-
البارت الستون.
فَلَمَّا رَأَتْ أنَّ الفِرَاقَ حَقِيقَةٌ
وأَنِّي عَلَيهِ مُكْرَهٌ غَيرُ طَائِعِتَبَدَّت فَلا واللهِ مَا الشَّمْسُ مِثْلَهَا
إذَا أَشْرَقَتْ أنوَارُهَا فِي المَطَالِعِ-بهاء الدين زهير-
.
.قال ماجد بضيق: لاتدخل زوجتي في موضوعنا، انا جاي احل مشكلتي انا ونوف.
قال خاله بعينان غاضبة : حل مشكلتنا هي طلاقك من ذيك.
رفع ماجد نظره خلف خاله، لدخول نوف الشامخ كعادتها، وهي تُبعد خصلات شعرها القصيرة خلف اذنيها.
استدار والدها لها وقال بغضب رافض وجودها هنا بينهم: اطلعي انتي وش جايبك؟.
تجاوزت والدها وجلست يمينًا واضعه ساقها الايمن على الايسر بهدوء: جاية اقرر حياتي بنفسي.
رفع والدها حاجبيه بغضب: يعني بتعصين قراري؟
بللت شفتيها بتوتر ضائق وابعدت نظرها عن ماجد الذي ينظر لها الى والدها الغاضب: ووش قرارك؟
سحبت ام ماجد اخيها من ذراعه برجاء: خلهم يتفاهمون، رجيتك.
زفر انفاسه ابو نوف، سحب ذراعه تاركًا الجميع خلفه.
لحقته اخته.
كتم ماجد انفاسه ثم زفرها، وعاد يجلس في مكانه سابقًا: كيف صحتك يانوف؟.
تكتفت بحنق: متاكد صحتي تهمك؟
نظر لها ماجد بعدم رضا: كيف ماتهمني؟ قبل تكونين زوجتي انتي بنت خالي.
رفعت نوف حاجبها بغضب: كويس تعرف وش انا لك.
مسح على جبينه بتعب: ممكن ماتكونين انتي بعد ضدي.
امالت ثغرها بسخرية: ابشر وش تبيني اكون؟
ابعد نظره عنها الى ناحية الباب: انا جاي ارجعك..
قاطعته: لاتفكر ترجعني وذيك للحين عندك.
لف راسه لها بغضب: وذيك وش دخلها بينا؟
صرخت مُشيره له: عمتي قالت انك بتطلقها لما اتزوجك لكن وش اشوف؟ ماشفتك طلقتها الا متمسك فيها وسحبت علي وانا زوجتك مالنا يومين مع بعض، مايكفي انها خربت زواجي ثم الحين خربت حياتي
واشارت لنفسها بقهر: حتى ما اعتبرتني زوجة ولا لمستني عشانها.
عض شفته ماجد حتى يكتم الكثير داخله وقال بهدوء: طلعي ابرار من موضوعنا.
حركت نوف راسها برفض: ماراح ارجع لين تطلقها
وابتسمت بشماته صغيرة: لا ماضي عندها ولا حاضر، ابو مجرم وقبلها راميها عليك.
توقف صارخًا: الكلام ذا لا اسمعه.
قاطعته واقفه بسخرية: الكل يتكلم عن عيال ال عايد وحريمهم، يعني وقفت علي انا؟
تجاوز حديثها مستفهمًا باستغراب: وانتي مب زوجتي؟
رفعت كتفها الايمن بكبرياء وغرور: مب زوجتك لين تطلقها.
حرك راسه بهدوء: يعني هذا اخر كلامك؟
توترت وقالت بعجلة: اعرف انك تحبني..
قاطعها وداخله يشتعل: هذا اخر كلامك؟
بلعت ريقها بصعوبة شاعره بجموده الغريب: انت كيف تختارها علي، وين كنت الاسبوعين اللي راحت لاتقول انك مخطوف..
بترت حديثها وهو يتجاوزها خارجًا بعد ان القى القنبلة: ورقة طلاقك بتوصلك.
شهقت بقوة ضاربه صدرها بفزع: وش تقول؟ لا تستهبل، بدل ماتطلقها تطلقني انا بنت خالك؟
وصرخت نوف بغير تصديق حتى يسمعها: اكيد هي اللي طالبته منك.
قطع طريقه دخول والدته وخلفها والدة نوف، وهما من كان يتجسسون عليهما منذ وقت خارجًا: اذكر الله اذكر الله ياماجد.
تجاوزهما خارجًا بصمت، صعد سيارته،رمى شماغه على المقعد جواره، ثم فتح ازرار ثوبه العلوية ، وصدره يضيق، تحرك مبتعدًا.
هناك خلفه..
سقطت على ركبتيها صارخة وهي تضرب فخذيها بعدم تصديق: طلقني طلقني عشانها.
اقتربت عمتها ام ماجد حتى تُهدي الوضع: لك اللي تبين انتي اهدي، ماراح يعصي امري ولدي واعرفه.
صرخت فيها بعينان امتلئت بالدموع وقد احمرت: كلها منك انتي، انتي السبب قلتي بيطلقها وخليتي كرامتي تطيح لما تزوجته كذبتي علي.
ام ماجد بغضب من صراخها عليها فهي عمتها اولًا: انا عمتك..
قاطعتها نوف بعد ان ابعدت كفيا والدتها عنها، ووقفت حتى اصبحت امام عمتها، قالت باشمئزاز محاوله رد قليلًا من كرامتها المهدرة من قبل ابنه : ولدك مهوب رجال
ثم اضافت بسخرية ضاحكة وقد خط الدمع طريقه على وجنتيها المحمرة من اثر البكاء والغضب: تدرين ليه؟ لانكم اللي تحركونه ولا له كلمة وحدة.
تغيرت ملامح ام ماجد وغرزت اصابعها العشر في خصلات شعر نوف القصيرة صارخه بوعيد: الله ***** كيف تقولين ولدي مهب رجال
اقتربت ام نوف بغضب دافعه ام ماجد عن شعر ابنتها: بعدي يدك بعدي يدك لا اكسرها لك.
ارتجفت نوف صارخة من حرارة الالم في ناصيتها ووسط راسها من شد عمتها لخصلات شعرها: يمه ساعديني بتنتف شعري.
تركتها ام ماجد مُشيره لها باصبع مرتجف من الغضب: انتي احمدي ربك ان ولدي فكر فيك، لا حجاب ولا ستر.
قاطعتها ام نوف بكره: اطلعي من بيتنا.
اتسعت عينان ام ماجد من جملتها واشارت لصدرها: تطلعيني من بيت اخوي؟
اقتربت ام نوف لها حتى دفعتها من ذراعها ناحية باب المجلس: اطلعي بيتنا يتعذركم.
سحبت ام ماجد حقيبتها الملقاه اعلى الاريكة ثم خرجت وجسدها يرتجف غضبًا وحقدًا وكرهًا.. الان فقط رأت حقيقة نوف ابنة اخيها الوحيدة، فهي لاتذكر ان زوجة ابنها الاخرى قد رفعت صوتها امامها، رغم ماتفعل لها، لكن هذه؟؟..
.
.
__
اتصل ماجد على رقم هاتف انس لكن لا مُجيب، انحنى على المقود لا يُريد العودة ويرى الاخرى ثم يسكب كل غضبه عليها دفعة واحدة، زفر انفاسه وترجل بعد وقت طويل من سيارته على امل انها قد نامت منذُ وقت، فالساعة الان تُشير الى منتصف الليل.
اشار الى الشرطي الواقف للحراسة امام باب شقته ان يذهب لراحه، بما انه عاد، دخل شقته بحث بعينيه عنها وتنفس الصعداء شاعرًا بهدوء المكان، هذا يعني انها نامت،فحقًا اخر من يريد ان يراه الان هي تلك القابعة خلف ذاك الجدار ،ذهب الى حجرته، سقط نظره على الملف اعلى مقدمة السرير عض شفته السفلية كاتمًا غضبة الذي لن يطفيه شيءٍ الليلة، دخل الى دورة المياة خرج بعد دقائق وهو يلف خصره بمنشفه ويجفف خصلات شعره الناعمة التي اصبحت طويلة غير العادة بمنشفة صغيرة،رماها على السرير ، وارتداء سروال بجامته الرمادي، ثم اتجه خارجًا حتى يرتشف بعض الماء البارد لعله يطفي القليل من داخله، اخرج زجاجة باردة من الثلاجة، قبض على الزجاجة بكفه الايمن بعد ان شعر بصوت الاقدام خلفه تقترب، اغمض عينيه وبدا يفتح غطاء الزجاجة بسرعة حتى يرتشفها دفعة واحدة ثم يهرب.
وصل له صوت ابرار الناعم المستفهم بقلق: ليش تاخرت؟
قال ماجد الذي يوليها ظهره بعد ان اشرع عينيه وانزل الزجاجة على المنضدة امامه: ليش وش تبين؟، صاير شيء؟
ابعدت خصلات شعرها الطويل خلف اذنها اليسرى بتوتر خجل من ظهره العاري وقالت بنبرة خجولة: قلت انتظريني.
