..الجُزء الاول"الماضي الدفين".

11K 141 23
                                    

(بسم الله الرحمن الرحيم)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
اما بعد:
هذه الرواية اهداء..
الى من يُريد المُختلف والفريد،
الى من شعر ان الروايات اصبحت مُتشابِهة،
الى من كان يبحث عن السعادة في صفحات الروايات
الى من ينتقد كاتبات اليوم وبقى يبحث عن اطلال كاتبات الماضي،
الى قارئاتي الاوفياء الاتي بقينّ ينتظرنّ عودتي طويلًا ووثقنّ اني حتمًا سَأعود.
ها انا عدت من جديد ، واضع روايتي بين أيديكنّ، وأعيُنكنّ، قراءة ممتعة..
..

- تنويــــــــــــــــــة
أحداث هذه الرواية وشخصياتها واسمائهم ووقائعها وأماكن وزمن حدوثها والجهات التي تنتمي لها هذه الشخصيات من نسج خيالي وليس لها علاقة بالواقع وان صدف تواجدها حولكم ..

..
..( المقدمة )..
__
وردة جافة بيضاء مبعثرة الاوراق عثرتُ عليها وراء صف من الكتب وانا اعيد ترتيب مكتبتي.
ابتسمت وانحسرت غيابات الماضي السحيق عن نور عابر،
وافلت من قبضة الزمن حنين عاش دقايق خمس.
وند عن الاوراق الجافة عبير كالهمس.
وتذكرت قول الصديق الحكيم:
" قوة الذاكرة تنجلي في التذكر كما تنجلي في النسيان ".
- نجيب محفوظ

