الحلقة الثانية عشر

25 5 0
                                    


إتصل بهاء بتسنيم وهو يحثها على القدوم بسرعة إلى المشفى..
قالت وقد صار قلبها ينبض بقوة :
- هل حالتها خطرة لا سمح الله؟
جاءها صوت بهاء باكيًا :
- لقد أخبرني الطبيب بأنه علينا إنقاذ أحدهما أما الطفل وأما مريم ولا مجال أن يعيشا معًا ، فتوسلت إليه أن ينقذها هي.. يا إلهي ماذا أفعل؟ تعالي بسرعة أرجوكِ يا تسنيم أنا محتاج لشخص يمسكني حتى لا أقع فقدماي لم تعودا قادرتين على الوقوف!
كانت تسنيم تستمع بدهشة لزوجها وهو يبكي.. فهي وللمرة الأولى تسمع فيها صوت بكائه!
ركبت سيارتها واتجهت مباشرة إلى ذلك المشفى..
دخلت فوجدت بهاء يجلس في صالة الانتظار وقد تورمت عيناه من البكاء!
اتجهت نحوه، وضعت يدها على كتفه وسألته بارتباك :
- ما الذي حدث بربك؟
هنا زاد نحيب بهاء ضامًا وجهه بين كفيه، قال بصعوبة :
- لقد كتبت ليلة أمس وصيتها، طلبت أن لا يفتحها أحد غيركِ يا تسنيم، أدّت صلاة الليل بصعوبة وكنت أسمع صوت أنينها وأوجاعها.. آه عليكِ يا مريم.. آه.
بكت تسنيم هي الأخرى، ثم خاطبت زوجها محاولةً زرع القوة في داخله..
- لكن ما هذا الضعف الذي أنت فيه الآن؟ أي انهيار هذا وأي استسلام؟ لماذا تدع الشيطان يبث اليأس في داخلك؟ إن ما يكتبه الله لنا علينا قبوله مهما كان وفي نفس الوقت يجب أن لا نيأس ولا نترك الدعاء.. إنه لطيف بعباده ويعرف مصلحتنا أكثر منا، إن كان يجب أن نجتاز ما يختبرنا به فيجب أن نجتازه بقوة وشجاعة ورِضا.. فأين أنت من كل هذا؟
صمت بهاء، مسح دموعه.. قام من مكانه وهو يردد : أستغفر الله وأتوب إليه وأسأله اللطف والرضا.
هنا خرجت الطبيبة من صالة العمليات ولم تكن علامات وجهها تبشر بخير!
اقتربت من بهاء وهي تقول :
- عملنا الذي علينا يا أستاذ ، طبيب القلب أيضًا لم يقصر في شيء.. تستطيع الدخول لرؤية طفلتك الآن.
قال بترقب :
- وزوجتي؟
خفضت رأسها وهي تتمتم : ساعدك الله على فقدها.
شعر بهاء بقوة تسنده من الخلف، لم يكن مصدر تلك القوة تسنيم.. لأنها ركضت إلى الغرفة ما إن سمعت كلام الطبيبة، فما كان مصدرها؟
قال مرددًا وبثقة كبيرة : إنا لله وإنا إليه راجعون.. لن أعترض على حكمك يا الله لكني أسألك الرحمة والمغفرة لزوجتي وأن تعوضها عن كل آلامها بجنةٍ عرضها السماوات والأرض فإنها كانت نِعم الزوجة لي ونِعم الأم الصالحة لأولادي ، كما وأسألك أن تلطف بحالي وحال أطفالي من بعدها.
مشى نحو الصالة بخطواتٍ ثقيلة وهو يسمع بكاء تسنيم ونحيبها، دخل فوجدها ترمي بنفسها على جثمان مريم وهي تردد : حبيبتي وأختي.. آهٍ عليكِ.. آه!
لم يتمالك نفسه عاد للبكاء هو الآخر محاولًا رفع تسنيم عن جثمان مريم لكنها كانت ترفض ذلك!
قال لها معاتبًا : ولكن.. ألم تتكلمي معي قبل قليل عن القوة والرضا بقضاء الله وقدره؟!
قالت له الممرضة : اتركها يا أخي، الظاهر إن علاقتها بها قوية جدا.. هل هي أختها؟
لم يستطع بهاء الإجابة فلقد خنقته العبرة..
أجابت الطبيبة بدلًا منه وهي تهمس في أذن الممرضة :
- إنها ضرتها، فالمرحومة هي الزوجة الثانية للأستاذ بهاء، أما هذه التي أمامكِ فهي زوجته الأولى..
فغرت الممرضة فاهها متعجبة مما ترى وتسمع! فكيف نشأت هذه العلاقة القوية بين الضرتين؟!
قطع على تسنيم بكائها صوت رقيق لامس شغاف قلبها..
التفتت وهي تردد بلهفة :
- إنها تبكي.. الطفلة، الطفلة!
وفي مكان بعيد عن جثمان الأم كانت ترقد تلك الطفلة الصغيرة، ركضت تسنيم نحوها..
- آه.. حبيبتي!
لا تبكي طفلتي الحبيبة، تعالي إليَّ يا غالية، إنظر يا بهاء ما أجملها سبحان الخالق!
أخذ بهاء ابنته بين يديه، قرَّب فمه من أذنها الصغيرة وفعل معها كما فعل بطفليه السابقين ..
أذنَّ بصوته الشجي في أذنها اليمنى وأقام في اليسرى ثم ناولها لتسنيم قائلًا :
- ستكونين أنتِ أمها يا تسنيم، قربيها إليكِ وضميها لتشعر بحنانكِ أكثر.. لتعتاد عليكِ منذ الآن.
أخذت تسنيم الطفلة وضمتها إلى صدرها وهي تقول : سأكون لها كأمها إن شاء الله.
ثم أخذت الطفلة عند أمها وهي تردد ودموعها لا تترك عينيها :
- نامي قريرة العين يا مريم، طفلتكِ أمانة في رقبتي.. بل أطفالكِ جميعهم أمانة في رقبتي إلى آخر لحظة من حياتي.. أعدكِ يا أختاه.
يتبع..

تسبيحة الزمنحيث تعيش القصص. اكتشف الآن