الحلقة الرابعة عشر

23 4 0
                                    


كانت الليلة الأولى هي أصعب الليالي التي يعيشها أبناء مريم بعيدًا عن أمهم..
كان بكاء جنات وعلي وجدتهم يزداد كلما زاد بكاء الصغيرة ( هبة الرحمن) والتي كانت تتضور جوعًا وهي تبحث عن الحليب..
بكت تسنيم أيضًا لبكاء الصغيرة وهي تحاول أن تسكتها لكن دون جدوى.
قال بهاء مخاطبًا أم مريم :
- أرجوكِ يا خالتي توقفي عن البكاء وحاولي أن تهدأي من روع الصغار جنات وعلي..
وأنتِ يا تسنيم امسحي دموعكِ وسأذهب حالًا لأجلب حليب اطفال مع رضّاعة زجاجية من اقرب صيدلية، فلا يمكن أن تبقى الطفلة تصرخ هكذا!
قالت الجدة : لكن يا بني حاولنا أن نعطِها ماءًا وسكرًا كما ترى فلن تأخذه، فهل ستأخذ الحليب!
- يا خالة.. ماء وسكر! وفي الملعقة! يجب أن تشرب الحليب لتشبع وتنام.
- لكن يا ولدي الحليب الصناعي قد يؤذي صحتها منذ اليوم الاول لها!
- أوه يا خالتي.. بربكِ هل اترك الطفلة تموت من شدة البكاء؟!
- حسنٌ حسنٌ.. افعل ما يحلو لك.
قالت الجدة كلامها هذا وهي تسحب حفيديها معها لتخرجهما إلى صالة الجلوس.
نظرت تسنيم بعتب إلى بهاء وهي تلومه بالقول :
- سامحك الله يا أبا علي لو كنت أكثر لطفًا معها.. لا تنسَ بأنها قد فقدت ابنتها اليوم!
أجابها زوجها بأسف :
- وهل يعني هذا أن أفقد إبنتي أنا أيضا؟!
خرج من الغرفة وهو يردد الحوقلة والاستغفار، بعد عشر دقائق عاد ومعه الحليب والرضّاعة الصغيرة..
وبعد ربع ساعة فقط كانت الصغيرة قد نامت بين يدي تسنيم وقد شربت الحليب بالكامل!
صلى الثلاثة صلاة الوحشة لمريم وقرأوا لها سورًا من القرآن الكريم ولم يأكل أي أحد شيئًا من طعام العشاء ما عدا الصغيرين اللذين كانا جائعين جدًا، غفى علي بين يدي جدته فأخذته لسريره، أما جنات فلقد شعرت تسنيم بأنها لن تستطع النوم بسهولة هذه الليلة فاتجهت نحو سريرها وكان حدسها في محله!
مدّت تسنيم يدها نحو رأس جنات وصارت تمسح على شعرها بحنانٍ ورفق..
نهضت جنات مرعوبة وهي تردد : أمي أمي!!
ولما كان الضوء في الغرفة خافت جدًا سألت جنات بصوت مختنق : هل أنتِ أمي؟
مدت تسنيم يدها وأمسكت بيد جنات وهي تحضنها وتقول : سأكون أمكِ منذ اليوم يا حبيبتي.
بكت جنات وهي تحضن تسنيم قائلة :
- هل يعني هذا إنني لن أرَها بعد اليوم؟!
صمتت تسنيم وقد صارت العبرة في حنجرتها كالجمرة، رفعت جنات رأسها من حضن زوجة أبيها ثم صارت تصرخ بأعلى صوتها : لماذا لا تجيبين؟ لماذا يجب أن لا أرى أمي بعد اليوم؟ لماذا أنتِ من ستكونين أمي؟ لماذا ليست هي؟! لماذا..؟ أنا لا أحبكِ مثلما أحبها، هي أمي الحقيقية ولا أريد غيرها.
حاولت تسنيم أن تهدأ الصغيرة بالقول :
- أنا لا ألومكِ يا جنات فأنا أيضًا فقدت والدتي منذ سنوات! أنا مثلكِ يا جنات ليس لديَ أم.. ألا تواسينني يا حبيبتي؟
صمتت جنات وقد لمحت دموع تسنيم فقالت بأدب :
- أعتذر جدًا.. ولكن!
- لكن ماذا ياحبيبتي؟
- أنا أكره الموت.. فهو الذي أخذ مني أمي، كما أخذ منكِ أمكِ..
ثم عادت للبكاء، فما كان من تسنيم إلا الإستمرار في محاولة تهدأتها..
- إن أمكِ الآن في دارها الجميلة التي أعدها لها الله تعالى.
صمتت جنات ولم تبادل تسنيم أي كلمة فاستمرت الأخيرة بالكلام وهي متيقنة بأن جنات تنصت لها الآن :
- إن الموت يا حبيبة قلبي لا يعني أن عمر الإنسان قد انتهى كما تتصورين الآن! فأمكِ يا جنات قد انتقلت من دارٍ قبيحة إلى دارٍ جميلة بل ورائعة..
استغربت جنات من هذه الكلمات فرفعت رأسها من الوسادة وهي تمسح دموعها قائلة :
- لكن ماذا تقصدين بهذا الكلام؟ هل دارنا قبيحة!
ابتسمت تسنيم وهي تجيبها :
- لا يا حبيبتي لم اقصد داركم على الإطلاق! فالدار القبيحة هي هذه ( الدنيا)..
- ماذا؟ الدنيا!
- نعم يا بُنيتي.. فلقد وصف إمامنا علي بن أبي طالب عليه السلام هذه الدنيا بالسجن حينما قال ( الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر).
- أما الآخرة..
قاطعتها جنات بالقول :
-أعتقد بأني أعرف ما تريدين وصفه بها..
- ماذا؟
- هي على عكس الدنيا تمامًا.. فالآخرة سجن الكافر وجنة المؤمن 🌿
- أحسنتِ يا جنات.. ما أسعدني بكِ يا قرة عيني!
ابتسمت جنات لأول مرة بعد وفاة أمها وشعرت بالفرح وكأنها صنعت إنجازًا كبيرًا.
يتبع...

تسبيحة الزمنحيث تعيش القصص. اكتشف الآن