..(الجُزء الثامن والخمسون)..

1.8K 33 6
                                    

-
.
.

..(البارت الثامن والخمسون)..
.
.

ما كُلُّ مَن حَسُنَت في الناسِ سُمعَتُهُ
‏وَحازَ قَلباً ذَكيّاً أَدرَكَ الأَمَلا

‏ما السَمعُ وَالقَلبُ مُدنٍ مِنكَ مَنقَبَةً
‏إِن لَم يَكُن مِثلُ ذا بَأساً وَذاكَ عُلا

‏—صفي الدين الحلّي
.
.
___
قبض رياض ياقة ثوب جابر وخنقه بها هاتفًا بغضب: انت تدري لو ادفنك هنا محد سأل وراك.
ابتسم جابر وحاول ابعاده بسخرية: الله يالثقة.
رياض سحبه حتى اصبح قريبًا له: انا ولد هاني الجابر اشاره مني تصير عبد.
تصلب وجه جابر وعينيه تتسع مُستوعبًا من يجلس امامه.
ابتسم رياض على ملامح جابر: انزل.
رفة عينان جابر مرارًا واستدار براسه يمينًا هاتفًا بنبرة مختنقه من قبضة رياض: بنزل بس فك.
فكه رياض واشار بعيناه ناحية الباب: يلا انزل.
فتح جابر الباب وترجل من سيارة رياض وابتعد تاركًا الباب مفتوح خلفه.
صرخ رياض فيه: سكر الباب ي*****.
تركه جابر خلفه وبدا يسير مُبتعدًا فوق الطريق المظلم.. ماهذه الصدفه حتى يجتمع مع انساب والده.. لف برقبته على اقتراب سيارة رياض جواره وصُراخه: قفل الباب لا انزل عليك واوريك كيف تعاندني.
انحنى جابر ونظر له من خلال الباب المفتوح وبنبرة غير مهتمه : شكلك تبيني ادفنك هنا ولا احد يسال وراك ي ولد هاني؟
اوقف رياض السيارة ونزل له مُهددًا بكلتا يديه : قد كلمتك!
اشار جابر له بالعودة لسيارته لا يُريد ان يتهور ويقتله هنا: اذا تبي سلامتك ارجع وراك واذلف من قدامي.
رياض ابتسم بتحدي: تحسب اني ماعرف انك مصاب
واشار الى جرح بطنه النازف وقد اتضح لون الدماء على ثوبة الرمادي: صايع وينصحني
وحرك لسانه بسخرية وهو يتحرك الى جهة الباب ويغلقه : مره ثانية اعرف من تنصح.
ثم عاد يتقدم الى جابر بخبث: يبي لي اعدل وجهك قبل اروح.
ادخل جابر يده اليمنى في باطن جاكيته البيج ثم اخرج سلاحه ورفعه في وجهه مهددًا: قلت لك اذا تبي سلامتك ارجع وراك لكن انت جبتها لنفسك.
تغيرت ملامح رياض لرعب وعينه تستقر على المسدس المصوب ناحيته وبتلعثم : هذا سلاح حقيقي؟.
اقترب جابر له: هذا اللي بيخليك تجلس وحيد هنا.
ابتلع رياض ريقه وبرجفة اعتلت جميع مفاصله: قول تمزح.
ابتسم جابر ورفع حاجبه باستفزاز: شكلك اول مره تشوف مسدس حقيقي؟.
وحركه يمينًا ثم اطلق رصاصة جهة الفارغ.
تبع صوت الرصاصة صرخت رياض العالية المرعوبة.
ابتسم جابر واشار له : الصياح خله للحريم و عطني المفتاح وجوالك.
رياض شحبت ملامحه من ان يفعل هذا المجنون تهديده، ويجعله يجلس
هنا في هذا المكان الخالي وحيدًا : وانا وش بيصير فيني؟
جابر رفع عينيه مُصطنع التفكير: بتصير عبدي وتقول سم وامر؟
التزم رياض الصمت وعينيه على السلاح في كف جابر الايمن وداخله يتوعد فيه.
اشار جابر له بالتحرك امامه : اركب بس بصير احسن منك.
استقرا من جديد في السيارة وبدا رياض يقود بهدوء مرتجف وعينيه تذهب وتعود الى جابر الصامت.
دس جابر هاتف رياض في جيبه وثبت نظره في الطريق المظلم الا من انارة السيارة عليه.
وصل له صوت رياض المُتسائل برجفة: انت قاتل مازن؟
جابر بهدوء صادق : هو اللي كان بيقتلني.
ثم قال جابر بعد صمت طويل متأمل لرياض: كان زياد ال راشد نسبيك؟
تغيرت ملامح رياض من سؤاله قبض بشده على المقود، وضغط على اسنانه ببطء: لا.
بعد مرور الكثير من الوقت،ظهرت على شفتا رياض ابتسامة خبيثه ونظره يقع في نقطة تفتيش امنية وسط الطريق السريع، انزل نظره على جابر النائم بعمق مُتعب، توقف عندها، اشار الى جابر هاتفًا بهمس مستنجد: معه سلاح وهددني انه يقتلني ساعدوني.
رفع الشرطي ذراعه مُشيرًا للجميع بالاقتراب ومحاصرة السيارة واخراج رياض منها بامان.
فتح جابر عينيه بشك من الهدوء الذي خيم على السيارة وتوقفها، تبدلت ملامحه لذعر من رجال الشرطة المطوقين لسيارة وصوت رياض الساخر: صح النوم.
اشار رجل الشرطة الى رياض بالنزول: انزل.
نزل رياض وعينيه تراقب الوضع الذي اصبح فيه جابر.
ابتسم جابر وبدا يبعد الشماغ عن وجهه وقال بهدوء واثق : السلاح مرخص، اذا كان بلغ عنه.
الشرطي مد يده بغضب: عطنا واي حركة منك راح نطلق عليك.
مد جابر له السلاح وعينيه تعانق عينان رياض الساخرة.
انزلوا جابر وبدوا بتفتيش السيارة.
بعد مدة قصيرة اقترب احد الرجال: عطنا بطاقتك.
اشار جابر براسه الى المحفظة الصغيرة التي تحمل داخلها بطاقته: فيها.
بدا الشرطي يقارن باسم السلاح واسم بطاقته ونظر الى وجهه بتامل: جابر بن عبدالله ال راشد؟
جابر ابتسم ورفع حاجبه بتحدي في وجهه رياض مُنتظرًا ردة فعله: الله الله وتقدر تقول جابر بن زياد ال راشد لان هو ابوي الحقيقي وترى ماعرفت الا قبل ايام.
الشرطي باستغراب من حديثه : انت سكران؟
ابتسم جابر وحرك راسه برفض: لا.
تجمد الدم في جسد رياض فاهمًا مايرمي له.. زياد ال راشد .. ابن زياد ال راشد؟
لم يستوعب تحرك جسده الا وهو ينقض صارخًا بتهديد: **** ولد**** الله **** كلكم.
مسك احد الرجال رياض ولف ذراعيه خلف ظهره: يبي لكم فحص شكلكم تتعاطون.
رياض بدا يسحب نفسه بقوة: والله لا اقتلك.
جابر ابتسم ابتسامة عريضة حتى يستفزه: شفتوا يهددني وقدامكم؟
برزت عروق رياض صارخًا: فكوني فكوني.
سحب احد الرجال ياقة سترته البيضاء وقال باشمئزاز وشك: ودوهم للمركز، شكلهم سكارى ولا يتعاطون.
.
.