استدار لها باستغراب، لكن تغيرت ملامحه من شكلها الليلة وخاصه ماترتدي، كنت ترتدي قميص نوم احمر يصل الى اعلى فخذيها بقليل، عاري الاكمام، ضيق من ناحية الصدر ويتسع من اسفل، ابتلع ريقه وهو يعود للخلف، فهو من كان يعتقد انه لا يوجد هناك احد فهذه الارض الليلة يستطيع ان يُخمد بركان غضبة الثائر، لكن مايراه الان سيجعل بركانه خامدًا طوال حياته، قال بتوتر مبعدًا نظره عنها: ابرار روحي لغرفتك.
توترت من شكل وجهه المتهجم وشدت قميص النوم القصير باصابعها حتى يمتد ويغطي فخذيها: وش صاير؟
مسح قفا عنقه بتوتر هاربًا بعينيه منها: لا مافيه شيء بس اللي في بالك مب الليلة يا ابرار.
بللت شفتيها بتوتر غاضب، هل اعتقد انها ترمي جسدها عليه، فهو من طلب هذا منها مساءًا: ترى انت اللي طلبت مب انا.
ابتسم من جملتها ،وانزل نظره عليها بتامل طويل من اعلى راسها الى اسفل ركبتيها ثم قال متنهدًا بعد ان شعر بنبرة الغضب في صوتها: ليكون مافيه فرصة نطلب مره ثانية؟.
ابعدت نظرها عنه بغضب بعد ان شعرت بالسخرية في صوته او هذا ماعتقدته، ثم حركت قدميها ناحية حجرتها.
تصلب جسدها، تسارعت دقات قلبها،وارتفعت انفاسها، على ذراعيه التي طوقت خصرها النحيل، وشفتيه الدافئة التي شعرت بها تعانق قفا عنقها الطويل بقبلة طويلة هامسًا خلالها: والله مانقول لا.
شعرت باطرافها تبرد، ومشاعر غريبة بدت تتحرك داخلها لا تفهمها.
استسلمت له وهو يحملها بين ذراعيه ويوزع قبلاته على اماكن متفرقه بداية من شفتيها ونزولًا الى رقبتها الطويلة، فهي زوجته وليس شيء جديد عليها هذا ماكانت تعتقده، قبل ان تستوعب الكارثة، صباحًا غطت جسدها بغطاء السرير الابيض وهي ترتجف تحته، هناك امر خاطئ يحدث، وعقلها لا يساعدها في تذكر مايجري معها، كيف لازالت فتاة وهي زوجته منذ اشهر؟؟، وصل لها صوته الثقيل المبتسم بعد ان خرج من دورة المياة: صباح الخير لوجه الخير.
اغمضت عينيها باشمئزاز وكره، مصطنعه النوم.
رفع حاجبيه وهز راسه ببتسامة، ثم غادر حتى يلحق على صلاة الفجر في المسجد القريب.
ابعدت عنها الغطاء، واتجهت الى دورة المياة ولازال الصمت يخيم عليها، خرجت بعد دقائق قصيرة ترتدي روب الحمام الكبيرة، ارتدت بنطال جنز اسود، وكنزة شتوية باللون الازرق، زفرت انفاسها بعد ان انتهت من صلاة الفجر، عازمة على ما تخطط له، ارتدت عبائتها على عجل ،اخذت على طريقها الورقة البيضاء المدون عليها رقم ذاك المجهول، توقفت في منتصف المكان متذكره اهم ماتحتاجه، عادت الى حجرته وعينيها بالامس وقعت على بعض النقود النقدية في احد الادراج، فاخذت كل ماوجدته وخبئته في جيب بنطالها الاسود، خرجت بخطى هادية حتى لا تشكك من يقف خارجًا ،تنفست الصعداء وهي لاترى احدًا خارجًا.
.
.
_
وقع زياد على الكثير من الاوراق ثم قال بعد ان انزل القلم: طلعه.
ادخل حارث كفيه في جيوب بنطاله العسكري: عاد مالقيت الا تكفل ولد هاني.
ابتسم زياد واشار له : اقول طلعه.
حرك حارث راسه، وضغط على احد الازرار امامه ثم قال وصوت الطرف الاخر يصل له: طلع رياض.
اعطاه زياد قفاه مغادرًا: راح انتظره برا.
حارث باستغراب: وجابر؟
لف زياد راسه له: اذا عرف يحترمني وقتها طلعته.
قال حارث بهدوء: طيب ليش ماتشوف ردة فعله طبيعية؟ بعد كل ذا الوقت تطلع ابوه..
قاطعه زياد ُمغادرًا: مابي اتكلم في الموضوع ذا في الوقت الحالي
ثم توقف زياد على اقتراب اسامة ببتسامة له: وانا اقول وش في المركز منور.
بلل زياد شفتيه بضيق: وانت ماودك تترك الشغل ذا.
قبل اسامة اعلى انفه ثم مقدمة راسه احترامًا ،وقال مصطنعًا الضيق: انت ماعندك الا ذي السيرة اذا شفتني.
ابتسم زياد وربت على كتفه: اوعدني تنتبه لنفسك.
هز راسه اسامة ببتسامة ثم غمز مُغيرًا الحديث: عادك على وعدك بتزوجني بنتك، سمعت ان ولد ال عايد بيطلقها؟
ابتسم زياد ابتسامة عريضة وغمز بخبث: هذا اول لكن يقولون لك ايام ماتترك زنزانة بنت ال فرحان.
توتر اسامة قائلًا: مهوب اللي في بالك، بس ماراح اتركها لين يجي ابوها.
زياد تحرك حتى جلس على الكراسي الجانبية واشار الى اسامة حتى يجلس جواره، قال بعد ان جلس اسامة جانبه: شكلك تبيها تعيش زي اللي عاشته بنتي او بنت منيف.
نظر له اسامة بعدم فهم: وش جاب لجاب.
نظر زياد الى بعض رجال الشرطة الواقفين اخر الممر ويتحادثون في مابينهم: جابها ان مالها دخل في سالفة ابوها.
وقال بحزم: سمعت ان لها اهل كلمهم يجون ياخذونها.
اعترض اسامة بغضب: وكيف تطلع وابوها مادري وينه.
نظر له زياد : الحين هي وش دخلها في ابوها.
رفع اسامة حاجبة بسخرية: اللي سمعته انك سجنت بنت منيف في بيتك عشان ابوها.
زفر زياد انفاسه، هذا الشاب الصغير اصبح نسخة مصغرة منه وهذا مالا يُريده: بنت ال فرحان حالتها خاصة، ودامك مرابط عندها من ايام اكيد انك عارف الوضع بعد ماقابلت الدكتور اللي شخصها.
ثم توقف على خروج رياض الحانق، ومغادرته من باب مركز الشرطة: لو رجعت وهي باقي موجودة راح اطلعها انا، غصب عن الكل.
عض اسامة على شفته السفلية كاتمًا غضبه بعد مغادرة زياد ، ثم اتجه الى زنزانتها، وكعادته في الايام السابقة، اصبح يقتحم المكان وكانه صاحبه.
بلل شفتيه وهو يبعد نظره عنها كانت تجلس بهدوء ونظرها امامًا: انا متاكد انك تعرفين وين مكان ابوك.
حركت راسها اليه ونظرت له بعينان البحر التي تمتلك، ابعد عيناه عن عينيها الزرقاوتان ، زفر انفاسه الغاضبة ثم لكم بقبضته العريضة الحائط جانبه.
ارخت عينيها الى الارض هاربة من غضبة، لكن رفعتها بتلقائيه على جملته الهادية: تجهزي بوديك لاهلك.
حركت كفيها له رافضه.
رفع حاجبه باستغراب: ياسلام وليه لا.
حركت طيف كفيها باشارات كثيرة لم يفهمها.
ابتسم على شكلها الغاضب، لكن اختفت ابتسامته على اقترابها له ،خطفت كفه اليمنى وهي تكتب عليها باصبعها السبابة، توتر من قربها وحركتها على باطن كفه، دفعها بقوة حتى تبتعد عنه.
مسكت صدرها بألم مكان ما دفعها.
قال بتوتر غاضب : انتي وش تسوين؟
تغيرت ملامحه من عينيها التي بدت تمتلئ بالدموع، والاصوات الغريبة التي تحدثها في حنجرتها، وكانها تحاول ان تنطق.
اشار لها اسامة باعتذار، معتقدًا ان بكاءها بسبب دفعته العنيفة: مهوب قصدي.
حركت راسها بلا وانحنت على الارض تبكي بشدة.
تورط اسامة بما يحدث امامه، هناك كارثة تنتظره لو علم الفريق حارث بهذا او الفريق زياد، اقترب حتى جلس بمسافه قريبة منها وقال ببتسامة مرتبكة: وش فيك!
قالت بحرفين متقطعه خرجت بصعوبة من حنجرتها: لا.
تجمد الدم في وجهه وهو يسمع كلمة لا تخرج من شفتيها الصغيرتين، هل هذه الفتاة بدت بالتحدث؟؟.
