-
..البارت التاسع والخمسون..
..
-نكره مشاعرنا
فـ بعض الاماكن
ونشوفها مرات
ملاذنا العذبَ ..مثلي ..
كرهت الكذب
جداً ولكن :
مرت عليّ فتره ؟
تمنيتها كذب ! -
.
.
_
زياد جلس على الاريكة المنفردة وبهدوء جاد: الماضي ماضي.
واضاف على نظرات انس المترقبة: وين بيتهم.
رفع انس حاجبه فاهمًا من يقصد لكن توتر زياد امامه يستلذ به: بيت من؟
زياد جمع اصابعه العشر في بعضها: بنتي.
ابتسم انس وجلس على ذراع الاريكة العريضة امامه وبهدوء: ماعتقد انه صعب عليك تلقى بيتهم زي مالقيت شقتي، اختصر اللي عندك.
زياد هز راسه ببتسامة: يعني فاهمني.
انس رفع حاجبيه وزم شفتيه: تقدر تقول.
استنشق زياد الكثير من الاكسجين ثم زفره هاتفًا بجديه: ابيك تروح معي نقابلها.
تجمدت عينان انس فيه وقال وهو على وضعه: وليش انا.
زياد اشار له: لانكم السبب.
واضاف: كلمني ابوها وقال لازم اكون موجود بكرة في مزرعة له برا الرياض وراح يخليني اقابلها.
انس هز راسه بهدوء: ايه اعرف مزرعته.
زياد نظر له بسخرية: هو فيه شيء ماتعرفونه يال عايد.
انس ابتسم ابتسامة صغيرة: حقدك دفين وتقول الماضي ماضي.
زياد ارخى جسده للخلف على الاريكة: متى بتروح تعالج..
قاطعه انس: وانت وش عليك.
ابتسم زياد: عمك.
رفع انس حاجبه بسخرية: اجل عمي.
زياد بصدق خبيث: اكيد تعرف اسامة، هذا ولد اعز اخوياي وماكنت ابيه الا لبنتي.
قاطعه انس واقفًا: انت وش تبي توصل له.
زياد بلل شفتيه مُخفي ابتسامته الماكرة: اللي فهمته منك ماتبي تطلق ويمكن تموت، فاكيد راح ازوجها له.
اشار له انس: توك عرفتها امس وجاي تسوي خطط لها يمكن البنت ماتبيه.
زياد بظهره قليلًا: انت شفت اسامة مايختلف عليه اثنين.
قاطعه انس: ليه انا كم يختلف علي؟
ابتسم زياد واقفًا، ثم اقترب وربت على كتفه: يكفي اني اختلف عليك.
حرك انس كتفه يمينًا حتى يبعد كفه عنه، ابتسم زياد من حركته وهتف مُغادرًا: تعرف بيتي مر علي بكرة وهذا امر مهب اختياري.
تحركت شفتان انس باشمئزاز غاضب.
.
.
تغيرت ملامح احمد للغضب وهو يرى عبير تصعد في سيارة اجرة كانت تقف امام بوابة منزلهم وتغادر، حرك سيارته ولحق بهم ضاغطًا على بوق السيارة.
قال السائق بتوتر من هذا الذي خلفه: هذا وش فيه.
لفت عبير ثم تغيرت ملامحها لذعر: وقف وقف
توقف السائق، مدت النقود باصابع مرتجفة: يعطيك العافية، خلاص رح.
ابتلعت ريقها بصعوبة واحمد يتقدم لها بعد ان نزلت وغادرت سيارة الاجرة بسرعة: لو لجين بقول ماعليها تعصي كلامي بس انتي ياعبير.
عبير وعينيها تتامل ملامحه المكفهرة وقلبها تتسارع نبضاته: ماعصيته بس مافيه احد يوديني..
قاطعها: وين فهد..
قاطعته بغضب: ادق عليه وجواله مقفل وبعدين مستحيل عاد اروح معه.
رفع حاجبه بشك: ليه وش فيه؟ مسوي لك شيء؟
قاطعته بتوتر: لا ماسوا شيء بس الولد ما ارتاح معه يعني هو..كذا احس انه يحسب انه اخوي.
ابتسم احمد واشار لها بوعيد: هذا اللي ابيه انتي اكيد عندك علم انه اخو زوجة انس.
قاطعته بغضب: واذا اخوها، خلاص خلني اسوق طيب مب سمحوا بالسواقة، دامك ماراح تخلينا نروح مع السواقيين.
احمد بلل شفتيه ورص على اسنانه حتى يكتم غضبه:من البلاوي اللي اشوفها منهم ماراح اخليك تركبين معهم واذا تبين تسوقين راح افكر بالموضوع اول.
واشار الى سيارته: اركبي.
توترت وتحركت بخطى بطيئة.
تجاوزها وصعد بهدوء، استقرت جواره وقال كاتمًا غضبه: وين تبي؟
عدلت ربطة نقابها من خلف : وين كنت الفترة اللي راحت؟
احمد حرك السيارة: كنت مشغول.
رفعت حاجبها: مشغول؟ عمك ميت وزوجتك حالتها حالة وتقول مشغول.
نظر لها من طرف عين: وهي تعتبرني زوج؟ خليني ساكت بس.
تنهدت وقالت بجدية: وتين ماهيب بخير.
واضافت ببطء: اذا بتبقى على حالتها هذي راح تخسر طفلها قبل تخسر نفسها..
بترت حديثها على توقفه المفاجئ، مسكت صدرها بخوف ونظرت له: بسم الله وش فيك.
احمد انحنى على المقود وبنبرة متعبة: شوري علي وش اسوي؟
نظرت عبير الى انكسار اخيها وقالت بهدوء: الاوقات الصعبة مفروض تكون حولها..
قاطعها وهو يرفع راسه من المقود وينظر لها: حاولت لكن هي تطردني.
وضغط على الاحرف ضاربًا صدره : حامل ولا علمتني عرفت كيف تلوي ذراعي.
وضعت عبير باطن كفها على فخذه حتى تُهديه: ماكانت تدري.
ابتسم بسخرية: ماكانت تدري؟
واضاف محركًا راسه يمينًا ويسارًا بخذلان : حتي انتي كنت عارفه وانا صاحب الشان اخر من يعرف.
عبير استدارت له بجسدها: والله ماعرفت وتين الا قريب، لما وديت امل للمستشفى هي عرفت وقتها.
نظر لها مُنتظرًا ان تكمل تبريريها الذي لن يشفع لوتين ابدًا.
قالت عبير مُكمله: وانا وعبدالرحمن عرفنا لما وديناها للمستشفى هي ماعلمتنا.
ابتسم بضيق: يعني ماكانت تفكر تقول لاحد.
عقدت عبير حاجبيها: كانت بتقول لك بس عشان وضع فيصل الله يرحمه بدت تاجل الموضوع.
ابتسم بسخرية: قصدك بدت تستبعد تعلمني انها حامل.
واضاف مُحركًا السيارة: وين تبين؟
قالت بعد ثواني صمت: ودني لوتين.
زفر انفاسه وارتداء نظارته الشمسية حتى يُخفي ماتحكي عيناه.
قالت عبير حتى تقطع الصمت الذي خيم بينهما الا من صوت محرك السيارة: ماراح تسال عنها.
احمد نظر لها من تحت النظارة: كيفها.
عبير فتحت هاتفها ورفعته بوجهه: شوف وش كاتبة اسير وتين مب بخير.
اغمض عيناه بقوة وضغط على الدواسة حتى تنطلق السيارة باقصى سرعتها.
صرخت عبير بخوف: بتذبحنا خفف السرعة.
بعد دقائق قصيرة توقف امام منزل خالته واشار لها بالنزول: انزلي قولي لها بتصير عاقلة وترضى بقدر الله ولا جيتها ووقتها ماتعرف الا احمد الثاني.
نظرت له: من جدك؟
انحنى جهتها ومد ذراعه وفتح الباب: اجل من عمي؟
نزلت واغلقت الباب خلفها، نظرت له من خلف النافذة وهو يُغلق محرك السيارة ويجلس فيها بصمت: ماراح تروح؟.
حرك راسه برفض غاضب: مارح اروح راح انتظرك، قولي لها اذا هي تبي تموت تموت لحالها لكن لا تذبح ولدي مهوب ازين لها.
هزت راسها وسارت بخطى سريعة، ضغطت زر الجرس ودخلت بعد فتح الخادمة لها، ابتسمت ابتسامة صفراء حرجه وهي تتوسط الصالة على جلوس مساعد وزوجته ووالده ووالدته وامل والتوأم اسير واثير: السلام عليكم.
الجميع بتفاوت: وعليكم السلام.
مساعد توقف وتجاوزها خارجًا.
وصعد والده بهدوء.
اقتربت تُقبل رأس خالتها ثم الفتيات.
اسير بهمس: من جايبك؟
قالت بتردد: احمد.
ام مساعد سحبت ملاءتها الحمراء الكبيرة المخصصة لصلاة ثم ارتدتها بعجل وخرجت الى احمد.
واعتذرت مغادرة الى وتين، ابتسمت امل بامتنان: زين تسوين.
صعدت عتبات السلالم ثم اقتربت الى حُجرة وتين طرقت الباب عدت طرقات وأتاها صوت وتين المبحوح: ادخل.