__
تنهد انس بتعب وقلق ، ثم استدار ينظر الى النافذة الزجاجية الكبيرة امامه، كل زياراته للمشفى في الاونة الاخيرة بات فيها مُتخفيًا اي جرم فعله حتى الت اليه اموره ، لا يُريد الاشتباك مع اخوتها لا طاقة عنده للجدال والنقاشات العقيمة معهم، فهو مُتعب حتى الهلاك..بعد وقت طويل امال ثغرة بتهكم على خروج عدد من النساء وقد عرف والدتها من بينهم،دلف الباب بهدوء واستقر نظره فيها كانت تستلقي على السرير الابيض ونظرها في السقف، بملامح مُتعبة شاحبه، قالت بتساؤل ساخر وهي لازالت على وضعها: ليه رجعت؟
ابتسم ابتسامة صغيرة اظهرت غمازة وجنته وقال بهدوء مبحوح: مارحت عشان ارجع.
تغيرت ملامحها وعينيها تستقر عليه، كان يقف امام الباب بشموخ يخصه وحده، ثم صرخت برعب هل كابوس انس سيعود لها من جديد؟؟.
اقترب مُشيرًا لها: اريان اسكتي لا تفضحينا.
ارتفع صوتها مُستنجده ان يُساعدها احد.
رفع ذراعيه وعاد للخلف: ماراح اجيك خلاص اسكتي لاتفضحينا.
قالت بعينان شاحبة مذعورة: انت وش تبي؟؟
زفر انفاسه المُتعبه: قالوا تعبانة وجينا نطمئن.
تغيرت نبرتها المرتجفة الى السخرية: اكذب غيرها.
بلل شفتيه وقال بنبرة صادقة: مهوب لازم تصدقين لكن والله ارتحت وانا اشوف عاد لسانك طويل.
واضاف براحه : على الاقل انتي احسن من زوجة ماجد.
تغيرت ملامحها وهي تتجاوز الجزء الاول من حديثه وبخوف: وش فيها ابرار؟
ادخل يديه في جيوب جاكيته الاسود الطويل: انتي اللي وش فيك؟ ليش داخله المستشفى؟
نظرت الى كفها الايمن وحاولت تخفيف ارتجافه وهي تثبته بكفها الايسر: بعد لك وجه تسال ليش داخله؟
وقعت عينيه على كفها الايمن والشاش الابيض المُحيط به ولم تفته رجفته: رجعتي لاهلك وانتي بينهم وطالبة الطلاق، ليش تعبانة؟.
نظرت له بعينان حادة: انت تستهبل ولا تسال جد!
توتر من عينيها وقال بهدوء: اسال من جدي.
زفرت انفاسها : وش في ابرار لا تغير الموضوع؟
ابتسم: اوديك لها!
نظرت له من اعلى الى اسفل بازدراء: انت ماتبي تفهم اني مابيك؟
قاطعها مُقتربًا بعدم اهتمام: واذا؟
توترت من اقترابه: لاتخليني اصيح.
ابتسم وهو يقترب اكثر: زوج وزوجته، وقتها مالهم كلمه.
انتفض جسدها برعب وحركت عينيها تبحث عن شيء ينقذها: ياخي ماعندك كرامة..
قاطعها مُمسكًا كفها الايمن وقال ضاغطًا على الاحرف ببطء مُنفعل: لو ابي اذيك كان اذيتك من زمان مهوب الان، وكرامتي محفوظة يابنت زياد.
صرخت بانفعال وحاولت سحب كفها: لاتقول بنت زياد..
قاطعها مُمسكًا عضديها بقوة ودفعها على السرير حتى ثبتها عليه واقترب هامسًا: كم عمرك؟ ماعتقد اربع ولا خمس..
قاطعته بتوتر وصوت انفاسه الغاضبة ترتطم ببشرتها الناعمة: وش قصدك؟؟
تامل عينيها الرمادية ورموشها الكثيفة وبابتسامة صغيرة: قصدي واضح؟ ماعتقد انك صغيرة عشان ماتستوعبين اللي صاير حولك، واني مثلك.
حركت جسدها بعنف حتى يتركها: لكن اللي صار لي كله منك.
ابتسم على حركتها وفك قبضتيه بهدوء ثم مسك كفها الايمن: وش قايله لاهلك عشان يجوني ويطلبون الطلاق؟
سحبت كفها باشمئزاز: فكني.
قبض عليه بقوة وبهدوء وعينيه على كفها المرتجف: طيب كل شيء انتهى حاولي تنسين اللي عشتيه.
قاطعته بتهكم ساخر: ابشر دام هذا اللي تبيه.
شعر بنبرتها الساخرة، ثم ادخل كفه الايسر في جيبه بملامح متألمه واخرج وشاح اسود منه.
تغيرت ملامحها مُتعرفه على الوشاح الاسود، فهي عند اصابته السابقة في مزرعة والدها قد ربطت ذراعه به.. هل لازال يحتفظ به، ابتلعت ريقها من نبرته المبحوحه الهامسة وهو يربط الوشاح الاسود حول الشاش الابيض على كفها الايمن: اكيد عرفتيه.
قالت بتلعثم متوتر: لا.
رفع حاجبه الايسر ونظر لها ببتسامة صغيرة: حلو عرفنا انك كذابة.
توترت من جملته واشتعلت وجنتيها بالحمرة من قربه وعينيه خصوصًا كان ينظر لها بشكل مُختلف هذا ماشعرت به.
انزل نظره هارًبا بعدما التحمت اعينهم ،تاكد من ربط الوشاح جيدًا وابتعد قائلًا: اذا حسيت انك تمام ويمديك تسمعين للحقائق انا موجود مع ان اهلك صار عندهم علم واكيد بيبلغونك.
توقفت كفه على مقبض الباب ولاول مره يسمع اسمه ينادى بهذا الشكل الهادئ.. لا الحقيقة كان من شفتيها مُختلفًا: انس.
قبض بقوة على المقبض لا يُريد الالتفات.
استغربت صمته وقالت بتساؤل قلق: ابرار وش فيها؟
قال بهدوء: بخير.
وتركها هاربًا بخطى واسعة.
بقت عينيها معلقة على الباب حيث خرج، بللت شفتيها بتوتر من تفكيرها الذي ذهب خلفه، انزلت نظرها حتى تُبعده عن ذهنها ، واستقرت على كفها الايمن تجمدت بؤبؤتيها الرمادية على عقدة الوشاح التي ربطها وكانت على شكل فيونكا، كانت مُرتبة بشكل مثالي جدًا..
اعادت نظرها من جديد على الباب الذي انفتح، زفرت الصعداء وتركي يظهر من خلفه.
ابتسم تركي على لون وجنتيها الزهرية وملامحها المتوترة: اعترفي تنتظرين احد؟
توترت وغطت كفها الايمن بغطاء السرير الابيض وبانفعال:يعني مين انتظر.
رفع حاجبه باستغراب من ردة فعلها العنيفة: تنتظريني مثلًا.
ابتسمت ابتسامة صفراء محرجه وبتساؤل حتى تغير الحديث: من اللي رجع امي والبنات؟
استلقى على الاريكة العريضة المخصصة للمرافق وبدا ينظر الى هاتفه: علي.
بللت شفتيها: وليش مارجعتهم؟
رفع نظره من هاتفه لها: اصلًا علي راجع راجع، محمد ماشاءالله اليوم يقولون تحسنت حالته ومع الايام الجاية بينزلونه غرفة التنويم.
قالت بعد صمت: ماودك تسال؟
تركي وعينيه على هاتفه: ماراح اسال لاني اثق بقرارك وحنا معك باللي تبين ودامك تبين الطلاق فابشري فيه.
استغرب صمتها، ورفع نظره لها، انصعق وهو يراها تبكي بصمت.
ترك هاتفه على الاريكة وتحرك لها بذعر: اريان وش فيك؟.
بشهقه باكية احتضنته.
مسح على شعرها المربوط باهمال وهمس بوعيد لانس: وش فيه لاتخوفيني؟
رفعت عينيها الرمادية الدامعة له وبنبرة مرتجفة: احبكم.
تصلبت ملامحه وابعدها عنه قليلًا حتى يرا وجهها: تستهبلين!
اعتلت شفتيها ابتسامة صغيرة: لا والله ما استهبل.
دفعها تركي بغضب عنه.
