يومٌ ككل يوم

466 49 96
                                    

في الساعة الرابعة صباحاً،يُسمع صوت آذان الفجر في تلك الحارة الصغيرة .يستيقظ الشاب اليافع ' لؤي' ليلحق بالصلاة،يتوضأ ويفتح باب المنزل ويغلقه بهدوء كي لا يستيقظ والده . لم يكن يحب أن يفوت وقت صلاة الفجر في المسجد، وكان يحب دائماً أن يصلّي خلف الإمام. وتبدأ الصلاة بصوت الإمام وهو يقول الله أكبر.
-" تقبّل الله منك يا لؤي،رؤيتك هنا تسعدني دائماً "، قال الإمام 'عبد الحميد'
-"منا ومنكم يا شيخي، شيخي لدي طلب..لكن آمل أن لا يزعجك..هل يمكنني أن أُسمعك سورة يس؟"
-"بالطبع ،أنا جاهزٌ في أي وقت "
...............
-"قرائتك تتحسن يومًا بعد يوم، أنا فخور بك يا لؤي، أنتَ دائماً تراعي نطق الحروف والتجويد"
-"شكراً لك شيخي..أسعدتني حقاً،سأستمر بإذن الله "
-"ما رأيك أن نفطر سوية ؟"
-"كلّا ،لا أستطيع..من أجل والدي..عليّ الذهاب الآن شيخي ،إلى اللقاء" ، خرج لؤي من المسجد راكضاً ليعدّ الفطور لوالده ،وعندما كان على وشك الانتهاء ..استيقظ والده 'مراد'. "ص..صباح الخير أبي، ثوانٍ فقط ويكون الفطور جاهزاً"،نظر والده إليه بغضب،أمسكه من معصمه بقوة.
-"إلى الآن ولم يجهز الفطور،أين كنت بعد الصلاة ؟!" صرخ والده وهو يشدّ معصمه أكثر.
-"أبي أقسم أني لم أذهب لأي مكان، أرجوك"، أفلت والده معصمه واتجه نحو الطاولة "غبي،لا فائدة ترجى منك" قالها وهو يجلس على الطاولة منتظراً الفطور،أسرعَ لؤي أكثر . "لماذا عليه دائماً أن يجرحني بالكلام هكذا؟..رغم كل شيء،ما زالت تضايقني كلماته.." قالها لؤي بينه وبين نفسهْ.
-"اسمعني،بعد الفطور اذهبْ وضع الخضار في الصناديق-إياك أن أرى حبة واحدةً سيئة وإلا سأكسر رقبتك! سأذهب لأبي عمار لبيع الخضار و سأعود بعد خمس ساعات نظف البيت وتفقد المزرعة وأعدّ شيئاً لنأكله ،أفهمت كلامي؟"
-"أمرك..حاضرْ".
ذهب لؤي إلى تلك المزرعة الصغيرة، فعل كل ما بوسعه ليختار أفضل الخضار،ملأ الصناديق ووضعها في الشاحنة.ركبَ والدهُ الشاحنة
و ذهب في طريقه للمدينة.كانا يعيشان في أطرافها وتبعد عنهما عشرين دقيقة سيراً.
بدأ لؤي بالأعمال المعتادة،ترتيب غرفته وغرفة والده ،مسح الغبار،الأرض ،والزجاج، نشر الغسيل . من بعدها يذهب للحقل.لم يكن يحبّ لؤي العمل في المزرعة لعدم براعته في العمل فيها ، قام بإطعام الدجاج والكلب ومن ثم نظف القن،عَمِل َبالحرث وسقى الخضار والأزهار.
كانت أصعب مهماته الطبخ ،لكنه كان يحاول دائماً،كانت عمّته 'عليا' تأتي كل يومين تساعده بأعمال المنزل ،وتطبخ لهم ..كانت تأتي أحيانًا برفقتها ابنة عمِّ لؤي 'حنين'،كانا بنفس العمر و قريبين من بعضهما ،وأحيانًا كان يأتي برفقتها ابنها الصغير 'سامر' الذي كان يحبّ رفقة لؤي كثيرًا . رغم أنه ينهي مهامه بسرعة،إلا أنه لم يكن يأجلُ أي عملٍ من أعماله،كان دائماً يتخيل أنه قد يأتي والده فجأة ويرى أنه لم ينهي بعد ،ليجدها حجةً لضربهْ ...لكنه يشعر أنه مهما بذل من جهد..لا بدّ أن يكون هناك شيءٌ ناقص..لم يستطع يوماً أن يرضي والده، وعليه أن ينضرب كل يوم..أما عن والدته ،فقد توفيت مباشرة بعد ولادتها بلؤي ،لكن لؤي لم يكن لديه علمٌ بذلك أبداً ،الكل أخبرهُ بأنها ماتت موتة طبيعية بعد أشهر من ولادته..أما والده ،فكلما أراد أن يسأله عن أمّه أمره أن يصمت وأن لا يسأل ثانيةً بعد التهديد
بالحبس والضرب بالحزام .
.........
عاد والد لؤي في وقت العصر،ذهب لؤي لتحيته وإذ يلقى صفعةً مفاجئة منه...
-"ألم أقل لك أن تختار الخضار الجيدة يا غبي؟" قال والده وهو يحملُ كيساً أسوداً بيده،اتضح أنّ بداخله أربع حبات من الطماطم وحبتين من الخيار..
-"ل..لكني حقاً حاولت أن أختار الأفضل" قال لؤي وهو ممسكٌ بخده الذي احمر إثرَ الصفعة..أمسكه والده من شعره وشده بقوة ،بدأت الدموع تنزل من عيون لؤي إثر الألم.
-" ما هذا الذي أحمله بيدي إذن؟! تظنني أعمى ؟! ليس لدي طاقة لك أبداً لكن أترى هذه الخضار المتعفنة مثلك ستأكلها كلها للغداء ،أفهمت كلامي؟!" صرخ مراد بصوت أعلى وهو ما زال ممسكاً بشعر لؤي.
-"حاضر كما تريد لكن أرجوك أبي أفلت شعري أرجوك!". رمى مراد لؤي على الأرض وألقى كيس الخضروات أمامه..لم تكن الخضار سيئة لتلك الدرجة كما قال مراد ،لكن لا يمكن للؤي أن يعترض..وبالفعل اضطر أن يتناولها أمام والده ..ومنعه أن يفتح الثلاجة في المساء حتى الصباح قائلاً له أن الطعام خسارة به ،وأن الدواب تستحقه أكثر منه..كان بإمكان لؤي ببساطة أن يذهب خلسةً في الليل ويأكل ما يشاء،لكن ذلك الخوف من ظهور والده فجأة يلازمه..ولم يكن يحبُّ أن يكسر كلمة والده..حلّ العشاء،صلَّ لؤي وحاول أن ينام..لكن ألم معدته لم يكن يساعده...أمّا والده فكان يشاهد التلفاز..
-"أنا لا أفهم..هل أنا حقاً استحققتُ هذه العقوبة؟ لكني حاولتْ..ظننت أني عندما أكبر أني سوف أعتادُ على الأمر أو..أو أنه سيتغير قليلًا..لكني لم أعتد على الأمر..وهو يزداد عنفاً يوماً بعد يوم..يا ربي ماذا عساي أن أفعل ؟..." تمتم لؤي والدموع تنهمر من عينيه..وظلّ يبكي حتى غلبه النوم في النهاية...وهكذا مرّ اليوم..يومٌ ككل يوم.

نافذة الأمل حيث تعيش القصص. اكتشف الآن