__
. ..( الفصل الأول ).. .
.
.
__
قبل عشرين سنة من الأن..

في أحد منازل الرياض الكبيرة الفاخرة، الذي يتوسط حي ذا طبقة أجتماعية غنية.
دخل رجُلاً وسِيماً بطريقة مظهرية خشنة، قُرابة الثلاثين يحملُ طفلة صغيرة جداً لا تتجاوز الأسبوعين من عُمرها، اغلق الباب خلفه بقوة ثم اقترب للأريكة العريضة الزرقاء ووضعها بأنفاس مُرتفعة مضطربة ويظهر فيها سيرة الطويل والمرعوب.
تراجع للخلف وعيناه لازالت معلقة عليها يراقبها بصمت، بعد وقت قصيرة مسح وجهه وهو لا يعلم ماذا يفعل، زفر انفاسه المرتبكة وقال بصوت مُناديًا: نـــورة نـورة .
نزلت السلالم بخطوات واسعة، ظهرت له بهيئتها المُرتبة التي تُظهر المستوى الاجتماعي الذي تعيشه، ثم بصفتها الهادئة بعض الشيئ قالت بقلق: هلا؟ فيك شيء؟
حرك راسه بملامح صفراء: لا مافيني شيء.
حركت ثغرها بعدم رضا عندما نظرت الى معصمها مُحدقه في الساعة: كان تاخرت شوي.
نظر بارتباك الى ملامحها التي عشقها طويلاً مُنتظراً ردة فعلها اذا رات الى ماخلفها.
اقتربت ووقفت امامه رافعه حاجبها الايسر ببتسامة صغيرة: على صراخك ذا قلت فيه مصيبة.
ثم غمزت بخبث: قول مشتا..
قاطعها مُحرك عيناه الى ما خلفها: لفي وراك.
استدارت بجسدها للخلف بتساؤل مستغرب، اتسعت مقلتيها صدمة ، تراجعت للخلف وذاتها يرسم لها من هذه الفتاة الصغيرة، قالت بنبرة غاضبة: هذي من؟يا عايد؟
واضافت بنبرة مرتجفة: لا تقول بنتك؟
ثم ارتفع صوتها عالٍ : تزوجت علي يا عايد؟.
سقطت دمعتها ،وتبعتها رجفة شفتيها وجسدها : كَيْف سويتها ؟!.
قاطعها ممسكًا معصمها الايمن بحنان حتى تهدا وتفهمه: نوره والله اللي في عقلك مهوب صحيح، ولا فكرت من اصل اسويه، كيف فكرتي فيه؟.
ومسح على ذراعيها صعودًا هامسًا: البنت امانة عندي ولاحد يسمعك ولا يدري فيها حتى الخدم.
قاطعته بامتعاض حاد: عايد انت تكذب علي؟.
همس بتعب ضائق: والله ماكذب يابنت الحلال.
سحبها معه ثم جلس واجلسها جواره ، انحنى براسه على كفيه العريضة: كل شي صار فجاءة.
ركزت نظرها فيه مُترقبه ماذا سيقول حتى تفهم ماذا يحدث ومن هذه الصغيرة.
تنهد بعجز ناطقاً امرها...
اغلقت شفتيها حتى تكتم شهقتها المصدومة من ما سمِعت: وتبينا نربيها ولا وش نسوي فيها ؟!.
نظر لها بأستغراب ممّاهتفت: وانتِ مجنونه عشان نربيها ؟.
وقفت بغضب، وعقلها لا يفهم ماذا سيحدث لامر هذه الطفلة: كلامك هو اللي يقول، ولا كيف جايبها لنا في نصف الليل.
حرك رأسه بأسى وملامح مُتعبة: امها وصتني اوديها لناس.
من خلفهما سار بخطواته الصغيرة بعد ان استيقظ بسبب اصوات والديه في هذا الوقت من الليل، أطل من اخر عتبات السلالم بعينان واسعة ذات بؤبؤة سوداء قد ملئها النُعاس، اقترب بجسده الصغير لهما.
صرخ بُدهشه مصدومة وهو يرى الطفلة النائمة وسط الاريكة: بيبي.
تغيرت ملامح والديه الى الذعر.
وقال والده برفض من استيقاظه هذا الوقت: وش تسوي هنا يا انس؟ مهوب مفروض نايم؟
لم يُعبر حديث والده اي اهتمام والحماسة تعتلي ملامح وجهه الصغير، انحنى لها ومسح على شعرها الخفيف باصبع كفه الصغيرة : ماما متى تصير كبيرة مثل نورة اخت ماجد.
اغلقت ثغرها بظهر كفها حُزنًا على طفلها.
وقف عايد وحملها بين كفيه هاتفاً بحده : هذي بنت ناس خلوها عندنا شوي ثم بياخذونها.
صرخ الطفل ببكاء مرتفع : ليشش انا ابيها.
بدا يضرب بأقدامه الأرض اعتراضاً على ماقال والده.
تنهدت نورة وجلست أمامه، وقالت بضيق : حبيبي انس كم عمرك عشان تبكي زي الصغار؟.
ومسحت على شعره الاسود: وانا اقول وراي رجال وطلعت كذا؟
أشار لوالده ونحيبه العالٍ يختلط مع نبرة صوته الطفولية : ابيها ابيها، ليش ياخذها.
انزلت راسها بضيق من صوت بُكاء طفلها.
اقترب والده واعادها على الاريكة واشار له حتى يجلس جوارها: لا تخليها تصحى من صوتك.
مسح دموع عيناه بكفيه الصغيرة : ليش ماتفتح عيونها بابا؟.
ابتسم مُخفياً ضيقته: اكيد لما تشبع نوم بتفتح، بس اذا ازعجتها بصوتك وصحت راح تبكي وتزعل منك.
فتح عيناه بأبتسامة وبخفوت غطى شفتيه : خلاص بسكت.
تكتفت والدته بأبتسامة على تصرفاته.
نظر الى ملامحها الصغيرة ،ثُم همس لوالده برجاء : بابا خلها تنام عندي.
وقف عايد بمُسايرة الى ابنه الصغير : ماتزعجها ؟!.
هز راسه بحماس : ايه.
نوره همست بالقرب من زوجها وخوفًا من فكرة تعلق طفلها بهذه الفتاة العابرة : عايد اللي تسويه غلط بتخليه يتعلق فيها.
تجاوزها صاعداً مع ابنه الذي يقفز الخطوات فرحاً، وحماسًا ويستبق والده الى حُجرة نومه.
بللت شفتيها مُتنهدة بقلة حيلة: اي مصيبة بتطيح فيها يا عايد.
صعد انس السرير الواسع وأشار جواره حتى يضعها والده بجانبه: هنا بابا.
انزلها بهدوء مكان ما أشار وقال مُحذرًا: انس انتبه عليها بروح شوي وارجع.
حرك راسه بموافقة لامر والده، وجلس ينظر لها بتأمل سعيد وثغره تُزينه أبتسامة عريضة.
مسح وجنتها البيضاء بسعادة بالغه،سحب كفه سريعًا على دخول والدته.
نوره اقتربت وتأملت وجه الطفلة النائمة وقالت بتفكير هادي: تتوقع جوعانة.
انس حرك راسه برفض :هي نايمة اكيد مو جوعانة.
ضحكت والدته ثم مسحت على خُصلات شعره السوداء بحنان : لما كنت قدها كنت تجوع كل ساعتين وبس تبكي.
واضافت مُتذكره الماضي الجميل: وماتنام الا لين نشيلك ونهز فيك.
نظر لوالدته بتساؤل بريئ: طيب ماما متى تصحى؟ .
حركت راسها بأبتسامة: بعد شوي.
ثم اشأرت له بهدوء : راح انزل اسوي لها حليب اكيد جوعانة انتبه لها حبيبي.
اقترب منها اكثر واستلقى على جانبه الايمن: حاضر ماما.
خرجت نورة وتوسطت الصالة بغضب: عايد اللي تسويه غلط ولا انا راضية عليه روح رجعها لها وقل مالنا شغل خلها هي توصلها.
عايد نظر لها بعدم رضا : نوره انتي اُم واللي مثلك يحس فيها.
قاطعته مُشيره للأعلى : فوق كل اللي قلته هنا تقول انتي أم.
واكملت مُتحركة بعدم تصديق : انت تعرضنا للخطر.
وأشارت لجسدها برعب : أنا وولدك ، وانت والعايد كلهم، هذي بنت مجرم، اكيد بيدور ورا بنته اذا اختفت من بيته.
وقف بغضب مرتبك من جملتها الواقعية التي لامس اثرها داخله: نوره خلاص، خذيتها وصار اللي صار.
مسكت راسها باعتراض ، ثم تركته خلفها اتجهت ناحية المطبخ مُتمتمه بغضب: ليتك تخف من أنسانيتك يا عايد اللي بتودينا بستين داهية.
.
.