دخلت عبير ببتسامة: السلام عليكم.
وتين اعتدلت جالسة: وعليكم السلام.
قبلت عبير وجنتيها وهمست: كيفك وكيف حبيب عمته.
بملامح منتفخه من اثر البكاء قالت بنبرة مبحوحة: بخير.
واضافت بشك: ليش جاية؟
عبير نزعت وشاح راسها الاسود ووضعته جانبها وبابتسامة: افا يعني ما اجي الا ابي شيء؟ الله يسامحك.
ابتسمت وتين ابتسامة صغيرة.
ابتسمت عبير: ايه خلينا نشوف ابتسامتك الحلوة.
اختفت ابتسامتها وشردت في الفراغ.
زفرت عبير انفاسها: ترى اللي تسوينه في نفسك حرام.
نظرت لها وتين: يقولون مقتول.
عبير مسكت كفيها: الله يرحمه لكن لو كان حي بيرضى يشوفك كذا.
وتين ضغطت على شفتها وقالت مافكرت فيه كثيرًا: فيصل ماكان راضي اتزوج احمد وراح احقق له هذا.
رفت عينان عبير بغير تصديق وهي من علمت ايضًا ان فيصل كان مجرم ويعمل قناص وقتل الكثير: تحققين له هذا؟ واحمد ؟؟
وتين بتافف كاره: مابي اتكلم في اخوك هذا ولا اسمع اسمه قدامي، وش كان بيصير لو كان مكان فيصل؟
شهقت عبير ووقفت بجزع مذهول مماهتفت فيه وبتلعثم: انتي مستوعبة وش تقولين؟
واشارت لنفسها: احمد اخوي اذا انتي ناسيه
وحركت راسها باسى: لكن وتين والله ماتستاهلين احمد.
والتقطت حجابها الاسود ونقابها وتحركت بخطى سريعة، لحقتها وتين صارخه باعتذار: عبير ماقصد عبير..
نزلت عبير العتبات بعجلة، وتصنمت قدميها على توقف الجالسين ومن بينهم احمد، نزلت دموعها وضمت شفتيها المرتجفة وعينيها التحمت في عيناه رفع نظره لتقع في الواقفة خلفها تنظر له بعينان جاحظة.
تجمدت اطراف وتين وانزلت نظرها سريعًا الى ثيابها حتى تتاكد من شكلها..دائمًا مايكون شكلها امامه خاطئ تداركت تفكيرها اين ذهب ولماذا تهتم بكيف تكون امامه؟؟، لكن رفعت نظرها بتلقائية على جُملة عبير الباكية بصرخ: طلقها خلاص طلقها ماتستاهلها.
ارتفع صوت شهقت خالتها ام مساعد: انتي وش تقولين؟ عبير؟
اقتربت اسير واثير بخوف من بكاء عبير العالي: عبير اهدي.
احمد ونظره لازال على وتين وعيناها التي تعانق عيناه: خلونا لحالنا.
هزت راسها ام مساعد وتحركت بعجلة ساحبه عبير معها والفتيات.
وتين ابتلعت ريقها وكسرت نظرها بابعادها عنه بتوتر.
قال بهدوء وعينيه تتامل نحولها وشحوبها: كيف صحتك؟
وتين مررت اصابعها على شعرها حتى تتاكد من انه مرتب وبتلعثم: بخير.
قال احمد بهدوء: اسمح لك تغلطين علي وتجرحيني بس اهلي خط احمر.
رفعت نظرها له وبتبرير: انا ماغلطت عليها..
قاطعها بحزم: اعرفك ياوتين لاتقولين ماغلطتي وانا اكثر من جربك.
اقتربت بعينان حادة وقد امتلئت بالدموع: مافهمت؟وش المطلوب مني.
بلل شفتيه وهو من يضعف امام دموعها: كلامي واضح وش اللي مافهمتيه؟
قالت ببطء وقد شقت دموعها الحارة طريقها على وجنتيها: واذا اغلطت وش بيصير؟ اختصر.
اشار لها بتنهيدة متعبة: انتي وش تبين وراح يصير.
واضاف على صمتها وعينيها المعلقة فيه: انا بريحك مني اذا راحتك في بعدي..
قاطعته ببطء مبحوح: مافهمت بتطلقني؟
نظر الى بؤبؤ عينيها العسلي وقال بتعب: تبينه؟
تأملت ملامحه ثم رفعت نظرها الى السقف حتى تكتم دموعها.
اقترب لها ومد كفه، مسك ذقنها وببتسامة حزينة: مهوب مكتوب لنا راحه يا وتين، ولك اللي تبين.
انزلت نظرها بتلقائية له وبتلعثم مرعوب من مايفكر به ابعدت يده عنها بقوة: وش اللي انا ابي؟.
عقد حاجبيه مُستغربًا ردة فعلها العنيفة: ط..
قطع احرف الكلمة وهي تضع كفيها على فمه بتلعثم: لاتقولها.
رفع حاجبه الايسر باستغراب ثم تغيرت ملامحه دارسًا تعابير وجهها المرعوبة، بدت زوايا ثغرة بالتمدد بابتسامة خبيثه، ثم همس من تحت كفيها: ماكنت بقول اللي في بالك.
ومسك كفيها هامسًا وهو يُقبل ظهر كلتا كفيها عندما شعر بتوترها وارتجافها:ليش ماتكونين صريحة باللي تبين.
شحبت ملامحها بفشلة وحرج، ابتسم على شكلها، قالت بتبرير مرتجف: انت لاتفهم غلط بس انا حامل يعني تبي تطلقني وابتلش في ولدك.
انزل كفه حتى مرره على بطنها وقال بنبرة مليئة بالعتاب:ليش خبيتي علي حملك؟
امالت ثغرها مُبعده كفه الايمن عنها: وانت ماخبيت زواجنا؟.
مرر اصابعه على شعره القصيرة: بنرجع على طير ياللي؟
استدارت مُبتعده تاركته خلفها: ابد ماراح نرجع لشيء.
قال بهدوء: وتين.
توقفت في مكانها مُلتزمه الصمت وهي تُعطيه ظهرها.
قال بعد تنهيدة مُتعبة: لاعاد تنزلين كذا شكلك ناسيه ان مساعد موجود معك في البيت.
لفت له رافعه حاجبها الايمن: مافهمت تشك فيني؟
ابتسم بتهكم ساخر: توقعتك ذكية.
وتركها هاتفًا بصوت عالي:خلي عبير تلحقني.
تجمدت في مكانها وعينيها تتبعه حتى اختفى، ذهب نظرها الى جملة امل: الولد ميت غيره وتقولين تشك فيني.
قالت وتين بتوتر : من متى انتي هنا؟
امل تكتفت: تقدرين تقول من اول وانا هنا.
واضافت رافعه ذراعيها باستسلام : كنت خايفة على اخوي منك.
ابتسمت وتين وقالت بهدوء مُتعب: من زين اخوك اشبعي فيه.
اختفت ابتسامتها على عبور عبير امامها خارجه بخطى واسعة، قالت مُناديه باعتذار: عبير.
اختفت عبير خلف الباب الخارجي بعد ان صفعته خلفها.
قالت امل ببتسامة بعد ان ربتت على كتفها: حاولي تنزلين من برجك العاجي وتشوفين اللي حولك، اذا ماتبين تخسرين احمد وعبير.
نظرت لها وتين بعينان غاضبة: انتي شكلك ناسيه وش سوا مع عمنا فيصل
وقالت مُضيفه بسخرية مقهورة: صح انتي مثله ماكنت تحبين فيصل
ابتسمت امل وهزت راسها : تدرين وش المشكلة ؟ انك عارفة الحقيقة لكن تحاولين تطلعين الكل غلط.
وابتعدت تاركتها بعد ان قالت لها ماجعلها تنتفض: ماراح يخسر غيرك من كل ذا، وبتكون اكبر خسارة هو احمد نفسه هذا اذا ماخسرتي ولده قبله.
.
.
___
خرجت لُجين من مكتب الدكتورة غاضبة، دست الاوراق في حقيبتها وكتبت باصابع سريعة رسالة الى اسير( رفضت الدكتورة عذركم تقول صار له ميت اربع ايام)، خرجت من محادثة اسير الى الرسالة التي وردتها من ناصر كاتبًا فيها( اطلعي انا برا).
كتبت بغضب:( وانت وش جايبك؟).
ناصر:( عبدالرحمن مشغول وجيت اكفيه).
لُجين عضت شفتيها بقهر:(ماراح اطلع).
ناصر: (ماهيب مشكلة هذا اللي ابيه تطولين، لاني اشوف الان شيء مايتفوت).
لُجين ارسلت له علامة استفهام(؟).
ابتسم ناصر وكتب لها :( يا ان جامعتك يطلع منها بنات عليهم جمال ، ولا اقول اخذي راحتك انا مشغول).
اشتعل وجه لُجين فاهمه مايرمي له، القت هاتفها في حقيبتها وسارت بخطى واسعة الى صندوق عبائتها، ارتدتها بعجل، ولفت حجابها الاسود ثم ربطت نقابها باهمال، خرجت تبحث عن سيارته، امالت ثغرها بتهكم بعد ان رات لوحة سيارته: اكيد من غيرك بيشتري سيارة صفراء في السعودية يبي التميز راعي البنات.