اضاق عينيه: وش قلت؟
حركت طيف راسها يمينًا ويسارًا رفضًا: لا لا.
بلع ريقه وابتسم ببلاهة فهو حقًا لا يعلم ماذا يفعل: لا لا؟
زفرت انفاسها وحركت راسها بعجز وتعب.
اعتدل واقفًا مرتبكًا على دخول احد رجال الشرطة مستفهمًا بقلق: وش فيه؟
تحرك اسامة ناحيته ودفعه من صدره ببتسامة صفراء حتى يخرج، وهمس بإذنه: اكشن المسجونين كالعادة.
ابتسم الاخر وخرجا يتبادلان بعض الاحاديث الخافته، لكن اسامة بقى عقله معلقًا خلفه بقلق.
انزلت طيف راسها بإنكسار وضعف، كيف تعود لتلك العائلة ومع هذه الفضيحة!؟ لما يتقبلونها سابقًا يتقبلونها الان وبعد فضيحة والدها المجلجلة.
هناك خارج المركز رفع صوته حتى يسمعه: رياض.
عض رياض شفته السفلية بحقد غاضب وتوقف ناطقًا بقرف: لا تخليني اشوفك.
قاطعه زياد بضيق: احترم شيباتي اقلها.
استدار له رياض واشار له باشمئزاز غاضب وملامحه تكتسي بالحمرة: وليه ما احترمتنا كل ذي السنين وعلمتنا بالحقيقة؟ ولا اقول مهوب لازم اسمع شيء وبحط نفسي ماسمعت ولا شفت.
واستدار بجسده مُغادرًا، لكن توقفت قدميه على كلمة زياد خلفه: عمتي تعرف الحقيقة كلها.
ارتفعت دقات قلب رياض وتبعتها انفاسه، قال ولازال يُعطيه قفاه: لا تقول امي؟
زياد رفع حاجبيه باستنكار وعينيه تقع على خروج جابر وقال بعجله: ايه.
ثم عاد بخطواته الى المركز خلفه مُشيرًا الى جابر: انت مين طلعك، ارجع وراك.
ظهر ايوب من خلف جابر وهو من كان يمشي خلف جابر بخطوات بعيده: تطلع نسيبك وتخلي ولدك وش انت مخلوق منه ولا هي مقبولة منك يا زياد.
نطق جابر باستفزاز لمن يمشي مُقبلًا ناحيته: مانب ولده، انا جابر بن عبدالله.
ابتسم زياد ابتسامة صغيرة وحاول استفزازه كما استفزه: واللي يقول لك ان عبدالله ميت قبل لا اعرف امك.
تغيرت ملامح جابر وقد اصاب زياد هدفه، عاد خطوة للخلف حتى يستوعب كل تلك الاحداث، هو لم يخرج للان من صدمة ان مايقف امامه هو والده، سار بخطى واسعة مُتخطيًا والده ومتجاوزاً رياض الواقف بفضول يترقب مايحدث في الخلف.
زياد بعد ان استوعب مانطق به حاول تدارك الامر: جابر خلنا..
بتر حديثه وجابر يختفي راكضًا خارج سور مركز الشرطة الكبير وعبر من البوابة الكبيرة.
صرخ ايوب بغضب: انت ماعندك احساس؟ انت وش تعرف من الابوة؟ احد يقول لولده كذا؟.
قاطعه زياد بندم واسى وحزن غلف قلبه: اعذرني ماعرف من الابوه حتى اسمها.
بلل ايوب شفتيه وحرك راسه بضيق.
واعتذر زياد مُغادرًا: لازم اروح للبيت.
ايوب بضيق: وجابر؟
اقترب زياد ومسك كتفه ضاغطًا عليه بقوة: انا ماكنت ابيه يطلع لين احل المواضيع المتراكمة ثم افضى له، لكن دامك طلعته انت المسؤول عنه لا يطلع من الرياض يا ايوب.
توتر رياض عندما سقطت عينيه في عينان زياد، وغادر هاربًا.
حرك زياد راسه متنهدًا ثم صعد سيارته وغادر الى منزله، بعد دقائق طويلة ترجل من سيارته ودخل الى قصره الكبير، استلقى على سريره بنعاس بعد تعب ايام طويلة، ونظره ارتكز في السقف فوقه، بعد ساعات قليلة سيتواجه مع ابنته، ابتسم عندما اتته ذكراها، لكن اختفت ابتسامته بقلق من مصيره المجهول معها، لا يعتقد انها ستتقبله بعد ما رأت منه، غفت عينيه سريعًا وهو ينام بعمق.
.
.
__
توسط الصالة وعينيه تقع في والدته الجالسة بهدوء ووقار يعكس شخصيتها المهيبة، انزلت فنجانها بغضب عندما رأته: انت وينك لنا ايام ماندري وين ارضك حي ولا ميت.
استدار رياض بنظره الى نايف الصامت: ماسألتي ولدك ذا ويني؟ هو اعرف ولا قصر قام بالواجب وزارني.
توقف نايف بهدوء من طاولة الطعام وابعد المقعد الى الخلف قليلًا: قلت ماقول لها لين تشوفك بعينها.
اشار رياض له بغضب: وليه ما طلعتني وانت عارف مابي الا كفالة.
ابتسم نايف بعد ان اعاد المقعد الى مكانه وهو يهم بالمغادرة: مصايبك كثيرة ذي الفترة قلت يمكن السجن يرجع لك شوي من عقلك.
شهقت والدته بجزع: سجن؟ وش سجنه.
اقترب نايف وقبل اعلى مقدمة رأس والدته: علوم رياض واجد، وما استبعد تشوفينه كل شوي بالسجن.
صرخ رياض مُقتربًا له ثم سحب نايف من ياقة ثوبه: ليه وش شايف مني يوم تتفاول علي بالسجن مايكفي انك شكيت فيني اني اتعاطى وسحبتني للمستشفيات تحللني؟
ودفعه بقوة الى الخلف صارخًا: ومخليني نادل مع اللي يسوى واللي مايسوى بدل ماتخليني امسك تجارتنا.
قبض نايف على ذراع رياض ولفها حتى تغيرت ملامحه من الالم وقال ضاغطًا على الكلمات الخارجه من شفتيه: اذا صرت رجال وعرفت تمشي مع رجاجيل وقتها لك اللي تبي لكن الحين مستحيل اثق فيك ومن فترة ميت واحد من خوياك الدشير في استراحك اللي ماخليت سربوت في الرياض الا جمعته فيها.
وفك قبضته على صُراخ والدته بعد ان همس نايف بالقرب من اذنه: كل شيء تحت يدك مسحوب، سيارات، بطاقات، وحتى استراحة الخراب ذي.
دخلت بينها والدتهما تبكي بحرقه: ايه اذبحوني
ونظرت لرياض بغضب وعينان محمرة: اللي مثلك يحب راسي اول مايدخل مهوب يجيب المشاكل معه..
قاطعها وكل غضبه من نايف اخرجه فيها صارخًا: الا وش سالفتك مع زياد ال راشد.
تحرك نايف بعينان غاضبة كيف له ان ينطق بهذا الاسم المحرم هنا وامام والدته، لكمه مع انفه حتى سقط رياض والدماء تتناثر من انفه ويغطي ثغره: وش جاب طاري الخسيس ذا وبينا انت ماتستحي؟.
مسح رياض انفه بظهر كفه وعينيه لازالت معلقه في والدته الواقفه بصدمة ثم نطقت بتلعثم: وش سالفتي مع زياد؟
اقترب نايف لوالدته: ماعليك منه انتي روحي لغرفتك ارتاحي، وشغله معي.
قاطعته برجفة اعتلت جسدها: تكلم وش سالفة زياد.
مسك نايف كتفيها حتى يُهديها لكن تصلبت كفيه على قنبلة رياض: هو يقول انك عارفة انه مهوب اللي قتل اختي منال.
ابتعد نايف عن والدته وهو عازم ان يقتله لا محال: شكلك متعاطي صدق ولا شارب..
توقفت قدميه على استفهام والدته لرياض: وانت وين لقيته؟
قال رياض بكره والدم لازال يسيل من انفه: قابلته وعلمني، ولا ازيدك من شعر بيت لقيته ولده اللي اسمه جابر.
قال نايف بعد ان تقدم له ومسكه من عنقه: انت وش تهذري فيه؟ ذا من وين طلع لنا..
قاطعته والدته: خل اخوك يانايف.
نظر لها بغضب عارم: انتي شايفه وش يقول.
قالت بعد ان اقتربت ونزعت يديه من عنق اخيه: وهو ماكذب، زياد حي ولا قتل منال الله يرحمها.
تسارعت نبضات قلبه وقال بشك فقد اعتقد ان ماسمعه مزحه لا اكثر: هذا وقت مزح وفي ذا الموضوع.
رفع رياض راسه حتى يتوقف الدم هاتفًا باشمئزاز: ليته مزحه حتى اني شفته بعيوني.
حرك نايف عينيه من رياض الى والدته منتظرًا ردها.
