البارت الخامس عشر _ممر _

34 14 20
                                    


أستفقتُ تدريجيًا ، و أستجمعت قواي لفتح عيناي ، فأنا أعرف مكاني جيدًا داخل غرفة الطوارئ ، فهذا السقف الأبيض الذي تجمع على أركانه غبار ، وهذا الوخز فى يدي اليمنى ، وتلك الستائر الزرقاء التى تفصل الأسِرة ، ورائحة الكحول التى تجعلك تريد التقيوء ، وذلك الصوت يقول بأننى أفقت وينادى على الطبيب ، كل هذه أشياء إعتدتها .

ولكن الغريب هذه المرة هو أننى لا اعرف كم من الوقت قضيت هكذا ، أشعر أننى هنا منذ عشرات السنوات ، وأن هذا حدث معي مئات المرات ، أشعر بتخدر فى أطرافى ولا أستطيع أن أحركها وكأننى نسيت كيف أفعل هذا ، الجميع حولى يتحدثون ولكن لا أسمع أى صوت ولا حتى همهمة ، حتى رؤيتى مشوشة .

بدأ ذلك الصفير المزعج مجددا ولكن بحدة أقل ، أغمضت عيناى محاولاً السيطرة عليه ولكن بلا جدوى ، كان يتذايد حدةً مع الوقت وأنا لا أقوى على  الحراك فقط أغمض عيناى بشدة ، ولكن هذه المرة استطعت تحريك أحبالي الصوتية ، لتنطلق منها تلك الصرخة ، التى أنا متأكد أن كل من كان فى المشفى قد سمعها ، تلك الصرخة التى حملت بداخلها حدة وألم غير متناهيين ، صرخة أعتقدت أن روحى قد خرجت معها .

أتى الطبيب مسرعا وحقنني بسائل ما فى معصى ، لتتراخى جفونى ، ويهدأ ذلك الصفير تدريجيًا ، و أفقد وعيي مجددًا .

ممر شبه مظلم به خمسة أبواب ، اثنان على اليسار و اثنان على اليمين وذلك الباب الازرق الكبير فى نهايته ، وقفت فى حيرة لا أعلم ماذا أفعل ، فانا لست ذلك الشجاع الذي يقدم على الأستكشاف وفعل ما يريد ولا تهمه العواقب .

سرت فى ذلك الممر بحذر شديد حاولت أن أرى أو أفهم أى شيء يرشدنى أين أن و ما هذا المكان ، و لكن كل ما وجدته هو نقوش ورسومات غربيه على جدران الممر تبدو وكأنها لطفل صغير ، رُسم على الباب الاول جزيرة ، الثانى رُسم عليه سماعة طبيب  ، الثالث لم  استطيع تبين ما رسم عليه ، والرابع كان بابه فارغ ومتهالك ،  وكان على ذلك الباب الكبير نقوش زخرفية .

أمسكت مقبض الباب الربع بخوف وحذر شديدان ، حاولت التحلى ببعض الشجاعة ، ودلفت الغرفة  كانت رئحتها مقززة ، بحثت عن مِقبس لأنيرها ، وجدته بصوعبه تحت هذا الكم الهائل من الغبار الذي يعلو الغرفة ، كانت شباك العنكبوت تملؤها ، أخذت أدور ببصري أبحث عن أى شيء فيها ، وقعت عيناى على طاولة صغيرة فى أحد أركان الغرفة عليها كتاب .

ألتقطت هذا الكتاب و حاولت إزالة الغبار من فوقه ، وجدت مكتوب عليه " 2010 "  كانت أجندة أكتب فيها يومياتى ،  فتحتها و قرأت أول ما كتب فيها .
" مرحبًا أيتها الأجندة الصغيرة ، لقد أعجبت بكِ من أول ما وقعت عيناي عليكي ، لقد قلتُ لأبي أن يشتريكي لي ، ولقد وافق بشرط أن أستعملك فى الدراسة ، ولكن سأكتب فيكى يومياتي "

