حلقة 15عنوان الحلقة / هل من توبة؟!
في اليوم الثاني من تواجد تسنيم وبهاء في منزل إحسان قال الأخير لتسنيم وهو يستأذنها في الحديث :
- اسمحي لي يا أستاذة وبحكم درايتك وحكمتك التي كلمتنا عنها جنات كثيرًا.. فأنا أتمنى أن أسألك حول أمر بات يؤرقني!
- خير إن شاء الله.. تفضل يا أبا طاهر؟
- زاد الله من فضلك أستاذة .. بخصوص ولدي طاهر وما حلَّ بهِ من مرض خطير جدًا هل.. هل سيحاسبني الله برأيكِ عن كل ما جرى له؟
- أنت ماذا ترى؟ أقصد بماذا تشعر؟
- أشعر بأنني سأحاسب على ذلك بسبب تقصيري في تربيته!
كان من المفترض أن أعتني بتربيته أكثر، ماتت والدته وتركته أمانة في رقبتي، لكن انظري.. ماذا فعلتُ بالأمانة؟!
- اسمعني يا أبا طاهر، إن أبنائنا أمانة - الله - عندنا قبل كل شيء، وبهذا يجب أن نعرف كيف نتصرف معهم وكيف نراقب أحوالهم من دون أن يشعروا بمراقبتنا، نعم علينا أن نعرف مع من يلتقون وأي أصحاب لديهم ومن أي نوع هم، وخاصة في وضع مجتمعاتنا هذه وما انتشر فيها من مفاسد!
استمع إلى هذه الحادثة التي وقعت في زمن الرسول عليه وعلى آله آلاف التحية والسلام، وذكرت في كتاب جامع الأخبار وفي مستدرك الوسائل :
( رأى رسول الله " صلى الله عليه وآله" أولاداً يلعبون فقال لأصحابه : ويلٌ لأولاد آخر الزمان مِن آبائهم ، فقيل : يا رسول الله مِن آبائهم المشركين؟ فقال : لا ، مِن آبائهم المؤمنين .. ).
برأيك يا أبا طاهر.. لماذا يتوعد الله الآباء المؤمنين بالويل؟
طأطأ إحسان رأسه ولم يحر جوابًا بينما أكملت تسنيم :
- ما أن نقرأ الحديث حتى يتبادر إلى ذهننا التقصير الذي يقع فيه آباء وأمهات هذا الزمان تجاه أبنائهم، والغفلة التي تعيشها عوائلنا تجاه الخطر الذي يداهم الأبناء والبنات والفتن التي تحيط بهم من كل جانب!
قال إحسان :
- نعم والله.. وكأن هذا الحديث يخصني أنا بالذات! لقد حاولت أن أحصن نفسي من مفاتن المجتمع لكني غفلت عن تحصين ولدي ومتابعته!!
******
في فترة المساء وبينما كان طاهر مستلقيًا على سريره طرقت تسنيم باب غرفته..
جاءها صوته : تفضل!
دخلت تسنيم فنهض طاهر مسرعًا وهو يستقبلها، سحب لها الكرسي لتجلس وهو يقول :
- أهلًا بكِ عمتي.. تفضلي بالجلوس!
- لقد جأت لأحدثك بأمر هام يا ولدي..
- نعم يا عمتي، أنا أيضًا كنت أريد أن أتحدث إليك في موضوعي، ابدأي أنتِ أولًا وكلي آذانٌ صاغية!
- إن جنات قلقة بشأنك فهي لا تريد مفارقتك خوفًا من أن تُقدِم على الانتحار!
- نعم يا عمتي لا أخفي عليك ذلك.. لكني وبعد أن أخذت ذلك الكتاب منها وصرت اقرأ فيه ارتفع عن عيني ذلك الغشاء وصرت أبصر امورًا كثيرة!
- جميل جدًا يا ولدي، وما أكثر ما شدّك إليه؟
- لقد تأثرت به بصورة عامة لكن هناك قصة أو حادثة لم أستطع أن اقرأها ثم اعبرها عبور الكرام ولقد عدتُ مِرارًا وتكرارًا لقراءتها!
- وما هي أخبرني بها يا طاهر؟ لقد صار لدي فضول شديد لمعرفتها!
- إنها عن أحد الشباب في زمن رسول الله واسمه جعفر الطيار!
- وهل تعرف من هو " جعفر" هذا يا طاهر؟
- نعم إنه ابن عم الرسول وأخ الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.
-حسنًا.. أكمل! ما هي تلك الحادثة؟
- ورد في كتاب بحار الأنوار عن الإمام الباقر عليه السلام إن الله تعالى أوحى إلى رسوله : إني شكرت لجعفر بن أبي طالب أربع خصال، فدعاه النبي صلى الله عليه وآله فأخبره فقال : لولا أن الله تعالى أخبرك ما أخبرتك! ما شربت خمرًا قط لأني علمت إن شربتها زال عقلي، وما كذبت قط لأن الكذب ينقص المروءة، وما زنيت قط لأني خفت إني إذا عملت عُمِل بي، وما عبدت صنمًا قط لأني علمت أنه لا يضر ولا ينفع، فضرب النبي صلى الله عليه وآله بيده على عاتقه وقال : حقٌ لله عز وجل أن يجعل لك جناحين تطير بهما مع الملائكة!
