الحلقة الأخيرة

85 14 0
                                    


الحلقة 20 ( الأخيرة)

بعد مرور عامين..

- تعالي يا جنات.. انظري بربكِ إلى أوراق البحث.. هل هذا مصير جهدي وتعبي لعامين كاملين؟!!
جاءت جنات وقد هالها منظر الأوراق الممزقة! سألت بدهشة :
- ولكن من فعل ذلك؟!
- ومن يكون غير ملاكنا الصغير.. زهراء؟!
أكمل طاهر وهو مستمر بالضحك :
- انظري إليها.. إنها تدحجني بنظرة حادة! وكأنها لم تقبل على كلامي!
إتجهت جنات راكضة نحو إبنتها ذات السبعة أشهر وهي تضمها إلى صدرها وتقول :
- كيف أعطاك قلبك أن تصرخ بوجه ملاكي هكذا يا طاهر؟! ثم ألم أحذرك منها سابقًا بأنها ومنذ أن بدأت تحبو صارت تمزق أي ورقة تجدها أمامها؟
صار طاهر يلملم أوراق بحثه وهو يقول :
- عليَّ أن أعود لسحبه من الحاسبة مجددًا، كل هذا بسبب طفلتك المدللة!
صرخت زهراء وكأنها فهمت قصده، فانفجر الاثنان بالضحك وهما يداعبنها بكل لطف وحنان.

****
كان الجميع قد سعى للتواجد في بيت الأستاذ بهاء لتوديعه هو والأستاذة تسنيم وهما يشدّان الرِحال إلى الديار المقدسة.
ستؤدي تسنيم في هذا العام مع زوجها مراسيم الحج المقدس بعد أن حاولت تأدية كل ما في رقبتها من أمانة كانت قد أثقلت كاهلها لسنواتٍ طوال..
ها هو علي يجلس بالقرب من زوجته إيثار وهما ينتظران قدوم مولودهما الأول، وقد جاء إيهاب برفقة زوجته أريج وأخويه ( حسام وسيف) الذين صارا مؤخرًا من أفراد العائلة بعد أن تمَّ عقد قرانهما على الآنستين ( هبة ومريم)..
جلست جنات بالقرب من زوجها طاهر الذي وضع طفلته الصغيرة في حضنه وهو يلاعبها بكل براءة ونقاء.
دخلت تسنيم مع بهاء غرفة الضيوف وهما يحملان حقائب السفر..
قام الجميع لإلقاء التحية عليهما قبل الرحيل، ولتقديم الشكر والعرفان لهما بالخصوص الأستاذة تسنيم التي لم تدخر جهدًا في تقديم المساعدة لهم جميعًا وتذليل العقبات التي كانت تواجههم في حياتهم.
كان الجميع يشعر بأنه ممتن لهذه الانسانة الرائعة والتي حاولت أن تكون لهم أمًّا حقيقية بكل ما تحمله كلمة ( الأم) من معانٍ سامية.

***
عند بيت الله الحرام.. وما أن شاهدت تسنيم ذلك البناء الشامخ الملفع بالسواد وقد أحاطت به هالة بيضاء من النور والقداسة لم تتمالك نفسها! فوقعت على رُكبتيها وقد غشيت عينيها دموع الشوق والرهبة!!
بدأت تردد كلمات الشكر والامتنان لخالقها العظيم والذي ما تركها لحظة واحدة منذ ولادتها وإلى ساعتها هذه..
ولطالما شعرت بقربه ووجوده بين أضلعها بل ومحيط بكل كيانها حتى صارت إنعكاسًا طبيعيًا من انعكاسات نوره المقدس! فصارت تتراءى لمن حولها من البشر كالملاك الطاهر الذي لا يصدر منه إلا الخير والحكمة ومحبة الآخرين..
ها هي اليوم وبتلك الكلمات والدموع صارت تُعبر لربها عن ذلك العشق الرائع والذي لا يحلو إلا له سبحانه، فكان هو منبع الحب في قلبها وبسبب ذلك الحب صارت تحب كل من حولها ( حبًا في الله) فنراها قد أغدقت عليهم من عطفها وحنانها وحِرصها بل ونصائحها التي طالما أنارت لهم الطريق..
هي الآن تشعر بأنها يجب أن تشكر الله حق شكره على كل هذه النِعم والأفضال التي منَّ بها عليها، فلولاه سبحانه ولولا حبه الذي ملأ خافقيها ما كان لها كل هذه المنزلة والمحبة عند أهلها وأصحابها وكل من عرفها!
ولم تنسَ أن تدعو لوالديها بأن يتغمدهما الله برحمته الواسعة فهما اللذان غرسا في قلبها ذلك الحب العظيم.
تذكرت تسنيم في هذه اللحظات الملكوتية تلك المقطوعة العشقية التي كانت تحب أن ترددها منذ الصغر وإلى يومها هذا..
في السابق كانت ترددها وهي مستلقية على سريرها أو جالسة على سجادة صلاتها أما اليوم فهلي متلهفة لمناجاة خالقها بتلك المقطوعة أمام بيته الحرام، في أشرف وأقدس بقعة على وجه الأرض..
رددت ودموعها تسبق كلماتها :

أحبك يا صباح الروح يا أُنسي لدى الشجـنِ
لأنك في دروب العمــر بالحســنى ترافقــني
وتسمع صوتي الواهي وحين أزلُّ تدركنــــي
ولو ينسى وجودي الناس تبقى أنت تذكرني
أحبك يوم ترأفُ بي على نعشي وفي كفنــي
ويوم يهيلُ فوقيَ الموت نسيــانًا فيسـترني!
أحبــك مـدركًا أني على سَــوئي ستقبلـني...
وتفتح بابك العلوي وفي الفردوس تدخـلني
أحبك يا صباح الروح.. يا تسبيـحة الزمــــنِ.

               - النــــهايـــــة -

تسبيحة الزمنحيث تعيش القصص. اكتشف الآن