في رقبتك الفصل السابع عشر

41 9 5
                                    

..
ملك : نور انتي كويسة ؟ بصي جيبتلك مين معايا .
رفعت نور رأسها نحو ملك ثم نظرت لمحمد ومصطفى..شعرت بالخجل من نفسها..اهي تبكي أمام من يجب عليها مواساتهم؟ مسحت دموعها ووقفت
نور بصوت مهزوز: تعالوا ندخل الشقة ..عملتلكم حاجات حلوة جوا..
ابتسمت ملك بحزن وهي تنظر لصديقتها ثم قالت بمزاح : امال ايه الحلاوة دي ..في واحدة تبقي حلوة بالاسود كده كل مرة مش معقول..
نور بابتسامة : انتي أحلي يا ملك في كل حالاتك..
...
إياد : مع السلامة يا عمو
يحيى : من بدري مقولتش يا عمو دي يا إياد..عشان بتحسسك انك لسه صغير صح؟
إياد: ليك مزاج تهزر وكده
أنس: سلام يا بابا..سلملنا علي ماما بقي
يحيى: الله يسلمك يا حبيبي ..يلا سلام في رعاية الله..خلي بالكم من بعض
أنس: ماشي يا بابا سلام..
تابع كلا من أنس واياد يحيى وهو يغادر حتي اختفى عن ناظريهما
..تنهد أنس ثم نظر لاياد كان شاردا
أنس: انت روحت العزاء صح..
إياد بشرود : امم..روحت..
أنس: طيب ..وهما عاملين ايه..مينفعش اروح انا كمان..
إياد: لا مينفعش تروح.. هتروح تعمل ايه..
أنس: هعزي ..زيكم
إياد: باباك راح خلاص..
أنس: ماشي بابا مش انا..انا مش صغير ..ومتخافش هسلم علي هشام وامشي..
نظر له إياد كانت عيونه مليئة بالاصرار ..فتنهد إياد بيأس واومأ بالايجاب
...
دخل كلا منهما حديقة المنزل بهدوء ثم الي المنزل ..كان اول من قابلهم..ياسين..نظر ياسين لاياد قليلا وكذلك إياد..فارق السن بينهما ليس كبير في الحقيقة..فإياد عمره ثلاثة وثلاثون عام.. أما ياسين فعمره تسعة وعشرون عام..يبدو ان لقائهما أعاد بعض الذكريات القديمة..تحول نظر ياسين لانس وقال بابتسامة: أنس ؟
نظر له أنس بتساؤل ولكنه اومأ بابتسامة وقال : اه
إياد: بما انك هنا هسيبه معاك خليه يشوف هشام..' نظر لأنس' هستناك برة
ياسين لأنس : طبعا انت مش عارفني..
نفى أنس برأسه بحرج ولكن ياسين وضع يده علي كتفه وتحدث بطريقه جعلته يشعر بالارتياح
ياسين : متشغلش بالك طبيعي متعرفنيش..كنت بيبي لما شوفتني زمان..ومعتقدش اننا اتقابلنا في فرح هشام..مجيتش مع اهلك وقتها صح ..
أنس: لا ..
ياسين : طيب يا سيدي ..انا ياسين ابن رقية اخت خالتو زهرة الله يرحمها..يعني هشام يبقي خالي
نظر له أنس بعدما فهم الوضع وقال : البقاء لله..في مرات خالكم..محدش قالي اصلا لولا اني شوفت النعي بتاعها صدفة علي الفيس
ياسين بتفهم :اها ..ولا يهمك..تعالى بقي شوف هشام..هو اكيد هيفرح لما يشوفك..
ابتسم أنس بوهن وتحرك معه..
...
كانت أماني تسير في اتجاه المدخل ..حيث يقف ياسين وأنس..لاحظها إياد...فناداها
إياد: دكتورة أماني..
التفتت أماني للصوت الذي تعرفت عليه ..واقتربت من صاحبه
أماني: إياد بيه..اهلا بحضرتك..' نظرت ليده ' اخبار حضرتك ايه..
إياد وهو ينظر للداخل : اه الحمد لله..البقاء لله ..
أماني بحزن : ونعم بالله..شكرا ان حضرتك جيت مع ان مفيش علاقة بتجمعك اوي بهشام يعني..
ابتسم إياد في داخله..لا علاقة تجمعه بهشام؟
إياد: لا شكر علي واجب انا معملتش حاجة.. امال دكتورة ملك فين عشان اعزيها
أماني: اه..ملك خدت عيال هشام تخرجهم عشان الجو هنا وكده..
اومأ اياد لها بتفهم
ابتسم له اماني ثم استأذنت..ولكن إياد ناداها مجددا.
أماني: اتفضل حضرتك عايز حاجة ؟
شعر إياد بالارتباك..يحاول منعها من الدخول الان حتى لا تقابل أنس..فهو في النهاية لا يعلم انها صديقة ملك..وليست اي صديقة..بل روحهما مرتبطة..لا يعلم أنها أماني تلك..
إياد: ها؟! اه..كنت ..عطشان..
