الحلقة السادسة عشر

26 4 0
                                    


قالت تسنيم وقد وجهت كلامها لأم مريم :
- عفوًا خالتي.. هل تم تقديم طعام الغداء للمعزيات؟
- نعم يا ابنتي.
تحدثت جنات وهي ما زالت ممسكة بجدتها :
- كيف سكت أخي علي يا ماما؟
- لقد اقنعته إن أصبح مهذبًا ولطيفًا سيحبه الله ويدخله الجنة مع ماما مريم، وبأننا جميعًا إن أصبحنا كذلك فسيجعلنا الله من الذين يدخلون الجنة.
صاحت جنات بفرحٍ غامر : الله يا ماما.. كلامكِ جميل!
تكلمت الجدة والدموع تملأ مقلتيها :
- ما أروعكِ يا تسنيم ، هنيئًا لمريم إذ تركت أولادها في رعايتكِ يا ابنتي.
- استغفر الله يا خالة، إنها تركتهم في رعاية الله وحفظه فهو الذي يرحم عباده ويعطف عليهم أكثر من أي شخصٍ آخر.
عادت جنات للحديث :
- لقد طلبت من جدتي أن تتكلم لي عن الجنة لكنها أبدت عدم رغبتها في الحديث، وقالت لي أن أطلب منكِ هذا الطلب.
- حسنٌ يا حبيبتي .. سأتكلم لكِ عنها لكن ليس الآن، فمن غير اللائق أن أترك الضيوف كل هذه المدة .
وفي المساء جلست تسنيم مع جنات وعلي وجدتهما وصارت تحدثهم عن الجنة وصفاتها قائلة :
- لقد ذكر لنا رسول الله صلى الله عليه وآله صفات الجنة في حديثه عنها بعد رجوعه من رحلة الإسراء والمعراج..
سأل علي : وما هذه الرحلة؟
- إنها قصة طويلة تحكي لنا كيف صعد رسول الله صلى الله عليه وآله إلى السماء قبل موتهِ ليرى في الجنة ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطرَ على قلب بشر!
قالت جنات بلهفة : احكيها لنا ارجوكِ.
- إنها طويلة مثلما قلت لكم لكني أعدكم بأني سأشتري لكم قريبًا بإذن الله تعالى كتاب ( الإسراء والمعراج) والذي قرأته منذ كنت صغيرة فتشوقت حينها كثيرًا لدخول الجنة..
سألت الجدة :
- الا تتذكرين من ذلك الكتاب شيئًا؟
- بلى يا خالة أتذكر بعض الأحاديث التي حفظتها عن ظهر قلب ومنها هذا الحديث :
( إن أنهار الجنة تجري في غير اخدود، أشد بياضًا من الثلج، وأحلى من العسل، وألين من الزبد، طين النهر مسكٌ وأذفر، وحصاهُ الدر والياقوت...
تجري عيونه وانهاره حيث يشتهي ويريد في جنانهِ وليّ الله، فلو أضاف من في الدنيا من الجن والإنس لأوسعهم
طعامًا وشرابًا وحللًا وحليًّا لا ينقصه من ذلك شيء!)
اردفت تسنيم
وهي توجه كلامها للصغار :
- هل فهمتم من هذا الحديث شيئًا؟
قالت جنات :
- الذي فهمته ان هناك نهرًا في الجنة أشد بياضًا من الثلج وله طعم أطيب من العسل!
ابتسمت تسنيم قائلة :
- نعم بالفعل.. كما أن هذا النهر يا جنات وأنت يا علي يكون في جنة ولي الله ( اي في جنة كل مؤمن يوجد هكذا نهر) ولو أن هذا الإنسان المؤمن دعا الجن والإنس ليشربوا من هذا النهر ويأخذوا منه الدر والياقوت ليتزينوا بها لما نقص من هذا النهر شيئًا على الإطلاق.
رددت الجدة وبعدها حفيديها : سبحان الله!
قالت الجدة بحزن :
- لقد سمعت ليلة أمس عندما كنا نبيت في منزل ابنتي مريم كلامكِ أنتِ وجنات فلقد كنت مستيقظة حينها.
صاحت جنات وشاركتها تسنيم تلك الدهشة :
- هل فعلًا كنتِ مستيقظة؟!
- نعم كنت كذلك، وكم كان حديثكِ حلوًا ومشوقًا!
وأتمنى الآن أن اسألكِ يا ابنتي عن حال مريم رحمها الله.. هل تظنين بأن الله قد غفر لها ذنوبها السابقة عندما كانت غير ملتزمة جيدًا بالحجاب؟!
- لقد تغيرت مريم يا خالتي ما إن علمت بشروط الحجاب الصحيح، وهذا يعني إنها قد أعلنت توبتها و( التائب من الذنب كمن لا ذنب له) كما جاء في الحديث الشريف.
كما إنها كانت ملتزمة بصلاتها وصيامها وتكره الغش والخداع والكذب، لا تسمع الغناء ولا تحب الغيبة او النميمة..
شاركتهما جنات ببراءة الطفولة وعقل الكبار بالقول :
- نعم لقد قالت لي أمي بأن الذي يريد أن يرضى الله عنه وكذلك يرضى عنه صاحب الزمان يجب أن يكون ملتزمًا بصلاته وصيامه، وأن لا يستمع للغناء ولا يشاهد الأفلام والمسلسلات الهابطة، كما قالت لي بأني يجب أن التزم بحجابي فهو هوية المرأة المسلمة.
ومجمل القول أنها كانت تحب الله ورسوله وأهل بيته وتطيعهم في كل صغيرة وكبيرة..
قال تعالى في محكم كتابه الكريم :
( ومن يطع الله والرسول فاولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا).
جلست أم مريم ارضًا واسندت ظهرها إلى الحائط وصارت تبكي بشدة فجلست تسنيم بجانبها وصارت تربت على يدها برفق وتقول :
- لا تخافي عليها يا خالة لقد رأت مريم ساعة موتها رسول الله وإمامنا علي بن أبي طالب وباقي أهل الكساء والإمام الحجة عليهم جميعًا سلام الله..
رفعت المرأة العجوز رأسها وهي تسأل بدهشة :
- وكيف عرفتِ ذلك يا ابنتي؟
- لأنهم يحضرون عند كل مؤمن موالي ومحب لهم، يأتوه ليبشروه بالجنة وبرضوان الله تعالى، وليخففوا عنه تلك الساعة العصيبة.

