دائره الخطأ (قيد التعديل

"بارت اول "✓

"لم يكن العالم كما وصفته روايات الأطفال التي قرأتها؛ بل كان أكثر رعبًا."

في ظلامٍ دامسٍ، لا يوجد سوى البرد القارص والأرضية الباردة، في أجواء مهيبة تلتف حول طفلٍ صغيرٍ يرتدي ملابس خفيفة بالكاد تغطي جسده عيناه محمرتان من كثرة البكاء، أنفه ينزف، وعروقه بارزة من التوتر، وسط شهقاته التي لا تنقطع، تحدث بصوت مختنق:

- خرجوني من هنا، والله أنا معملتش حاجة، خرجوني ومش هقول حاجة.

اندلع بكاءه بقهرٍ، وأصوات الصفير في أذنه لم تهدأ يديه مقيدتان، وقدمه الأخرى مربوطة بإحكام، بالكاد يتنفس، فتح الباب فجأة، ودخل رجل بعينين سوداوتين، تلك العينان اللتان لم ينسَهما الطفل يومًا، جسده متوسط البنية، لكنه طويل القامة، ولحيته السوداء زادت من بشاعة ملامحه، مما جعل الطفل يكرهه بشدة، يكره صوته، وجوده، وكل شيء فيه، اقترب منه الرجل بخبثٍ وحقدٍ ينبعثان من داخله:
ـ هششش، ليه بتعيط؟ حد زعلك؟ أنا قولتلك قول الحقيقة ومحدش هيلمسك.

تقدم بخطواتٍ باردةٍ تجاه الطفل الذي بدا وكأنه على وشك الموت، لم يُظهر أي اهتمام لحاله الطفل، مرتعبًا، بدأ يهز رأسه بحذرٍ:

- والله ما قولتلوش حاجة، أصلًا مش بيكلمني ولا بيحبني.

ابتسم الرجل بخبثٍ وهو يجلس بجانب الطفل، بصوتٍ مملوء بالسم، همس:
-مش قولتلك إنه بيكرهك! محدش بيحبك، إزاي عايش ومحدش بيحبك؟ أمك ميتة، أبوك تخلى عنك، ما عندكش حد، إيه اللي مخليك عايش؟

كانت هذه الكلمات قاسية، لكنها بالنسبة للرجل كانت مجرد كلمات عادية، بينما للطفل كانت كالسياط التي تضرب قلبه العاري رغم معرفته بكل هذه الحقائق، إلا أنه دائمًا يحاول تجنب التفكير فيها، لأنه كلما تذكرها، تحطمت مشاعره، وانهارت حصونه الداخلية، تلك الحصون التي بناها حول قلبه كي لا ينهار مرة أخرى بصوت مملوء بالرجاء، قال الطفل وهو يحاول استعطاف الرجل:
-أنا عايز أطلع من هنا، والله مش هقول لحد.

لكن الرجل لم يتأثر، بل استمر في كراهيته المتأصلة. ابتسم بمكرٍ مصطنعٍ قائلًا:
-ها افكر، بس لما هما يوافقوا.

رد الطفل برجاءٍ مرة أخرى، غير قادر على التعبير عن مشاعره:
- ممكن طلب واحد؟
التفت إليه الرجل بنظرة حادة مليئة بالحقد، وقال ساخرًا:
- اطلب، بس ما تقوليش أخرجك من هنا.

هز الطفل رأسه نفيًا، وقال بصوت مرتجف:
- لا، أنا بس مش قادر أتحمل البرد؛ عاوز الجاكيت بتاعي.
ابتسم الرجل بخبثٍ قائلاً:
- من عيوني، إنت تؤمر.