ولأنني امرأة مسرفة في مشاعرها ، أحببتك بقلبي كاملاً دون أن أدّخر منه شيئًا لأيام الحنين والغياب والاحتياج ، بتُ ملازمًا لقلبي كـ نبضه ، أحببتك في زمنٍ كذّبوا الحُب فيه، في وطنٍ يُعارض كُل شُعور، بين أُناسٍ يجهلون العاطفة، أَحببتك على أرضٍ جافّة، تحت...
في تلك اللحظة التي تنتظرها جميع الفتيات لتُسقط "عاصي دويدار" في شِباك حبهم ، دخل بفخامته وخلفه عدد كبير من الحرس أشبه بموكب ملكي ، صُوبت نحوه جميع الأعين ، من يطالعه بإعجاب ، ومن يحدجه بنظرات التمني ، ومن يطلق صفير انبهاره علنًا ، رجل تجمعت به وسامة وفخامة رجال الأرض ، ولكن كل هذا انطفىء بمجرد وقوفه بجانب فتاة أشبه بحوريات البحر ، ترتدي فستانًا فخمًا باللون الازرق استمد لونه من عيونها ، مرتديه حذاء بكعب مرتفع مما جعلتها تُنافس قامته في الطول ، شعرها المموج الذي ينسدل بطوله ليُغطي أسفل ظهرها ، مُلفتة لانتباه الجميع كالعطر من غير صخب .
تحاشي الجميع موكب" عاصي "الفخم وصُوبت أسهم نظراتهم الثاقبة نحو " رسيل " الواقفة على يساره ، اقبلت عبلة إلى ابنها كإقبال العطشان على بُحيرة ماء وعانقته هامسة بعتب : -كل دا تأخير ؟!
ربت عاصي على ظهرها وقال : -كان عندي شغل !
ابتعدت عبلة عنه وهي تراقب " رسيل " بنظرات حارقة وسألته بهمس : -مين دي ؟!
اتسعت ابتسامة " عاصي " وهو يطوق خصر الفتاة ويجذبها إليه أكثر ويجهر بصوته معلنًا : -حياة ، حياة مراتي !
أمطرت السماء جمرًا على رؤوس الجميع بمجرد ما أعلن عاصي عن هوية الفتاة التي تجاورهم ، عيون متسعة تحاصرها النيران ، وأفواه مزمومة تضم الكثير من الأسئلة ، كانت جملته أشبه ببطارية سقطت من جوف ساعة الحائط ، فـ تعطل عندها الزمن ، وشُلت حركة عقاربها كما شُلت أقدام الحاضرين .. لم يختلف الأمر بـ النسبة لـرسيل الذي عقدت اتفاقها معه ولكنه جاء مخالفًا لكل التوقعات !