الأن ، الساعة الرابعة صباحاً ..
____
وقفت فوقها ب استغراب من تحركها، ثم تحركت اتجاه هاتفها وسحبته بخبث، فتحت الكاميرا وبدت بالتصوير هامسه بضحكة : اريان.
استنشقت اريان الهواء بقوة : اممم.
هند هزت كتفها بسخرية: ي بنت سحبتي الهواء علينا ، كيف عاد نتنفس.
فتحت اريان عينيها الرمادية ثم صرخت بضيق: يعع ايش هذا بعد الورد وجه عنز.
ضحكت هند وقالت من بين ضحكتها: تكفين لاتقولين شفطة الهواء ذي تشفطين وردة.
جلست اريان بامتعاض: هند.
رمت هند جسدها على سريرها: عيون هند.
تنهدت اريان ب حالميه: اه بس لو تشوفين الحلم.
رفعت هند راسها وبفضول غمزت: وايش كان الحلم.
اريان اغمضت عيناها تتذكر المشهد: تخيلي بمكان كله ورد ابيض يجنن المكان
وفتحت عيناها مكمله حديثها بحماس: والله مكان غريب وعاد لما مشيت بين الورد لقيت وردة لحالها بعيدة عنهم وقطفتها تغيرت ملامحها مُتذكره ماحدث: بس فجاة ذبلت بشكل غريب وصار لونها اسود.
اتكأت هند على جانبها الايمن ووضعت راسها على كفها: وش ذا الحلم.
اريان رفعت عيناها بتفكير: بس تدرين وش الغريب ؟.
هند تُجاريها: وايش الغريب ؟.
اريان بملامح مُستغربه: الورد ريحتها كانت غريبه احس كذا وكاني طفله بالمهاد لما شميتها.. .
قاطعتها هند بعدم اهتمام وهي تعود تستلقي على ظهرها: يا بنت الحلال وش الحلم، اقول روحي صلي بس وسوي فطور ابوي قبل يروح للمزرعة.
تكتفت بحنق: ي سلام ؟! ،وليش علي .. .
قاطعتها هند: اسيل صلحت العشاء مكانك امس.
بغضب وقفت: وعلى اي اساس تسويه مكاني كان طلبتوا مطعم وانا ادفع الحساب لما ارجع.
هند اغمضت عيناها: رايحه تسعسعين مع امي في الأسواق من كان بيسوي لنا؟ ولا حتى فكرتي تقولين اطلبوا؟.
اريان بعدم اهتمام: طيب ترى ماكان بتموتون لو نمتوا بدون عشاء.
أشارت هند للإنارة جانب الباب: لاتنسين تطفين النور معك.
غطت اريان اختها الصُغرى ،وهمست بتهديد: والله ماخليها أسيلوه.
وتحركت جهة الباب، وصفعته خلفها بقوة.
هند بصوت عالٍ حتى تسمعها خالطه ضحكة ساخرة: هيه لايقوم عليك فهد.
.
.
___

رواية جفَاف ورْدة بيضاء في رُكن الذَكريات.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن