الحلقة الخامسة عشر

25 4 0
                                    


عادت جنات للتساؤل :
- ولكن لماذا الدنيا سجن المؤمن؟
- لأن الله أعدَّ لنا الراحة الأبدية في الآخرة يا حبيبتي وما الدنيا إلا دار بلاء واختبار وفتنة!
قال تعالى :
( أحسب الناس أن يُتركوا أن يقولوا آمنّا ثم لا يُُفتنون)؟
وعندما ينجح المؤمن في إختباره سيختار الله له الراحة الأبدية ليخلصه من سجن الدنيا الذي كان مليء بالهموم والمشاكل والابتلاءات كالفقر أو المرض أو ما شابه.
- إذن حدّثيني عن إنتقال الإنسان المؤمن من هذا السجن إلى تلك الجنة..
- إن الموت يا جنات ما هو إلا قنطرة أو جسر يعبر عليه المؤمن من هذه الحياة الدنيا إلى تلك الحياة المليئة باللذات والنِعم الخالدة التي لا انقطاع لها ولا زوال.. فهل يكره الإنسان أن ينتقل من السجن إلى القصر؟!
ابتسمت جنات للمرة الثانية وقالت :
- لا طبعًا، بل ما أروع ذلك!
حمدت تسنيم الله كثيرًا في سرها إذ استعادت جنات هدوءها ثم استمرت بالحديث معها :
- لقد وصفت الأحاديث الشريفة حالة المؤمن ساعة الانتقال من دار الدنيا إلى الدار الآخرة كخلع ثياب قذرة وفك قيود واغلال ثقيلة واستبدالها بأفخر الثياب وأجملها وأطيب الروائح وأزكاها.
- لكن يا ماما تسنيم.. لماذا نحن لا نحب الموت ونخاف منه إن كان هذا حاله؟!
- ولكن هل أنتِ الآن بعد سماعكِ كل هذا ما زلتِ تخافين من الموت؟
- هل تريدين الحقيقة؟ أنا كنت أكره الموت لكن بعد أن ماتت أمي وبعدما سمعته منكِ فلقد صرت احبه لأرى أمي اولًا ولأرى نعيم الله ثانيًا.. ولكن!
- هل ما زالت هناك لكن!
- نعم فأنا ما زلت أخشى ملك الموت قابض الأرواح والذي وصفته لي صديقتي في المدرسة بأن له منظر مرعب جدًا فهل هذا صحيح؟!
- هذا صحيح إن كان الإنسان كافرًا يا حبيبتي، أما الإنسان المؤمن فإنه يرى ملك الموت في أجمل صورة، ويفرح لرؤية هذا الوجه الحسن لكن وما أن يعلم بأنه ملك الموت حتى يجزع ويحزن فيقول له ملك الموت : لا تجزع! فوالله لأنا أبرُّ بك وأشفق من والدٍ رحيمٍ لو حضرك.
- وماذا يقصد بهذا الكلام؟
- يقصد بأنه سيكون معه رقيقًا ولطيفًا كما هو الأب الرحيم مع ولده، ولن يؤذيه حين يقبض روحه بل ستخرج روحه من جسده بكل سهولة كما وصفها رسول الله صلى الله عليه وآله كخروج الشعرة من العجين وحتى لا يدري المؤمن هل مات أم ما زال حيًا!!
- الله! الهذهِ الدرجة؟!
- نعم يا حبيبتي، إذ إن الله تعالى يمحو كل الذنوب عن عبادهِ المؤمنين من خلال ابتلاءهم في الدنيا بشتى الابتلاءات التي تذهب بذنوبهم فيطهرهم بها ويزكيهم حتى عندما يأتي أجلهم يكونوا خالين من الذنوب والخطايا تمامًا ويعودوا كما ولدتهم أمهاتهم.. أنقياءً من كل سوء.