اتكأت على عكازها وقالت بهدوء: وين لقيت زياد؟
قال رياض وهو يجلس على احد المقاعد: تهاوشت مع ولده
واضاف بعد صمت ثواني قليلة مستغربًا: ولده مايدري انه ولده
رفت عينان نايف حتى يستوعب ماذا يسمع، وقال بغضب: انتم وش تقولون؟ هذا منهو اللي تتكلمون عنه؟
جلست والدتهما بتثاقل على الاريكة القريبة وتنهدت بتعب: عن زياد ال راشد زوج اختك ماغيره.
قال بتردد وهو فعلًا لا يستوعب ماذا يقال حوله: زياد حي؟
ابتسم رياض ،واخذ له قطعة خبز صغيرة ثم دسها في ثغره: اعرفك ذكي وش فيك اليوم؟
انزلت والدتهما راسها الى اسفل وقالت بهدوء: زياد ماقتل اختكم، هو عميل سري للحكومة، وانا مادريت الا بعد موتها.
تغيرت ملامح نايف الى الصدمة و مقلتيه تتسع.
قال رياض بشك: وابوي يدري؟
هزت راسها والدته: ايه.
اسودت ملامح نايف بغير تصديق ثم قال بنبرة مهتزة: من قتل اختي؟ اذا هو اللي ماقتلها؟
رفعت والدته طرف رداء راسها الاسود ومسحت به دموع عينيها: مايعلم غير الله.
ابتلع ريقه نايف وخرج هارب يحمل حقيبة عمله السوداء، يجب ان يجلس لوحده حتى يستوعب ماسمع الان، ولا يريد ان ينفجر امام والدته.
اغلق رياض عينيه على صوت ارتطام الباب الخارجي بعد اغلاق نايف له بقوة عاكس لهما مدى غضبه، فتحها على استفهام والدته: وانت وش عرفك بولده؟
بلل رياض شفتيه: كان بينا صديق مشترك وانا اصلًا ماعرفه.
وقال بضيق بعد صمت والدته: ليش ماعلمتينا من قبل؟
توقفت بتثاقل : ها انت عرفت وش تغير؟
رفع رياض حاجبه باستنكار: كيف وش تغير؟
قالت بعدم اهتمام: الا انت متى بتوديني لـ محمد ال صايل؟ اخوك قال انك تعرف بيتهم.
انتفض واقفًا : ايه غيري الموضوع، وذوليك الناس لاتحلمين تشوفينهم.
وسار بخطوات واسعة هاربًا للاعلى.
هزت راسها بعدم رضا، هذا الابن لايشبه اي من ابناءها.
.
.
__
شهق انس بقوة وهو يعتدل جالسًا من الماء البارد الذي انسكب على وجهه وصدره.
قال ماجد براحه: قلت لكم مافيه الا العافيه.
حرك عينيه بالواقفين حوله، والده ووالدته، وعمه، وابن عمه ماجد واخته شادن في الخلف، وخادمتين يمينًا وزوجة عمه عند الباب ثم قال برعب: وش فيه وش صاير؟
والده صرخ بغضب: انت اللي وش فيك؟ لنا ساعة نقيمك مابغيت تقوم.
بلع انس ريقه بصعوبة مستوعبًا مايحدث ثم تنفس براحه: كنت ماكل حبوب منومه.
قال عمه سعد بقلق: ليه يابوك وش داعيها؟
انس ببتسامة صفراء: جايني ارق ماعاد قدرت انام الا فيها.
وخرجت والدته تمسح دموعها وتبعتها شادن وام ماجد والخادمتين.
قبض ابو ماجد على مقابض كرسي اخيه المتحرك ثم سار يدفعه خارجًا هاتفًا بضحكة: دايم تكبر العلوم يا عايد.
القى انس جسده للخلف مستلقيًا من جديد وقال بعدم رضا: احسبك عاقل ياماجد.
احاط جسده ماجد بسخرية: وليش ان شاءالله.
فتح انس عينيه ونظر له: وش التجمع ذا عندي وانت اولهم.
ماجد ادخل يديه في جيوب ثوبه: لو على كيفي ماجيت عاد كان عندي خطط، لكن دق ابوي واخلعني يقول انس شكله مات.
ابتسم انس ثم قال بشك: خطط؟
ابتسم ماجد بخبث وغمز: خطط بيني وبين المدام.
صفر انس غامزًا: امورك ع السريع لحقت تراضيها.
قال ماجد بهدوء: لايروح بالك بعيد هذي ابرار.
اضاق انس عينيه بشك: لا تقول انك ما علمتها؟
حك ماجد قفا راسه: مفكر اعلمها اليوم.
لف انس راسه للجهه الاخرى يبحث عن هاتفه: الا كم الساعة؟
نظر ماجد الى الساعة في معصمه: ٩ الصبح.
ثم اقترب هاتفًا بشك من ملامح انس الذابلة: انت فيك شيء؟
توتر انس واعتدل جالسًا من جديد ناطقًا بكذب: لا مافيني شيء بس تعرف اللي صار لنا للحين ماقدرت أتخطاه
قال بعد ان توقف: الا وش صار معك مع بنت خالك.
جلس ماجد على طرف السرير يمينًا: طلقتها.
توقف انس ناظرًا له بدهشة: طلقتها؟
مرر ماجد اصابعه في خصلات شعره: يبوني امشي على اللي يبون كان مالي كلمة.
بدا انس يبحث عن سلك الشاحن حتى يشحن هاتفه المغلق: وش يبون؟
قال ماجد بعد فترة صمت: اطلق ابرار.
نظر له انس باستغراب: وانت ماراح تطلقها؟
توقف ماجد مصعوقًا: انت وش رايك.
انس وهو يلتقط سلك الشاحن: رايي انك تطلقها.
صرخ ماجد واقفًا : لو انها من غيرك كان هانت لكن منك؟
اقترب انس له: انت عارف من ابوها؟
نظر له ماجد بغضب: واذا؟
ابتسم انس بسخرية مستفزه: شكلك نسيت كلامك معي يوم ملكت على بنت زياد.
عض ماجد شفته السفلية وقال بسخرية هو الاخر: وفوق ذا خذيتها.
انس بصدق بعد ان ادخل السلك في المنفذ الجداري: لو على كيفي كان والله ماعرفها، لكن حيل القوي على الضعيف جبروني اخذها وانا مابيها.
تقدم ماجد ورفع حاجبه: يعني افهم من كلامك تبيني اطلق بنت منيف.
تقدم انس حتى اصبح امام ماجد: ادري ان البنت مالها دخل في ابوها، لكن اذا جبت منها عيالك يرضيك يعايرونهم بجدهم اللي مدري وش هو اصلًا الا كانك بتظلمها وتحرمها من العيال.
وقال متجهًا ناحية دورة المياة: يوم خذيت بنت زياد كنت مفكر ماجيب منها عيالها ولا كنت بظلمها كنت مفكر اطلقها بعد وقت قصير من الزواج.
خرج من دورة المياة بعد دقائق طويلة وهو لا يجد اثر لماجد في المكان، زفر انفاسه بتعب يعلم ان ماقاله سيكون ثقيل عليه لكن هذا لمصلحته.
.
.
__
منذ دقائق طويلة توقف تركي امام احد محطات الطريق حتى يملئ السيارة بالوقود، وتوقف خلفه ولد عمته عامر، توزعوا الفتيات بين بقالة المحطة الكبيرة و دورات المياة، نظر تركي الى اريان الجالسة جواره: ليش ماتنزلين؟
قالت وعينيها تنظر من خلف النافذة الزجاجية: مابي شيء.
اعاد استفهامه بسؤال اخر: ولا تبين الحمام؟
هزت راسها بصمت.
تنهد بخفوت وجلس ينظر الى هاتفه.
انفتح باب السيارة وصعدت الجوهرة برجاء اخير: ابي روان تركب معنا ولا ركبت معكم.
تركي بحزم ورفض تام: لا هيب راكبه معكم ولا انتي راكبه معنا شايفه زحمتنا روحي ارجعي لسيارتكم.
تنهدت ومسكت عبرتها ثم خرجت عائده الى سيارة والدها التي كانت ترافقهم فيها جدتها نايفة.
بعد دقائق صعد الجميع الى السيارتين، في سيارة تركي كان يعم الصمت، بعكس سيارة عامر التي كانت تعج باحاديث نجلاء وزوجها ووالدتها.
وصلوا الى وجهتهم بعد ساعة ونصف ، ثم بدا الجميع يترجل من السيارتين ويتوزعون داخل المزرعة.
عندما لامست قدمين اريان الارضية الترابية شعرت بالرعشة في جسدها هنا بدا كل شي ويجب ان ينتهي هذا مافكرت به، ارتفع نظرها على صهيل الخيول البعيدة وركضها في المساحة الواسع المخصص لتدريبها وقالت بتلقائية: وهذي متى بتجلس عندنا؟
اتاها صوت فهد من خلفها: لو تبين اطلعها من مزرعتنا الحين طلعتها.
نظرت الى خلفها ثم ارتجف جسدها من نظرات فهد اليها وصمته الغريب بعد جملته القصيرة.
قالت اريان برجفة اعتلت جسدها من اعلاه الى اسفله: هذا رزق ابوي لا تقطعه.
قال بهدوء: ابيك بكلام.
نظرت له ثم توترت ..فهد مُختلف عن باقي اخوتها ولا يفوته شيئًا: وش الكلام.
تحرك ساحبًا قدميه بخطوات ثقيلة، لحقته..
في الخلف بعد نزول هند واسيل وروان.. والصغيرة ريما، بقت هاجر بعد ان طلب تركي هذا منها.
اشار للمقعد جانبه: تعالي.
توترت من صوته وتحركت حتى اصبحت جالسة جواره وقالت وعينيها على وجهه الجامد: وش فيه؟
نظر تركي لها: وش اللي بينك وبين سيف؟
واضاف بعد صمت ثواني: ولا نقول بينكم كلكم ياعيال عمي بدر.
قبضت هاجر باصابعها على اكمام عبائتها السوداء وقالت بتوتر: وش بينا؟
مرر لسانه على شفتيه وقال بعد صمت: امس سمعت سيف يهاوش زوجة اخوك في المستشفى ويطردها ماتدخل عليه.
ارتفعت انفاسها : وش سمعت؟
تامل عيناها من خلف النقاب، ثم قال: ماسمعت شيء غير ذا..
بتر حديثه على بكائها المفاجئ وكم توقع هناك شيئًا كبيرًا يحدث داخل عائلة عمه، التزم الصمت وهو يمد لها منديلًا حتى تمسح عينيها، التقطت المنديل باصابع مرتجفة، وداخلها يرتجف خوفًا من معرفة احدًا بهذه الفضيحة ،فتحت الباب وخرجت راكضه تاركته خلفها، زفر انفاسه الثقيلة الا يكفيهم امر اريان حتى يكون هناك امر اخر، وقع نظره في فهد واريان الواقفان بعيدًا امام سور ساحة الخيول البعيدة.
قال فهد وعينيه على احد خيول انس: وش بينك وبينه.
تنهدت اريان بضيق: الكلام في الفايت نقصان انا ابي الطلاق والله يستر عليه.
قاطعها بغضب: انا معك باللي تبين بس ماعندنا طلاق بدون سبب.
نظرت له بنفس نظرته الغاضبة: انا قلت ابي اتطلق وهذا يكفي
واضافت بعد ان ابتلعت ريقها بصعوبة: ولا عشاني لقيطة ماراح تسمعون لي مثل مازوجتوني...
قاطعها ناطقًا بهدوء كاتمًا ضيقه من حديثها: ماذكرك كنت تجيبين هذا الطاري وش صاير معك؟، وامس قابلنا انس وهو رافض يطلق.
وقال بعد تردد: وكان عنده واحد قال انه..
قاطعت حديثه عائدة للخلف بخطوة ، وبعينان جاحظة وهي تفهم مايرمي له: وقول انك صدقت؟
اتكى بيديه على السور امامه على اقتراب تركي: اكيد ماراح اصدقه.
تنفست بارتياح لكن استدارت على حديث تركي: بنسوي تحليل دي ان اي وننهي الجدال.
تسارعت نبضات قلبها وهذا الامر بالذات يخفيها ، وان يكون ذلك الوحش والدها حقًا: ماراح اسوي لا تحليل ولا غيره.
التزم تركي الصمت بتعب جسديًا قبل ان يكون نفسيًا، فهو حقًا لا يعلم ماذا يفعل.. ثم قال بهدوء حتى يُريحها : كلنا معك باللي تبين ولا راح احد يجبرك على شيء.
ابتسمت ابتسامة صغيرة وتحركت مُغادرة الى المنزل المخصص لهم في مزرعة والدها، قطع طريقها اقتراب راكان ببتسامة: هلا والله مابغينا نشوفك.
توترت واكثر ما تخافه الان هو راكان، فهو كان السبب الاول لدخول انس الى حياتها.
احتضنها ثم قبل اعلى راسها ببتسامة عريضة: لا والله ماشاءالله قط بسبع ارواح.
قالت اريان بعينان رمادية مُتعبة: اعترف شكلك تبيني اموت.
احتضنها بذراعه الايمن وهمس في اذنها وهو يسير معها: افا وش ذا الكلام.
ثم توقف على صمتها وقال بهدوء مستفهم: ليش ماتبين تتكلمين عن اللي صار معك؟
بللت اريان شفتيها بتعب : واذا قلت وش بيصير وش بيتغير؟
مسك عضديها بكفيه العريضة وانحنى لها بنبرة صادقة: بيصير كل خير، بس فضفضي، البنات يقولون انك ماتتكلمين من رجعتي ومتغيرة وصايرة مانتب زي اول وين اريان اللي نعرف؟
قاطعته وهي تبعد كفيه عنها: انا تعبانة ممكن اروح ارتاح.
مسك ذراعها الايسر: ماراح ترتاحين لين تتكلمين.
ووقع نظره على كفها الايمن والشاش الملتف حوله، وقال بتردد : هذا الاصابة اللي من زياد ال راشد؟!
تجمد نظرها فيه ثم قالت باستفهام: يعني عارفين كل شيء؟
حرك راسه بلا : محد يعرف بسالفة الاصابة الا انا.
مسك كفها الايمن مُضيفًا: توهم علموني.
قاطعته اريان بتهكم: وانت وينكم ماكنت معهم!
قال راكان بصدق رافعًا كفه الايسر حتى يحك قفا عنقه: هم تعمدوا مايخلوني اروح اعطوني اجازة.
سحبت كفها بقوة وتحركت بخطوات سريعة لداخل.
زفر انفاسه بضيق شخصيتها الجديدة غريبة عليهم حميعًا.
داخل منزل المزرعة ، في احد الغرف كانت تستلقي اسيل بتعب، وجوارها تجلس هند على هاتفها، دخلت عليهما هاجر بعينان محمرة ثم اقتربت الى معلاق الحائط حتى تُعلق عبائتها عليه ، رفعت اسيل حاجبيها بشك واعتدلت جالسة وعينيها تقع على احمرار عينان هاجر ووجنتيها: وش فيك؟
بدت هاجر تفتح فراش نومها بصمت، ثم دخلت اريان الاخرى بملامح مكفهرة.
ارتفعت نبضات قلب اسيل بقلق: وش صاير؟
نظرت لها اريان، ثم استدارت بنظرها الى هاجر التي استلقت وغطت وجهها بالغطاء الثقيل قالت بنبرة هادية: وش صاير؟؟
اشارت اسيل لها و لـهاجر: هاجر تبكي وانتي وجهك مقلوب.
استنشقت اريان الكثير من الهواء ثم زفرته، اقتربت حتى جلست على ركبتيها جوار هاجر التي بدت يرتفع بكاءها وشهيقها فجاءة، الاحداث التي مرت بها انستها ظروف صديقتها الغالية وابنة عمها: صاير لمحمد شيء؟
انقلبت هاجر الى الجهه الاخرى مُعطيه اريان ظهرها.
انزلت هند هاتفها وهي من كانت تراقب مايحدث منذ دخولهما: هاجر لاتخوفينا.
قالت بنبرة مبحوحة: شيء خاص، وماله دخل بمحمد.
اقتربت اسيل بعد ان توقفت: تركي مسوي لك شيء؟
صرخت هاجر بزمجرة : خلوني لحالي.
قالت اريان بخوف حقيقي: ماراح نخليك لين نعرف وش فيك.
ابعدت هاجر اللحاف عنها بقوة وجلست ناظره في عينان اريان تحديدًا: انتي بالذات مالك حق تسالين او تعرفين.
شحبت ملامح اريان فاهمه ماترمي له هاجر.
دخلت روان وتبعتها الجوهرة، توقفت هاجر على دخولهمها وخرجت هاربة بخطوات سريعة كادت ان تصطدم بالجوهرة التي ابتعدت بخوف: وش فيها؟
توقفت اريان ثم لحقتها.
جلست اسيل بضيق هاتفه بهمس: لا اله الا الله.
بللت هند شفتيها وهي تكتم عبرتها.
سارت اريان بخطوات واسعة تلحق بهاجر، دخلت هاجر الى الصالة المخصصة لسباحة، جلست على احد المقاعد هاربة من الجميع.. ماذا تقول؟؟ زوجة اخي تتحرش باخي الاخر! قطع سيل افكارها وبكائها اليد التي رتبت على ظهرها، رفعت نظرها ليقع في اريان الواقفة بدموع قد خطت طريقها على وجنتيها.
توترت من بكاء اريان الصامت، ليست هي من تعيش الالم وحدها هناك اخرى، همست هاجر: وش فيك؟
رفعت اريان كفها ومسحت دموعها الفائضة وجلست جوار هاجر هاتفه بصوت مرتجف: انتي اللي وش فيك؟
نظرت هاجر الى طرف وجه اريان والجمود المحيط بملامحها لا ترى الا دموع فقط: مثل مانتي ماتبين تتكلمين انا مابي اتكلم.
جمعت اريان اصابع كفيها الى بعضها: ومين قال اني مابي اتكلم؟
ابتلعت ريقها بصعوبة وقالت مضيفه: انا بس ابي انهي الموضوع بهدوء ولا ادخل اهلي فيه.