أماني بابتسامة وهي تنظر خلفه علي الطاولات يوجد الكثير من الماء والعصائر بالفعل : حاضر هجيب لحضرتك ..
نظر لها شاكرا ..
أماني وهي تمد الماء له : محتاج حاجة تانية
إياد: لا شكرا معلش عطلتك..
أماني: لا عطلة ايه.. القاعدة فوق لا تطاق اصلا
" الرجال موجودين في الدور الارضي والسيدات في الدور العلوي"
كان أنس قد دخل بالفعل لذا فهي لن تحتاج لرؤيته وهي تصعد السلالم..فتنهد إياد وهو يراها تذهب..ثم اتجه لسيارته وجلس بها بشرود تعاوده ذكريات قديمة مجددا..
' لمحة من الماضي '
هشام ذو الثلاثة عشرة عاما: ياسين اقعد هتتكعبل وتقع تتعور اقعد..
إياد ذو الستة اعوام بابتسامة هادئة : ياسين لسه صغير مش هيفهمك يا هشام
هشام وهو يضع يده علي جبهته بتعب : إنسان متعب..معرفش اخواتي بيحبوني اوي كده ليه..
إياد: ايه بيحبوك فعلا..ولا عايز تقول كل واحدة سايبه بلوى وماشية؟
نظر هشام لإياد ثم قال : لا يا بلوى..وبعدين ما تتكلم زي طفل عنده ٦ سنين بجد..لا واقل كمان ..متحسسنيش انك عندك ٤٠ سنة كده يا اخي
إياد: بتكلم ازاي؟ .
هشام بغضب : يا رببب ارحمنيي..انت يا زفت يا ياسيننن كسرت ايه
ضحك إياد بشدة ولكنه وقف ليجمع زجاج المزهرية التى حطمها ياسين ذو العام والنصف
هشام: سيبها وانا هلمها عشان متتعورش..شيل ياسين بس
اومأ له إياد ثم حمل ياسين بين يديه الصغيرتين..ينظر له بعمق..انه يذكره بأخته الصغيرة الراحلة..ماريا..كما ان ياسين كان يحبه كثيرا ويصبح هادئا بين يديه علي عكس هشام..الذي كان ياسين يبكى عندما يلمح وجهه
...
ابتسم إياد علي تلك الذكريات ..لقد هرمت هذه الذكريات البعيدة في ذاكرته..كان ذلك منذ سبعة وعشرون عام؟ ام اكثر بقليل..ولكن ما يعلمه انها كانت افضل واسوأ ايام مرت علي حياته حتى الآن... لقد كآنا افضل واسوأ عامين في حياته من الخامسة وحتي السابعة...لا يمكنه حذفها من ذاكرته مهما حاول..عقله يرغب بمحوها..اما قلبه يرفض ..
لا يريد تذكر تلك الصور...عائلته المقتولة امام عينيه..ولا تلك الاصوات..كلها تؤذيه...مازال يتذكر ملمس يد والدته اللزج بفعل الدماء علي وجهه ودموعها في عينيها وهي تحضتن جسد اخته الصغيرة كمحاولة فاشلة منها لحمايتها..يتذكر حضن جدته الدافئ التي استخدمت نفسها كحصن منيع له..يتذكر صراخ والده في الهاتف وصوت الانفجار..صوت الرصاص الذي اخترق سيارتهم..بكاء تلك المرأة الحاملة في المستشفى علي صغيرها وزوجها..بكاء الجميع علي هذه العائلة التي تم القضاء عليها في ساعات..وجوه البشر القادمون للتعزية..بعضها حزين والاخر يبدو شامتا..وهناك أخرى توجه له رصاص لا نظرات عادية...وكأنهم ينتظرون موته..وهو طفل لم يتعدى الخمس سنوات..فقد عائلته في لمح البصر ..ولا يدرك ما هو ذنبه..ليعش كل هذا..بل بالفعل ما ذنبه ليعش هو حتي الآن..لما لم يمت في ذلك الحين ..لما..
ولكنه يتذكر ..كلماتها الحنونة..يدها واحضانها الدافئة..بسمتها التي تنير ظلمته..فقط هي من جعلت لحياته معنى من جديد ' يمكن احنا الاتنين عايشين دلوقتي عشان نصبر بعض..انا خسرت كل حاجة ابني وجوزي وانت خسرت كل حاجة مامتك وباباك وعيلتك..فاسمحلي اكون مامتك واكون مفيدة ليك..وانت تكون ابني يا إياد وتنور حياتي..عشان كده متقولش انت ليه عايش ومموتش زيهم..يمكن لو انت كنت معاهم..كنت انا لحقتكم من بدري..انت اللي خليت لحياتي معنى بوجودك ..خلينا نستغل بعض يا إياد..لان مفيش حد بيعيش بدون سبب..وحتي لو انا مكنتش موجودة..متأكده ان هيكون حد تاني مستنيك وحياته ملهاش معنى من غيرك '
كانت تلك الكلمات البسيطة التي ربما تبدو للكثير كلمات عادية..هي حافزه الوحيد للمضي قدماً..للصبر ..للحياة..نعم تلك هي والدته التي لم تلده .. التي تركته وتركت خلفها الكثير من الحزن والفراغ..و "الذكريات الذهبية "
..يبدو انه سيعود الي لندن لبعض الوقت..فذكرى اليوم اللعين.. اقتربت
...