تمسكت بذراعه.
حاول ابعادها، لكن وصلت له نبرتها المرتجفة: محظوظة اني عرفتكم، مابي اتخيل لو اني ماعرفكم.
انهمرت دموعها مُكمله: تخيل بس لو ماعرفتكم.
مسك جبينها حتى يُقيس حرارتها: انتي طبيعية.
دفعته وهي تمسح دموعها باصابع كفها الأيسر: انا الغبية اقول مشاعري.
قال بهدوء مُبتسم: اذا هذي مشاعرك احتفظي فيها ولا تتخيلين وعيشي الواقع.
رفعت عينيها له وباستفهام متردد: انتم رحتوا لانس؟
بشك رفع حاجبه الايسر: وانتي وش دراك!
نظرت الى الوشاح الاسود المربوط حول كفها الايمن وقالت بضيق: انس كان هنا قبل شوي.
انفجر تركي بغضب: الله ***** كيف دخل وليش ماعلمتني؟.
وصرخت حتى يتوقف: وين بتروح!
اشار الى الباب بملامح مُشتعله: بروح اذبحه يعني وين بروح.
صرخت بصوت عالِ: تركي.
توقف امام الباب وضرب بقدمه الارضية كاتمًا غضبة: انتي ماتبين الطلاق؟.
قالت بصوت باكي مرتجف: هو قال ماراح يطلق.
نظر لها تركي بعدم فهم وبشك مما سمع: وليش مايطلق؟
واشار لنفسه بوعيد: يا انا يا هو.
بتردد مُتلعثم قالت: جايب واحد ويقول هو ابوي، اعرف انه ماكان يبيني لاني ..
واختنقت الكلمة في حنجرتها رافضة الخروج، وبدت تبكي بصوت عالِ.
تسارعت نبضات قلب تركي فاهمًا بعض مايحدث.. قد اخبره راكان سابقًا بعدم مقدرة والدهم الى القدوم لزيارة اريان، وان أمرًا كبير حدث في منزل عائلة انس وسيخبره عندما يصل للمزرعة لان والده طلب ان يذهب به الى هناك تاركًا كل هذا خلفه.
التقط هاتفه ورفعه لاذنه اجاب راكان بهدوء : هلا.
ابعد تركي عيناه من عينان اريان التي تنظر له وقال بهمس : وش صاير؟
راكان نظر الى والده الصامت وعيناه في الطريق: اذا وصلنا كلمتك.
تركي باستغراب: وانتم للحين ما وصلتوا؟
نظر للهاتف بعد ان اغلق راكان الخط بينهما وهو من شعر بتوتر الاجواء في الجهة الاخر.
اريان بقلق: هذا مين وش صاير؟
اقترب تركي لها وبهدوء متوتر قال والشكوك بدت تصبح حقيقة: ومن هذا اللي يقول انس انه ابوك!
تغيرت ملامحها بغضب: ليكون تصدقه؟
بلل شفتيه بلسانه وحرك راسه برفض: لا اكيد بس اشوف وش يخرف؟
قالت وهي تقبض على غطاء السرير الابيض بكفها الايسر: مدري.
.
.
___
اوقف راكان السيارة ونزل والده بخطى ثقيلة.
استدار على فهد الصامت: وش فيك مالك حس؟
فهد فتح الباب وهو من كان يكتم غضبه من ساعتين: ليه ابوك خلاني اتكلم كل ماتكلمت سكتني.
راكان بهدوء جاد : شكلك ناسي انك تشتغل عند انس.
واستدار له: ابوي يدور مصلحتك..
ضغط فهد على اسنانه ونزل: لا يدور مصلحتي عنده ولا راح اكمل شغل معه.
راكان ترجل هو الاخر: ومزرعته اللي ماسك مشروعها وش بيصير لها ؟ الفلوس اللي بيعطيك..
قاطعه مُشيرًا له: ماحنا في حاجة فلوسه.
حرك راسه راكان بعدم رضا: راح تندم.
وتركه راكان خلفه وسار بخطوات واسعة حتى يلحق والده، فتح باب المنزل المخصص لهم في مزرعة والده، قال ابو علي بهدوء مُتعب: ولع الضو
راكان اتجه الى الحطب: ابشر.
بعد دقائق بدت النار ترتفع ويعم المكان الدفء.
ابو علي رفع نظره لفهد الواقف امام الباب: بتقعد واقف؟
فهد بهدوء ونظره الى النار: ماراح اجلس لين افهم وش صاير وليه ماتكلمت..
قاطعه والده بغضب: ليه وش بقى مافهمت؟
تغيرت ملامح فهد: كيف وش مافهمت؟ الكلب انس..
بتر حديثه على انفعال والده: وتقولها في وجهي؟
وضرب صدره: اجل لو ميت وش بتسوي بعدي.
راكان توقف ثم سحب فهد حتى يجلس.
حرك والده راسه برفض: لا اشوفه قدامي خله يذلف.
فهد بغضب: ليش وش سويت ؟ عشاني فازع مع اختي؟ ولا عشانه تاجر بنسكت عليه.
وحرك عينيه بضجر: وهذا امداه باسبوعين يعرف ابوها، كم شايف اعمارنا؟
قال ابو علي بهدوء وعينيه على النار: وهو ابوها ماكذب.
بلل راكان شفتيه وقد علم بعض الحقائق.
اما فهد تغيرت ملامحه وعروق جبينه تبرز: لا والله ماعادك بطبيعي عشان قال كلمتين وجايب لنا واحد تبينا نصدق..
قاطعه والده وهو على حاله: الواحد ذا اعرفه.
ورفع نظره له: زياد ال راشد كنت اشتغل عنده من سنين.
وبتردد قال: اي والله وانا اشوف بنته ماشوف الا زوجته الله يرحمها.
خرج فهد صافع الباب الحديدي خلفه بقوة.
شرد ابو علي في تفكيره.
وخرج على صوت راكان: انس ماله ذنب باللي صاير.
واضاف بصدق: اريان لازم تفهم الحقيقة
علت ابتسامة صغيرة ملامح ابو علي المجعدة: الحمدلله.
رفع راكان حاجبيه باستغراب من كلمة والده.
ابو علي بدا يرتب قطع الخشب المتناثرة فوق بعضها حتى تعود النار الى الاشتعال من جديد: الحمدلله اني عرفت ان لها اهل وانها بنت حلال.
لكن تغيرت ملامحه راكان وهو يرى دموع والده تتساقط وتخط طريقها على وجنتيه: وليه الدموع يابو علي؟
ابتسم ابو علي: دموع فرح ولا ماتعرفها.
ابتسم راكان ابتسامة عريضة: ودامك فرحان وش فيك جاي هنا ومنحاش من الرياض على كبرها.
ابو علي اشار على قلبه: هنا ضيقة ماتروح لين اجي هنا.
ورفع عينيه من جديد: كلم علي وتركي وخلهم يجون ويجيبون امك وخواتك هنا.
راكان هز راسه باستجابة لامر والده ، لا يفهم لماذا يجب على الجميع الحضور لكن سيفعل ماطلب.
ادخل فهد كفيه في جيوب ثوبه الاسود ، وهو من كان يسترق السمع لهما، ثم رفع نظره الى الاسطبل المخصص لأحصنة انس ،انزلها مُبعدًا اي فكرة متهورة عن ذهنه.
.
.
__
توقف ماجد امام المنزل وقال بهدوء وعينيه على المنزل الصغير، يوضح على ان ساكنيه اقل من طبقتهم بمراحل عديدة: متاكدة؟
نورة وعينيها على الباب: ايه.
نزل بخطى هادية وبحث بعينيه عن الجرس ثم ضغط عليه.
توترت نورة مُتذكره قدومها السابق الى هنا وتوقعها انه لا يوجد زر للجرس، حتى ماجد الذي لا يرى الناس شيئًا كان اذكى منها وبحث عنه مسكت جبينها بفشلة وحرج. وملامح راكان ذلك اليوم تعود لها.