فتحت الباب وصعدت ،ثم صفعته بقوة.
انتفض ناصر ذعرًا وهو من كان منشغلًا بهاتفه ولم يشعر بها: بسم الله الرحمن الرحيم.
تكتفت بغضب وعينيها تنظر خارج زجاجة السيارة العريضة الامامية: ماجيت ترجعني للبيت؟ خلاص رجعني.
ضم شفتيه لبعضها محاولًا كتم ضحكته لكن ابت محاولته بالفشل مُنفجرًا بضحكة صاخبة وقال من بين ضحكته: طيب سلمي.
التزمت الصمت وعينيها لازالت تنظر امامًا.
بلل شفتيه وعض على شفته السفلية محاولًا كتم ضحكته.
استدارت له بغضب: ممكن اعرف وش يضحك ولا خربت عليك خططك؟.
ضم شفتيه كاتمًا صوته ، ثم حرك المراة العلوية ناحيتها هاتفًا بنبرة ضاحكة: شوفي بالله شكلك كيف طلعتي من الجامعة كذا.
شحبت ملامحها بفشلة وعينيها تقع على شكل فتحات النقاب المربوط باهمال، وخروج حاجبيها من فتحاته وميلانه.
اعاد المراة لوضعها السابق وقال ببتسامة عريضة: عرفتي ليه اضحك، هاه تلوميني؟
عدلت نقابها سريعًا، وفتحت الباب بعجلة، ثم خرجت هاربة.
أضاق عينيه من خلف النظارة السوداء مستغربًا من ردة فعلها، نزل خلفها ولحقها، مسك ذراعها: لُجين وش فيك؟
ابعدت كفه الممسكة بذراعها وقالت بتلعثم باكي: ماراح اركب معك.
ابتسم واعاد امساك ذراعها ثم سحبها خلفه، فتح باب السيارة بيده الاخرى واركبها ،اغلقه، ثم قال بعد ان جلس في مكانه:اسفين خلاص انسي اني ضحكت.
عضت شفتها السفلية حتى تكتم الدموع داخلها ولا تنفجر وقد تلونت ملامحها للاحمرار من الحرج.
اعاد ظهره للخلف، قال وعينيه تنظر خارجًا للمارة: وش نسوي عشان تسامحينا طيب؟ شوري.
قالت بنبرة مرتجفة: ابي البيت.
نظر لها: انا ماجيت اخذك عشان ارجعك للبيت.
اتسعت مقلتيها وقالت بغضب مُتناسيه ماحدث منذ دقائق: اجل وين بتاخذني؟.
ابتسم وضغط على دواسة الوقود منطلقًا الى وجهته: خليها مفاجاة.
رصت على اسنانها ضاغطه على الاحرف: رجعني البيت لا اكلم اخواني.
سحب كفها بحركة سريعة وقبل ظهرها: تهددني باخوانك؟ وترى يدرون يا غلاتي.
توترت من دفء شفتيه على ظهر كفها وتسارعت نبضاتها ، سحبت يدها حتى لا يُلاحظ ارتجافها ودستها في كم عبائتها السوداء: واخواني يدرون انك تسوي كذا؟
ابتسم وانزل نظارة عينيه: اسوي ايش؟
واضاف غامزًا بخبث ماكر: ليكون على ذي البوسة ترى ماشوفها شيء، اجل لو ان مكانها..
قاطعته لجين صارخة: لا تكمل.
حرك شفتيه بإزدراء: ابشري المهم ترانا زوج وزوجته مال احد شغل فينا.
فتحت حقيبتها واخرجت هاتفها بتحدي: نسال احمد ونشوف.
سحب الهاتف منها وفتح مسند الذراع بينهما ورماه فيه واغلقه ثم وضع ذراعه عليه ناطقًا بسخرية: شكلك ناسيه اخوك وزوجته اللي متزوجين وعايشين بدون زواج وخسائر.
وقال مكملًا على نظرات الصدمة من عيناها: ناخذه قدوه ونقلده؟ وش رايك؟.
قالت بغضب مرتجف: انا مو وتين اذا ماسويت لي زواج يتكلمون عنه كل السعودية تحلم فيني.
ابتسم ناصر : تم الزواج بداية الشهر الجاي زي ماتفقنا وبنخلي السعودية كلها تتكلم فيه.
تكتفت من جديد ولفت براسها يمينًا.. هي تعلم يقينًا ان النقاش معه عقيم وستترك الامر لاحمد فهو الوحيد القادر عليه.
ابتسم وهز راسه برضى على صمتها: نفهم من سكوتك انك موافقة.
لفت له لُجين بنبرة متهكمه: لاني اعرفك دامك قررت مافيه احد يقدر يغير رايك.
استدار بالموقد يمينًا حتى يعبر الشارع الفرعي الضيق: مابي اذكرك انك غيرتي قراري قبل ولا كان متزوجين الان..
قاطعته بعد ان فهمت مقصده: انت تحمد ربك اني اصلًا وافقت عليك بعد اللي عرفته عنك.
اوقف السيارة امام احد المنازل المتوسطة وقال بعد ان ضغط على احد الارقام في هاتفه ووضعه على اذنه: خلينا ننسى الماضي.
وقال قاصدًا لمن خلف الخط بعد ان وصله الصوت الصغير: يلا انا برا، اذا تاخرتي راح اروح واخليك.
ابتسم واغلق على نظرات التسائل من لُجين.
فتح الباب على خروج الطفلة الصغيرة ذات السبع سنين، وانحنى لها فاتحًا ذراعيه، اقتربت راكضه وارتمت في احضانه صارخه بفرح: عم ناصر.
ابتسم وابعدها قليلًا وقبل كلتا وجنتيها هامسًا: كيف حبيبة عمها؟
قالت الطفلة ببتسامة عريضة: انا تمام.
وامالت راسها حتى تنتظر للجالسة في السيارة خلفه وتنظر لهما بفضول ثم قالت ببراءة: هذي مين؟
استدار ناصر براسه للخلف وقال هامسًا في اذن الطفلة: هذي خالة لُجين اللي قلت لك لما تشوفينها بتحبينها.
صرخت الطفلة بسعادة وتحركت متجاوزه ناصر ، صعدت السيارة وارتمت في احضان لُجين صارخه بحماس وكلمات لم تفهمها لجين.
توترت لُجين وابعدتها عنها قليلًا، ورفعت نظرها الى ناصر حتى ينقذها ، تقدم ببتسامة واشار لطفلة ان تعود للخلف: ارجعي ورا.
حركت راسها برفض: ابي اجلس جنب خاله لُجين.
استغربت لُجين من معرفتها بها وقالت ببتسامة صغيرة بعد ان مسحت على شعرها: وش اسمك ياحلوه؟
قالت الطفلة ببتسامة وهي تجلس على مسند الذراع بينها وبين ناصر رافضة العودة للخلف بحزم: انا رنوده.
اختفت ابتسامة لُجين ورفعت نظرها بتلقائية ليلتحم في عينان ناصر الذي ابعد نظره وصعد مُغلقًا باب السيارة: رند حبيبتي ممنوع تجلسين هنا ارجعي ورا
حركت شفتيها بامتعاض طفولي ثم عادت للخلف مُجبره.
ابتسم ناصر على ملامحها وحرك السيارة: اذا تبين تطلعين مع خالة لُجين مره ثانية خليك عاقلة ولا ترى بتقول مابي اطلع مع هذي البنت المجنونة.
تقدمت الطفلة بجسدها حتى اصبحت بينهما ثم قالت هامسه له لكن وصل صوتها الخافت الى لُجين: ليش خالة لجين ماتتكلم؟.
ابتسم ناصر ونظر الى لُجين حتى يحرجها لتتحدث: ليكون ماعجبتك الطلعة معنا يا لجين؟
اختفت ابتسامته على همس لُجين بنبرة مرتجفة: رجعني للبيت.
التزم الصمت قاصدًا المكان الذي خطط له سابقًا لن يدعها تخرب مخططه لهذا اليوم.
قبضت لُجين على حزام حقيبتها التي كانت في حجرها، وهي تستمع لردود ناصر المختصرة واحاديث الطفلة الطويلة.. كل ماتريده العودة للمنزل حتى تختلي بنفسها لتستوعب ماذا يجري هل من كان يحادثها سابقًا كانت هذا الطفلة هل شكت به ومع طفلة!!.. قطع شرودها صوت ناصر الثقيل:ماراح تنزلين معنا؟.
نظرت له حتى تفهم ماذا يقصد، رفة عينيها مُستوعبه توقف السيارة، ووجوده خارجها وكفه تقبض على كف الطفلة الصغيرة التي تنظر لها ببتسامة، بللت شفتيها لجين ونزلت بخطى ثقيلة، بدت تقدم قدم وتسحب الاخرى مرغمه ليست مخيره، انزلت نظرها بعد ان شعرت بالكف الصغير الذي احاط بكفها الايمن وقبض عليه ،ماكانت الا رند شدتها حتى اصبحت تتوسطهما وتمسكهما بكلتا كفيها.