واشارت لنفسها : مايكفي الحياة اللي معطيني اياها تبيني ازيد عليهم؟
نظرت لها هاجر بعدم فهم: تزيدين ايش؟
تنهدت اريان وهي تنحي للامام: اللي عشته مب شوي.
ثم ارتجف فكها من اثر كتمها لعبرة قاسية: يقول ذاك ابوي.
اقتربت هاجر قليلًا من اريان مُتناسيه المها، وداخلها ينبض بصدمة!هل اريان واخيرًا بدت تتحدث: مين اللي يقول ؟ ومين ابوك؟
رفعت عينيها الى هاجر وقالت برجفة ظهرت على شفتها قبل نبرة صوتها المهتز: انس يقول.
تقدمت هاجر بجسدها اكثر حتى احتضنت اريان هامسه: وش يقول يا اريان؟
اريان همست بكلمات مبعثرة ومتلعثمة: ابوه كان السبب هم اللي حطوني عند ابوي محمد انا كان لي اهل..
تصلب جسد هاجر وهي تفهم اخيرًا شيء مما يحدث:
انتي صادقة؟
وقالت وهي تبعد اريان عنها قليلًا بابتسامة واسعة غير مصدقه ماتسمع: اخيرًا.
تجمدت عينان اريان في ابتسامة هاجر وقالت باستغراب: ايش اللي اخيرًا؟
هاجر بللت شفتيها بسعادة عارمة: لقيتي اهلك.
دفعتها اريان واقفه وكن هناك ماس كهربائي صعقها: وانتي مصدقه؟
مسكت هاجر صدرها بوجع ثم قالت بنبرة مستغربة: يعني يكذب؟
بقت عينان اريان الرمادية معلقه في عينان هاجر ، اشاحت بنظرها يمينًا وقالت بتلعثم ضايع: ابي اجلس مع نفسي.
اقتربت هاجر هامسه : انتي وش خايفة منه؟
اشاحت اريان بوجهها، لن يقرا مايجول داخلها الا هاجر فهي من تعرفها حق المعرفة: مب خايفة بس انتي ماتعرفين شيء.
ثم رفعت كفها الايمن هاتفه برجفة: تدرين من سبب هذا؟
ثم ضغطت على الاحرف بغيض محتقر وكره: اللي يقولون انه ...
ضاعت الاحرف ملتزمة الصمت بشفتين مرتجفة لا تريد ان تنطق كلمة ابي.
مسكت هاجر كفها وقالت بنبرة هادية: ماودك تقولين لي السالفة كاملة.
رفعت اريان نظرها: وانتي ماراح تقول ليش تبكي؟
ابتلعت هاجر ريقها بصعوبة ورفت عينيها بتوتر.
مسكت اريان بكفها الايسر السليم كف هاجر الايمن: بديتي تخوفيني.
بللت شفتيها بطرف لسانها بحرج وخوف وقلق ثم همست: شيء يخص اخوي محمد وزوجته.
هزت راسها اريان بتفهم ثم تركت يدها ناوية المغادرة: براحتك.
نطقت هاجر بكلمات سريعة هامسة: اماني تخون محمد.
تجمد الدم في جسد اريان من هول ماسمعت، ارتعش جسدها وعادت للخلف وهمست بنبرة مرتجفة: كيف تخونه؟
بكت هاجر هاتفه بعجز وضياع وهي أخيرًا تجد من تخرج له ما يكتم صدرها: تخيلي الحادث كان بسببها لما درا صار له كذا..
قاطعتها اريان محتضنتها لصدرها وربتت على ظهرها: هذا مكتوب من الله مال احد يد فيه، والحمدلله يقولون محمد متحسن وكلها فترة ويصحى ويرجع احسن من اول.
قالت هاجر من بين بكاها: ونعم بالله.
سحبتها اريان واعادتها حتى تجلس على المقعد وجلست جوارها ماسحه دموعها بطرف كفها : طلعت مصيبتي اهون منك.
ابتسمت هاجر من بين دموعها: ومتاكدة لانك تكبرين المواضيع.
بعد نصف ساعة من تبادل الهموم، مسحت هاجر على ظهرها هامسه: بس انس ماله دخل زي مافهمت منك.
اشارت اريان لصدرها بسبابة يدها اليسرى: واذا انا مابيه.
وتغيرت ملامحها باشمئزاز مُتذكره ليلة زواجها السوداء وهو يتركها تحت المطر وتصرفاته، موضح لها انها غير مرغوب بها في حياته: تدرين هو من الاساس مايبيني لاني مجهولة نسب.
تنهدت هاجر بضيق على حال صديقتها، ثم تغيرت ملامحها بابتسامة عريضة زينت شفتيها، ومدت ذراعها الايمن خلف منكبين اريان ودفعتها للامام هاتفه حتى تخرجها من ضيقها: يلا خلينا من ذكره، وانتي عاد استانسي وخليه من الماضي لانه مايستاهل.
ابتسمت اريان ببتسامة صغيرة، ثم هزت راسها ، ووقفت تسير جوار هاجر.
ابتعد تركي عن الباب بخطوات ثقيلة واسعة قبل ان تلاحظاه، فما سمعه شل لسانه عن الحركة.. كان قادم لهما بخوف مرعوب بعد صراخ الجوهرة قائلة هناك امر كبير حدث لهاجر.
في المجلس الرجالي توقفت ام علي بعد طلب زوجها بتجهيز القهوة والشاي فهناك ضيف قادم : ابشر.
هز راكان راسه وتوقف بانصياع لامر والده ان يجلب الغداء من برا.
قال فهد بهدوء متوجس وحذر: من بيجي؟
التزم الصمت ابو علي وهو يحرك مسبحته البنية بين اصابعه مستغفرًا بهمس.
تقدم عامر الى النار واعاد رفع ابريق الشاي عليها، لكن رفع نظره على جملة عمه : بنخطب مشاعل لفهد على سنة الله ورسوله.
تغيرت ملامح فهد، هذا ماينقصه تلك الدلوعة ذات العباءات الملونة ستصبح زوجته: بتخطب من لمن؟؟
قال ابو علي وعينيه في عينان عامر المصدوم: سمعتني يا عامر.
هز عامر راسه فهو لن يجد افضل من اولاد عمه لاخته لكن فهد!: سمعتك ياطويل العمر، وابشر بالخير، لكن لازم نسال البنت...
قاطعه فهد واقفًا بغضب: وعلي تراه اكبر؟؟ ومن قال اني ابي الزواج ماذكر اني شكيت لك؟؟
تحركت عينان عامر في عمه وابن عمه، وهو لايفهم شيئًا..
قال ابو علي بغضب وقد ثبت نظره في ابنه الواقف: ماعليك من علي، وانت بتعصي كلمتي؟
تقدم فهد خطوة مُشيرًا لوالده بانفاس مضطربة مرعوبًا من هذه المصيبة التي وقعت على راسه: قول انك تبي تلوي يدي عشان تصرفاتي..
قاطعه والده بامر لا مجال لرفضه: ايه بزوجك كود تعقل.
حرك فهد يديه في الهواء: انا مابي الزواج، ولو فكرت اتزوج اخر من افكر فيها مشاعل وانت عارف رايي فيها من اول.
ابو علي كتم غضبه وانزل نظره على مسبحته: شكلك تبي ترفع ضغطي.
قال فهد بغضب وعينان اشتعلت مُقفلًا هذا الموضوع الكارثي: والله لو ماتزوج ما اجتمع مع مشاعل وقد اعذر من انذر.
وخرج بخطوات سريعة غاضبة وقد صفع الباب خلفه مُحدثًا اهتزازًا وصوتًا فيه، قد استطاع والده ان يلوي ذراعه ويعاقبه بامتياز على تصرفاته الطائشة ليلة امس امام الرجال.
اعتصر عامر كفه الايمن بغضب، لا يُريد اللحاق بفهد امام عمه وافتعال المشاكل فطريقة تحدثه عن اخته لم تكن مقبولة مطلقًا، استنشق هواء طويل وزفره، فهو يعلم كما كرهت اخته الذهاب الى بيت خالها بسبب غضب فهد الدائم منها، حتى انه يومًا ما صفعها بدون اي سبب يذكر كما قالت، قال بهدوء واحترام : ماعندنا بنت لزواج.
رفع ابو علي عينه بتلقائيه: ليكون عشان كلام فهد؟
سكب عامر ( زوج نجلاء) الشاي في الكأس المخصص له ثم توقف وناوله خاله: انت عارف راي مشاعل في فهد، وهي ماتتقبله من وهم صغار..
قاطعه ابو علي بحاجبين معقودين : بعد العرس يتغير كل شيء.
اعتذر عامر بهدوء رافضًا طلب عمه، ورافضًا اصراره على الغداء معهم، وغادر المجلس الرجالي والمزرعة كاملة بضيق يكتم على انفاسه وصدره.
هناك داخل بيت المزرعة، خرجت اريان من دورة المياة ووقعت عينيها الرمادية الذابله بوالدتها الجالسة أرضًا، اقتربت ثم استلقت على فخذها هامسه بحب: والله اني اشتقت انسدح هنا.