وصل الى ماجد صوت طفلة صغيرة : من؟
قال ماجد بهدوء: انا.
الطفلة : انا؟
استوعب كلمة انا وكيف تفهمها، عدلها بقوله: انا ماجد ال عايد.
الطفلة من جديد: ماعرفك.
ابتسم وقال: حتى انا ماعرفك، فيه احد من اخوانك؟! خليه يطلع لي.
ريما: لحظة.
ثم اختفى صوتها.
استدار ينظر الى المنازل المُحيطة والمجاورة لهذا المنزل بتامل ، تتشابه من حيث الشكل الهندسي.
عاد ينظر الى الباب على النبرة الطفولية التي وصلت له من خلف الباب: مين تبي بالضبط؟.
قال بنبرة ثقيلة هادية، وهو لا يعرف منهم الا راكان صديق سعود: راكان.
قالت ببراءة: بس مافيه احد كلهم راحوا.
ابتسم ثم قال : طيب ام هزاع هي موجودة؟
قالت بعد صمت : الجدة؟
هز راسه وكانها تراه: ايه الجدة.
قالت ريما ببتسامة: ايوه موجودة.
ماجد بهدوء: ناديها قولي ماجد ال عايد برا يبيك.
واختفى صوتها من جديد.
بعد دقائق قليلة سمع صوت الباب ينفتح وخرجت الجدة من خلفه تتكي على عصاها.
ابتسم ماجد مُقتربًا حتى يُلقي التحية عليها ويُقبل اعلى راسها: السلام عليكم، حي من شافك..
رفعت العصا امامه: وراك وراك.
تغيرت ملامحه: وليه وراي؟
ام هزاع نظرت الى سيارته: وين ابرار؟
ابتسم: بوديك لها.
حركت راسها برفض مُشمئز: قول مالها اهل دام انها اختارتك.
ابتسم ابتسامة عريضة : ياكبرها عند الله لو انها مختارتني كان والله لاخفيها صدق.
بعينان ناقدة وحاقدة قالت: ليه وش انت مسوي ذلحين!
واضافت : لنا اسبوع في بيتك وعمتك من شرطة لشرطة مالقيناك وذلحين جاي تقول يلا بوديك.
تنهد مُخفي كل الحقائق: وعمتي وينها؟
اشارت بعصاها للباب خلفها: داخل.
ماجد باعتراض ضائق من وجودهم في هذا المنزل: وانتم معجبكم جاين عند ناس ماتعرفونهم ومخلين بيتي.
ام هزاع بعينان مشتعله من تحت (ملثمها الاسود)المخصص لكبار السن: امك ماتبينا ولا حنا قليل اصل يوم نجلس في بيتنا مهوب مرحب فينا.
تنهد ماجد بعدم رضا: طيب وين راجس؟
رفعت عصاها من جديد: وانت وش عليك وين فلان ولا وين راح علان.
واضافت بعينان ضيقة: انت اللي وينك ووين بنتنا.
مسح ماجد على شعر ذقنه : فيه كلام واجد لازم تسمعونه قبل.
وصل له صوت ام ابرار من خلف الباب المذعور: ليه وينها ليكون ابوها مسوي لها شيء؟
حك جبينه بتعب: الكلام ماينفع هنا اركبوا معي ونتفاهم في شقتي.
ام هزاع حركت راسها رفضًا: ماخلي البيت اللي اكرمني واهله مهوب فيه، وحنا بنطلع لديرة اذا عندك كلام تبي تعلمنا فيه الحقنا هناك.
استدار على توقف السيارة خلفه ونزول رجل منها هاتفًا بقلق وضيق وعينه على ام هزاع الواقفة خارجًا: السلام عليكم عسى ماشر يا ام هزاع؟
ام هزاع ببتسامة تحت الغطاء الاسود: مابه شيء ياوليدي ماودك تودينا لديرتنا ذليل ماعاد لي رغبه اجلس فيها ساعة وحدة.
رفع ماجد حاجبه من تصرفها بوجوده: انا اللي بوصلك.
حركت راسها برفض قاطع: ماركبت مع راجس اركب معك.
وصل لهما صوت علي الهادئ: ابشري.
ابتسمت بامتنان واعطت ماجد ظهرها ثم دخلت وتركتهما يقفان امام الباب الخارجي.
اقترب ماجد له: السلام عليكم.
رفع علي عينيه له ومد كفه حتى يصافحه.
قبض ماجد كفه ثم قال بهدوء: انا بوصلها يعطيك العافية.
قاطعه علي باعتراض وهو يسحب كفه منه: اعتقد انها تتكلم عربي وكلامها واضح، الحرمة ماتبي تركب معك، الا انتم وش قصتكم يا عيال ال عايد، لا تكفون الناس شركم ولا خيركم.
رص ماجد على اسنانه كاتمًا الكثير من الكلام داخله، لكن قال بشبة ابتسامة خبيثة وعينيه تتامل شكل البيت البسيط خلفه : شكلك نسيت خيرنا عليكم لما ناسبكم ولد عمي.
تغيرت ملامح علي وعينيه تقع على الجالسة في المقعد الامامي في سيارة ماجد: عشان معك اهلك ولا عرفت كيف اخليك تعض الارض وتعرف وش بيسوي لك نسبك قدامي.
ابتسم ماجد ثم ربت على كتف علي: اقول ام هزاع واهلها في امانتك.
ثم غادر بخطى واثقة تُشابه شخصيته، صعد سيارته وتحرك مُبتعدًا بها.
همست اسيل بهيام: ياويل قلبي يمه يمه وش ذا الجمال ماقول الا ياحظ حريمه.
دفعتها هند بكتفها: اص لا تسمعك امي.
هاجر بشك همست: هذا مهوب اللي متزوج الدكتورة نوف؟.
اسيل نظرت لها من طرف عينها اليمنى: هو بشحمة ولحمة الا كيف نسيتي شكله يوم انزف؟
هاجر بسخرية: وتحسبين عيوني مثلك جلست مبحلقه فيه؟
هند ببتسامة: الا تتوقعين كيف بيكون انتاجه هو ودكتورتنا نوف؟
اسيل مسكت قلبها: مايبي لها تفكير.
نظرت لهما هاجر بعدم رضا: وانتي مافكرتي الا بالانتاج؟
همست هند بخبث: عاد ننتظر انتاجك انتي وتركي.
دفعتها هاجر بتوتر: وجع.
ابتسمت هند، ووصل لهم صوت علي: شكلكم بتخيمون عندكم في السيارة؟
نزلت ام علي وقالت بنبرة مُتعبة: من ذا؟
علي ادخل يديه في جيوب ثوبه: واحد من عيال ال عايد.
تغيرت ملامح ام علي بغضب : وش يبي بعد؟
ابتسم علي: بس يبي ام هزاع هذا ماجد بن سعد زوج حفيدتها
همست اسيل في اذن هند من جديد: تصدقين تحمست اشوف
انس اذا هذا جماله كذا اجل كيف بيكون انس.
ابتسمت هند بفضول هي الاخرى، لكن تذكرت اريان، ثم قالت بضيق: وش ينفع الجمال والفلوس اذا شخصياتهم ***.
دخلوا فناء منزلهم، وتوقفوا على خروج ام هزاع وخلفها ابنتها بدرية تمسح دموعها، وخلفهما مها تحمل بعض الحقائب.
ام علي بضيق: ليه وين بتروحون اقعدوا عندنا شوي مابعد شبعنا منكم.
حركت ام هزاع راسها: نبي نرجع لديرتنا وانتم سيروا علينا.
ابتسمت ام علي بتعب: والله مهوب على الكيف لكن نقول ان شاءالله.
قالت ام هزاع بقلق: وش صار لبنتس ان شاء الله انها بخير.
ام علي اقتربت لها: لا الحمدلله قالوا سوء تغذية وان شاءالله انها بتصير احسن وبتطلع بكرة.
