها).
والآن يا جنات هل ترين بأن الكمال أو بنقل الإيمان ما هي إلا قوى تؤثر في المحيطين بها؟
ثم الا تتذكري معي قصة ( سامية) للكاتبة عالية محمد صادق.. والتي قرأناها معًا قبل عام من الآن؟
- نعم اذكرها!
- ألا ترين بعض التشابه بين قصتك وقصتها؟!
- نعم بالفعل!
- لقد ذهبت إلى بيت عمها وهي لا تعرف ماذا يمكن أن يلاقيها هناك من أحداث، ورغم أنها وابن عمها كانا مجبورَين على الموافقة بتلك الخطبة ( أو الخطة) فخطيبها كان يختلف تمامًا عن أفكارها وكان لا يطيق رؤيتها حتى! إلا انها صمدت وصبرت وأثرت به من خلال أخلاقها والتزامها وثقافتها الكبيرة، بل وأثرت حتى على أسرته وعائلته!
- لكن يا ماما.. سامية ذهبت إلى بيت عمها وقلبها فارغ، أما أنا فقلبي مشغول! هي لم تحب أحدًا قبل خطيبها سامي أما أنا..
صمتت جنات عند هذه النقطة ودمعت عيناها من جديد!
قالت تسنيم معترضة :
- أنتِ على خطأ يا حلوتي..اولًا سامية لم تذهب وقلبها فارغ! بل كان مليئًا بحب الله تعالى فهو محبوبها الأول الذي ذابت في حبه ودعته أيامًا وليالي ليكون انيسها في غربتها ولتستمد منه العون والقوة والصبر على صعوبة حياتها الجديدة.
و ثانيًا بخصوص انشغال قلبك بذلك الشاب فاستعيذي بالله من الشيطان الرجيم لأنك المفروض فتاة مؤمنة لا ينشغل قلبها إلا بذكر الله فالقلب حرم الله كما تذكر لنا الروايات الشريفة وهو سبحانه الذي سيكون معكِ ولن يترككِ في حياتكِ الجديدة..
صمتت تسنيم قليلًا ثم اردفت : وإن بعد المسافات كفيلة بإذن الله على جعلكِ تنسيه شيئًا فشيئًا.
تساءلت جنات بلهفة :
- أنساه؟!
- نعم ياغاليتي.. وحتى يتحقق لك نسيان ذلك الشاب عليكِ بالتوكل على الله أولًا، وطرد الأفكار السلبية من قلبك وعقلك ثانيًا، والانشغال بالأمور الإيجابية ثالثًا..
تساءلت جنات باهتمام :
-مثل ماذا يا ماما؟ اقصد الأمور الإيجابية؟
- مثل قراءة الكتب الهادفة والمحببة إلى القلب والاستماع إلى القرآن الكريم وقراءته ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب)، وكذلك الاستماع أو قراءة المواعظ والحكم، واشغال الفكر ببعض الهوايات الجميلة..
السفر أيضا بحد ذاته يعتبر وسيلة جيدة للنسيان فتغيير مكان العمل أو الحرفة أو الدراسة أو السكن كلها تساعد على النسيان..
- لا أعتقد رغم كل هذا بأنني سأنساه بسهولة!
- بل ستنسيه يا عزيزتي، لأن الله وهب للإنسان نعمة اسمها ( النسيان) وسينعم بها عليكِ قريبًا بعد التوكل عليه وكثرة الدعاء والتوسل به سبحانه..
تساءلت جنات بدهشة :
- وهل النسيان نعمة يا أمي؟!
ابتسمت تسنيم وهي تقول :
- نعم يا حبيبي.. استمعي إلى حديث إمامنا الصادق عليه السلام والذي ورد في كتاب بحار الأنوار عن هذه النعمة العظيمة، حيث يقول عليه السلام :
( لولا النسيان ما سلا أحد عن مصيبة، ولا انقضت له حسرة، ولا مات له حقد، ولا استمتع بشيء من متاع الدنيا).

تسبيحة الزمنحيث تعيش القصص. اكتشف الآن