- إذن الله يبتلينا لمصلحتنا وليس لأذيتنا وعذابنا!
- نعم يا ابنتي..
- ونار جهنم ليست للمؤمنين أبدًا لأنهم وإن كانت لديهم ذنوب ومعاصي قليلة فسيمحوها الله لهم من خلال صبرهم على البلايا والمصائب.
- أحسنتِ.. أحسنتِ
- إنها فقط للمعاندين والكافرين وأصحاب الذنوب الكبيرة والعظيمة.
ابتسمت تسنيم وقد أبهرتها فطنة جنات وذكائها :
- نعم بالضبط يا حبيبة قلبي.
- ماما تسنيم.. لم أعد أخشى من الموت ، صرت أحبه وأحب الله كثيرًا لأنه لطيفٌ بنا ويحبنا لدرجةٍ كبيرة.
**
في صباح اليوم الثاني فتحت تسنيم بيتها لاستقبال المعزيات وجاءت أخوات مريم من مناطق سكناهما وكذلك ريان أخت تسنيم بعد سماعهن الخبر الأليم..
أما بهاء فكان يستقبل المعزين في الجامع الكبير التابع لمدينتهم.
كان علي الصغير يبكي كثيرًا وهو يبحث عن وجه أمهِ بين النساء.. لماذا لا يراها؟
كانت جدته وكذلك خالاته يحاولن إسكاته لكن ما من فائدة! فهو ما زال صغيرًا على فهم حقيقة الموت فكيف يُفهمونه بأن أمه قد رحلت للأبد؟!!
نظر إلى تسنيم وهي موشحة بالسواد، ركض نحوها بعد أن يأس من جدته وخالاته اللواتي لا يقبلن أن يقلن له أين أمه ولماذا لا يراها؟!
صاح وهو يرتمي في حضن تسنيم ويبكي بشدة :
- ماما تسنيم.. أين هي ماما مريم؟!
ارتفع صوت النساء الحاضرات بالبكاء والنحيب، قامت تسنيم من مكانها بعد أن شعرت بأن قلبها سيتفطر من الألم، أمسكت الصغير من يده بهدوء واتجهت به نحو غرفتها، وهناك بدأت بالكلام معه وهي تمسح دموعه :
- حبيبي علي ماما مريم الآن في الجنة.
جاءها صوته يدمي القلب : ولماذا تركتني ورحلت لوحدها؟
- إسمع يا علي.. إن هدأت وتوقفت عندك البكاء فسأفتح لكم جهاز الحاسوب لتلعب فيه العابًا جميلة.. ما رأيك؟
- سأتوقف عن البكاء لكن بشرط : أن تخبريني متى أذهب لرؤية امي في الجنة؟
- ستتمكن من رؤيتها حينما يأذن الله بذلك.
- ومتى يأذن الله؟
أجابته تسنيم وهي تحاول أن تصل لمستواه العمري :
- إننا حينما نكون أناسًا مهذبين ومؤدبين فإن الله سيحبنا ويدخلنا إلى الجنة.
صمت علي فجأة وهو يمسح دموعه :
- من اليوم سأكون ولدًا مهذبًا.. هيا افتحي لي حاسوبكِ لألعب.
- هذا هو الحاسوب تحت أمرك، وسأذهب للمطبخ وأحضر لك طعام الغداء.
جلس الصغير يلعب حتى جاءته تسنيم بالطعام فأكل ثم أخذته ليغسل فمه وأسنانه وعادت به إلى غرفتها، استلقت بجانبه تسرد له الحكايات الجميلة حتى استسلم للنوم.
غطته تسنيم بهدوء وتركته نائمًا على سريرها واستعدت لترك الغرفة بعد أن اطمأنت على نوم الصغيرة هبة أيضا.. لكنها تفاجأت بدخول الجدة مع حفيدتها جنات.
يتبع...

تسبيحة الزمنحيث تعيش القصص. اكتشف الآن