ثم نظرت الى ام ابرار: عسى خير ان شاء الله وش هو قايل لكم؟
نظرت بدرية بطرف عينها المليئة بالدموع الى ناحية والدتها: هو خلته يقول شيء.
ام هزاع رفعت عصاها: ذاك الخايب ماعنده ماعند الورع، واذا كانه صادق ووراه علم يلحقنا لديرتنا.
ام ابرار بصوت مخنوق: الشكوى لله.
اقتربت هند واسيل الى مها الواقفة وحدها واحتضنوها بوداع: لازم انك ترجعين لنا ونمشيك بالرياض.
ابتسمت مها: وانتم لازم تجونا القرية ونمشيكم ترى اجواءها بالشتاء ماتتفوت.
ابتسموا بحماس: ان شاء الله.
خرجت مها بهدوء وهي تحمل حقيبة جدتها الصغيرة، توترت على اقتراب علي، وعادت للخلف، اشار للحقيبة بكفها الايمن: اعطيني اياها اركبها.
تركتها بسرعة وعادت تدخل.
ابتسم بهدوء حملها ،ووضعها في صندوق السيارة الخلفي، رفع نظره على عودتها من جديد تحمل حقيبة اخرى وكانت اثقل الحقائب واكبرها وقد علم سابقًا من الجدة انها حقيبتها، اخفى ابتسامته من شكلها وهي تُجاهد حتى تحملها.
اقترب لها وبنبرة ضاحكة لكن استطاعت ان تميز السخرية فيها: شكلك ماخليتي شيء في بيتكم، واضح تبين النحشه من ذيك الديرة بس راحت عليك.
تغيرت ملامحه ونبرتها الغاضبة تصل له: مافهمت يعني تبيني اجيب لبس واحد و اخيس فيه؟، وليكون مشتكيه عليك من ديرتي وانا ماعرف؟.
اغلق ثغرة عن الرد وعينيه تقع في ام هزاع المقتربة ببطء وتثاقل، امال شفتيه بتهكم داخلي، نعم هذه اللبوة الصغيرة من ذاك الاسد، صدمته من جراءتها بقت تعتلي وجهه ولم يستطع اخفائها، يعلم انها ذات لسان طويل لكن اعتقد انه لا يتجاوز الورق الذي كانت تبعثه قديمًا مع اخيها الصغير محسن.
قال بهدوء هامس وقد حمل حقيبتها الكبيرة: زين شفنا وجه مها الحقيقي مباشرة.
تلون وجهها من جملته والفشلة تعتريها، قبضت على طرف عبائتها،صعدت السيارة بعجلة حتى تختفي من امامه، كل ماتريده الان ان تنشق الارض وتبتلعها.
صعدت ام هزاع وعمتها، ثم صعد هو بعد دقائق، لاتعلم اي جراءة تمتلك جدتها، حتى تُعطيه كل هذه الحقوق، اولها العودة معه، ثم القدوم معه، حتى تطور الامر واصبحوا في وسط بيته قطع سيل تفكيرها صوته: باقي شي.
ام هزاع: لا، يلا توكلنا على الله.
احاطت مها ظهر عمتها وهمست في اذنها: ليش الدموع؟
ام ابرار: صدري ضائق وحاسه ان في ابرار شيء لكن جدتس المعانديه ماتسوي الا اللي براسها،
مها ببتسامة: ذلحين صارت معانديه.
وهمست مُضيفه حتى تُهدي عمتها: ابرار قوية ومافيها الا العافية، ومتاكدة جدتي تدور مصلحة ابرار ولا ماقالت يلحقها لديرة.
ضمت ام ابرار شفتيها لبعضها حتى تكتم دموعها: وليه ماتكلمنا؟.
مها ببتسامة: الغايب عذرة معه.
ثم رفعت عينيها ووقعت في عينان علي التي تنظر لها من خلال المراءة ابعدتها بتوتر.
اعاد نظرة الى الشارع امامه ثم الى الجدة التي قالت: الحرمة مالها الا بيت رجلها، اذا بتقعدون تسمعون للحريم والله اللي ماعاد به احد باقي متزوج.
ابتسم علي وهو يفهم انها تقصد اريان وطلبها لطلاق: اجل الحمدلله اني مريح راسي من الزواج.
نظرت له ام هزاع بغضب: الا انت وش رادك من العرس ترى العمر يروح.
قال ببتسامة خبيثه: ابد مالقينا حريم.
ابتسمت ام هزاع بحماس واقتربت ناحيته: وينك من الله، الحريم والله انهم واجد والبيوت امتلت منهم انت اشر وشوف.
واضافت بتفكير: واذا كانك تبي من عندنا فالحريم بعد عندنا واجد.
توترت مها من الاجواء التي بدت تُصبح غريبة.. وعنوانها الزواج..
رفعت عينيها بتلقائية على جملة جدتها: اخذ مها ماراح تلقى مثلها بنتي وتربيتي وقدام عيني.
تغيرت ملامحها باحراج وقالت بتلعثم ضاغطة على الاحرف: ياجدة
قاطعتها الجدة: وانتي بعد اللي مثلتس قد اعرس وعليه اربعة ولا خمسة.
ابتسم علي وعينيه تتامل عينيها التي بدت تمتلئ بالدموع من خلال المراءة.
همست في اذنها عمتها: وانتي اعقلي تردين عليها قدام الرجال استحي.
انزلت مها نظرها الى هاتفها في حجرها كاتمه غضبها وحرجها.
علي ببتسامة خبيثه همس للجدة :شورك وهداية الله.
ابتسمت ام هزاع وبدت ترسم الخطط.
ثم قال حتى يُغير اجواء السيارة المشحونة: الا ياجدتي كلن وله زمنه الحين صار اخر تفكير البنات الزواج.
ام هزاع بسخط: هذا اللي يخلي حبلها على غاربها.
.
.
___
يوم اخر، الساعة العاشرة صباحًا..
توقفت الكثير من السيارات خارج هذه المركز الصغير في منطقة عسير.
ونزل من احد هذه السيارات زياد وقد كان يرتدي زية العسكرية ولاول مره يرتديه منذ سنوات عديدة ويظهر به امام الملا ومن خلفه بدا يسير ويصطف جانبه كثير من رجال الشرطة من رُتب عالية..
بدا جميع من في هذا المركز الفرعي بالاصطفاف وهم يرون الشارات المعلقة على كتفي بدلته.
رفع قائدهم كفه اليمنى جانب وجهه مُلقيًا التحية على من امامه وفعل جميع الواقفين خلفه مثلما فعل.
قال احد القادمين مع زياد وهو قائد المركز الرئيسي للمنطقة: سمعنا عندكم في المركز جابر ال راشد.
قال القائد: نعم عندنا جابر.
زياد بهدوء وقد استطاع اخفاء توتره وقلقه على ابنه: وش فيه؟
القائد نظر الى زياد بتامل ثم قال: مسكناه البارح ومعه سلاح ويبي يذبح خويه.
زياد دب في جسده الخوف وبتساؤل مضطرب: ومن خويه.
القائد: اسمه رياض.
تغيرت ملامح زياد وهو لايذكر له صديق بهذا الاسم، وهمس في اذن الواقف جواره: ابي اشوفه.
قال قائد المركز الرئيسي للمنطقة: نبي نقابل جابر.
القائد حتى يُهديهم وقد لاحظ القلق على احدهم : مالقينا عليهم اي شبهه، لكن كل واحد يهدد الثاني بالقتل وهذا زي ماتعرفون يعتبر جريمة.
واشار لهم بالتقدم امامه: من هنا الطريق.
تقدموا يسيرون امامه.
احد رجال المركز الواقفين ينظرون لهم، قال بشك: احس اني شايفه.
صديقه قال بضجر: شوف الواسطة وش تسوي اجل جايين عشان يطلعونه وكلهم قادة كبار.
احدهم من خلف: اسكت شكلك تبيهم يسمعونك وتدخل مكانه.