ابتسمت ام علي ومسحت على شعرها الاسود المربوط بحنان حزين على ابنتها الذابلة والتي لا تعلم ماذا اصابها: ماودك نروح لشيخ يقرا عليك انا شاكه انها عين.
سحبت اريان كف والدتها وقبلتها هامسه بنعاس: الله يالعين وعلى من؟
همست والدتها بصدق : على ولد ال عايد.
وبدت تفرد اصابعها قائلة بنفس النبرة الهامسة: كامل والكامل الله، انتي شايفه زينه وانا امك؟؟ ولا طوله...
تغيرت ملامح اريان وقاطعت والدتها وهي تعتدل وتجلس بغضب: انا قلت مابيه ليكون غصب بترجعوني.
تجمدت ملامح والدتها لثواني ثم قالت باستغراب من غضبها وامامها: مافيه غصب ، لكن انا ابي مصلحتك..
قاطعت والدتها من جديد بضيق: احسب انك بتوقفين معي.
تنهدت والدتها واعادت تمسح على شعرها الاسود: اللي تبينه.
قبلة وجنة والدتها الممتلئة بابتسامة، وعادت تستلقي من جديد: الله يخليك لي.
ابتسمت ام علي وهي تُخفي ضيقها، ثم رفعت صوتها مُناديه : يا روان يا اسيل القهوة اخلصوا بها.
عبرت اسيل من امامهما متجه الى المطبخ الصغير هنا.
اغمضت اريان عينيها ثم قالت بصوت خافت:اذا جاء علي راح اقول كل شيء الا هو وينه؟.
هزت ام علي راسها بحزن على حالتها: راح يودي ام هزاع.
فتحت عينيها الناعسة بفضول: هذي اللي كانت في بيتنا؟
الا من هم؟
ابتسمت ام علي من ذكراهنّ: تعرفين زوجة ماجد ال عايد الاولى هذولا اهلها جدتها وامها وبنت خالها..
عاد الماس الكهربائي يصعقها من جديد لكن هذه المرة كان اقوى وهي تجلس بشهقة مصدومة خرجت من بين شفتيها الرقيقتان: اهل ابرار؟
مسكت ام علي صدرها بخوف: انتي وش فيك؟؟
قالت اريان بتلعثم: وهم ليش عندنا؟ وين راحوا؟
رفعت ام علي حاجبيها بنقد: وكل ذي الشهقة عشان راحوا؟
هزت اريان راسها بلا، ثم قالت بتردد: ابوها طلع مجرم كبير ومسكته الشرطة هم كانوا يدورون؟.
بردت عظام جسد ام علي قائلة بفجعة وحزن: لا والله ماكان يدرون ، لا حول ولا قوة الا بالله وانتِ وش عرفك؟
ابتلعت اريان ريقها ووقفت هاربة بتبرير كاذب: سمعت.
رفعت ام علي صوتها بذكر الله وقلبها ينقبض المًا لتلك العائلة اللطيفة، ثم صرخت مُناديه: روان ياروان.
خرجت روان من المطبخ بقلق من صوت والدتها العالي: هلا يمة.
اخرجت هاتفها من جيب ثوبها ومدته بامر: اتصلي اتصلي على علي وهو كان ماله ام يكلمها.
مسكت روان قلبها: وكل ذا عشان اتصل على علي الله يسامحك يمه طيحتي قلبي في سروالي.
ضربتها والدتها على كفها بعد ان التقطت الهاتف: وش ذا الكلام؟.
زمت روان شفتيها بحنق: احح.
ثم مدت الهاتف على والدتها، وضعت ام علي الهاتف على اذنها وقلبها يضيق حُزنًا، وصل لها صوت علي من الطرف الاخر بخفوت مُتعب: هلا والله.
ام علي بهدوء: السلام عليكم.
قال علي بتعب وهو يبتعد قليلًا عن الممر الضيق الذي يجمعه مع مها الجالسة على احد كراسي المشفى الحديدية: وعليكم السلام.
ثم همس بقلق على صمت والدته الغريب ونبرتها الهادية: عسى ماشر؟ اريان بخير؟
ام علي بتردد: كل شيء بخير، الا انت بخير؟ ووينك مارجعت؟
خرج علي الى فناء المشفى الصغير في هذه القرية، وادخل اصابعه الطويلة في خصلات شعره القصيرة ومررها مرارًا: مافيه الا كل خير، وصار عندي شغله قلت اخلصها قبل اجي.
قالت والدته بعد جملته التي علمت انها كاذبة: ماودك تقول الصدق؟
قال علي بتردد: وش سامعه؟
ام علي تنهدت بضيق: اختك تقول ان منيف مسجون.
زفر علي انفاسه الثقيلة بتعب: ايه.
مسكت ام علي صدرها بضيق وقالت بخفوت: وش صار في ام ابرار؟.
عادت ذكريات عصر امس له، والشرطة تحاوط جميع بيوت القرية، ثم سقوط ام هزاع مغشيًا عليها بعد معرفتها ان زوج ابنتها مجرمًا وتم سجنه.. قطع سيل ذكرياته صوت والدته: انت معي ياعلي.
جلس علي على احد عتبات البوابة الخارجية للمشفى زافرًا انفاسًا حارة: الا قولي وش صار لام هزاع.
قالت والدته بعد صمت دام ثواني: وش صار لها؟
قال علي بهمس ونظره يستقر في راجس المقترب: ان شاءالله انها بخير الحين مشغول اكلمك لما افضى..
اقفل الخط بينه وبين والدته على تقدم راجس له، اعتدل واقفًا، ربت راجس على كتفه ناطقًا بصوت ثقيل مُتعب: اجلس اجلس.
جلس علي، ونظر الى نصف وجه راجس المُتعب وهو يجلس بجانبه، كان شديد السمره طويل بجسد نحيف، كان رجل بملامح بسيطة انزل نظره على استفهام راجس الهادي: اختك زوجة ولد عايد؟.
رفع علي نظره له، ثم قال:ايه.
التزم الصمت راجس، عندما علم بالفاجعة كان خارج المنطقة مع والده عند إبله.
داخل المشفى توقفت مها على اقتراب والدتها تحمل سلة القهوة في كفها الأيمن وفي الاخرى تحمل حافظة طعام، التقطتها منها مها وبنبرة متعبة قالت: كانت ماتعبتي نفستس يمة.
جلست ام مها بانفاس لاهثه: اني عارفه اكلهم ماينبلع ولا هو عاجب جدتس.
ثم حركت عينيها: الا وش اخبار جدتس؟
دعكت مها عينيها بنعاس مُتعب: على حالها للحين ضغطها منخفض لكن يقولون بتتحسن.
مسحت ام مها عينها الايمن بطرف وشاحها الاسود حتى تُخفي تلك الدمعة الوحيدة التي علقت بين رموشها: حسبي الله والنعم فيه.
هزت مها راسها بتعب، مسكت والدتها كفها الايسر: روحي ارتاحي، وانا بجلس عندها.
قالت بهدوء: من جايبتس؟
ام مها: راجس.
توترت مها: وتبيني اروح معه؟
نظرت لها والدتها : مانتب رايحه لحالتس معه محسن، الا أشوفتس رحتي مع الغريب امس؟
قاطعتها بتبرير متوتر : كنا في حاله طاريه وهو اللي جاب جدتي للمستشفى.
همست والدتها : الا منهو اللي كان معه وراح معكم؟
قالت مها وهي تقف: هذا اخو ماجد اسمه سعود.
امتلئت عينان ام مها بالدموع ثم ضربت فخذيها: ياويل حالي عليتس يا ابرار وش بتسوين.
تنهدت مها واقتربت الى والدتها: يمه اذكري الله.
زفرت انفاسها الثقيلة وقالت بصوت متحشرج: لا اله الا الله، الا ماكلمتيها هي درت ولا؟.
اخذت مها هاتفها وقالت متحركه بخطى هادية: مدري عنها ادق عليها وجوالها مقفل.
خرجت ووقعت عينيها في الجالسان على درجات البوابة الخارجية تنحنحت بخجل حتى تستطيع المرور.
توقف راجس معتذرًا: بروح اوصل الاهل للبيت وارجع، الا انت ماودك ترتاح تعبناك معنا.
اشاح علي بعينيه بعيدًا وكلمة الاهل تقبض على قلبه متسائل مالعلاقة بينهما، قال بهدوء مصطنع: ابد مافيه تعب ولا شيء، ماشوف ام هزاع الا جدتي ولا اقدر اروح ماتطمنت عليها.
ابتسم راجس بابتسامة شاحبة ثم غادر وتتبعه مها بخطى هادية متباعده.
ابعد نظره بضيق عنهما،ومسح على راسه.
.
.
__
قال ماجد بملل: اللي عندي قلته.
والده برفض قاطع: ماراح اقبل تطلق بنت خالك.
قاطعه ماجد واقفًا بضيق: تقبل او ماتقبل هذي حياتي ولا عاد احد له دخل فيها.
