(٢) الحلقة الثانية

45 8 0
                                    


عادت إلى منزلها وهي مصممة على أن تكلم زوجها عن نذرها ذلك لترى ماذا يقول وكيف ستكون ردّة فعله التي كانت تدعو من الله أن تكون إيجابية ولصالحهِ هو ومريم.
وفي أول فرصة جمعتها مع زوجها في جو هادئ ومناسب فتحت تسنيم الموضوع قائلة :
- لم تسألني عن صحة مريم كيف هي؟!
- وما شأني وشأنها! فلتكن صحتها بأي حالٍ كانت!
- عجيب! ما عرفتك هكذا يا بهاء، أنت تحمل هموم الناس جميعا، فلماذا كل هذا الجفاء مع طالبة هي من أبرز طالباتك؟
بان الضجر والاستياء على محيّاه فقام من مكانه وهو يتمتم :
- لا أحبها.. ولا أطيق سماع إسمها، هذا كل شيء.
- ولكن هل لي أن أعرف السبب من كل هذا الحقد والبغض؟!
- هكذا.. اكرهها من دون سبب.
- والله كذبت!
- ماذا؟ ومتى كذبتُ عليكِ يا تسنيم؟!
- الآن!
- وكيف عرفتِ بأنني أكذب؟
- لأن مريم أخبرتني بكل شيء.
رمى بهاء الماء من فمه بعد أن اختنق به وأغلق باب البراد بقوة وهو يلتفت مذعورًا ليسأل :
- ماذا؟ أخبرتكِ بكل شيء! يا لها من حمقاء!
لم تحتمل تسنيم أكثر من هذا فصارت تبكي وتخاطبه :
- هل لأنها أخبرتني بوفاءك وإخلاصك لي أصبحت حمقاء؟!
هل لأنها مدحتك وجعلت تكبر في عيني أكثر تصفها بهذا الوصف السيء؟ هل..
قاطعها بهاء وقد احمرت عيناه من الغضب :
- كفاكِ يا تسنيم، إنها كاذبة لا تريد إلا التفريق بيننا، لا تخدعكِ بكلماتها المعسولة!
- إنها مريضة يا بهاء، والطبيب أخبر والدتها بأن قلبها ضعيف جدًا وقد تموت في أي لحظة!
تغيرت ملامح بهاء فجأة، اقترب من تسنيم وهو يسأل باهتمام : تموت بأي لحظة!
- نعم يا بهاء.. إن التفكير بك وبعلاقتها بي وتأنيب الضمير يجعلها كل هذا أكثر سوءًا ويعرض قلبها للتعب..
إن الله يريد منا أن نساعدها لذلك أرسلنا في ليلتها إلى المشفى، لم يكن مرض أفنان صدفة! بل لم يكن تأخر ريان وابنتها في بيتنا صدفةً أبدا.. صدقني.
لقد صارحتني مريم في تلك الليلة بكل شيء، وأخبرتني بأنها نادمة عندما باحت لك بحقيقة مشاعرها، وبأنها الآن تشعر بتأنيب الضمير والندم الشديد على تصرفاتها السابقة.
- الحمد لله.. والآن ما هو المطلوب مني؟
- أن تنتشل تلك الفتاة من التعاسة التي تعيشها وتحوّل حياتها إلى السعادة والهدوء.
-ماذا؟ وكيف ذلك!
- أطلب يدها للزواج.
- هل جننتِ يا تسنيم؟!
- لا.. لكني سأجنّ إذا لم تستجب لي طلبي هذا، وسأقوم بطلب الطلاق حال اصرارك على الرفض.
- أوه يا إلهي.. لقد فقدت زوجتي عقلها!
- قل ما شئت، أنت يجب أن تتزوجها..
- وإن رفضت؟
- تطلقني.
- هل هذا هو الحل؟
- إنه نذر وعليّ أن أفي بهِ وإلا عاقبني الله تعالى.
- عن أي نذرٍ تتحدثين؟
- أتذكر يوم الإثنين الماضي الذي ذهبت فيه إلى مقام الإمام المهدي عليه السلام؟
- نعم.. أذكر، كانت لديكِ حاجة مُلحّة.. صحيح؟