في الداخل، جلس زياد على الاريكة ونظره الى الباب وصبره ينفذ.
ربت على فخذه احد القادة: ترى امره هين وماكان يحتاج تجي..
قاطعه زياد: اذا كان مسوي شيء بيخيس في السجن مثل غيره مهوب عشانه ولدي.
دخل جابر على جملة والده الاخيرة، تصلبت عينيه من شكله بالزي العسكري ولاول مره يراه بهذا الشكل، تدارك وضع نظره المعلق في والده، وابعده على اقترابه له بقلق: انت بخير؟
جابر عاد للخلف وبهدوء: وش تسوي هنا؟
زياد نظر له الدماء التي لونت قماش ثوبه من جهة خاصرته اليمنى: جرحك بخير؟
جابر التزم الصمت وعينيه تتامل الشارات المعلقة على كتفيه الايمن والايسر.
قال احد القادة في الخلف وهو من شعر بتوتر الجو بين الفريق زياد ال راشد قائد العمليات الخاصة وابنه:
راح نترككم على راحتكم.
وبدوا يخرجون واحد تلوا الاخر.
تنهد زياد بانفاس متعبة، ثم قال والمكان يخلو الا منهما: وش جايبك للجنوب؟ ماذكر ان لك فيها احد.
اعتلت ملامح جابر الباردة ابتسامة ساخرة: سياحة.
زياد بعد صمت لثواني: وتبيني اصدق؟.
جابر استدار حتى يخرج: براحتك اذا تبي تصدق ولا ماتصدق، ومتاكد انك خلصت استعراضك ببدلتك قدامي انا راجع لزنزانتي.
توقف على صرخة زياد الغاضبة: جابر وين احترامك لي.
استدار له جابر وقال بسخرية: باي صفة تبيني احترمك؟ لا تقول لاني ابوك.
زياد حرك لسانه على شفتيه حتى يكتم غضبة: بصفة اني اكبر منك.
ضم جابر شفتيه وهز راسه بموافقة.
زياد زفر انفاسه الحارة: جابر مهب وقت نقاشتنا العائلية وش جايبك هنا؟ ويقولون معك سلاح وناوي تقتل لك احد قول انه كذب!.
ابتسم جابر مُتذكرًا امر رياض: ماودك تعرف منهو اللي ناوي اقتله.
سكن زياد قليلًا ثم قال بعد صمت: يعني سالفة انك تبي تذبح احد صدق؟
واضاف بنبرة غاضبة لم يستطع السيطرة عليها وكبحها:ماراح احد يطلعك اذا ثبتت جريمتك وقول ماقلت لك.
جابر بعدم اهتمام نظر له: احسن شيء بتسويه.
واضاف ببطء وعينيه تتامل ردة فعل والده: نسيبك رياض بن هاني اللي كان معي.
شحب لون وجه زياد وقال بتلعثم: وش بينكم؟
ابتسم جابر: ابي اذبحه.
اشتعلت ملامح زياد بالغضب وضغط على الاحرف: وش بينكم؟.
توتر جابر من غضب والده وقال بهدوء: مابينا شيء.
زياد بدا يدور حتى يكتم غضبه.
جابر ونظره يتبع تحرك والده عاد تكرار حديثه: مابينا شيء.
وضع زياد اصبعه على ثغرة: اصص لا اسمع صوتك.
وتحرك بخطى ثقيلة ، تكلم مع احد الواقفين خارجًا ثم عاد يقف من جديد مكانه سابقًا وقال بوعيد:والله ياجابر لو تطلع عليك اي تهمه، ماتطلع منها وقول ماقلت.
بقت عينيه على ملامح والده الغاضبة،حرك نظره الى الباب على دخول رياض بملامح مختنقه هو الاخر وغاضبة.
استقرت عينيه المشمئزة والمليئة بالكرة في جابر، ثم ابعدها لتستقر في زياد الواقف، تغيرت ملامح رياض عائدًا للخلف كم خطوة، اغمض عينيه مرارًا بشك هل هذه حقيقة.
لكن تصلبت حادقتيه على زياد وصوت جابر الساخر يصل له : مهوب حلم الا حقيقة هذا زياد ال راشد زوج اختك منال بجلالته وقدره.
زياد بغضب صرخ: جابر.
جابر ابتسم وادخل كفيه في جيوب ثوبة الرمادي بحماس وخبث مُترقب للقنبلة التي ستنفجر امامه.
رياض حرك راسه برفض غير مُصدق مايقول، وعينيه مصوبه على ملامح زياد.. صحيح هناك تُشابه كبير ، لكن الله يخلق من الشبه اربعين هذا ماقاله ذاته له حتى يُطمئنه.
نظر زياد الى رياض وامال راسه جهة كتفه، يذكره عندما كان يُقارب السنتين او الثلاث حينها، اما الان اصبح شاب ذو قامة طويل وياخذ القليل من ملامح اخته، ببشرة بيضاء وشعر حالك السواد: وش سالفتك انت وجابر؟
رياض وعينيه لازالت معلقه فيه: وش انت؟
ابتسم جابر واقترب حتى اصبح جواره وهمس: قلت لك زياد ال راشد، وازيدك من الشعر بيت، انا ولده.
تغيرت ملامح رياض ثم استدار على جابر ،احاط عنقه بكفيه صارخًا: موتك اليوم ياولد ال****
حاول زياد سحب جسد رياض عن جابر، وبعد ثواني قليلة استطاع السيطرة على رياض ،دفعه بعنف وصرخ بزمجرة: وقدام رجل شرطة يعني جريمة.
انحنى جابر على ركبتيه وبدا يسعل بشدة.
رياض اشار لجابر وهو لا يثق في مايقول، لايتذكر ملامح زياد فهو لم يرى الا صور فقط وكانت قديمة: ال*** عارف نقطة ضعفي ويلويني فيها.
زياد رفع حاجبه باستغراب: وشهي نقطة ضعفك؟
اعتدل جابر واقفًا وامال شفتيه بتحدي مُنتظرًا ماذا سيكون رده.
رياض حرك عينيه في جابر ثم في زياد، عاد خطوة للخلف بشك وحيرة: من انتم؟ وكيف تعرفوني وتعرفون زياد ال راشد؟
نظر زياد الى جابر وحرك راسه باسى.
قال جابر : تبيني اطلع واخليكم على راحتكم؟
زياد عض شفته السفلية وحرك يده مُشيرًا الى الاريكة: اجلس.
زم جابر شفتيه وجلس عليها كما طلب.
رياض بحدة: انت ليش ماتجاوب.
زياد اشار للأريكة الاخرى : اجلس
حرك رياض راسه رافضًا: ماراح اجلس لين افهم وش انتم.
ونظر الى جابر: انا الدلخ اللي وثقت فيك ورحت معك وانا ماعرفك.
قاطعه زياد بغضب: الان ابي اعرف وش جمعكم؟.
جابر وعينيه على رياض: اهل مازن هنا وجايين نعزي.
زياد باستفهام: مازن الموسى!
جابر هز راسه.
قبض زياد على كفه اليمنى ورص على اسنانه: انت عارف انه بغى يذبحك وش المواجيب اللي عرفتها على اخر عمرك
واضاف بشك حاد: في راسك شيء وانا ماعرفه؟
جابر بصدق وغضب والده بدا يوتره: عائلتهم على قد حالهم وانا اعارف مازن كان سكران..
قاطعه صارخًا : سكران صاحي، كان جاسوس مهوب مخاويك محبه فيك.
ابتسم جابر حتى يُخفي انكساره وضيقته: هو خليتني يابوي اعيش طبيعي؟ مثل الخلق؟ واخاوي لي ناس صاحية؟
ووقف ثم اقترب له محركًا عيناه فيه من اعلى راسه حتى اسفل بتامل لزيه العسكري ، قائلًا بخيبة واسى على حاله: وانت تصعد الرتب وكنت عميل سري؟ انا وش كنت؟؟؟
اشار الى صدره وضربه بقبضة كفه: انا وش كنت؟ كنت اراقب لك ال عايد سنين، لا كنت طبيعي مثل الخلق ولا..