أبتسامة جانبية ساخرة تسللت على شفتاي ، على ذلك ادهم الطفل الصغير الذي كان متحمسًا جدًا لحياة الكبار ،الذي لم يكن يعلم أنها ستُهينُه هكذا وستؤلمه بهذا القدر المهلك ، فررتُ عدة صفحات فيها لتقع عيناى على عين زرقاء مرسومة ، لأقرأ ما كتب حولها .
" لقد أشتقتُ لكِ كثيرًا يومياتي العزيرة ، لقد كانوا تلك العشرة أيام فى المصيف رائعة ،  لقد كافئنى أبي كما وعدنى ، ولكن كان أكثر الأشياء أهمية ، هى تلك الفتاة الكندية ذات الأعين الزرقاء الخلابة التى كانت تقيم معنا فى نفس الفندق ، لم أكن أعرف كيف أُحدثها ولكن عمر قد فعل ، هذا الولد جيد جدًا فى مثل هذه الأمور عكسي تماما ، لقد عرف منها جنسيتها وأنها أصغر منى بعام وأنها هنا مع والديها يمضون اجازه الصيف ، وانها تريد ان تكون مضيفة طيران فى المستقبل ،لقد عرف الكثير من الأمور ، وكنت كل ما أفعله هو الصمت وتأمل عينيها الزرقاوتان ،ولكن فى الطريق عودة  للمنزل بعد إنتهاء الأجازه لقد أدركت أمرًا وهو أننى لم أعجب بالفتاة بل أعجبت بعينها ، وتيقنت من هذا عندما قالت أمى _ أن أهم من الشكل الشخصية وانها تدوم فترة اطول من الشكل _  عندها تيقنت من أن كل هذا مجرد عشق مني للون الأزرق لا أكثر "

تذكرت هذا الموقف بأغلب تفاصيلة وذلك اليوم وكيف كان عمر يتحدث مع تلك الفتاة ، وكونى كنت الأبله فى منتصف الحديث ، فأبتسمت على أثر تلك الذكرى .

ذهبت لأخر ورقة وقرأت ما كتب فيها ، لتقع عيناى على اول كلمات ، فأقرأ بجمود ملامح .
" سأشتاق لك يا يومياتى العزيزه غدًا اول يوم فى بداية دروسي لأخر سنه فى المدرسة ، وبعدها سألتحق بالجامعة  ، إنها سنتى المصيرية  كما قالت أمي ، أتمنى ألا أخذلها أو أخذل أبي  ولا نفسي ، سأبذل كل ما بوسعي لدوخل كلية الطب كما يريدون ، سأفعل كل ما أستطيع فقط لأجعلهم سعداء ، أتمنى أن أقدر على هذا مثل أخي عمر  ، يجب أن أكون قدوة مثله يجب أن يفتخر أبي بي مثله "

أبتلعت تلك الغصة المريرة على ذلك الطفل الذي كان مهملًا لنفسه وما يريد فقط لغيره ، إنزلقت دمعة من عيناى على شغف ذلك الصغير الذي تبخر بمرور الوقت وأصبحت روحه تائهة ، كان يريد الإهتمام فقط ، كان يريد أن يشعر بأنه مهم مثل غيره ، لم يكن يريد ذلك الشعور بالغيره لحد الكره ، لم يكن يريد أن يكون ذلك الشخص الذي يكره الجميع ، ربما لو وجد أحدًا يفهمه منذ زمن ويأخذ بيده ، ربما لكان حاله أفضل من الآن بكثير ولكن كل ما وجده هو النبذ وعدم الرضا عن أى ما يفعله .

قاطع صوت أفكاري ذلك البكاء الذي كان يتذايد مع شهقات عالية ، رميت دفتر اليوميات من يدي وجريت على مصدر ذلك الصوت ، بحثت عن مصر الصوت ولكنه كان أعلى عند الباب الثالث ، حاولت فتحه ولكنه كان مغلق بقوه ، حاولت بكل جهدى ولكن بلا فائده ، وكان ايضا صوت البكاء يتذايد .

أبتعدت عنه من ثم دفعته بقوه بكتفي حتى فتح ...يتبع

___________________________

أتمنى تكون الرواية نالت أعجبكوا 💜✨
ممكن تدعمونى بأنكوا تصوتوا ليها 💜✨

تفتكروا اى الممر دا ؟! واى سر النقوش والرسومات الى عليه ؟!

  فى الضفة المقابلة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن