الحلقة السادسة

33 7 0
                                    

🖊️ رويدة الدعمي

ابتدأت تسنيم ليلتها تلك - بعد سفر بهاء ومريم - بالمناجاة والدعاء والتضرع إلى الله بأن ينزل سكينته عليها، ثم اتجهت لجهاز الحاسوب وصارت تتصفح مواقع التواصل الاجتماعي فلم تشعر بالنعاس حتى وقت صلاة الليل!
فرشت سجادة الصلاة ووقفت بين يدي خالقها تؤدي ما الزمته على نفسها في كل ليلة، حيث أنها ومنذ أكثر من عشر سنوات لم تترك نافلة الليل إلا ما ندر..
أكملت الصلاة فقرأت بعدها دعاء الحزين كما في كل مرة ثم صارت تقرأ القرآن الكريم حتى ارتفاع آذان الفجر..
إتصل بها زوجها ليطمأن عليها وهو يعلم بإنها مستيقظة في هذا الوقت فأخبرته بأنها لم تنم أصلًا فصعق من الخبر وخاصة أن زوجته من النساء اللواتي يضعن لأنفسهن نظامًا محددًا للوقت فكيف تسهر هكذا ليضيع نظامها فجأة وبهذه السهولة؟!
وعدته أن لا تفعلها مرة أخرى..
إتصل بها بعد ذلك في وقت أذان الظهر فإذا بها نائمة! قالت وهي تفتح عينيها بصعوبة :
- يشهد الله إنني اليوم وبعد صلاة الفجر قمت من السجادة ثلاث مرات لأغسل وجهي أثناء قراءة التعقيبات، فكيف لا تريدني أن أنام الآن بعد كل ذلك السهر؟!
وقبل وقت الفضيلة لصلاة الليل لليوم الثاني اتصل بها مرةً أخرى فإذا بها ما زالت مستيقظة!
قال لها بعصبية :
- ألم تنامي إلى الآن؟
- نعم!
- وتجلسين أمام الحاسوب؟
- نعم..
- تتصفحين مواقع التواصل!
- نعم
- وستبقين مستيقظة حتى صلاة الفجر ؟
- نعم بإذن الله
- وستنامين بين الطلوعين ( طلوع الفجر وطلوع الشمس) هذا الوقت الذي يُكره للمؤمن أن ينام فيه!
سكوت...
- ثم سأوقظكِ بصعوبة لصلاة الظهر!
سكوت....
- ما بكِ يا تسنيم؟ أين ذهبتِ؟
- معك معك..
- هلّا أقفلتِ الحاسوب واتجهتِ للنوم، حتمًا أنتِ الآن ذات عينين غائرتين من سهر الليالي..
أيقظت هذه العبارة في نفس تسنيم شعور غريب، ودّعت زوجها بعد أن قربت الهاتف من الحاسوب ليسمع بنفسه صوت إقفال الجهاز ويتأكد من قيامها، أعادت هاتفها إلى مكانه وأطلقت العِنان لأفكارها نحو الحبيب الغائب وهي تردد مع نفسها : غائر العينين!
إنها الصفة التي وصف بها رسول الله صلى الله عليه وآله حفيده الإمام المهدي ( عليه السلام) بقوله : غائر العينين من سهر الليالي!
لم تشعر إلا ودموعها تغسل وجهها الملائكي، ذهبت بكل تفكيرها وكيانها نحو إمام الزمان ذلك الشريد الطريد الذي طالما سهرت الليالي تناجيه وتكلمه، ماذا يفعل الآن؟ هل يفرش سجادة صلاته ليصلي؟ هل يمسك بالمصحف الشريف ويُرتل آيات الذكر الحكيم؟ هل هو في حالة السجود والتضرع إلى الله؟ ما الذي يمكن أن يكون حالهُ الآن؟ كم هي مشتاقة إلى تلك الأيام الخوالي قبل الزواج عندما كانت تنفرد بنفسها تخاطب إمام الزمان وتشاطره الآمه وأحزانه.
تساءلت مع نفسها : هل هذه هي الوحدة؟ كيف عانى مولاي المهدي" روحي فداه" الوحدة كل هذه السنين؟ أنا لم أتحملها ليومٍ واحد وانقلب نهاري ليل وليلي نهار! فما هو حالك يا نور عيني وأنت تجوب الصحاري والقفار؟ آهٍ يا مهدي..
هل حدث لي ما حدث حتى أعود فأذكر وحدتك؟ هل قدّر الله لي هذه الوحدة حتى أكون أقرب إليك يا إمامي؟! هل صرت الآن وحيدةً لأعرف ما معنى أن تعيش أنت وحيدا؟!
عادت إلى هاتفها وأدارت محرك البحث لتكتب : انشودة ( يا مولاي) للمنشد أباذر الحلواجي..
ظهرت القصيدة وصارت تردد والدموع تجري على خديها :

كيف طويت العمر وحيدًا..
خلف تخوم الغيبِ؟!
أوَما لعناءك من حدٍّ..
يوقف نزف القلبِ؟! ❣️
كيف احتملت روحك هذا..
يا خاتمة الحبِ؟!
حين احتجبت عن عالمها..
والأمر إلى الربِّ.
فاعذرنا لو صرنا دمعًا..
تواقًا للعتبِ.
***
مرغت الحرف على جرحك..
يا عاصمة الصبرِ 💚
واحتار الحبر أهل يرسل..
أشواقي أم عذري؟!
خبّأتك ما بين شغاف القلب
وبين العمرِ..
علَّ البوحِ يساقط حزنًا..
عاش عليك بصدري
***
يابن السادةِ هب لي..
من أسرار الصبرِ نصيبا
واكتب فوق عصابة رأسي
منتظرًا وحبيبا ❤️
روحي اقتربت من نصرك يا..
نصرًا بات قريبا.
مهما اغتربت تلقى وطنًا..
في عينيك رحيبا.
ما زلت لأنوارك عهدًا..
ووفاءًا ورقيبا
والجرح إذا غار بصدري..
لذت إليك طبيبا 💙

شعرت تسنيم بأن قلبها سيخرج من صدرها لُيلقي بنفسه في حضرة العشق الإلهي، ليشاطر الغائب الموعود وحدته ويواسيه ويُكفكف دموعه.
تلك الدموع التي ما هدأت يومًا، أما آن لها أن تهدأ؟
تلك العيون الغائرة والجفون الساهرة أما آن لها أن تستريح؟
آه يا صاحب الزمان..
جثت على ركبتيها ودفنت وجهها بين كفيها وبكت طويلًا وهي تردد :
إليك دموعي أيها الحبيب الغائب..
إليك عبراتي أيها الوحيد الشريد..
إليك آهاتي أيها المنتظر الموعود..
إليك أحزاني يا صاحب القلب الحزين.
قامت من مكانها بصعوبة مسحت دموعها واتجهت إلى الماء لتتوضأ ثم اخذت كتاب مفاتيح الجنان وصارت تردد زيارة ( آل يس)..
السلام عليك يا داعي الله وربّاني آياته..
السلام عليك يا باب الله وديّان دينه..
السلام عليك يا خليفة الله وناصر حقه..
السلام عليك حين تقوم..
السلام عليك حين تقعد..
السلام عليك حين تقرأ وتبين..
السلام عليك حين تصلي وتقنت..
السلام عليك حين تركع وتسجد..
أكملت تسنيم الزيارة وشعرت براحة كبيرة بعدها وكأن الإمام المهدي عليه السلام كان يرد تحيتها بأفضل منها! كيف لا وهو الذي يُطبّق حرفيًا ما ينص عليه القرآن الكريم.. ألم يقل تعالى ( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها)؟!
فكيف لا يرد تحيتها وهي في هذه الحالة من التوجه والإخلاص والروحانية؟
يتبع...

تسبيحة الزمنحيث تعيش القصص. اكتشف الآن