ابتسمت لجين من خلف نقابها، شاعرة بإن هذه الصغيرة تعرفها
جيدًا.
صعدوا المصعد واقترب ناصر هامسًا في اذن لُجين بعد ان دخلوا احد الغرف المخصصة في هذا المكان: بسوي لها حفلة صغيرة بمناسبة نجاحها من المدرسة انتي اشغليها لين ارجع.
هزت راسها لُجين بموافقة، وخرج ناصر مُعتذرًا بدورة المياة.
اجلست لُجين الطفلة على المقعد الايسر، وجلست يمينها، رفعت نقابها الى اعلى مقدمة راسها حتى تتاكد من شكلها، اعادة تجديد حمرتها ثم انزلت نقابها مُغطيه ملامحها،لفت على جملة الطفلة: انتي حلوة.
واضافت ببتسامة: مثل ماقال عم ناصر.
ابتسمت لُجين بتوتر: شكرًا وانتي حلوة بعد.
وقالت مستفهمه حتى تُرضي فضولها فهي من تعرف عائلة ناصر جميعهم ولا تذكر ان هذه الفتاة منهم: كيف تعرفين عم ناصر؟.
قالت رند الصغيرة وهي من بدت تبحث وتحرك عينيها في المكان بفضول طفولي: صديق بابا الله يرحمه.
تغيرت ملامح لُجين مُستوعبه من هذه الطفلة، هي ابنة صديقه الذي توفى قبل سنوات عديدة في ذلك الحادث الشنيع الذي كان يتواجد ناصر ايضًا فيه، قد سمعت من خالتها قديمًا انه يعيل طفلة صديقه المتوفي ويهتم بها لكن لم تتوقع ان يصل هذا الاهتمام الى ان يخرج معها ويحادثها في الهاتف، نظرت للباب على دخول ناصر ببتسامة عريضة ثم جلس يسار الصغيرة هاتفًا : ليكون تاخرت.
احتضنت لجين اصابعها امامها على الطاولة ملتزمة الصمت بتانيب ضمير يفتك بداخلها، ماذا ستقول؟ حتى الاعتذار تعلم انه لن يغفر لها خطيئة مافكرت به ناحيته وظلمه.
حركت الطفلة راسها وهمست شيئًا في اذن ناصر لكن لم يصل لها الا ابتسامة ارتسمت على شفتيه وظهرت ايضًا في خطوط عينه هامسًا من جديد في اذن الصغيرة: عشان تعرفين انا ماكذبت لما قلت انها حلوة.
انشغلت بهاتفها هاربة منهما، لكن رفعت نظرها له على الرسالة التي وردت منه كاتبًا لها فيها: ع الاقل مثلي عشان رند ماتحس انك مجبورة.
كتبت له باصابع مرتجفة: ليش ماقلت لي انها بنت صديقك وخليتني اشك فيك؟.
كتب : ما سالتي.
زفرت انفاسها بضيق كاتبه: ولازم اسال؟.
كتب : ماكنت عارف اصًلا الموضوع وانك شاكه فيني، المهم خلينا ننسى الماضي ونعيش في اليوم
ثم قال بصوت عالٍ بعد ان انزل الهاتف على الطاولة: بعض الناس يا رنوده لسانها بس في الكتابة والواقع مانشوف شيء.
رفعت حاجبها لجين وقالت : وبعض الناس يا رنوده لا نشوف لسان في الواقع ولا الكتابة
نظر لها بنصف عين: قد كلامك؟
ابتسمت وشتت نظرها بعيدًا عنه.
قالت رند الصغيرة ببراءة: مافهمت.
ابتسم ناصر ومسح على راسها، ثم ازدادت ابتسامته وطاقم العاملين في المطعم يدخلون بكعكة صغيرة تناسب حجمها وبعض الاطباق الجانبية الاخرى، وهدية مُغلفة قد ابتاعها لها.
رفعت لُجين هاتفها وهي تفتح كاميرا تطبيق السناب حتى توثق هذه اللحظة الجميلة، ستتناسى الماضي قليلًا ،حتى تعيش اللحظة ولا تعيش في ندم جديد.
صرخت رند مُصفقه بحماس وعينيها على شمعة الشرار التي تشتعل عاليًا في وسط الكعكة.
ابتسمت لُجين على ردة فعلها.
انحنى ناحيتها ناصر وقبل خدها: الف مبروك النجاح.
اعادت له القبلة في خده الايمن صارخه بحماسه: شكرًا عمو احلى مفاجاة.
همس لها بود: وخالة لُجين ماراح تشكرينها؟
نزلت من مقعدها واندفعت تحتضن لُجين بحب، احاطت لجين ظهرها وقالت ببتسامة: الف مبروك عقبال مانشوفك دكتورة.
عادت تجلس رند على مقعدها وعينيها في الكعكة لا غيرها ،شعرت لُجين بإن هناك هالة حزن خيمت على ملامح ناصر لكن سرعان مابعدها وهو يشكر الطاقم على عملهم قبل خروجهم.
انزلت لجين نقابها وحجابها الاسود على نظرات ناصر،
شتت نظرة والتقط السكين مُستفهمًا: رنوده قطعة كبيرة ولا صغيرة؟
قالت الصغيرة بحماس: كبيرة.
ابتسم وبدا يقطع الكعكة.
انزلت لُجين المرآة بعد ان تاكدت من ملامحها و صففت شعرها جانبًا ثم توقفت، توسطت ناصر والصغيرة براسها قائلة ببتسامة: عيونكم للكام صورة لذكرى.
رفعت الطفلة اصبعيّ السبابة والوسطى، اضطرب داخل ناصر من قربها وعطرها الذي بدا يتنفسه ويتغلغل رئتيه،قال بهدوء متوتر من هذه المسافة بينهما: لازم صورة؟.
سحبته من كتفه حتى اصبح قريب منها اكثر من السابق وبتأفف قالت: لا تخرب علينا الذكرى.
انحنت الطفلة براسها قليلًا له: صورة بس.
ابتسم وعينيه على ثلاثتهم في انعكاس شاشة الهاتف، لكن تغيرت ابتسامته الى الخبث وراسه يتقدم مُقبلًا خدها برقه.
تغيرت ملامحها ونبضات قلبها ترتفع شاعره بدفء شفتيه على وجنتها، نظر اليها بعد ان ابعدت وجهها الى الناحية الاخرى، قبض على معصمها حتى لا تبتعد: وين ماصورتي؟
قالت وعينيها في كل ماحولها عاداه: بطلت ماعاد ابي ذكرى لليوم.
أضاق عينيه: افا افا ليكون..
قاطعته وهي تنظر الى معصمها في كفه الكبيرة: ممكن تفكني.
حرك راسه بلا واخرج هاتفه من جيبه: خلينا اول نصور صورة لذكرى ع قولتك.
بعد ان اخذ ناصر صورة لثلاثتهم، توقف وحمل الهدية المغلفة باللون الزهري: رنوده توقعي وش فيها بس بشرط اذا ماجبتي التوقع صح ماراح تاخذين الهدية اللي داخلها.
صرخت رند بحماس متوقعه ما يوجد داخلها: عروسة؟.
هز راسه بلا: لا لا صرتي كبيرة على ذي الاشياء.
عبست ملامح الطفلة بخيبة ثم قالت بتوقع اخر: اللوان وكراسة رسم؟
جلست لُجين على مقعدها وعينيها تراقب مايحدث امامها ببتسامة هادية.
ثم قالت بعد عدت توقعات خاطئة من رند الحزينة: ناصر ماينفع اتصال بصديق؟.
قال بعد تامل جعلها تبعد نظرها عنه: الصديق لو يبي عيوني عطيته.
حكت قفا عنقها بتوتر: انت شكلك ناسي ان فيه هنا طفلة.
قال وهو يضع الهدية امام رند: هو انتي خليتي لي عقل؟
كتمت انفاسها المضطربة، وبدت تنظر الى حماس وفرحة رند وهي تمزق غلاف الهدية.
اشتعلت وجنتيها عندما التحمت عينيها في عيناه التي كانت مصوبه ناحيتها وتراقبها.
انزلت نظرها على صرخت الطفلة بغير تصديق مما ترى داخل الصندوق: ايباد.
ثم احتضنت ناصر بكلمات كثيرة ومن بينها: شكرًا احبك انت احلى واحد في العالم.
اشار بعينه الى لُجين هامساً: لاتنسين خالة لجين.
اندفعت الطفلة كا عادتها واحتضنت لُجين ،انحنت لها ببتسامة محرجه: ماسويت شيء.
ناصر غمز لها: كيف ماسويتي شيء وانا وانتي جايبين الهدية.
رفعت حاجبيها، لكن سرعان ماسحبت حجابها ونقابها حتى ترتديه بعد ان ضغط على زر نداء النادل حتى ياتي ويقدم لهم الطعام.، دقائق حتى امتلئت الطاولة بكل ما لذ وطاب.
بعد وقت طويل من الصمت، توقف امام منزلها، دلكت كفيها ببعضهما توترًا وقلبها تتسارع دقات نبضاته.
نظر لها باستغراب من عدم ترجلها، لكن تغيرت ملامحه من الكلمة التي خرجت من شفتيها المتوترة: اسفة.
