ليلة تحت ضوء القمر

107 30 31
                                    

الساعة الثالثة مساءاً،كان لؤي مستيقظاً؛يحاول فهم مسائل الرياضيات التي أعطته إياها حنين.كان لؤي يصلِّي العشاء وينامُ مباشرة ،ويستيقظ قبل الفجر بساعتين ليدرس ما تشرحهُ حنين له أو يكتب ما يخطر بباله في دفتره السري،يمكن القول أنه يعتبر فترة ما قبل الفجر وقته الخاص ليفعلَ ما يحلو له،لكنه كان يراقب الباب كل خمس دقائق؛مترقباً في حال إستيقاظ والده.
"لم أستطع فهم كل شيء،ماذا أفعل؟ما رأيك بيلو؟"،سأل لؤي دميته،كان 'بيلو' فيلاً صغيراً إمتلكتهُ والدته وهي طفلة ؛ومن ثمّ أعطته إياه عمتّه حين كان في الخامسة من عمرهْ."لكن أعتقدُ أني بدأتُ أتحسن في حلِّ المسائل..هذه المرةَ أنهيتُ أكثر من النصف"،قال لؤي لدميته،كان لؤي يتكلمُ مع بيلو في وقته الخاص..لكن كلّما كَبُرَ كلّما شعرَ أنّ التكلم مع لعبته لم يعد كما كان،بدأ الأمرُ يشعرهُ بالوحدة أكثر.."أرغب بتناول شيءٍ حلو"،مدّ لؤي يده أسفل زاوية السرير ليأخذ كيس الحلويات والتسالي التي تركتهُ حنين له."لنرى..ما رأيك بهذه؟"،قال لؤي لدميته،أعادَ النظر بالبسكويت وتنهد،"فعلاً الأمر لم يعدْ كما كان.."،قال لؤي حزيناً وأعادَ البحثَ في الكيس،"اممم..هذه ستكون جيدة،أحب التي تحتوي على فواكه"،أخرج لؤي شوكولاتة من الكيس وأعاده لمكانه،لم يكن والده يعلم بمكانه السريّ الذي كان زاوية السريروكان يحرصُ كثيراً ألّا يُخرجَ شيئاً من هناك إلّا في الليل."هناك أربعة قطع،أتمانعُ إذا أعطيتك واحدةً فقط؟"سأل لؤي بيلو وهو يضع قطعة الشوكولاتة أمامه،لم تمرّ خمس دقائق إلّا وقد أخذها من أمام بيلو وتناولها مع باقي القطع والدموع تنهمر بهدوءٍ من عينيهْ.
في حلول الساعةِ الرابعة،ما زالَ لؤي جالساً على سريره ومن ثمّ قرر أن يكتبَ شيئاً في دفتره الخاص،كلما شعرَ بالضيق أو الحزن؛أخرجَ دفتره ليكتبَ ما يشعرُ به.
أشعرُ أن الأيام تمر بصعوبة أكثر فأكثر،وأنه كل ما زاد عمري زادت صعوبة ظروفي ووحدتي أكثر،لم أعد أشعر بالسعادة كما كنتُ أشعر بها في صغري بل بدأت أشعر أني حزين معظم وقتي..من الذي سوف يحبني هكذا؟..لم أستطع أن أحصل على محبة أبي..فما بال الآخرين؟!
بدأ لؤي بالبكاء،حاول مسح دموعه وأن يتمالك نفسه وإذ فجأة يُسمع أذان الفجر."إهدأ لؤي وإستعذ من الشيطان"،أعادَ لؤي الدفتر لمكانه ونهض ليتوضأ ويلحق صلاة الفجر.
...........................
بعد إنتهاء الصلاة،توجه الشيخ إلى لؤي؛منتبهاً لملامح وجهه الحزينة.
"بُنيّ لؤي!كيف حال فتاي البار؟"قال الشيخ له بصوتٍ مبتهج.
"بخيرٍ يا شيخي..الحمدلله.."ردّ لؤي بصوتٍ حزين ومكسور.
"ما الأمر يا بنيّ؟ ملامحك الحزينة وصوتك..لا يمكن أن تخبئها عني،أتريد أن تحدثني عن ما يزعجك؟"،إقترحَ الشيخ عليه بلطفْ.
بدأت الدموع تنهمر ثانيةً،هذه المرة لم يستطع لؤي منع نفسه،كان يحتاج لأن يشرح ما بداخله لأحد،إرتمى على حضن الشيخ وهجّ بالبكاء؛أخذه الشيخ لزاوية المسجد كي لا يجذبَ الأنظار،وتركه يبكي على حضنه حتى يرتاح ويفرِغَ ما لديه.
