من أجل الآخرين

72 15 0
                                    


الحلقة 19

عنوان الحلقة / من أجل الآخرين!

كان الاتصال الهاتفي هذه الليلة بين جنات وطاهر يختلف عن كل مرة! فلقد جاءها صوته مليء بالأمل والتفاؤل، سألته جنات بدهشة :
- أجدك الليلة مرتاحًا بعض الشيء!
صمت قليلًا ثم قال :
- لقد قضيت ليلة أمس وأنا أفكر بكلامك..
- أي كلام؟
- بخصوص عدم اليأس أو الاستسلام بسهولة، لقد رأيت أنه عين الصواب، فاتجهت صباحًا إلى الجامعة وأخذت المحاضرات بشكل طبيعي ولله الحمد!
قالت جنات بعيون دامعة :
- الحمد لله.. الحمد لله، نعم أكمل!
- ثم اتجهت إلى إحدى المكتبات العامة وبحثت عن الكتب التي تتكلم عن عدم اليأس والتي تبث في النفس طاقة إيجابية كبيرة..
- وهل وجدت؟
- نعم ولله الحمد وبدأت اقرأ، كما اشتريت بعضًا من المجلات العلمية والثقافية، استمعي إلى هذه العبارات الرائعة التي وجدتها في هذه المجلة!
- هيا.. هيا اسمعني!
- العبارة الاولى للعالم أديسون إذ يقول ( الإيمان يبقى حيًّا في نفوسنا، ويزداد قوة بالاختبار!)
أما أميرسون فيقول ( إن الداء الذي يعالجه الفكر البشري اليوم هو الحاجة إلى الإيمان)
أما أينشتاين فيقول ( وحدها الحياة التي يحياها المرء من أجل الآخرين، هي حياة ذات قيمة).
- الله.. ما أجملها من عبارات!!
- هل تعلمين يا جنات أنني قررت بعد هذا أن أحيا لأجل الآخرين؟!
- يا الله! .. وكيف ذلك؟ أخبرني!
- اليوم في أثناء المحاضرة تكلم لنا الأستاذ عن الفايروس المسؤول عن مرض العوز المناعي ( الإيدز) عندها تذكرت كلامكِ ليلة البارحة! ومنذ تلك اللحظة قررت أن يكون بحث التخرج في مرحلتي الأخيرة من الجامعة عن هذا المرض.. إن قدر الله لي أن أعيش إلى ذلك الحين!
قالت جنات وهي تزرع الأمل في قلبه أكثر :
- سيُقدر لك ذلك.. بإذن الله تعالى.
- هل تعلمين يا جنات ماذا تقول الإحصائيات عن هذا المرض؟
- ماذا تقول؟
- أن 39.5 مليون إنسان في العالم اليوم مصابون بمرض الإيدز؟!
وهل تعلمين أن 600،000 طفل يصابون بهذا المرض سنويًا سواء في فترة الحمل أو أثناء الرضاعة من الام نتيجة إصابتها بالمرض!!
أريد أن أبرز أهم أسباب هذا المرض حتى يكون الناس على علم وبينة وخاصة في المجتمعات المحافظة الذين يتوقعون أن هذا المرض لا يأتي إلا من العلاقات غير الشرعية!
- ولكن ماذا تقصد يا طاهر؟ أوضح لي ارجوك!
- هل تعلمين أن هذا المرض ينتقل أيضا عن طريق الدم أو حليب الأم إن كانت مصابة، وعن طريق استعمال نفس الأدوات سواء في الحقن الوريدي أثناء تعاطي المخدرات، أو حتى في صالات العمليات أو عيادات طبيب الأسنان إن لم يتم تعقيم الأداة - وهذا أمر لا يحدث إلا نادراً جدًا- كما ينتقل عن طريق وخز الجلد بالإبر في حالات الوشم والعمليات التجميلية التي تحدث اليوم في العيادات بل حتى في صالونات الحلاقة للرجال والنساء على حدٍ سواء!!
قالت جنات :
- ولكن مجتمعاتنا اليوم باتت تجهل هذه الأمور، فهل تعلم قيمة ما ستقوم به إن فكرت فعلًا بإجراء دراسات حول جهل المجتمعات الشرقية لهذا المرض والذي صار يدخل إلينا من الغرب بشتى الطرق والوسائل!!
- نعم حبيبتي وهذا ما صرت أفكر به كثيرًا وأدعو الله أن يوفقني في ذلك.
****
بعد مرور عدة أشهر..

