«17»

494 21 0
                                    

كانت تقف في المطبخ ترتدي قميصه الأبيض الذي يصل لركبتيها -نظرًا لفرق الطول بينهما- تلك الطفلة التي تُصر على ارتداء ملابسه دومًا نظر لشعرها المنسدل على ظهرها يتمايل معها كلما تحركت ثم اقترب وعانقها من الخلف مقبّلًا عنقها وهو يقول:
-صباح الورد على أحلى وردة في الدنيا
انتفضت بين يديه يعلم أن هذا ما سيحدث لكن يجب أن تتغلب على خوفها حتى الآن لاتزال تخاف من ذاك اليوم حتى أنها كرهت يوم الثلاثاء لأن الحفلة كانت في يوم مماثل التفت له وقالت بتلعثم:
-مش انا قلت لك متعملش كده تاني
داعب شعرها قائلًا:
-لازم نتخطى الخوف ده يا سلمى
-ليه بتقول "نتخطى" مع إن أنا اللي بخاف
ابتسم قائلًا:
-لأن احنا الاتنين واحد وهنعدي كل حاجة سوا مفيش حاجة اسمها أنا وأنتِ يعني متقوليش هقدر لوحدي أو ده شيء يخصني لو موقفتش جنبك وساعدتك تبقى لازمتي في حياتك إيه! أي حاجة هتعمليها هبقى شريك فيها ونفس الشيء بالنسبة ليا أي حاجة هعملها هتبقي شريكتي فيها
ابتسمت وهي تنظر له وبريق عينيها في تزايد لفت يدها حول عنقه ودفنت رأسها به وهي تقول:
-أنا بحبك
حاوط خصرها وقال:
-وأنا كمان
ابتعدت قليلًا حتى يتسنى لها النظر له ثم قالت:
-عايزة اقول لك على حاجة
-قولي
توسعت ابتسامتها وهي تقول:
-مين هيبقى أحلى وأحن بابا
سألها بغباء غاضنًا حاجبيه:
-مين
فقلبت عينيها غبائه ثم قالت:
-لا ركز معايا شوية
وضعت رأسها على صدره ثم تابعت:
-أنا كنت تعبانة الفترة اللي فاتت صح
أردف بقلق:
-حاسة بحاجة
أهو أحمق أم يتحامق؟ صاحب به بغضب:
-يا علي بقى
-بتزعقي ليه ما أنا مش فاهم! آية حامل طيب؟
عضت على شفتها السُفلى وهي تنظر له بغيظ ثم قالت:
-أنتَ غبي ولا بتتغابى؟ آية هتولد أهي!
فكر قليلًا ثم اتسعت عيناه بدهشة وسأل بتفاجئ:
-أنتِ حامل
أجابته بسخرية:
-تخيل
-بتهزري يعني هنا ابننا
قال جملته وهو يضع يده على معدتها فهمهمت له برقة وهي تتابع سعادته الغامرة وعدم تصديقه أنه سيصبح أبًا قال وهو يسحبها خلفه برفق:
-تعالي نكلم فهد وآية
-علي
همهم لها فقالت بارتباك:
-مش هنرجع نعيش معاهم تاني
-لسه متخانق مع فهد امبارح بسبب الموضوع ده
-ليه كده بس
أجلسها على الأريكة وجلس جورها ثم أمسك الهاتف وتنهد قائلًا:
-هو عايزنا نرجع هناك وأنا مش عايز
أومأت له بحزن فضغط على شاشة هاتفه مراتٍ عدّة ووضعه على أذنه ينتظر أن يجيبه أخاه
__________

رن هاتف "فهد" الذي كان مع "يزن" يلعب عليه أدار الهاتف لوالده وهو يقول:
-بابا الموبايل بيرن
نظر "فهد" لاسم المتصل وجده "علي" فأخذ الهاتف من "يزن" وأجاب قائلًا ببرود:
-نعم
صمت يستمع لما يقوله "علي" ثم تابع قائلًا:
-آه زعلان يا علي أنا عايزكم معايا مش واحد في الشرق وواحد في الغرب
صمت مجددًا يستمع لأخيه ثم تغيرت ملامحه لصدمة بعدها ارتسمت ابتسامة على وجهه وقال بسعادة:
-بتهزر
نفى أخوه هذا وأكد له أن "سلمى" حامل الآن بطفلهما الأول قال "فهد" بصرامة:
-تالله يا علي لو ما رجعتوا لمزعلك
ثم أغلق الهاتف بوجهه قبل أن يستمع لرد خرجت "آية" من المرحاض بوجه شاحب وخطى بطيئة مع دلوف "ضحى" للغرفة وهي تقول بحماس:
-وحشتوني
تابعت ركضها إلى "فهد" الذي فتح ذراعيه على مصرعيهما ليستقبلها بحضنه رفع نظره "لآية" بابتسامة ليخبرها بحمل "سلمى" لكن ابتسامته تحولت للفزع عندما رأى ملامحها الشاحبة ذهب إليها وقبل أن يسأل ما بها سقطط بحضنه مغشيًا عليها، بحملها السابق لم يحدث لها هكذا قط، لقد كانت تأكل وتنام فقط أما الآن فلا تأكل ولا تنام يعلم أن وفاة والدها من أشهر تؤثر عليها حتى الآن فلتحزن لكن لا تؤذي نفسها وطفلته ما ذنبها هي الآن بشهور حملها الأخيرة يجب أن تأكل جيدًا لكنها مهملة وهو لها بالمرصاد، حملها للفراش وحاول إفاقتها أشار لها "يزن" وقال بحزن:
-هي هتفضل تعبانة كده
-هتبقى كويسة يا حبيبي
قالها "فهد" يطمئنه لكنه قوس شفتيه كالعادة وهز رأسه نافيًا يقول:
-أنا مش بحب أبرار ولما تيجي مش هلعب معاها عشان ماما تعبانة بسببها
قال "فهد" نافيًا بهدوء:
-لا طبعًا لازم تحب أختك
نادته "آية" بهدوء فقال بخفوت:
-نعم يا ماما
-دي أختك يا حبيبي مينفعش تقول مش بحبها
-بس..
قاطعته وهي تقبل يده بحنان:
-يا حبيبي أنا كويسة وبعدين مش أنتَ بتعمل زي بابا أوما لها فتابعت:
-طب مش بابا بيحب سلمى وضحى
أومأ مجددًا فقالت:
-ينفع بقى متحبش أبرار
هز رأسه بنفي فربتت على شعره وقالت:
-صالحها بقى
قبّل معدة والدته المنتفخة وقال:
-آسف أنا بحبك
-وهي بتحبك
كل هذه الأحداث كانت بعد زواج "علي" "وسلمى" بعامين وقبل خمس سنوات من وقتنا هذا
__________

خطايا الظل✓حيث تعيش القصص. اكتشف الآن