إسمعي ما تقول أحاديث أئمتنا في ذلك :
يقول الإمام الصادق (عليه السلام) لمسمع بن عبد الملك البصري وكان من شيعته: يا مسمع أما أنك سترى – عند موتك – حضور آبائي لك، ووصيتهم ملك الموت بك وما يلقونك به من البشارة ما تقر به عينك قبل الموت، فملك الموت أرقّ عليك وأشدّ رحمة لك من الأم الشفيقة على ولدها .
وقال الإمام الصادق عليه السلام : ويناديه منادٍ من بطنان العرش يُسمعه ويُسمع مَن بحضرته، "أي الذين حضروا قبض روحه من النبي(صلى الله عليه و آله) وأهل بيته والملائِكة" (يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّة، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً، فَادْخُلِي فِي عِبَادِي، وَادْخُلِي جَنَّتِي)
ثم قال الإمام الصادق (عليه السلام) ثم يُنزل بكفنه من الجنة وحنوطه من الجنة بمسكٍ أذفر، فيكفّن بذلك الكفن، ويُحنّط بذلك الحنوط، ثم يكسى حلةً صفراء من حلل الجنة، فإذا وضع في قبره فتح الله له باباً من أبواب الجنة يدخل عليه من روحها وريحانها، ثم يفتح له عن أمامه مسيرة شهر وعن يمينه وعن يساره، ثم يقال له: نم نومة العروس في فراشها، ابشر بروَحٍ وريحانٍ وجنةٍ ونعيم، وربٍّ غير غضبان، ثم يزور آل محمد في جنان رضوى فيأكل معهم من طعامهم، ويشرب من شرابهم ويتحدث معهم في مجالسهم حتّى يقوم قائمنا أهل البيت، فإذا قام قائمنا بعثهم الله فأقبلوا معه يلبّون زمراً زمراً.
قالت أم مريم بعيونٍ دامعة :
- بشّركِ الله بالخير يا تسنيم، الآن إرتاح قلبي والله.
سألت جنات بفضول واهتمام بالغين :
- ما معنى زمرًا زمرا.. يا ماما؟
- معناها أن المؤمنين الذين يرغبون في العودة إلى الحياة مع قائم آل محمد سيبعثهم الله من جديد ليروا بأم أعينهم دولة العدل الإلهي وسيكون عددهم كبيرًا جدًا حتى يصفهم الإمام الصادق عليه السلام بالزمر أي الجماعات.. وهو ما يسمى بالرجعة.
قالت جنات بفرح :
- وأمي كانت من المتشوقين لرؤية الإمام الحجة عليه السلام وكانت تقرأ في كل صباح دعاء العهد حتى تكون من الذين يرجعون في زمن الإمام المهدي عليه السلام.. هي قالت لي ذلك عندما سألتها عن فائدة دعاء العهد!
قالت الجدة :
- سؤالي الأخير ولو أننا أثقلنا عليكِ يا ابنتي..
- بالعكس يا خالة صدقيني، الكلام معكم لا يُمل.
- هل ذكر القرآن الكريم شيئًا عن حضور الرسول وأهل البيت عند المؤمن المحتضِر ليبشروه بالجنة؟
- نعم يا خالة فلقد فسر لنا أهل البيت عليهم السلام عبارة ( لهم البشرى في الحياة الدنيا) بأنها بشارة من الرسول والائمة الميامين للمؤمن في حياته الأخيرة بأنه فاز بالرضوان والجنة وهو في قوله تعالى :
(الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ، لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآْخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
يتبع....

تسبيحة الزمنحيث تعيش القصص. اكتشف الآن