الحلقة الحادية عشر

25 5 0
                                    


مضت السنوات وها هي جنات تكمل التاسعة من عمرها وقد رزق الله بهاء ومريم بأخٍ لها أسمياهُ ( علي) وها هما يتهيئان لاستقبال الطفل الثالث..
أما تسنيم فلقد كانت تقضي جلّ وقتها بعد الجامعة في حي الفقراء الذي زارته لأول مرة قبل ثماني سنواتٍ خلت.
لقد قررت أن تهب مشاعر الامومة الملتهبة في داخلها إلى كل هؤلاء المحتاجين بدلًا من أن تختزلها في طفلٍ واحد!
وكانت كلما ساعدت شخصًا أو عائلة تحمد الله أن سخرها لهم وتستشعر مدى النعمة التي هي فيها الآن حيث ليس لديها مسؤوليات كبيرة في البيت فلا أولاد يجبرونها على المكوث لديهم طول الوقت، ولا زوج متشدد معها خاصة أنه يوم يمكث في بيتها ويوم في البيت الآخر حتى صارت تستأنس لحالها هذا وتردد برضا وتسليم ( يقينًا كله خير) 💚
زادت العلاقة بينها وبين أم إيهاب وصار كل همها أن تبني لتلك المرأة وأيتامها الثلاثة بيتًا بسيطًا ومريحًا يأويهم ويخلصهم من ذل الإيجار وصعوبته..
قالت لبهاء في إحدى الأمسيات :
- لدي أمنية وأتمنى من زوجي العزيز أن يساعدني في تحقيقها.
- خير إن شاء الله؟
- إنها بخصوص أم إيهاب.. في بالي أن أساعدها في بناء منزل بسيط.
- لله درك يا غالية، نعم اكملي.
- حتمًا سمعت بخبر قطع الأراضي التي تنوي الدولة بيعها بأسعار مناسبة لنا نحن أساتذة الجامعات..
- نعم سمعت
- أريد شراء قطعة من تلك القطع لأهبها لتلك الانسانة المجاهدة..
- لأم إيهاب؟
- نعم ومن غيرها!
- وهل تظنين بأني سأعارض؟
- لا طبعًا.. أعلم بأنك ستوافق على طلبي.
قال بلهجة صارمة :
- لا يا حبيبتي لم تحزري! قد لا تعرفين بهاء حتى الآن..
صدم هذا الكلام تسنيم واتسعت حدقتا عينيها الجميلتين وهي تحدق بقلق في ملامح زوجها الذي بدى غريبًا بعض الشيء..
عاد للحديث وما زال الانزعاج باديًا عليه :
- كيف إلى الآن لم تعرفي طبعي؟ كيف!
- ولكن ما الذي سنخسره إن ساعدنا تلك المرأة؟ ثم متى كنت تحاسبني على المال وأين سأصرفه!
اعتدل في جلسته وحاول أن يبدو أكثر حدة وهو يقول :
- أنا لن أوافق على شراء تلك الأرض لها فقط بل سأقوم بإعانتكِ في بناءها بكل ما أوتيت من قوة.
ثم أطلق ضحكةً عالية وهو يمازح زوجته بالقول :
- ما بكِ تجمدتِ في مكانك؟ منذ متى أرفض لكِ طلبًا بالله عليكِ؟
صمتت تسنيم لكن دموعها لم تصمت فانطقلت من بين اجفانها صارخةً معاتبة!
قالت أخيرًا وهي تمسح دموعها وتبتسم :
- سامحك الله يا بهاء لقد كاد قلبي أن يقف...
- الهذه الدرجة يهمكِ أمر تلك المرأة؟
- ليس أمرها فقط ، بل أمرك أيضًا.. فلقد صدمني موقفك وخلت للحظة إنك لست زوجي الذي اعرفه حق المعرفة!
- سامحكِ الله يا تسنيم، كيف هكذا ولمجرد كلمة اسأتِ الظن بي؟
- لم تكن كلمة! ملامح وجهك كلها كانت تقول بأنك تغيرت!
- حاولت التمثيل لأرى ردة فعلكِ لا أكثر، ولأني أحببت ممازحتكِ أيضًا.
- جميل أن يمازح الرجل زوجته لكن ليس جميلٌ أبدًا أن يكسر قلبها ويجمد الدم في عروقها هكذا!
صمت فجأة وغير ملامحه إلى الحدة مرةً أخرى وقد قال بعصبية :
- مثلما توقعت، أنتِ إلى الآن لا تعرفيني فتصدقين مباشرة كل ما أفعله ولو بالمزاح! هل هذه فِعال الزوجة الصالحة، تسيئين الظن بزوجكِ المؤمن بكل هذه السرعة؟!
لم تحتمل تسنيم كل هذا التمثيل فقامت ورمت الوسادة عليه بقوة وهي تصرخ :
- كفاك مزاحًا أرجوك، أي رجلٍ أنت! أليس في قلبك ذرة رحمة! اترك المزاح واخبرني هل فعلًا ستساعدني في بناء ذلك المنزل؟
قال وهو يرمي الوسادة باتجاهها ويعود لتقشير تفاحته :
- نعم والله سأفعل هذا.. ما بكِ لا تصدقين؟ هل مزحت معكِ يومًا!!!
قالت وهي تنظر إليه شزرًا :
- لا لم تمزح معي مرتين قبل قليل.. على الإطلاق!
ضحك الاثنان وتعاهدا على مساعدة أولئك الأيتام بكل ما رزقهم الله به من حنانٍ ورحمةٍ وقوة.
يتبع...

تسبيحة الزمنحيث تعيش القصص. اكتشف الآن