حك رقبته بضيق: لجين انزلي.
نظرت له بغضب، هل يتجاهل اعتذارها ؟؟: وش افهم؟
زفر انفاسه بخفوت: مافيه شيء تفهمينه.
اشتعلت عينيها: كيف مافيه شيء افهمه؟واللي صاير اليوم..
قاطعها: لجين ممكن ننسى الماضي ونعيش في الحاضر؟
حركت راسها برفض: لا مهوب ممكن.
تكتف ونظر له مترقبًا: ليش مهوب ممكن
استدارت له بجسدها واحاطت خصرها بكفيها: مهب على كيف اطلع الوحيدة الغلطانة في كل ذا...
قاطعها وهو يقترب براسه لها: انا الوحيد الغلطان في كل ذا، يرضيك؟
تجمدت عينيها في عينيه القريبة منها ثم قالت: خلنا نتكلم بجد.
ارتفعت نبضات قلبها على كلماته الصادقة: لا والله انا الغلطان تدرين ليه؟ لان موضوع تافه مثل كان بيفرقنا للابد، ولا كنت ادري فيه.
ومسح على شفتيها باصبعه الابهام من اعلى النقاب هامسًا بصوت ثقيل: خلينا نعجل في زواجنا.
شعرت بالحرارة تعتلي جسدها كاملًا،فتحت الباب باصابع مرتجفة، ثم خرجت من السيارة هاربة بخطى واسعة.
تنهد بتعب جاهلًا مايدور في عقلها، ثم حرك السيارة مبتعدًا.
صعدت لجين السلالم بخطى واسعة هامسه في مابينها: وقح..
فزعت على صوت عبير المستفهم بفضول: منهو؟
بلعت لجين ريقها بصعوبة وعينيها تقع على انتفاخ عينان عبير واحمرارها وبخوف قالت؛ وش صاير؟
عبير تكتفت واتكأت على الحائط خلفها مُضيقه عينها اليسرى: وينك متاخرة!
انزلت نظرها على الساعة في معصمها الايسر: ٤ العصر؟ توك تجين.
واقتربت ضاغطه على الاحرف: لاتقولين في الجامعة لانك ما تداومين لين هذا الوقت ولا تفكرين تقولين عند خالتي عايشة لاني كنت عندهم، وبعد لاتفكرين تكذبين وتقولين مع اسير واثير لان مالي وقت راجعه منهم.
قاطعتها لجين بتوتر وخوف ان يكون ناصر قد كذب عليها ولا احد يعلم بخروجها معه: اولًا ترى ماسويت شيء غلط..
قاطعتها عبير رافعه حاجبها الايسر بشك: لا تقولين مع ناصر؟
لجين نزعت طرحتها بربكة ،حررت شعرها هامسه وهي تفتح باب حجرتها ، وتدخلها حتى لايراها احد اخوتها: لاتقولين ماتدرون؟.
بللت عبير شفتيها بتنهيدة مُتعبة، فطاقتها لا تساعدها حتى تجادل لجين: وكيف ندري؟
نزعت عبائتها السوداء وقالت بخوف: قال انه كلم عبدالرحمن.
زفرت عبير انفاسها وجلست على الاريكة العريضة: لا دام قال انه كلم عبدالرحمن اكيد كلمه، لانه لسى في الدوام.
نظرت لُجين لها وهدوء عبير وملامحها لا تُبشر خيرًا:
صاير شيء ماعرفه؟
عبير بجدية مُتذكره ماقالت وتين : لازم احمد يطلق وتين.
رمشت عينان لجين مرارًا غير مستوعبة ماقالت ، وخُيل لها انها قد سمعت بشكل خاطئ: وش يسوي احمد؟
رصت عبير على اسنانها: يطلقها
واضافت مُحركه ذراعيها في الهواء: الزواج من اساسه غلط وهي ماتبيه خلاص يتطلقون ويريحونا.
اقتربت لجين منها بخوف: ليه يطلقها وش صاير؟
عبير بللت شفتيها وانحنت ماسكها جانبيا راسها بباطن كفيها غير مُصدقه ماقالت وتين امامها: قدامي تخيلي تتمنى انه لو ميت، اجل اذا جلست لحالها وش بتقول عنه.
جلست جوارها بضيق: انتِ اكثر وحده تعرف وتين، اكيد مو من قلبها..
قاطعتها عبير بنبرة مهتزة اوشكت على البُكاء: ولاني اعرفها كل شيء الا احمد.
ربتت لجين على اعلى ظهرها وهمست بضيق: وش رايك مانتدخل في هذا القرار لانه شيء يخصهم.
وهمست بخبث حتى تُغير مزاج عبير المُكتئب: واقولك وش صار بيني وبين ناصر لانه كبر بعيني ولو يقول الزواج بكرة وافقت وانا مغمضة.
اتسعت مقلتيا عبير غضبًا: وشهو اللي صاير عشان يخليك توافقين لو الزواج بكره؟ انتي وش مهببه معه؟
انفجرت لُجين بالضحك وقالت من بين ضحكها : الله يقطع ابليسك وين راح عقلك.
ثم بدت تسرد ماحدث معها اليوم، انحنت عبير قليلًا تنظر لملامحها بعد ان التزمت الصمت فجاءة: وش فيك؟
رفعت لجين ساقيها اعلى الاريكة ، و احتضنتهما وهي تنفجر بالبكاء.
احتضنتها عبير هامسة بحنان: وش فيك؟
لجين بتلعثم وحشرجة: احس اني مفتشله منه، صدق اني غبية حتى كنت بخرب حياتي..
قاطعتها عبير وانحنت على كتفها هامسه: الله يوفقكم، وحاولي تنسين الماضي، والحمدلله كان عكس اللي تفكرين فيه ورجال قد الكلمة، والانسان مو معصوم من الغلط.
ابتسمت لجين بخجل وهي تمسح وجنتيها بباطن كفيها.
ابتسمت عبير ومزاجها يتبدل الى السعادة.
قالت لُجين بصدق: عقبال ماشوفك عروسة.
عبير اراحت ظهرها للأريكة خلفها وبغرور: ماياخذني الا شيخ.
ابتسمت لُجين ووقفت هاربة بعد ان القت القنبلة: اي والله ماغيره الشيخ ولد ال صايل.
صرخت عبير ساحبة الوسادة الصغيرة من جانبها ثم قذفتها خلفها: مالقيتي الا ذاك اخذه.
اخرجت لجين راسها من خلف باب دورة المياة وغمزت بثقة: صدقيني مافيه غيره بيشبع غرورك.
اغلقت الباب خلفها، تاركه عبير تُسافر في خيالها، مددت جسدها على الاريكة ثم نظرت الى السقف بتامل طويل وتفكير، اين كان في الايام الفائتة هل هو بخير؟ انتباها الكثير من القلق بسبب غيابه عن الشركة، اعتدلت واقفة ثم هربت على صوت فتح لُجين لباب دورة المياة.
.
.
___
اقترب تركي ببتسامة ونظره يقع على سيف ، تغيرت ملامحه وهناك امراة ظهرت له من خلف سيف، وصوت بكاءها قد ارتفع في أروقة المشفى، شُلت حركته مُتعرفًا على المراة، وما سمع : قلت لك اذلفي لاعاد اشوفك هنا ماتفهمين؟
اماني برجاء باكي: خلني اشوفه تكفى.
سيف اشار لها بتهديد اخير وصبره ينفد : لاتخليني اروح انادي الامن يسحبونك من هنا.
اماني بصوت مرتجف مهتز وقد بُح واختفى من كثر البكاء: انا ادري اللي سويته غلط، لكن خلك محضر خير.
قاطعها ضاغطًا على اسنانه برفض تام: اذلفي لا تشوفك هاجر اللي فينا منك يكفينا.
عاد تركي للخلف هاربًا حتى لا يُلاحظه ،الايام السابقة قد لاحظ التوتر والتعب المُخيم على سيف في تواجد اماني زوجة اخيه سابقًا، واعتقد انه شفقه على حالها، لكن ماسمعه اليوم اثبت ان هناك امر كبير، علت الابتسامه وجهه مُبعدًا الصدمة وهو يرى اريان جالسة تنتظر على احد مقاعد المشفى: نمشي ياحلو؟
قالت باستغراب: مسرع جيت؟
تركي احاط ذراعها بعد ان توقفت: لقيت محمد نايم.
هزت راسها ومشت تسير جواره بصمت.
قال بعد ان توقفت سيارته امام كشك مخصص للقهوة : المشروب اللي تبينه؟
هزت راسها بالرفض: مابي اشرب شيء.
تنهد وعينه تستقر على الشاش المربوط حول كفها الايمن: الجرح اللي في يدك وشهو منه.
غطت ظهر كفها الايمن بباطن يدها اليسرى: واذا قلت بتصدقني؟
نظر لها بملامح جادة: وانا قد كذبتك؟.
ابتسمت واشارت بعينيها الى خلفه: الرجال واقف بتطلب شيء ولا امش.
نظر الى النادل خلفه وقال بهدوء: ثنتين لاتيه حار سكر وسط.
قالت بضيق: قلت مابي شيء.
ابتسم واعاد نظره الى كفها: الجرح من وش؟
اريان استدارت براسها تنظر الى خارج النافذة.