قالت والدته وهي من كانت تلتزم الصمت منذ وقت طويل: ماجد احترم ابوك.
نظر لها وقال بالم يعتصر قلبه وروحه وانفاسه: يمه اللي فيني يكفيني خلوني اكمل حياتي زي مابي.
قالت والدته بغضب: يعني بتكملها مع بنت المجرم؟
ثم اضافت واقفه: ماعندي مشكله تطلق نوف لكن تبي تخلي ابرار؟ وش تبي الناس تقول ؟
واقتربت له هاتفه برجاء: والله ازوجك اللي تسواهم كلهم.
عض شفته محاولًا كتم غضبه.
قال والده بهدوء: فوزية خلي الولد.
نظرت لزوجها بصدمة وصرخت بغضب: كيف اخليه؟
تبي الناس يضحكون فينا؟
وضحكت بسخرية: ايه قول عشانك انت السبب انت اللي غصبته لين تزوجها.
تحرك ماجد خارجًا بخطوات سريعة.
صرخ ابو ماجد على تحرك زوجته خلف ماجد: فوزية والله العظيم لاعاد تجيبين طاري ابرار بالشينة ولا تخربين حياة الولد ان ماعاد تعرفيني.
تجمدت قدميها مكانها ثم استدارت بملامح شاحبة : بتطلقني؟
تنهد بتعب: اللي سمعتيه.
في الخارج توقف ماجد على وقوف انس خارجًا ومن الواضح انه كان ينتظره وقد سمِع الكثير، حرك قدميه متجاوزه، شعر بكف انس تقبض على ذراعه اليسرى، استدار بقوة وهو يبعده عنه.
ضاقت عينان انس بالم شعره في بذراعه قائلًا بنبرة متوجعة: شكلك ناسي يدي.
قاطعه ماجد مقتربًا حتى مسكه من ياقة ثوبه الرمادي: هذي فعول عمك وتستاهلها.
ضحك انس ونظر لعينان ماجد الناعسة: شكلك حاقد كثير.
همس ماجد بالقرب من ملامح انس: توقعتك بتكون معي لكن صدمتني.
ابتسم انس حتى بانت غمازته المحفورة في وجنته اليسرى: وانا معك.
دفعه ماجد من صدره عدّت دفعات حتى عاد انس للخلف بسببها: لو معي ماكان كلامك فوق هذا.
التزم انس الصمت على خروج عمه وتتبعه زوجته بملامح غاضبة.
غادر ماجد بخطوات سريعة، ولحقه انس.
قالت ام ماجد بكره: كلها من راس السوسه انس.
استدار لها زوجها: فوزية وش قلنا؟.
قالت مُغادرة بحنق : انا برجع لبيتي ماعاد لي قعده في بيت الناس.
صرخ انس في منتصف الفناء الكبير حتى يقف ماجد: ماجد.
اخرج ماجد مفتاح سيارته، وضغط زر فتح الابواب ثم اقترب حتى يصعدها، وضع انس كفه على زجاج النافذة ليمنعه من فتح الباب: اسمعني.
زفر ماجد انفاسه الحارة وقال: انس بعد دام النفس للحين طيبة.
قال انس بهدوء صادق: ماتوقعت انك تعلقت في بنت منيف كذا ولا كان ماقلت ولا كلمة.
رفع ماجد نظره الغاضب له: لا عاد تقول بنت منيف.
بلل انس شفتيه بابتسامة مستفزة: وهذا ابوها .
تنهد ماجد: انس اللي فيني يكفيني بعد من طريقي.
ربت انس على كتفه: لو تبي سويت لكم زواج جديد وتكلفته علي، هو انت بتسامحني؟
ابعد ماجد يد انس وقال بسخرية: ماودك تسوي لنفسك زواج جديد وتنشغل بعيد عني؟
حك انس قفا عنقه : لقيت لي عروس وانا قلت لا؟
رفع ماجد حاجبه الايسر: وزوجتك وينها؟
فتح انس الباب لماجد حتى يصعد: تبي الطلاق.
ابتسم ماجد بخبث: والله كفو يابنت زياد.
صرخ انس على صعود ماجد: لا تقول بنت زياد.
ضحك ماجد وحرك سيارته خارجًا من فناء منزل عمه، تاركًا انس خلفه.
ترجل من سيارته بعد ان وصل الفندق الذي يضم شقته، رفع رأسه على قطرات المطر القليلة التي بدت تتساقط فوقه وحوله، تحرك بخطى واسعة حتى لا يبتل، انزل شماغه على كتفه وصعد المصعد، خرج بعد توقف المصعد، فتح باب شقته ودخل، لكن تغيرت ملامحه وعينيه تستقر في النائم على الاريكة متى عاد هذا ما جال في عقله؟، انزل شماغه على ظهر الاريكة الفردية وتحرك بهدوء حتى لا يستيقظ من اثر حركته، فتح باب حجرة ابرار بهدوء باحثًا عنها، استدار بعينيه في المكان، ثم رمى بجسده على السرير الواسع، رفع نظره بعد دقائق طويلة مُستغربًا مكوثها الطويل في دورة المياة، تسارعت نبضات قلبه قلقًا وهو يقف، اقترب الى الباب وطرقه عدّت طرقات متتابعة: ابرار ابرار.
تصلب جسده وبرد، طارقًا الباب بقوة: ابرار انتي هنا.
قال بخوف ان يكون حصل لها امرًا ما في الداخل: ترى بكسر الباب لو ما تكلمتي.
مسك المقبض، وتغيرت ملامحه والمقبض يستدير معه، فتح الباب وتجمدت عينيه من خلو دورة المياة، تحرك بخطى واسعة صارخًا وباحثًا في ارجاء الشقة الكبيرة: ابرااااار.
اعتدل سعود جالسًا برعب وهو من كان يغط في نوم ثقيل بعد يومين مُتعبة ومهلكة لجسده : وش فيه؟
اقترب ماجد بعد ان بحث في كل شبر في الشقة: ابرار وينها؟
حك سعود عينيه وقال بنبرة مليئة نوم: لي ساعتين هنا ماشفت احد.
واضاف على ملامح ماجد المرعوبة وانفاسه المرتفعة : دقيت الجرس كم مره محد فتح وقلت ادخل الشقة وانتظرك لين ترجع، ابوي بلغني انك باقي في شقتك..
قاطعه ماجد متحركًا خارجًا بخطوات واسعة وصرخ برعب: انا رحت وهي وراي، والبنت فاقدة الذاكرة يعني ماتعرف احد في الرياض.
لكن توقف جسده على كفين سعود التي مسكت ذراعيه من خلف حتى يتوقف: خلني افهم.
صرخ ماجد: مهب وقت تفهم.
سحبه سعود بقوة ودفعه حتى يعود لداخل الشقة: انا ماجيت هنا الا عندي كلام معك.
اقترب ماجد واحاط ذقن سعود ضاغطًا عليه بقوة: اقول ابرار مختفيه وانت تقول بينا كلام.
اغمض سعود عينيه بألم من قبضة ماجد على فكه: انا جاي من اهلها..
دفعه ماجد باشمئزاز : **** الله على اهلها، كل اللي فيها منهم لو انها عاشت يتيمه كان ارحم لها.
وتحرك خارجًا بهرولة، ضغط ازرار المصعد، صرخ شاتمًا وباب المصعد لا ينفتح، ثم تحرك جهة السلالم ونزل متجاوزًا بعض الدرجات، وسعود يلحقه هاتفًا بصوت عالي حتى يسمعه: تبيني ابلغ.
لكن لا مُجيب وماجد ينزل بسرعة جنونية حتى كاد يتعثر في بعض الدرجات ، توقف سعود بانفاس متقطعه ورفع هاتفه باحثًا عن رقم الفريق حارث، وضع الهاتف على اذنه وعاد يسير بخطى اوسع حتى يلحق ماجد، استطاع ان يُجاريه وهو يمسكه من ذراعه هاتفًا بعجله وصوت الفريق يصل له: بنت منيف اختفت.
استدار ماجد بغضب عارم مُبعدًا يد سعود عنه: فكني لا اذبحك.
اقترب سعود قائلًا بنبرة خافته: لا تفضحنا الكل يناظرك.
واجاب لمن يحادثه في الهاتف: ايه مختفيه لها ساعات..
سقط الهاتف من سعود على لكمة ماجد على وجهه مُشيرًا له بملامح مشتعله: **** *** اقولك ابرار مختفية ماندري هي مخطوفة ولا وينها..
بتر حديثه على النبرة المرتجفة التي اتت من خلفهما: مااجد.
.
.
___
(نهاية البارت الســ60ــتون)
أنت تقرأ
رواية جفَاف ورْدة بيضاء في رُكن الذَكريات.
Mystery / Thrillerرواية جفاف وردة بيضاء في رُكن الذكريات.. للكاتبة ضَياع، تدور احداث الرواية عن الفتاة اريان مجهولة الابوين التي تعيش مع عائلة ال صايل بعد ان وجدوها على عتبة بابهم. - والفتاة الريفية ابرار التي يجبرها والدها على الزواج من شاب غني لا يرغب بها زوجة له...