وبتر حديثه وهو يخرج بخطى واسعة، صفع الباب خلفه مُحدثًا اهتزازًا في شباك الحجرة الحديد، بقت نظرات رياض ثابته على ملامح زياد المكفهرة.
استدار عليه زياد تنحنح حتى يعدل صوته وقال: وش عرفك بجابر؟ يا رياض؟
رياض بهدوء: اللي قاله صدق انا ماعرفه.
واضاف بتردد: ادري مستحيل تكون زياد بس انت اخوه؟
ابتسم زياد بتعب: ما كل مايتمنى المرء يدركه.
وقال بنبرة بطيئة حزينة: معك زياد ال راشد شخصيًا.
تغيرت ملامح رياض الى الصدمة ثم قال بتلعثم غاضب: مستحيل مستحيل زياد ال راشد قصوه.
سار زياد بصمت وعبر من جواره، توقف على قبضة اصابع رياض على ذراعه ونبرته الغاضبة: اذا انا اتكلم تسمع لي..
قاطعه زياد وهو يبعد كفه عنه : كلامنا في الرياض مهوب حنا.
وخرج هاتفًا للواقفين خارجًا: حولهم لمركز الرياض وانا بسبقهم.
ثم تجاوز جابر الواقف بين رجلين يحاصرانه من يمين ويسار وخرج بصمت.
انزل جابر عينه أرضًا، ثم رفعها على خروج رياض صارخًا بوعيد وتهديد، ارتسمت على شفتيه ابتسامة شامته.
.
.
___
بعد ثلاث ايام...
مُستلقيه اثير على سريرها وتُعطي الباب ظهرها، رفعت عينيها من هاتفها واعتدلت جالسة على صوت اسير بعد ان دخلت: اذا هي بتبقى كذا راح تلحق ابوها وعمي فيصل الله يرحمهم وقولوا ماقلت .
اثير مسحت دمعتها التي انهمرت برقه على وجنتها اليمنى: لا ان شاءالله فال الله ولا فالك.
جلست اسير على سريرها وبدت تبكي بعجز وضياع.
نهضت اثير وجلست جانبها ،احتضنتها: كلها وقت وراح تصير احسن.
رفعت اسير راسها ونظرت لها بعينيها الدامعة: وتين حامل وش كلها وقت؟ البيبي اكيد بيصير له شيء اذا ماتاكل ولا تطلع من غرفتها.
اثير تنهدت باسى: طيب نكلم عبير، مو هي اللي كانت معها الفترة اللي راحت وكانت تسمع منها.
استلقت اسير على ظهرها وثبتت نظرها في السقف ،بفضفضة قالت: والله تعبت
وانزلت نظرها الى اثير: ليش تحسسنا اننا نكره فيصل وان حنا سبب موته.
واهتزت نبرة صوتها: ترى هو عمنا بعد الله يرحمه.
اثير ربت على فخذها: خلاص هونيها وترى ماتنلام.
ثم وقفت: راح اكلم عبير تجي.
اسير اعتدلت جالسة: وليش مانكلم احمد مو هو المسؤول!
اثير قالت بضيقة: بلاك ماتدرين ان احمد مختفي حتى ماحضر العزاء.
أضاقت اسير عينيها : كيف مختفي؟.
اقتربت اثير وقالت بهمس: والله سمعت ابوي يعلم امي، من طلع منا ذاك اليوم وهو مختفي.
اسير بقلق مذعور: يمكن عند احد من اصحابه؟ ذولا عيال ال عايد.
رفعت كتفيها اثير : مدري.
.
.
___
فتح انس باب شقته، توقف في مكانه بشك من الصوت القادم من داخل الحجرة، حرك راسه يمينًا باحثًا عن اداة تُعينه، ووقع نظره في سوط الخيل المرمي جانبًا، قبض عليه وسار ناحية الصوت، رفع حاجبه وهو يرى احمد يجلس امام الكثير من الاوراق، قال بشك: احمد؟
رفع احمد عينيه المحمرة وقد احاط بها هالة من السواد، ثم انزلها من جديد.
انزل انس السوط على مكتبة الجانبي واقترب بقلق: احمد وش صاير؟
احمد بنبرة مُتهالكة مُتعبة: الحمد لله ع السلامه.
انحنى عليه انس ولامس انفه بسلام مُتعارف بينهما وهمس: عظم الله اجرك.
واضاف على صمت احمد: كلمني عبدالرحمن وسال عنك قلت اني ماشفته لكن مادريت انك في شقتي.
وحرك نظره في الاوراق التي امام احمد: وش عندك مختفي ومخلي العالم تدور عليك وانت هنا،
وابتسم بسخرية: مسوي مهم.
بلل احمد شفتيه الجافة واتكا بظهره للخلف حتى لامس مقدمة السرير المصنوع من قماش مخمل اسود خلفه: لاتعزيني فيه وانا السبب.
اضطرب داخل انس بتساؤل..هل قتل عمه وهو هارب من العدالة ويختبئ بشقتي هنا : كيف انت السبب؟.
احمد مسح على ملامحه :انا اللي بلغت عليه.
جلس جانبه انس ومد ساقه اليمنى وعكف اليسرى، ونظر الى ملامح احمد الشاحبة:هو هذاك عمك اللي بالرضاعة وتقول تشك فيه؟.
احمد اغمض عينيه: ايه فيصل.
انخطف لون وجه انس هاتفًا بشك: فيصل
واضاف بتردد: كيف شكله.
احمد نظر الى انس: ماتعرفه كان عايش بجدة.
انس نظر لما امامه: فيه واحد اسمه فيصل قابلته قبل اسبوع ومات مقتول فشكيت انه هو.
لف برأسه على جملة احمد المستفهمة: يتاجر في الاسلحة ومروج مخدرات؟
هز راسه انس: ايه.
اغلق احمد عينيه بشدة متنهدًا باسى: خلاص هو اياه.
ربت انس بباطن كفه على ظهر احمد عدّت مرات: يعني كان عارفني وقتها لكذا ساعدني،لكن..
وبتر حديثه..
فتح احمد عيناه: لكن؟؟.
انس بتردد ولكن نطق به اخيرًا: كان معهم ويدهم اليمين ولما خانوه خانهم ثم قتلوه
وبدا يسرد انس احداث تلك الايام الشداد.
اغمض احمد عيناه وانحنى براسه الى مقدمة السرير خلفه: يعني تقول طلع زياد حي وكان من اساس عميل سري؟
انس هز راسه وزفر انفاسه: ايه
ابتسم احمد شبة ابتسامة صغيرة: مافيه احد مرتاح.
واضاف بهدوء والراحه تسكن قلبه: الوطن فوق كل شيء.
ابتسم انس ثم انزل نظره الى الاوراق المتناثرة ارضاً: ذي وشهي؟
احمد رفع بعض الاوراق ومدها له: وش تشوف؟.
تامل انس ماهو مطبوع عليها وقال بعد صمت: كشف رصيد من ذا؟
احمد استنشق الكثير من الهواء ثم زفره ببطء: فيصل.
بلل انس شفتيه بهمس قلق: هذا غسيل اموال مهيب فلوس حقيقية.
قال احمد بعد تردد: محولها لصرافة وتين.
ربت انس على كتفه: وانت وش بتسوي؟.
رفع احمد كتفيه: ذلحين كل شيء مسدود في وجهي حتى وتين رافضة تسمع لي، لكن الاكيد ببلغ الشرطة.
ابتسم انس غامزًا بخبث: الحُبّ قَطّع قلوب البعارين
حتى الحمير السود **** جدفها
رفع احمد حاجبه بتحدي: وقلبك ما قطعه؟
وقف انس هاربًا : بسوي قهوة اسوي لك معي؟
ابتسمت ملامح احمد المتعبة: بمشيها لك لعيون القهوة.
