جنات في أوروبا

96 16 0
                                    


الحلقة 10

عنوان الحلقة / جنات في أوروبا!

قالت تسنيم باستياء بدى واضحًا على ملامحها بعدما سمعته من علي :
- ولكن يا ولدي هل رددت على ذلك الشاب؟ ألم تدافع عن دينك؟
قال علي بحزن :
- لا يا ماما.. لأنني لم أكن أعرف كل هذه الأمور، صحيح إنكِ كنتِ تتكلمين لنا عن فضل مساعدة الفقراء لكني لم أكن أعلم بأن لهم كل هذا الشأن في ديننا الحنيف؟!
قالت تسنيم بألم :
- هل تعرف شيء؟
- ماذا يا ماما؟
- أنا أعذر ذلك الشاب المسكين على كلامه السيء عن الدين ونظرته السوداوية والتي ينظر بها للمتدينين!
فغر علي فاهه وكذلك فعلت هبة ومريم مما حدى بوالدهم إلى الضحك وهو يقول :
- أراهم تفاعلوا كثيرًا مع الموضوع يا تسنيم.. انظري إلى وجوههم!
ابتسمت تسنيم هي الأخرى؛ وجاءها صوت مريم :
- دعونا من المزاح الآن ارجوكم .. كيف يكون ذلك الشاب معذورًا في كلامه وهو يقول: أكره الدين والمتدينين؟
قال بهاء وقد توقف عن الضحك :
- عن إذن امكم.. أنا سأجيبكم بالنيابة عنها أولًا لأنها تعبت من النقاش لمدة ساعة كاملة حيث لم ترحموها منذ أن دخلت المنزل!!
وثانياً لأني أعرف رأيها في الموضوع وهو رأيي أنا أيضًا ولطالما تناقشنا مرارًا وتكرارًا لوحدنا حول هذا الأمر..
اسمعوا يا اولاد.. إن ذلك الشاب الذي نشر في صفحته عن كونه لا بحب الدين والمتدينين في حين أنه يحب الفقراء ويحب مساعدتهم كما ويحب كل أنواع الخير ما هو إلا ضحية الأفكار السلبية التي بثها أعداء الدين في مجتمعنا، وقد ساعدهم على ذلك تصرفات الكثير ممن يدّعون التدين في حين أنهم قد حشروا رؤوسهم في السياسة لينالوا حصتهم منها على أساس انهم مجاهدين بإسم الدين!!
استغل أعداء الله هذه الظاهرة في نشر فكرهم السلبي عن الدين وبأن هؤلاء المتدينين ما هم إلا مخادعين وسراق وهم يمثلون حقيقة الدين الذي لم يتسلط على رقاب الناس إلا من أجل استعبادهم وسرقة خيراتهم!!
وهذا الشاب وغيره الكثير صاروا ضحية هذه الأفكار المسمومة التي صارت تنخر بالمجتمع..
قالت تسنيم وكانت الحرقة والألم باديين على صوتها الحنون :
- عندما رأى الشباب وباقي فئات المجتمع أن الذين حشروا رؤوسهم في السياسة لأجل السرقة قد مثلوا دين الله - زيفًا - حينها صدقوا ما صارت تبثه القوى المعادية للإسلام، كيف لا وهم يرون بأم أعينهم كيف أن أولئك المدعين للتدين صاروا يجمعون الأموال ويستمتعون بها كيفما يشاؤون، ويبذرونها على أولادهم وزوجاتهم ونزهاتهم وباقي متعهم الدنيوية في حين أن شعوبهم ترزخ تحت نير الفقر والبطالة والمرض؟!
قال علي بغضب :
- ولكن يا ماما.. ما علاقة الدين بكل هذا؟ إن كان هناك شرذمة من الذين ادعوا التدين قد فعلوا كل ذلك فهل يعني أن الدين فعلا كذلك!
قالت تسنيم محاولة إنهاء الحديث بعد أن عاد إليها الصداع التوتري كما في كل مرة تتكلم فيه مع زوجها أو زميلاتها عن هذا الموضوع :
- للأسف يا ولدي، لقد انطلت الحيلة على الناس وخاصة الشباب والمراهقين منهم وبدل من أن يحاربوا أولئك المخادعين نراهم تركوهم وراء ظهورهم وصاروا يحاربون الدين الحقيقي بل ويتهموه بأمور لم تكن فيه لا سابقا ولا الآن!! بل وهجموا على أنفسهم أيضًا فخربوا دينهم وحاربوا ربهم بتركهم الصلاة والصيام وباقي الطاعات وصاروا يتجرأون على الله بمختلف المعاصي!!
قال علي وقد شعر بأن الدم صار يغلي في عروقه :
- أعلم إنكِ متعبة يا ماما.. لكن سؤالي الأخير وبعدها اترككي لترتاحي.
- ماهو يا نور عيني.. تفضل!
- هل سنبقى صامتين على كل ما يحصل؟ ما هو الحل برأيك!
- الحل هو أن نُبيّن للناس حقيقة دينهم وبأن أولئك الشرذمة المدعين للتدين ليسوا هم قادة الدين أبدًا!!
إنما قادة الدين الحقيقي أولئك الذين كل همهم الفقراء والمساكين ومساعدة المحتاج،اولئك الذين حتى وإن استلموا الحكم بقوا جياع فقد يكون أحد أفراد شعبهم جائعًا!
فذلك هو علي بن ابي طالب عليه السلام أوليس قائدًا دينيا؟ ماذا كان يفعل أيام حكمه؟ كان يتفقد الرعية ليلاً ، وعندما يسأله أصحابه عن زهدهُ في الدنيا رغم انه يملك بيت مال المسلمين يقول :
" أأقنع من نفسي بأن يٌقال هذا أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر ، أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش؟ "
هذه تعاليم الدين الإسلامي، وهؤلاء هم رجال الإسلام الذين يجب أن نأخذ ديننا منهم ونقتدي بهم في صلاتنا وصيامنا وباقي طاعاتنا وفي حبنا للخير والإنسانية، لا أن نقوم بترك عبادتنا لله ومحاربة الدين وتصديق كل ما يقال عنه بسبب حفنة من المتخاذلين والذين قبلوا أن يضعوا أياديهم القذرة بيد الشيطان لأجل تمرير مصالحهم الشخصية على حساب الدين وسمعته الطيبة بين الناس، تلك السمعة والتي بسببهم تشوهت وصار اسم الدين اليوم كلمة ممقوتة لا يرغب أن يسمعها أكثر شبابنا للأسف الشديد!
أضف إلى هذا يا ولدي بأن المتشددين الإسلاميين وفي كل المذاهب كان لهم دور كبير ويد واضحة وجلية في ابتعاد الناس عن الدين، أولئك المكفهرة وجوههم والذين يُحرمون على الناس كل شيء دون تفاهم ويصعبون الدين ولا يجعلون فيه أي مرونة أو لين - هؤلاء أفعالهم برأيي أشد حتى من الساسة المتأسلمين - في حين أن الله تعالى يفضل للمؤمن أن يكون هشًا بشًا ليّنًا ليس فضًا ولا غليظًا، قال تعالى ( ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك).