- ما أجملها من رواية! فعلًا إنه مثال للشاب العاقل الذي يدرس الأمور جيدًا قبل أن يقدم على فعلها.
- لكن يا عمتي فقرة واحدة لم افهمها!
- أهاا.. وما هي يا ولدي؟
- الفقرة الخاصة بالزنا! ماذا كان يقصد منها؟!
- أنه يقصد أن الزاني والعياذ بالله سيأتي يوم ويفعل رجل آخر بعِرضه ما فعله هو بعِرض غيره.. إن لم يتب ويندم!
اسمع ما قرأته عن هذا الأمر وهو حقًا من أجمل ما قرأت :
" كما تدين تُدان " ... خبئ هذا النص في رفوف غفلتك للأيام القادمة، و سيخبرك الزمن عنها حتمًا .. إن لم يكن بنفس الموقف فسيكون بنفس الألم، فالشعور الذي تتركهُ في صدرِ أحدهم سيضعُ الله في صدرك شعورًا مثلهُ تمامًا! فلا تمدَّ لغيرك سوى ماتحبُّ أن يُمدَّ لك!
وجاء عن إمامنا علي بن أبي طالب عليه السلام الكثير من الأحاديث التي تثبت لنا ذلك منها ( من طرق باب الناس طُرقت بابه) وكذلك قوله ( عفّوا عن نساء الناس تعفُّ نساؤكم) وقوله عليه السلام ( ما زنى غيورٌ قط) وهذا يعني أن من يغار على نساءه سواء البنت أو الأخت أو الزوجة وحتى الأم فإنه سيعف عن نساء الناس ولا يتعدى عليهن لا بالنظرة المحرمة ولا بغيرها!
أما وإن ظل يرسل عينيه وهواه حيث يشاء فيقع في الحرام والعياذ بالله حينها لا يأمن على أهله من أي أحد!!
ولن يحصل كل هذا في حالة توبة ذلك الرجل وندمه ومعاهدة الله على عدم التعدي على أعراض الناس لا بالزنا ولا بالنظر الحرام.
- حسنًا عمتي أشكر لك كل هذا التوضيح، لنعد الآن إلى موضوعي!
- نعم يا ولدي..
- هل هناك أمل بأن الله سيغفر لي ما كنت اقترفته في حق نفسي!! ضعي في بالك يا عمتي إنني لم أقرب الزنا ولا شرب الخمر طيلة حياتي وأقسم بالله على ذلك.
قالت تسنيم بابتسامة جميلة :
حتى وإن كنت فعلت هذين الأمرين القبيحين والذين يعتبران من كبائر الذنوب.. فسيغفر الله لك يا ولدي!
ألم تسمع قوله تعالى ( إن الله يغفر الذنوب جميعًا إلا أن يُشرك به)؟
- ونعم بالله يا عمتي.. حقيقة إن أشد ذنوبي هو تركي للصلاة ومداومتي لفترةٍ ما على مصاحبتي لصحبة السوء مما حدى بي إلى مشاركتهم في تعاطي المخدرات! لكني تركت كل ذلك حتى قبل أن أعرف بمرضي هذا!
اكمل طاهر وهو يضع يديه على رأسه وقد طأطأه أرضًا من شدة الألم والحسرة :
- إنني أشعر الآن بما تحكي عنه تلك الحكمة والتي تقول ( من المؤلم أن تشعر بأنك خسرت أشياءًا كثيرة لم يعد عمرك يسمح باسترجاعها).
لمحت تسنيم تساقط الدموع من عيني طاهر رغم أنه كان خافضًا رأسه محاولاً إخفاءها عنها!
قالت وهي تحاول أن تزرع الأمل في قلبه من جديد :
- اسمعني يا طاهر.. ما زال لديك وقت يا ولدي لتتوب إلى الله من كل ما كنت فيه من تقصير وذنوب، فلقد جاء في أصول الكافي عن إمامنا الباقر عليه السلام ( التائب من الذنب كمن لا ذنب له).. وسيكون طريق التوبة أسهل وأيسر لك حينما تسمع نداء الله لنا في سورة النور ( وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون لعلكم تُفلحون).
كان طاهر يستمع إلى هذه الكلمات وكأنها تنزل على صدره كالماء البارد الذي يّثلج الصدور في يوم شديد الحرارة!!
نعم هذا ما كان يشعر به، وأكثر ما أثلج صدره هو صوت تسنيم وهي تردد على مسماعه قوله تعالى في سورة آل عمران..
(( والذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم، ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يُصرّوا على ما فعلوا وهم يعلمون، أولئك جزاؤهم مغفرةٌ من ربهم وجناتٌ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونِعمَ أجر العاملين)).
أنت تقرأ
تسبيحة الزمن
Spiritualقصة اجتماعية هادفه قصة كتبتها انامل الكاتبة رويدة الدعمي. ما اجملها واجمل احداثها. حقاً انها كاتبة مبدعة. للكاتبة : رويدة الدعمي