- ماما أردت أن أحدثك بأمر مهم..
- نعم تفضلي حبيبتي! خير إن شاء الله؟
- أولستِ تبحثين عن عروس لإيهاب؟
- نعم نعم.. ولقد فكرت بواحدة!
- يا إلهي! ولكن من هي؟ قد تكون نفسها التي في بالي!
- إنها صديقتك أريج!
- سبحان الله.. هي نفسها! لقد فكرت بها أنا أيضًا وخاصة انها صارت تمدح إيهاب كثيرًا هذه الفترة وتخبرني بأن والدها معجب بأخلاقه وشهامته، وبأنه ينزل ويسلم على والدها - الذي يكون في انتظارها - كلما أوصل أريج إلى باب المنزل!
- حسنًا جدًا يا حبيبتي، وهذه بشارة خير على قبول خطبته لها بإذن الله تعالى.
**
تم عقد القران بين ( علي وإيثار) وكذلك بين ( إيهاب وأريج) في نفس الأسبوع مما حدى ببهاء وتسنيم إلى عمل حفل عائلي بسيط بهاتين المناسبتين..
كان الجميع سعيد والضحكات تتعالى مع اهازيج الفرح والسرور، اتخذت جنات زاوية من زوايا الحديقة وهي تنظر لخاتم خطوبتها وتبكي!
تمنت لو أن طاهر معها الآن يشاركهم هذه الأفراح..
فجأة رنَّ جهازها الخلوي الذي كانت تمسكه بيدها، نظرت إلى الشاشة فظهرت لها صورة طاهر واسمه!
رددت مع نفسها :
- يا إلهي.. انه يتصل! وكأنه شعر بحاجتي الماسة لتواجده بيننا!
- السلام عليكم.. كيف حالك يا نور عيني؟
- وعليكِ السلام حبيبتي.. أحمل لكِ خبرًا وأعتقد أنه أسعد خبر ستسمعيه في حياتك!
قالت بلهفة :
- خير ان شاء الله؟
جاءها صوته فرحًا مستبشرًا :
- هل تذكرين عندما أخبرتك بإصابتي بالإيدز.. ماذا قلتِ لي حينها؟
- لا أتذكر.. ماذا قلت!
- عندما أخبرتك بأن صاحبي هو من أتى بنتيجة التحليل إلى المنزل.. اتذكرين؟
- اها.. نعم تذكرت! قلت لك حينها بأنه قد يكون مخادعًا أو مشتبها!!
حينها أخرجت أنت ورقة التحليل من جيبك وأشرت إلى الاسم والنتيجة!
-لقد كان تخمينكِ في محله يا حبيبتي، ليتني سمعت نصيحتكِ وذهبت بنفسي للتأكد من النتيجة!
- ولكن ما الذي تقوله؟
- لقد قام ذلك الشخص الذي كان يأتي لنا بالمخدرات بعمل مكيدة قذرة لكل من قرر أن يتركه ويترك طريقه القذر ذلك!
- لقد أوهمنا بأنه مصاب بالمرض وكان قد اتفق حينها مع إحدى رفيقاته والتي كان والدها يملك مختبرًا للتحليل بأن يأتي بنا إلى المختبر لعمل تلك الاختبارات وستقوم هي بإصدار نتائج مزيفة تعلن فيها أصابتنا بالإيدز!
- ولكن كيف عرفت ذلك؟
- لقد فضحه أحد أصدقائه المقربين بعد خلاف قوي حصل بينهما، وقام ذلك الشخص بإخبارنا بتفاصيل تلك المكيدة الخبيثة..
لم اشأ إخبارك إلا بعد أن ذهبت وعملت ثلاثًا من الفحوصات اللازمة والتي تثبت جميعها سلامتي التامة من أي مرض!!
بكت جنات وهي تقول :
- لقد كنت أشعر بكل هذا منذ البداية، لكنك عارضتني وكنت مصرًا على رأيك! كنت أشعر بسلامتك صدقني!
وضعت جنات الهاتف جانبًا ثم سجدت لله شكرًا وهي تردد :
- الشكر لك يا الله.. الشكر لك!
عادت إلى رفع الهاتف ودموعها تصف مقدار فرحتها بهذا الخبر، سمعت صوت طاهر :
- جنات..جنات.. أين ذهبتِ حبيبتي؟
- أنا هنا يا نور عيني.. أخبرني الآن؟ ما مصير أولئك الأوغاد؟
- إنهم يقبعون في السجن الآن.. ذلك الوغد مع تلك الفتاة، بل حتى والد الفتاة تم إيقافه وإغلاق مختبره إلى الأبد بعد تلك الفضيحة التي تعرض إليها!!
- الف الحمد لله على فضله ونعمته، والآن دعني أدخل إلى المنزل لأخبر أهلي بالأمر ..
- ولكن أين أنتِ الآن؟
- انا في الحديقة.. الجميع يحتفلون في الداخل بعقد قرآن أخي علي، وكذلك عقد قران إيهاب..
- وماذا تفعلين أنتِ في الخارج؟
- لقد تذكرتك وتمنيت لو كنت معنا الآن.. لم أكن أريد أن أبكي أمامهم!!
- لن أتأخر عن المجيء إليكم بإذن الله تعالى، فقط أريد ان أكمل إجراءات نقلي من الجامعة..
- ماذا؟ ولكن إلى أين ستنتقل!
- سأعود إلى أرض الوطن، نعم لقد قررت أن أستقر في بلدي وسنتزوج هناك، فأنا لا أريد لأولادي أن يعيشوا في هذه الأجواء المنفلتة!
قال وهو يشعر بالأمل :
- سأعود لبلدي.. وأدرس معك في نفس الجامعة، وسيكون بحثي للتخرج عن ( مخاطر انتقال الإيدز في مجتمعاتنا الشرقية ) كما أخبرتك بالضبط!
كانت جنات تستمع لخطيبها بفخر وسعادة..
قال لها بكل ثقة :
- صحيح أن ما حصل معي بخصوص ذلك الخبر المزيف  قد افقدني توازني في البداية، لكن ولله الحمد وبفضل وقفتك الكبيرة معي فلقد كان ذلك الأمر حافزًا لي حتى أكون إنسانًا آخر!
إنسانًا يعرف ما معنى التمسك بالمبادئ الصحيحة والقيم الإنسانية العظيمة المتمثلة بشريعة الدين الحبيب، كما أن خبر ذلك المرض جعلني أعرف قيمة كل دقيقة في حياتي وأحاول أن استغلها لخير الدنيا والآخرة وحتى لا تضيع مني هباءًا منثورا.

تسبيحة الزمنحيث تعيش القصص. اكتشف الآن