****
في أوروبا :
دخلت جنات حياتها الجديدة في بيت عمها، قال لها طاهر وهو يسحبها من ذراعها بلطف :
- هيا لأريكِ غرفتكِ.. حبيبتي.
ضحك والده بصوتٍ عالٍ وهو يقول :
- هي غرفتها لوحدها ام غرفتكما معًا!؟
تجهمت جنات وشعرت بالخوف مما حداها إلى التوقف وهي تُبعد يد طاهر الذي نظر إلى أبيه مُعاتبًا وهو يقول :
- كلامك هذا قبل أوانه يا أبي! حاليًا هي غرفتها وحدها. شعرت بشيء من الراحة وأكملت طريقها مع طاهر الذي كان يسابق الريح بخطواته، صعدا الطابق الثاني ولشدّ ما ادهشها جمال الغرفة واناقتها! وقد كُتِب على حائطها بالورق المُذهب اسم ( جنات) باللغة الإنكليزية!
قالت بدهشة:
- متى أعددت لي هذه الغرفة؟
- منذ رأيت صورتك في البريد الالكتروني لوالدي، حينها طلبت منه مباشرة أن يسأل عمي بهاء إن كنتِ مرتبطة أم لا، وعندما تأكدت من عدم ارتباطك بدأت حياتي الجديدة!
قال وهو يلاحظ التعب على وجه خطيبته :
- الآن اتركك لترتاحي من تعب السفر، وسأقوم بتهيئة الطعام فلقد صارت عصافير بطني تزقزق!!
ابتسمت جنات لأول مرة في وجه خطيبها، اخترقت ابتسامتها تلك شغاف قلبه.. ودّعها وخرج من الغرفة فما كان منها إلا أن أقفلت الباب خلفه بإحكام.
وما أن استقلت على سريرها حتى استعادت كلمات عمها إحسان..
رددت مع نفسها : كيف تجرأ وقال تلك الكلمات؟!
شعرت بأنه سوف لن يدعها بحالها، سيحاول بشتى الطرق أن يُسرع في زواجها من ولده!
لقد سمعته يقول هذا الكلام لطاهر في يوم عقد قِرانهما في منزل أهلها، فعندما كان الخطيبان يجلسان إلى جانب بعضهما بعد أن تم العقد الشرعي بينهما وفي تلك الحفلة العائلية أمالَ إحسان برأسه صوب طاهر وهمس في أذنه قائلًا :
- لن أدع فترة الخطوبة تطول يا ولدي إطمأن.. ستتزوجا عن قريب!
رددت مع نفسها وهي تدير بصرها في غرفتها الجديدة :
- نعم.. لقد سمعتُ عبارته تلك بوضوح، والظاهر انه الآن يريد أن يفي بوعدهِ لولده!

تسبيحة الزمنحيث تعيش القصص. اكتشف الآن