توقفت خطى انس على استفهام احمد: وش بيصير مع ماجد؟
قال انس وهو يوليه ظهره: لو كنت مكانه وش بتسوي مع وتين؟.
احمد باجابة سريعة لم تحتاج الى تفكير: اكيد راح اتمسك فيها لان هي مالها دخل في سالفة ابوها.
ثم قال مُضيفًا باستفهام : طيب انت وش بتسوي بموضوعك؟
تحرك انس تاركًا سؤاله معلق بدون اجابة.
لحقه احمد وجلس على المقعد الطويل المخصص للمطبخ الصغير في شقة انس: انت كانك تهرب من الاجابة ولا وش سالفتك؟
رفع انس نظره له: ماعندي اجابة.
واضاف بضيق وهو من كان يتهرب من هذا الموضوع خصيصًا في الايام الفائتة: هي تبي الطلاق واهلها يبوني اطلقها حتى ابوي يقول طلقها محاصريني من كل جهه.
احمد وعينيه تتامل ما يصنع انس: وانت بتطلقها؟
انس سكب القليل من حبوب القهوة في آلة الطحن: على ذا الضغط يمكن.
احمد نظر بتركيز لملامح انس: عجيب امرك ليش توقعت دامك تعرفها من اول يمكن يكون عندك لو شوي من المشاعر.
واقترب قليلًا بفضول: انس صدق ماحبيتها؟
توقف انس عن طحن القهوة ،قال بعد صمت على عينان احمد الفضولية للاجابة: لا ماحبيتها..
احمد رفع حاجبه بشك: وليش ساعة لين تجاوب كان قلت لا من اول.
واضاف بخبث: اجل تقول الحُبّ قَطّع قلوب البعارين
لا والله ماقطع الا قلبك.
انس ترك آلة القهوة على المنضدة الخشبية بغضب ساخر واشار لاحمد ثم الفراغ: ليش تحسبني مثلك ومثل ماجد، تجيب راسي بنت!.
قاطعه احمد ساحبًا طاحونة القهوة وبدا يطحن باستمتاع من غضب انس : على الاقل انا وماجد معترفين ومتمسكين حتى لو كان اساس زواجنا فاشل ،و الحين نسعى عشان ينجح لكن انت وش سويت؟ الا وش عذرك دام البنت ماتبيك طلقها خلاص ، ودي اعرف ذا التمسك العجيب يا انس دامك ماتحبها ولا تبيها طلقها خل البنت تعيش حياتها وان شاء الله تحصل احسن منك.
تسارعت نبضات انس قائلًا : اتحداها تحصل احسن مني.
واضاف بنبرة متوترة وحديث احمد لامس كثيرًا من داخله: وكيف اعرف اني احبها؟.
ابتسم احمد على نبرة التوتر التي شعر بها في صوت انس، سكب القهوة المطحونة في اعلى الإناء الزجاجي المخصص لها وبنبرة هادئة: اسال قلبك.
ورفع نظره له مُضيفًا : تفكرها فيها كثير؟.
توتر انس وسحب الابريق المليئ بالماء وبدا يسكب داخل الإناء الزجاجي: اقول ماودك تروح تطمئن اهلك وتحل امورك انت وزوجتك وتخليني انا واموري.
ابتسم احمد ابتسامة صغيرة: طيب انت سالت خلني اجاوب.
انس بتوتر: انسى سؤالي.
احمد اخفى ابتسامته من ملامح انس المتوترة: متى ماعندك اسئلة حنا موجودين،و اعطني قهوتي.
رفع انس راسه مُتذكرًا ذاك الامر الذي اتى به الى هنا: عندك معلومات هيلدا؟
احمد أضاق عينيه: مين هيلدا؟
انس اخرج كوبان ووضعها اعلى المنضدة الخشبية وبهدوء: البريطانية اللي انخطفت من المستشفى وكانت تلاحقني.
احمد مسك جانب راسه الايمن: هو كان اسمها هيلدا؟
انس سكب قهوة في الكوب الايمن: ايه اعطتني كرت لها فيه رقمها واذكر اني خلتيه هنا.
رفع احمد حاجبه الايمن ببتسامة خبيثه: جاي تبي رقمها؟ اجل.
مد الكوب لاحمد : اقول امسك كاسك ، البنت ماتت وقلت ادورها من رقمها عشان اقدر اتواصل مع امها.
ابتسم احمد واخذ كوب القهوة: وانت وش تبي بامها دام ماتت؟.
انس حمل الكوب الخاص به: هي وصتني في امها و احس اني مسؤول لو قليل عن موتها.
احمد غمز مُتسائلًا: وليش ماتطلع حقيقتك الحنونة هذي مع زوجتك؟، صدقني بتطيح من طولها.
ابتسم انس ساخرًا: وليه ما تطبقها على نفسك.
احمد ارتشف القليل من القهوة وبنبرة صادقة: ومن قال لك ماطبقتها.
وبنبرة مفعمة بالجدية: الا ماقلتلك.
ادخل انس كفه الايسر في جيب بنطاله وكفه الاخرى يحمل فيها كوب القهوة الازرق: اللهم اجعله خيرًا.
ابتسم احمد وقال بنبرة هادئة سعيدة يُغلفها الكثير من الضيق: لا ابشرك كله خير، انا بصير اب.
تقدم انس بتلقائية له مُتناسيًا الكوب الذي يحمل: احلف..
بتر حديثه من الم حرارة القهوة على ظهر كفه.
توقف احمد بخوف: احترقت.
ابتسم انس واشار الى عضده الايسر : بسيطة اجل لو شايف حرق زياد لي هنا.
احمد بضيق من عدم مُبالاته: والوضع عندك عادي؟.
انزل انس الكوب وبهدوء جاد وهو يستدير الى صنبور الماء حتى يغسل ظهر يده: ماعلينا الا الف مبروك يابو ناصر.
وقال بخبث مُستديرا له براسه غامزًا: اللي كنت اعرف ان المدام ماهيب راضية عليك..
قاطعه احمد ببتسامة مُتجاوزًا ما يرمي له: وللحين ماهيب راضية دعواتك.
بعد وقت طويل ابتسم انس وجلس في مقعد احمد السابق بعد خروجه ،تنهد بضيق وسار الى حجرته ، رمى جسده على السرير بالعرض ، ثبت نظرة في السقف ثم انزله على صوت جرس الشقة، رفع حاجبه باستغراب من عودة احمد من جديد، وقف بتثاقل وسار بهدوء ساحبًا جسده بتعب، فتح الباب مصطنعًا الغضب قاصدًا احمد: هذا ومعك مفتاح...
بتر حديثه على وقوف زياد بثوب زيتي اللون.
ابتسم زياد: السلام عليكم.
انس علت ملامحه الدهشة والاستغراب في نفس الوقت: وعليكم السلام.
زياد نظر خلفه: ماراح تدخلني؟
مد انس يده : حياك.
دارت عينان زياد في المكان ثم قال باستغراب: وش ذي الخسائر قصر وشقة.
اغلق انس الباب فاهمًا ما يرمي له: وانت ماشاءالله مراقبني في  كل مكان.
زياد جلس على الاريكة المنفردة وبهدوء جاد: الماضي ماضي.
واضاف على نظرات انس المترقبة: وين بيتهم.
رفع انس حاجبه فاهمًا من يقصد لكن توتر زياد امامه يستلذ به: بيت من؟
زياد جمع اصابعه العشر في بعضها: بنتي.
ابتسم انس وجلس على ذراع الاريكة العريضة امامه وبهدوء: ماعتقد انه صعب عليك تلقى بيتهم زي مالقيت شقتي، اختصر اللي عندك...
.
.
__
(نهاية البارت الثامن والخمسون)..
سبحان الله ، الحمدلله، الله اكبر..

رواية جفَاف ورْدة بيضاء في رُكن الذَكريات.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن