عبد الرحمن:
كانت الساعة العاشرةَ ونصف،كنت أوضبُ كتبي وعلب الأدوية،إتفقتُ مع لؤي بأن نجتمعُ عند المكتبة في الحادية عشر،خرجتُ من الغرفة وتوجهتُ للمطبخ لتوديع أمي ولكن لم تكن هناك.
"أمي؟!"
"أنا في الحمام!"،وقفتُ أمام الباب كي تستطيعَ سماعي.
"أتريدينَ شيئاً؟ربما نذهب بعدَ المكتبة لمطعم...سوف أعلمك إن طرأ شيء،مع السلامة.."،توجهت لباب المنزل وخرجت،قررتُ ركوب الباص تجنباً لأي مشكلة،بعد عشرين دقيقةً تقريباً كنتُ في المكتبة أنتظرُ وصولَ لؤي،بعد عشرِ دقائق فتحَ باب المكتبة وكان قد أتى وتوجه نحوي.
"أهلاً عبد الرحمن،أعذرني إن تأخرت..كان لدي عملٌ قبل أن آتي.."،قال وهو يضعُ حقيبته على الطاولة،كانَ هكذا..يتوترُ كثيراً ويعتذرُ كثيراً.
"لا عليك،لم تتأخر،خيراً أكانَ هناك شيء؟"
"ك..كلا،في الحقيقة...هناك شيخٌ في الحي عندي تعبٌ قليلاً ذهبتُ لأطمأنَّ عليه قليلاً.."
"جزاك الله خيراً..ما إسمه يا ترى؟ربما قد أعرفه.."،قلتُ وكلانا بدأ يخرجُ الكتب من حقيبته.
"عبد الحميد ****"،نظرتُ لهُ و إنصدمتُ من هذهِ الصدفة.
"حقاً؟يا لها من صدفة،لقد أعطاني دروس تجويدٍ حينَ كنتُ في الصف الثالث،كان يعملُ في مركزٍ للعلوم الدينية في الصيف هنا..خيراً ما به؟"
"ح..حقاً؟..لا لا شيء،مجرد زكام بسيط..لا تقلق..الشيخُ شخصٌ عزيزٌ على قلبي كثيراً يا عبد،هو علمني التجويد وكانَ دائماً يهونُ عليَّ وحدتي.."،قال لؤي مبتسماً والحب لهذا الشيخ واضحٌ جداً على تعاليم وجهه حين كانَ يتحدثُ عنه،هذا لا يدلُّ إلا على أن عائلته متفككةُ كما إعتقدت،لم يتكلم يوماً عن والده وليس لديه إخوة،أمهُ قد تكونُ مطلقة،يا له من مسكين.
"أعتذر..لقد إلتهيتُ عن الدراسةِ قليلاً،أنا أضيعُ الوقت،هيا بنا ..دعنا نبدأ..إ..إذ أردت"،بدأ يفتحُ الكتبَ ويركزُ بها،قررتُ التمهلَ قبل سؤاله وفتحتِ بدوري كتبي.الساعةُ الثالثةُ والنصف،لؤي كان نعساً بعض الشيء،شردَ قليلاً للنافذة،كان الجو هادئاً والهواء بارداً للغاية،السماء كانت مليئةً بالغيوم الداكنة،قد تمطرُ قليلاً اليوم..كان لؤي يرتدي سترةً للمطر،لم تكن لديه غيرها أساساً..،كانت كحليّة وممزقةً قليلاً من الخلف،كانَ يرتدي بنطالاً أسود وقميصاً كحلي،كان يدفأه،لكن..حين كانَ ينظرُ لعبد الرحمن،كان يبتسمُ إبتسامةً حزينةً بعض الشيء،لم يرد أن يحسدهُ أو يغارَ منه،لكن منظهرهُ أمام لباس عبد كان بالنسبةِ لهِ مثيراً للشفقة.
كان عبد يرتدي بنطالاً كحلياً غامقاً،سترةً زرقاء فاتحة وتحتها قميصٌ أبيض،مع معطفٍ بني غامق،رأى لؤي بأن منظرهما معاً كانَ مضحكاً بعض الشيء،قررَ عدمَ التركيز في الثياب والعودة للدراسة.
"هل إنتهيت؟"،قال عبد.
"ف..في الحقيقة..بقيَ القليل فقط..سوف أنهيه حالاً!"،قال لؤي مرتبكاً؛ظناً بأنَّ عبد الرحمن غضبَ منه لتأخره قليلاً،تنهدَ عبد الرحمن ونظرَ بعيداً،هل يسألهُ أم لا؟
"لؤي..أريدُ أن أسألكَ إن لم تمانع.."
"ت..تفضل"،رفعَ لؤي رأسهُ ونظرَ لهُ مبتسماً.
"أعذرني ولكن..إنتبهتُ بأنكَ تتوترُ وتعتذرُ كثيراً..حتى إن لم يكن هناكَ داعٍ للأمر.."،نظرَ لؤي للكتاب ثانيةً مستاءاً،لم يتوقع بأنَّ ضعفهُ وخجلهُ ظاهرٌ لتلك الدرجة،بقيَ صامتاً وحاول أن لا يبديَ إستياءه..لكنهُ كانَ واضحاً.