اعاد استفهامه مُستغربًا صمتها: الجرح من وش؟
واضاف بصبر بدا ينفد وهو من استطاع ان يكتمه الايام الفائتة: انس؟
حركت راسها برفض: لا.
واضافت بهدوء وعينيها لازالت خارجًا: ابي اشوف ابرار.
عقد حاجبيه تركي: ابرار؟ مين ذي ؟
حركت راسها له: زوجة ماجد ال عايد.
ابتسم : ماشاءالله امداك تتعرفين عليها..
واكمل بعد ان اخذ كوبين القهوة من النادل ودفع الحساب: ذلحين خلينا نرجع البيت..
قاطعته: قلت ابي اشوفها.
مد لها تركي الكوب: وانا وش عرفني في بيتهم؟
حركت راسها رافضه الكوب: قلت مابيه، وانا اعرف بيتها.
استغرب تمردها الذي لم يعهده ، وقال بهدوء: اذا تبيني اوديك لها اخذي الكوب.
اخذته بصمت ثم عادت تنظر خارج النافذة.
بعد نصف ساعة توقف عند احد الفنادق ورفع نظره الى اعلى الفندق: متاكدة هنا.
ترجلت من السيارة بصمت، لحقها بغضب: اريان.
لم تعره اهتمامًا وهي تقف امام طاولة الاستقبال العريضة وتُخاطب احد الواقفين امامها: كم رقم شقة ماجد ال عايد؟
الرجال نظر لها ثم رفع الهاتف الى اذنه.
كلها ثواني حتى توقف امامها رُجلين، ولم تكن تحتاج الى الكثير حتى تتعرف عليهما، بل تاكدت انهم رجال شرطة للحراسة.
قال احدهم باحثًا بعينه: وين اللي تقول.
اشار الموظف : هذه.
الرجال: من انتي؟.
اريان بهدوء واثق: قول للي فوقك اريان تبي تقابل ابرار.
قال الشرطي الذي كان يتخفى بزي مُشابه لما يرتديه العامة حتى لا يُثير الشك في هذا الفندق الكبير: مافهمت؟
اريان اضاقت عينيها باشمئزاز: اللي اسمه حارث روح قول له اريان تبي تقابل ابرار.
تغيرت ملامح الواقفان وابتعد احدهما يرفع هاتفه الى اذنه اليمنى.
سحب تركي ذراعها بغضب: انتي من متى تكلمين الرجاجيل بذا الاسلوب وترفعين صوتك..
قاطعته وهي تسحب ذراعها منه بإلم: من لما وافقتوا تزوجوني ذاك بس عشان عنده فلوس.
قاطعها تركي كاتمًا غضبة بنبرة هادية: انتي الحين معنا واللي تبينه بيصير قلتِ طلاق وقلنا ابشري وكل شيء بيرجع مثل اول وافضل ، وش تبين اكثر؟
اقتربت له ضاغطه على الاحرف بغضب: لا كل شيء اختلف مافيه شيء بيرجع زي اول، لاتكذب علي بكلمتين.
وتحركت تاركته خلفها بعد ان اشار لها احد الرجال ان تلحقه.
اكفهرت ملامح تركي، ماذا حدث حتى تُصبح بهذا الغضب؟؟ والكره، جلس على الاريكة الجانبية، سينتظر حتى يعرف الحقيقة من والده.
..
اقتربت الى الباب الشقة التي اشار لها الشرطي، نقرت على زر الجرس بعد عدت نقرات وصل لها صوت ابرار النائم: من؟
قالت اريان براحه تخللت قلبها وهي تسمع صوت ابرار: انا اريان.
توترت ابرار والاسم جديد على مسامعها: مين اريان؟
رفعت اريان حاجبيها باستنكار: اريان اللي كنت معك قبل ايام.
فتحت ابرار الباب بقلق وتوتر من المجهولة خارجًا، هل هي زوجته الاخرى التي ذكرت اخته.
دخلت اريان ، تجمدت انظارها في ملامح ابرار الذابلة، تغلل داخلها الراحة عندما راتها واقفة امامها، واقتربت حتى تحتضنها: الحمدلله، خفت عليك.
جفلت ابرار من اقتراب الغريبة ثم عادت للخلف مُشيرة بكفها حتى تتوقف: لا تقربين، أنا ماعرفتك.
اعتلت ملامح اريان الدهشة والذهول هاتفه بصدمة: انت وش تقولين؟
ابرار بتوتر ضمت اصابعها العشر لبعضها : ماعرفك انتي مين؟.
اريان اشارت لنفسها: انا اريان اللي كنت معك.
ابرار مسكت راسها بتوتر: ماذكرك.
امتلئت عينان اريان بالدموع: انتي وش تقولين؟ كنا مع بعض
واشارت الى كفها الايمن: هنا لما انصبت..
قاطعتها ابرار بتوتر : شوي ذاكرتي هذي الايام تعبانة ماتذكرك.
برد جسد اريان هاتفه بشك: كيف هذي الايام تعبانة؟
ابرار بصدق: انا ماذكر الا اشياء محددة.
قالت اريان ببطء : حتى ابوك ما تذكرينه؟
ارتعش جسدها هامسه بتوتر: وش فيه ابوي.
مسكت راسها اريان بعجز ماهذه المصيبة: كيف علاقتك مع هذا؟ زوجك؟
بللت شفتيها برجفة ظهرت عليها: اختصري وش صاير؟ لاتخبين علي؟ وش فيه ابوي.
اعتذرت اريان بهدوء والدموع بدت تتشكل في عينيها: انسي اني جيتك.
مسكت ابرار ذراعها : انتي وش تعرفين؟ وانا ماعرفه.
ابعدت اريان كفها ثم تحركت قائلة بشفقة على حالها وغضب: اللي اسمه زوجك خليه يقول لك الحقيقة، ولا حاب يستفيد انك ماتذكرين شيء!.
قطعت ابرار طريقها وهي تقف امام الباب وبرجاء حزين: ماراح تطلعين لين اعرف، لاتكونين انتي معهم وتخبين علي.
وقالت مُضيفه باستفهام: انتي زوجته الثانية.
تغيرت ملامح اريان وقالت مُشيره بيديها: لا لا انا مو زوجته الثانية.
واضافت بغصة: انا زوجة ولد عمه.
ابرار بشك: انس؟
اضاقت اريان عينيها: تعرفينه؟
ابرار بصدق مُتعب: اعرف بعض الاسماء، لكن ماتذكر الاشياء.
هزت راسها اريان بهدوء ثم تحركت الى الاريكة العريضة في وسط الصالة وجلست عليها.
تحركت ابرار الى المطبخ الصغير المكشوف على الصالة الواسعة: بسوي قهوة..
بعد دقائق قصيرة انزلت اريان نظرها من اللوحة الكبيرة المتوسطة الحائط الى فنجان القهوة المدود امامها: تفضلي.
التقطت الفنجان من بين اصابع ابرار هامسة بشبة ابتسامه: كان ماكلفتِ على نفسك
واشارت جانبها: تعالي هنا.
تقدمت ابرار لها وجلست حيث اشارت لها.
انزلت الفنجان اريان بدون ان ترتشف منه شيئًا، ومسكت كفا ابرار، ثم قبضت عليهما هاتفه بمشاعر صادقة وحنان غلف نبرتها: انا سعيدة انك بخير.
التزمت ابرار الصمت وهي تنظر الى عينان اريان الرمادية من خلف النقاب مُترقبة ماذا ستقول.
اضافت اريان وعينيها تذهب الى اللوحة المتوسطة الحائط امامهما: وين زوجك؟
سحبت ابرار كفيها منها: قال بيروح قريب ويرجع.
قالت اريان بفضول بعد ان التقطت الفنجان وارتشفت منه قليلًا: كيف حياتك معه هذي الايام؟.
نظرت لها ابرار باجابة مختصرة: تمام.
اصطنعت اريان الابتسامة: اذكرك ميته على حبه.
تغيرت ملامح ابرار الى التوتر، ثم ابعدت خصل شعرها الطويل خلف اذنها قايله: ليش ما ذكرك؟
ابتسمت اريان وباستفهام حقيقي: انتي فاقدة الذاكرة صدق ولا تمثلين؟
تغيرت ملامحها الى الضيق: انتي وش رايك؟
اريان بصدق وانشراح غلف صدرها: الحمدلله.
واضافت ببتسامة: هذه نعمة واحمدي الله عليها، واتمنى انك ماتتذكرين شيء.
ونظرت بتركيز الى عينان ابرار وملامحها المترقبة: الاهم الحاضر، وخليك من الماضي.
قالت ابرار بضيق: يعني ماراح تقولين شيء؟
ابتسمت اريان هامسه: اسفة، ماراح اقول شيء دامني اشوفك بخير.
وتوقفت معتذره: اعذريني اخوي برا.
وخرجت هاربة بخطى واسعة، تاركه خلفها ابرار تنظر الى الباب حيث اختفت خلفه.
تصلبت اقدام اريان على الصوت المبحوح خلفها ناطقًا اسمها بشك: اريان؟
عضت شفتها السفلية ماهذا الحظ الذي ولدت به؟ ،لكن تحركت تاركته خلفها.