- نعم بالضبط.. كانت حاجتي أن يشفي ربي مريم ويعيد إليها صحتها وعافيتها، وبالمقابل نذرت إن قضى الله لي هذه الحاجة فإنني سأسعى إلى جمعكما معًا وتحت سقف واحد، وبأنني سأطلب الطلاق منك إن رفضت الزواج بها.
صاح في وجهها :
- وأي نذرٍ هذا؟! وما مصلحتكِ أنتِ في زواجنا أنا ومريم؟ لا تقولي حبكِ لنا! فهذا ليس حب.. إنه الجنون بعينه!
وضعت تسنيم يدها على رأسها وهي تقول :
- يا ويلي.. ما الذي أفعله معك حتى تصدق بأني أريد سعادتك يا بهاء؟ فوالله أن مريم ولشدة تعلقها بك ستجعلك أسعد رجل في الدنيا..
- لكنني أسعد رجل معكِ أنتِ!
- والله تكذب، لقد رأيتك كيف تتعامل مع أفنان ابنة أختي وكيف تفرح وتسعد عندما تكون تلك الطفلة بجانبك، فأي سعادة هذه التي تعيشها مع امرأة لا تستطيع أن تنجب لك الأطفال؟!
صمت بهاء وهو يتذكر ابتسامة أفنان الرائعة وصوتها الرقيق..
أكملت تسنيم بصوتٍ يقطر ألمًا وصدقا :
- أنا متأكدة لو إنك تزوجت مريم واغدقت عليها من عطفك وحنانك فإن آلامها لن تعاودها مطلقًا، وبأن صحتها ستتحسن وحينها ستتمكن من إنجاب الأطفال بإذن الله تعالى.
كان صمت بهاء المفاجئ قد شجعها على مواصلة الكلام فأردفت :
- ليكن قبولك الزواج ليس لأجل الأطفال فقط بل اعتبره عملًا انسانيًا، فهذه المسكينة عانت ما عانت لأجلك، بل حتى مرضها الأخير بسببك وقد قال الطبيب بأنه مرضًا نفسيًا أكثر من كونه عضويًا!!
لقد كنت قاسيًا معها إلى أبعد الحدود وهذا ما جعلها تتألم وتقاسي، ولو أنك صارحتني منذ البداية لما وقفت عثرةً أمام زواجكما بل بالعكس فأنا من كنت ألحّ عليك منذ البداية في هذه المسألة.
نظر بهاء إلى عيني تسنيم فوجد الدموع تتلألأ فيهما، تذكر دموع أمه عندما عرفت بأن زوجها إختار أخرى! ثم خُيّل إليه أن الواقفة أمامه الآن هي تلك المرأة التي خانها زوجها ولم يراعِ فيها ظروف الوفاء والإخلاص مطلقا!
قال بصوتٍ حزين ومتقطع :
- وأنتِ؟ هل ستتحملين هذه الفكرة؟
أخشى أنني إن وافقت على مساعدة تلك الفتاة لتستعيد صحتها سأخسر صحتكِ أنتِ!
- هل تخشى أن أمرض؟
- نعم فأمي قد مرضت ثم ماتت بسبب حرقة قلبها من زواج أبي بأخرى!
- والدك تزوج بالثانية من غير سبب وجيه، وبدون إخبار والدتك، ثم إنه لم يقم بواجبه في العدل بينهما فصار يفضل تلك على زوجته الأولى! هنا من حقها أن تتأذى المسكينة.. لكنك لن تكون كذلك أنا متأكدة، ثم إنني موافقة على زواجك الثاني بل أنا من أشجعك عليه وسأتحمل نتائجه مهما كانت.
- دعيني أفكر.
نطق بهاء بهاتين الكلمتين وهو ينظر إلى تسنيم فقد يصيبها أمرٌ ما!
لكن تسنيم كانت أقوى مما توقع زوجها، مسحت دموعها وعلت وجهها ابتسامة مشرقة وهي تردد :
- فكّر على مهلك، لكن تذكر بأنني نذرت وأمامك خيارين لا غيرهما!
خرجت تسنيم من الصالة تاركةً زوجها أمام هذين الخيارين : أما الزواج بمريم أو طلاق تسنيم!
يتبع...

تسبيحة الزمنحيث تعيش القصص. اكتشف الآن