"أعذرني..لم أعني أن أزعجك،ما قصدتهُ هو..أنكَ معظمُ الأحيان خائف..ومترقب..أتريدُ التحدث في الأمر؟.."،نظرَ لؤي له،كانت ملامح عبد مريحةً وصادقة وهو يبدو قلقاً عليه،كانَ عبد الرحمن يودُّ معرفةَ وضعِ لؤي في المنزل،والده ووالدته،كانَ يعرفُ بأنَّ هذا الخوف الزائد لم يأتي من عدم.
"أنا..آسف..أنا هكذا بطبيعتي..أرتبكُ دائماً..و أرتجف..بعض الشيء.."،لؤي لم يستطع إخفاء إنزعاجه وعبد شعرَ بالندم على سؤاله.
"هل إنزعجتَ من سؤالي؟"
"كلا!..لم أنزعج منك..أنا هكذا لن يتقبلني أحد..أليسَ كذلك؟الشبانُ ليسوا هكذا أبداً.."
"إسمعني لؤي،الأهم أن تكونَ أنتَ بخير،حينها سوف تتغيرُ الكثيرُ من الأشياء..سوف تصبحُ إجتماعياً أكثر،واثقاً أكثرَ بنفسك،لا تهتمَّ أكثر بأمر نظرةِ الناس إليك الآن..الأهمُّ أن تشعرُ بالرضا عن نفسك.."،قال عبد الرحمن مبتسماً للؤي،أرادهُ بأن يطمأنَّ ويرتاح بأنهُ لا يبغضهُ أو يشفقُ عليه،فكرَ في أن يخرجهُ قليلاً من جو الإرتباك و الدراسة.
"إسمعني،ما رأيكَ بأن تنتهيَ بسرعة كي نذهب لمطعم؟"
"...أعني إذا إردتَ سوف نذهب ولكن ماذا عن الدراسة؟.."
"حالياً هذا القدر كافٍ لا بأس به..قد تعبتُ بعض الشيء..إذا أردتَ طبعاً،أنا لا أجبرك.."
"حاضر..كما تريد..لا مشكلة.."،وضبَ لؤي كتبه ونهضا كلاهما خارج المكتبة،كانت الشوارع مزدحمةً كونهُ يومَ عطلة،لم يحبَّ لؤي هذهِ الضجة وتمنى لو أنَّ اليوم لم يكن الأحد.
"لؤي.."،كسر عبد الرحمن الهدوء فجأة.
"نعم؟"،إلتفتَ له لؤي ونظرَ له.
"أريدُ أن أسألك..ولا تجب إذا كنتَ لا تريد..كيف..وضعكَ أنتَ...ووالدك؟"،نظرَ لؤي بعيداً عن عبد الرحمن وبدأ يناظرُ الأشجارَ التي سقطت أوراقها على الأرض المبللة الباردة..منظرها هكذا ذكرهُ بوضعه البائس مع والده...لم يعرف إذا كانَ بإمكانه بوح ما به لعبد..هو شابٌ من عمره،قد يفهمه ويطلعهُ على ما يجهله و يعرفُ بأن أباهُ في السجن.
"لا عليك،أعتذرُ على سؤالي..لم أعني أن أكونَ حشرياً.."،أعادَ صوتُ عبد لؤي للواقع،إستوعبَ بأنهُ تأخرَ ليجاوبَ عبد الرحمن.
"ع..عبد.."،قال بصوتٍ مرتجفٍ وهو يبتلعُ ريق حلقه،عليهِ ألا ينفعلَ أمامه ويتمالكَ نفسه.
"أيمكن أن نجلسَ هناك في الحديقة قليلاً؟..إذا لن تنزعج.."
"طبعاً لا بأس.."،أمسكَ عبد بذراع لؤي بلطف وتوجها نحو الحديقة،كانت هادئةً ولم يكن بها سوى عدة أطفال،جلسا على كرسي الحديقة،شعرَ عبد ببعضٍ من التوتر لسببٍ ما،ربما شعرَ بأنّ ما سوف يسمعهُ سوفَ يكونُ صعباً قليلاً.
"لا أريدُ لأحدٍ بأن يشفقَ عليّ..وأنا أعرفُ بأنكَ الآنَ تشعرُ بذلك-"
"كلا!ليس الأمرُ هكذا أبداً!أريدُ فقط أن أطمأنَّ عليك-أعني..لقد إرتحتُ لكَ كثيراً لؤي،تعرفُ ذلك الشعور حينَ ترتاحُ لأحدٍ من أول نظرة؟..من بينِ فتيانِ الصف أشعرُ بأنكَ أكثرهم تديناً،هادئٌ مثلي..والتكلمُ معكَ مريحٌ للغاية"
أنت تقرأ
نافذة الأمل
Randomقصة تتناول حياة مراهقين ،تتكلم عن آلامهم،طموحاتهم،وأحلامهم. ونرى كيف يواجهون بعض الصعوبات التي يواجهونها الذين من عمرهم ..ونرى من يحاول التمسك بحبل الأمل منهم..في النهاية نرى من سيستطيع النجاة من بركة اليأس ومن سيبقى غريقاً فيها ...