كان يستند بيده علي نافذة الطائرة ينظر للسحاب بشرود ..افاق علي لمسة المضيفة وهي تسأله للمرة الرابعة ' chicken or meat sir '
يحيى : اوه اعتذر ..اللحم من فضلك..
اومأت له المضيفة بأبتسامة ثم اعطته الغذاء وذهبت..
يحيى في نفسه : كل مرة بيقرب اليوم ده بفتكر ذكريات مش حابب افتكرها ..
...
محمد الصغير بحزن : نور هو انتي مش هتيجي عندنا خالص ..احنا كده مش هنعرف نشوفك تاني ..
نور بحب : ليه يا حبيبتي هتشوفني عادي..ملك تبقي تجيبكم كل فترة تقعدوا معايا شوية..في ايام الاجازة ايه رأيك يا ملك
ملك : طبعا.طبعا..هشتغل موصلاتية انا بقي..بس فدى حبيايببب قلبي
...
حل الظلام وعادت ملك مع الطفلين ..كان جميع الضيوف قد غادروا ايضا..لقد اُقيم العزاء في منزل العائلة..لذا فالجميع موجود هنا...كانت ملك تسير لتدخل المنزل وكان اول ما قابلته حين فتحت الباب هو وجه هشام الغاضب..
هشام بضيق : ممكن افهم كل ده بتعملوا ايه..
ملك بلامبالاة : الساعة تسعة متأخرناش..
هشام بغضب وصوته يرتفع تدريجيا : انتي حرة تعملي اللي تعمليه ابوكي ليه كلام معاكي..انما ولادي متتدخليش فيهم انتي فاهمة ' نظر لاولاده ' وانتم ايه ملكوش حد يلمكم ولا ايه
قال جملته الأخيرة بصراخ ..ففزع كلا من محمد ومصطفي ..امسكت ملك يديهما وابتسمت لهما ثم تركتهم واقتربت من خالها بهدوء ..
ملك وهي تنظر له نظرات ثاقبة : لما الاقي انك قد تحمل مسؤوليتهم ابقي اسمع كلامك ...ومتعليش صوتك عليا تاني بعد اذنك
امسكها هشام من كتفها وضغط عليها بقوة وقال : وانتي تبقي مين عشان تحددي انا قد المسؤولية ولا لا ..دول ولادي انا..ولادي انا وسلمى مش ولادك ولا ولاد نور..
ملك بألم تحاول اخفاؤه خلف نبرتها القوية : مثير للشفقة اوي علي فكرة ..كويس ان سلمى ماتت قبل ما تشوفك بالشكل المهين ده..
دفعها هشام بقوة .. كانت ستسقط لولا انها اصطدمت بصدر قوي..ولم يكن سوى والدها الذي امسكها..كان الجميع قد تجمع علي صوت هشام المرتفع..
وقف ياسين بجانب هشام
ياسين : في ايه يا هشام..' نظر لاخته التي تقف علي السلم بصدمة من حال خالها..لم تره من قبل بهذا الشكل..كما ان الجميع يعلم قدر حبه لملك هي مفضلته..كيف يتصرف هكذا
ياسين: خدي محمد ومصطفي فوق يا نهى علشان يناموا..
اومأت له نهى ثم نزلت الدرج واقتربت منهما
نهى بابتسامة : يلا تعالوا معايا وسيبكم من حوارات الكبار دي عشان مزعجة..تعالوا افرجككم علي حاجة حلوة وننام سوى..
..
زين بهدوء وهو يضم ملك : ممكن افهم..ازاي تتصرف كده مع بنتي..
كان هشام ينظر له بهدوء دون ان يجيب ..ثم ادار وجهه
ترك زين ملك مقتربا من هشام ولكن ملك امسكت يده بخوف..لا تعلم كيف سيتصرف.. هذا الهدوء..وتلك النبرة...والدها يمكنه ان يغفر اي شئ..الا ان تُمس شعرة من ابنته العزيزة..وهي تعلم هذا..
نظر لها زين ثم نفض يده منها واقترب من هشام حتي اصبح أمامه لا يفصلهما سوى مترين تقريبا..ولكن ياسين وقف بينهما
ياسين : عمي..
زين : ابعد يا ياسين او سمحت..محدش يتدخل بيننا..
امسك هشام بياسين وابعده ونظر لزين..
وفجاءة كان هشام علي الأرض وفمه ينزف..صرخت حنان بخوف علي ولدها ووضعت رقية يدها علي صدرها واخدت تقول ' استر يا رب ' ..جلس زين علي ركبته علي الارض امام هشام.

في رقبتك ⛓️🧑🍼حيث تعيش القصص. اكتشف الآن