نظر ماجد الى انس باستغراب ساخر: تتخيل؟
حرك انس راسه بثقة: كلن بتخيله الا هي.
تغيرت ملامح ماجد الى الاستغراب : ليش وش جايبها هنا؟
امال انس ثغرة بدهاء عربي يتميز به وهو يتحرك خلفها: مايبي لها جاية تقابل زوجتك، صاروا اعز الاخوياء والفضل لابوها زياد ال راشد.
اتجه ماجد بخطى واسعة مرعوبة الى ممر شقته ونبضات قلبه تتسارع هل اخبرتها؟؟ ماذا ستكون حالتها الان هذا مافكر به .
اتسعت بؤبؤه عينان اريان على اقترابه ناحيتها، مالت سريعًا الى ازار المصعد ،نقرت احد الازره حتى يُغلق الباب لكن هيهات وهو يدخل ويتوسط المصعد معها، حركت ساقيها بعجله حتى تخرج قبل ان ينغلق الباب عليهما معًا ،توقفت شاعرة بقبضة كفه القوية على معصمها من تحت العباءة، انزلت نظرها على كفه ثم سحبت ذراعها بقوة حتى يفلت قبضته، تركها انس بهدوء عضت شفتيها بغضب والباب امامها يُغلق.
قالت بفحيح غاضب وعينيها على الباب الحديد : لا اله الا الله،انا بكل مكان اروح له بتطلع لي فيه؟.
ابتسم مُقتربًا الى أزرة التحكم في المصعد: هذي جملتي قبلك اذا تتذكرينها الا اي دور تبين؟.
ابتعدت عندما اقترب منها الى جهة الازره، وبنبرة مشمئزة قالت : وليتني مالحقتك، ابي الرقم اللي يبعدني عنك.
ابتسم ونقر على زر توقف المصعد ضاغطًا على الاحرف بخبث: فال الله ولا فالك.
نظرت له بعينان غاضبة بعد ان شعرت بتوقف المصعد: وش سويت؟؟
اقترب قليلًا لها: ممكن نحل مشكلتنا؟ اللي مانب فاهم وشهي اصلًا...
قاطعته بذعر وعينيها على اقترابه: خلاص خلاص انحلت..
توقف مكانه وقال ببتسامة: متاكدة انها انحلت؟
قاطعته بصُراخ وجسدها بدا يرتجف شاعرة بصدرها يختنق: افتح الباب.
تجمدت ملامحه من شكلها المرتجف وصُراخها، ثم قال بنبرة متعبة وهو يعود للخلف: الله يجعلها خيره دام مانكتب لنا نتفاهم.
حركت راسها بلا وعينيها تمتلىء بالدموع، نظر انس الى كفها الايمن الذي بدا يرتجف بقوة والشاش المغطى عليه، زفر انفاسه ببطء، ثم ضغط زر المصعد حتى يعود للعمل، ثم اعاد لمس احد الازرار عندما انفتح له الباب حتى يتحرك الى اسفل، وقال قبل ان يخرج ويتركها بمفردها : لك اللي تبين يا بنت زياد.
جثت على ركبتيها بعد ان اصبحت بمفردها، وغطت وجهها بكفيها ،ارتفع على اثار ذلك شهقاتها العالية.
رفع تركي راسه بعد وقت قصير من هاتفه على التجمهر الصغير الذي تكون امام المصعد، انقبض قلبه واقفًا ، سار بخطى واسعة وتغيرت ملامحه على منظر اريان في زاوية المصعد وحولها عدت نساء يُهدونها، اقترب هاتفًا بقلق : اختي اختي ممكن مكان عشان باخذها.
ابتعدت النسوة، مسكها مع ذراعها الايسر حتى وقفت وهمس في اذنها بذعر: وش صاير لا تخوفيني.
حركت راسها هامسة بصوت مرتجف: طلعني من هنا.
همس لها تركي: اشيلك؟
حركت راسها بالرفض: لا اقدر امشي.
سار تركي بها على مهل، اما في الاعلى فكان يقف انس ينظر لهما من اعلى، سحب شماغه الرمادي من راسه بضيق ووضعه على منكبه، مسك الدرابزين برعب بعد ان داهمه ليل اسود شعر به في عينيه والم فاتك عصف في رأسه، جلس على ركبتيه هامسًا بانفاس مضطربة بعد ان شعر بالموت يقترب : اشهد ان لا اله الا الله وان محمد رسول الله.
اقترب له احد الرجال المارين وانحنى له بخوف من منظره : وش فيك عسى ماشر، اطلب الاسعاف؟
قال انس بصوت متقطع اشبه بالهمس: انا طيب مافيني شي.
الرجال استغرب منه وهيئته تعكس انهُ ليس بخير: تستهبل كيف مافيك شيء؟..
قاطعه انس ساحبًا ذراعه حتى يتركه، وقال بضيق فهو من لا يحب ان يراه احد بهذا الضعف والانكسار : انا اعرف لنفسي ودامني قلت انا بخير يعني بخير.
ابتعد الرجال بغضب: هذا شرهتي يوم فزعت.
زفر انس انفاسه ببطء ثم استنشق بعض الهواء واعاد الكرة مرارًا حتى استعاد قوته وخف الم راسه وجبينه وحتى عينيه، هذه المره كان الصداع اقوى بمراحل من سابقته، ثم توقف ببطء وتحرك مُخرجًا هاتفه، كتب رسالة قصيرة سريعة الى ماجد: (اعتذر مقدر اروح معك لخالك صار عندي امر طاري).
القى ماجد الهاتف على السرير جانبه بعد ان قرا رسالة انس ، رفع راسه من جديد الى دورة المياة، منذ دخوله وهي تقبع هناك، ولا يعلم ماذا يحدث، توقف عدّت مرات واسترق السمع من خلف ذاك الباب ، لكن لم يسمع اي نواح او امر غير طبيعي يحدث خلفه، توقف للمره الخامسة، ثم اقترب واضعًا اذنه على ظهر الباب مُتجسسًا، كاد يسقط عليها لكن اعتدل والباب ينفتح بشكل مفاجيء وتظهر له من خلفه، تلونت ملامحه بالحرج والفشلة.
تجاوزته بصمت ولم تعر الامر اي اهمية.
قال بتوتر حتى يبرر موقفه: ماكنت..
قاطعته بعدم اهتمام: متى بروح لاهلي؟
زاد توتره هاتفًا بشك وعينيه تقرا ملامحها : ليش وش تبين فيهم؟
استدارت له رافعه احد حاجبيها: اهلي كيف وش ابي فيهم؟
قال ماجد وعينيه تبحث فيها عن شيء تُخفيه : انتي كان عندك احد قبل شوي؟
حركت ابرار راسها بلا.
اقترب رافعًا حاجبه الايمن: تكذبين؟
حركت راسها بثقة اخرى: لا ليش اكذب؟
بلل شفتيه وشعور الراحة يملى صدره، ثم اقترب اكثر واحتضنها هامسًا: كل شوي بوقته حلو، وخلينا في وقتنا.
حاولت ابعاده بضجر وضيق.
انحنى الى وجهها هامسًا: وانتي كل ماجيت اقرب تبعديني، متى بتحنين علينا.
نظرت الى عينيه باستغراب : مين انتم؟
ابتسم ساحبًا كفها، ثم وضعها على قلبه: هذا.
ورفعها على ثغره: وهذا..
سحبت كفها بتوتر من مقصده، وخجل.
رفع ذقنها وعينيه على شفتيها ثم غمز: الوعد لما ارجع انتظريني.
توترت وهي تفهم مقصده.
ابتعد عنها واتجه الى غرفته اخرج له ثياب جديدة، فهو تاخر كثيرًا في حل مشكلته مع زوجته الاخرى نوف، وقعت عينيه على الملف داخل الخزانة، ابتسم، ثم التقطه ووضعه اعلى السرير، لقد ساعدته واسطته الكبيرة في حل هذا الامر الذي يخصها، يثق انها ستفرح بهذا.
بدل ثيابه بعجل، ثم خرج بعد ان رش على ثيابه الكثير من العطر، سقطت عينيه عليها تنتظره واقفة في الخارج، اغلق باب غرفته، واقترب وهو يعدل شماغه الاحمر: وش فيه.
قالت ابرار بهدوء مستغرب : جوالي وينه؟
حك جبينه باحثًا عن كذبه صغيرة: انتي ضيعتيه لما فقدتي ذاكرتك.
حركت راسها ثم قالت: ممكن جوالك.
بلل ماجد شفته بربكة: انا مستعجل اذا رجعت اعطيتك.
ثم تركها خلفه تنظر الى ظهره المغادر بعجل.
ابعدت نظرها عن الباب المُغلق، وبدت تنظر في ارجاء المكان بضيق، وعدم اقتناع بما يحصل حولها، سارت الى غرفتها وارتدت عبائتها ، ثم تحركت خارجه من باب الشقة، تجمدت واحد الرجال يقترب هاتفًا باستغراب: وين؟
تغيرت ملامحها بخوف: كيف لوين؟ مين انت؟ اعرفك.
ابتسم باعتذار: اعتذر اكيد خوفتك، انا شرطي واقف هنا للحراسة.
ارتفع ضغط الدم داخل جسدها من ماهتف به حراسة؟؟ ولماذا!! ثم قالت حتى تُجاري حديثه فالاغلب لا يعلم انها فاقدة الذاكرة: جوالي طافي شحن وماعندي سلك شاحن..
قاطعها بمروة: ابشري اجيب لك سلك..
حركت راسها بهدوء خجل: لا بس احتاج جوالك بتصل على ماجد عشان يجيب لي معه لما يرجع.
ابتسم واخرج هاتفه ثم مده لها.
التقطته ودخلت الى الشقة من جديد، بدت تنظر الى الهاتف بريبة، ماذا يحدث، هل حقًا ماجد زوجي؟ من هذه الفتاة قبل وقت .. اسئلة كثير بدت تجول في عقلها، لكن لن تجد اجابتها الا عند والدها.
اتصلت على رقم والدها الخاص الذي لا تحفظ الا هو، ابتسمت والهاتف يرن، نطقت ببتسامة والخط ينفتح من الطرف الاخر: السلام عليكم يبة،
تغيرت ملامحها على النبرة الثقيلة المختلفة من الطرف الاخر: ابرار ؟
ابرار ارتعشت اطرافها صوت مختلف وحتى يعرف باسمها: من معي.
قال بعجلة: لا تقفلين اسمعيني للاخير اوعدك اساعد ابوك.
ارتفعت نبضات قلبها قائله برعب: وش فيه ابوي؟
وصرخت على صمته: وش فيه تكلم وش صاير
قال بعد صمت غاضب: عندك احد؟ متفقه معهم.
حركت ابرار راسها وكانه يراها وبرجفة ظهرت في صوتها: والله ما تفقت مع احد، ومين اتفق معه؟
قال بنبرة استغراب وشك: طيب قالوا انك كنتِ موجودة وقت ماطلقوا على ابوك؟.
سقطت على ركبتيه وهي لم تعد تحملها من فاجعة الخبر: مين اطلق على ابوي؟ ابوي حي!!!
ابتسم: لا ابوك بخير، يعني الشرطة ماقالوا لك شيء؟
مسكت راسها والدموع بدت تخط طريقها على وجنتيها: انت مين؟ اكيد تكذب..
قاطعها بخبث: اذا تبيني اساعد ابوك المسكين المظلوم ابشري عاد مافيه احد يقدر يساعده غيري.
اكمل مُضيفًا : لاتدورين ورا ولد ال عايد مصلحه، لانه طلع متفق مع الشرطة عليه، ولا كيف يطلع زياد ال راشد شرطي بعد.
اغمضت عينيها والامور تتداخل داخل عقلها : يعني؟
قال بهدوء مُبتسم: يعني لاتعلمينه بشيء، خليني انا وياك نساعد ابوك، والله مايساعده غيري شوفيني حلفت.
هزت راسها بانصياع: انت مين؟
زفر انفاسه: وانتي وش عليك مين انا.
واضاف مِتحركًا في البيت القديم الذي كانت يختبي فيه منذ ايام: رقمك هذا؟
قالت ابرار: لا ، رقم واحد برا.
تغيرت ملامحه: ليكون مراقب.
نظرت الى الهاتف ثم قالت من جديد: ماتوقع.
قال بعجله: بعطيك رقم جديد، وتواصلي معي فيه هذا لازم اقفله،
توقفت بسرعة، وتحركت الى غرفة ماجد: لحظة اجيب قلم.
بحثت بعينيها ، ثم وقعت على قلم اعلى طاولة التزيين بحثت عن ورقة، سقط نظرها على الملف اعلى السرير، فتحته واخرجت احد الاوراق داخل الملف، ورقة واحدة لن يفقدها، كتبت الرقم الذي املاها بعجل على ظهر الورقة البيضاء، ثم اغلق الخط.
جلست على مقدمة السرير وعينيها على الرقم، تنهدت بصدر مكتوم، ماذا يجري ولماذا انا فاقدة الذاكرة؟؟، خرجت بعد ان حذفت الرقم من الهاتف واعطته صاحبة الواقف خارجًا بامتنان، وبدا علقها يُخطط الى الهرب حتى تبتاع رقم جديد.
.
.
___
نظر ماجد الى والدته الجالسة جوارة بصمت غاضب.
قال بهدوء: راح امشي مع قرار نوف..
قاطعته: حتى لو تبي الطلاق؟
قال بصدق: حتى لو تبيه، ماراح اجبرها علي.
صرخت والدته فيه: بدل ماتقول بحل المشكلة، وفضيحتك تقول بطلقها.
قال بضيق: انا قلت اللي تبيه، انا مابيه لكن.
قاطعته ماسكه راسها: انا لي يومين اطلب خالك، لاتخرب علي.
زفر انفاسه ورفع كفه الايمن من المقود ساحبًا شماغه ووضعه في حجرة.
قالت بغضب : وينه ولد عمك؟ مهوب كل المشكلة ذي من ورا راسه.
نظر لها ماجد: هو مافكر يروح معي الا عشان كلامك، لكن علميني هو وش بيسوي؟
قاطعته: بيصلح بينكم، انت خابر ان خالك يحترمه، ويمكن يغير رايه.
حرك عينيه بضجر.
قالت والدته بعد صمت طال بينهما: واخوك وينه؟
نظر لها: اكيد انك داريه ولا ليش تساليني.
والدته احتضنت حقيبتها بحقد: وهو وش دخله يوم انه يروح معهم.
ابتسم بضيق: وظيفته، ولا وش يوديه.
عضت شفتها السفلية فغضبها اليوم وصل الى اقصاه، بعد ان علمت ان سعود ذهب الى قرية عائلة ابرار: كان رفض، بيزيد فضايحنا فضايح يكفي اللي حنا فيه، رايح لهم في ديرتهم وش بيقولون الناس عنا.
قاطعها ماجد وهو يستدير في الشارع المخصص الى بيت خاله:اللي تبيه نوف بلبيه لو كان مليون.
ابتسمت ومسكت ذراعه اليمين بفرح : ايه هذا ولدي.
قال بعد ان اطفى محرك السيارة:حتى لو الطلاق.
ابتسمت والدته: ايه هذا ولدي الكفو.
قال بعد ان عدل شماغه على راسه رافضًا مافهمت: لا يالغالية مهوب اللي في راسك، طلاق ابرار مال احد نقاش فيه، اقصد نوف اذا هي تبي الطلاق.
فتحت الباب بغضب: رجعنا لطير ياللي.
وتحركت تمشي امامه.
استنشق الكثير من الهواء، فهو لا يريد ان يظلم نوف معه؟ لازالوا في بداية الطريق، لها ماتريد.. قلبه اصبح عند اخرى، وتلك الاخرى لاحد يستطيع ان يُجاريها فيه.
لحق والدته، لكن غير طريقه وهو يذهب الى المجلس الخارجي المخصص لرجال.
جلس دقائق طويلة لوحده، ثم توقف على صوت والدته، وغضب خاله: اللي تبيه بيصير كم تبي.
بلل شفتيه على توقف خاله امام الباب: دامكم ماقدرتوا تثمنونها قبل، ماعاد لنا حاجه فيكم.
واشار الى ماجد بغضب: هو اختار الغريبة على بنت خاله.
ابتسم ماجد بتعب: ماخترت لا غريبة ولا بنت خالي، بس تقرر علي اطلق زوجتي عشان بنتك لا اعذرني ياخالي.
اقترب خاله ابو نوف: انا قلت لك ذاك اليوم يوم جيتنا لو طلعت ترى ماتعرف بنتي، لكن عصيت كلامي وطلعت.
قال ماجد بعد صمت: هذا قرار نوف؟
تغيرت ملامح خاله: بتطلقها؟
تنهد ماجد: اللي تبيه نوف تبشر فيه.
قالت ام ماجد بحكمة وتوتر: انا بروح انادي نوف، خلهم يحلون مشكلتهم مع بعض حنا مالنا دخل.
ثم خرجت حتى لاتسمع الرفض من اخاها.
عقد حاجبيه ماجد على جملة خاله: تارك بنتي باول زواجها ورايح مع بنت المجرم.
ثم قال ماجد بضيق: لاتدخل زوجتي في موضوعنا، انا جاي احل مشكلتي انا ونوف.
قال خاله بعينان غاضبة : حل مشكلتنا هي طلاقك من ذيك.
رفع ماجد نظره خلف خاله، لدخول نوف الشامخ كعادتها، وهي تُبعد خصلات شعرها القصيرة خلف اذنيها..
.
.
__
نهاية البارت التاسع والخمسون.
سُبحانك اللهم وبحمدك، استغفرك واتوب اليك.
اللهم صل وسلم على سيدنا محمد.
أنت تقرأ
رواية جفَاف ورْدة بيضاء في رُكن الذَكريات.
Mystery / Thrillerرواية جفاف وردة بيضاء في رُكن الذكريات.. للكاتبة ضَياع، تدور احداث الرواية عن الفتاة اريان مجهولة الابوين التي تعيش مع عائلة ال صايل بعد ان وجدوها على عتبة بابهم. - والفتاة الريفية ابرار التي يجبرها والدها على الزواج من شاب غني لا يرغب بها زوجة له...