"أتريد أن نخرج ونتحدث خارج المسجد؟"،هزّ لؤي رأسهُ موافقاً،"لكن شيخي..لا يمكنني أن أتأخر عن البيت كثيراً.."،قال لؤي بحرقة.
"لا لا عليك سنتكلم ونحن عائدون إلى المنزل،أريد أن أسلّم على والدك،مضى وقت منذ أن رأيته في المسجد"،قال الشيخ هذا الكلام لتهدئة لؤي،الشيخ عبد الحميد كان ينصح والده منذ أول لقاء له،لكنه لم يرد أن يجلب للؤي المشاكل؛لأنه مدركٌ بأن والده سيعاقب لؤي في النهاية.بعد خروجهما من المسجد بأقل من دقيقة بدأ لؤي يشرح للشيخ ما يشعرُ به.
"شيخي،علاقتي مع أبي تزداد سوءًا يوماً بعد يوم،عندما كنتُ في العاشرة من عمري كان يعاقبني إذا أخطأتُ أو كذبت،لكن منذ سن الثالثة عشر،بدأت أشعرُ أنه بات يكرهني ويريدُ أي حجةٍ فقط ليعاقبني أو يضربني؛لكني لا أفهم لماذا..لماذا هو يكرهني هكذا؟أقسم أني أحاول أن أرضيه دائماً،أن أفعل كل شيءٍ بطريقة ممتازة..لكن..لكنه لا يرضى..أشعر بالوحدة..أشعرُ بأني إنسان لا فائدة له ولا روح له.."وبدأ لؤي يبكي ثانية بصمت والشيخُ يمسح يده بظهر لؤي لتهدئته،كانا قد وصلا لوجهتهم،إستوقفهُ الشيخ ليتكلم معه قبل أن يقتربا للمنزل.
"إسمعني لؤي...أنت شاب مؤمن بالله وبحكمته؛لذا عليكَ أن تؤمن أنه سبحانه لم يخلق شيئاً عبثاً؛لذا فقولك بأنك لا فائدة لك وأنه لا روح لديك هو تفكير خاطئ ووساوس من الشيطان ليحبطك ويحزنكْ،أنتَ إنسانٌ خلقكَ الله لعبادتهِ أولاً،ولكَ بعدها هدفٌ وغايةٌ في هذه الدنيا عليك فعله..لذا أريدكَ أن تظلّ صبوراً وقوياً كما أعرفك،وإياك والظنّ بأن والدك يكرهك..صحيحٌ أني ليس لديّ أولاد،لكنّي واثقٌ بأن والدك من الداخلِ يحبك،ربما قستْ عليه الظروف لكن أنت من سوف يساعده ليستيقظَ قلبهُ من جديد"،تلكَ الكلمات كانت كافيةً لتقوية لؤي وتهدئته.
"وأنا سأقنعُ والدك بأن نذهب للمسجدِ وقت الظهيرة لأعطيك بعض دروس القرآن وسأعطيكَ ورقةً جديدة"،لمعتْ عيني لؤي؛مبتهجاً بسماع كلام الشيخ الذي يطبطبُ على القلب،نظرَ لؤي مبتسمًا للشيخ وأمسكَ يده وقبّلها.
"أشكركَ يا شيخي،شكرًا لك"،ردّ الشيخ بقبلة على جبينه.
"العفو يا عزيزي"،وضع الشيخ يده على كتف لؤي وأكملا الطريق لمنزله،فتحَ لؤي الباب متوتراً قليلًا من أن يكون قدْ تأخرَ على والده،خرجَ والدهُ من الحمام وهو يمسح رأسه بالمنشفة.
"الحمدلله على السلامة أين كنتَ يا أيها الح-"،تفاجئ مراد برؤية الشيخ أمامه،إرتبكَ قليلاً وحاول أن يتحكمَ بأعصابهْ.
"أهلًا أهلًا شيخنا تفضل البيت بيتك،أعدّ الفطور حالاً وأحسبْ حساب الشيخ"،قال مراد للؤي الذي بدأ فورًا بإعدادِ الفطور.
" أهلاً بك ،شكراً لك يا أبا لؤي، هذا من ذوقك،بينما يعدُّ لؤي الفطور أيمكن أن تريني المزرعة من فضلك؟"،أرادَ الشيخ إستدراجَ مراد للخارج لكي لا يتلفظَ بكلمة جارحةٍ أمامَ لؤي،بالرغم من إقناعهِ للؤي بأنه لا يمكن لوالده أن يكرهه،إلا أنه مؤمنٌ أيضاً بأن لا دخان بلا نار،لا بدّ من شيءٍ جعله يتصرف معه بهذه الطريقة القاسية،ربما غيرةٌ منه،أو قد تكون حادثةً جعلته يقسو عليه هكذا..لكنه ما زال مؤمنًا بأنه من الداخل لديه ذرةُ محبةٍ لإبنه،لكنه يريد أن يعرفَ الآن..ما سبب كل هذه القسوة يا ترى؟

نافذة الأمل حيث تعيش القصص. اكتشف الآن