الساعةُ كانت السابعة والنصف،البيت كان مليئاً بالضجة،فالكل يستعد للذهاب للمدرسة،كانت ثناء تربطُ شعرَ بناتها.
"عبد الله،إذهب وتفقد آدم إن كانَ لا زالَ نائماً"
"يا ربي،هل نحنُ مجبورونَ بإيقاظ دب الباندا ذاك؟"،ذهب عبد الله لغرفةِ آدم،وجدهُ لا زالَ نائماً،توجه نحوه وضربهُ على رأسه بقوة.
"إستيقظ يا هذا!لن أتأخر بسببك!"،إستيقظَ آدمَ منزعجاً ممسكاً برأسه.
"يا لهذا الصباح المشرق..إستيقظت!إستيقظت!"
"هيا إنهض أمامي.."،نهض آدم منزعجاً وذهبَ للمرحاض،خرجَ وإرتدى ملابسه وذهب ليشربَ كأساً من الشاي قبلَ مغادرته.
"آدم أسرع سوفَ تتأخر.."
"حاضر..حاضر،خالتي أين السندويشة؟
"تريدُ سندويشة؟"
"نعم أرجوكي،أنا جائع.."،قال آدم وهو يرتبُ شعرهُ أمامَ المرآة.
"عزيزي،لماذا لا تخبرني مسبقًا؟..سوف تتأخر هكذا.."،نهضت زوجةُ أبيه للمطبخ،بعدما أخذ عبد الله أخواته وخرجوا من المنزل.
"ما أدراني يا ثنا-خالتي؟..أحياناً معدتي ترغبُ بتناولِ الزعتر وأحياناً لا.."،كانَ آدم واقفاً أمامَ الباب ينتظر،أعطتهُ خالته السندويشة وخرجَ من المنزل،كانَ يركضُ مسرعاً ليلحقَ بالمدرسة،كانَ يركض ويركض حتى وصل لباب المدرسة.
"ها نحنُ ذا،وصلنا قبلَ أن يأتيَّ ذو الحاجبين.."،قال ساخرًا ودخلَ المدرسة،توجه لصف العاشر الشعبة الرابعة.
"صباح الخير يا قوم!"،دخلَ آدم الصف وجلسَ قرب عبد الرحمن الذي كانَ يقرأ كتابه.
"صباح الخير عبقرينو"
"صباح النور يا أشقر،توقعتُ أن يكونَ فؤاد معكَ اليوم.."
"لم يستطع هو وعائلتهُ من القدومِ هذا الأسبوع،يومَ الأحدِ القادم سوف يأتي..صحيح أين ذلك الفتى؟...ما كان إسمه..لؤي؟"
"إتصلتُ بهِ اليوم،إنهُ قادم.."
"ماذا لدينا في أول درس؟"
"اللغة العربية.."،تنهد آدم ووضعَ رأسه على الطاولة.أتى المعلم وبدأت الحصة،كان عبد الرحمن قلقاً بعضَ الشيء؛من تأخر لؤي،بعدَ عشر دقائقَ من الحصة،دق أحدٌ الباب.
"أدخل"
"...ا..السلام عليكم أستاذ"،إبتسمَ عبد حينَ رأى لؤي،مرتدياً زي المدرسة،كان قد فك الجبصينَ من يده،لكن لا تزال يدهُ مربوطة،وجههُ متعبٌ والآثار بسيطةٌ بعض الشيء،لكن كانَ قد تحسن.
"وعليكم السلام..ما الأمر؟"،إرتبكَ لؤي قليلاً،توجه نحوَ الأستاذ وأعطاهُ ورقةً كانت في يده،مكتوبٌ عليها إسمهُ ورقم الطالب الخاص به.
"أنت جديدٌ إذن؟"
"ن..نعم"
"حسناً..أدخل وإجلس..دعني أرى..آدم تقدم للأمام ودع الفتى يجلس قرب عبد الرحمن،أنتَ أقصر منه"
"كلا يا أستاذ،ألا تخافُ على الفتى الجديد من أن يعديهُ عبد؟"،قال فتاً يجلسُ في المنتصفِ ساخراً،إستغربَ لؤي قليلاً ولم يفهم،ماذا يقصدُ بيعديه؟..هل عبد مريضٌ أو ما شابه؟
"عزيزي ياسر ما رأيك بأن أجعلكَ مريضاً عن حق في هذا الصباح؟"،قال آدم وهو يحاولُ كبحَ غضبه،أما عبد فبقي صامتاً وكبتَ في داخله،تجاهل الأمر فحسب.
"أسمعني سكوتك ياسر!وأنت يا آدم!فليهدأ الجميع،هيا أدخل أنت وإجلس و دعونا نكمل.."نهضَ آدم مستاءاً بعض الشيء وجلس أمام عبد،بينما توجه لؤي للخلف،كانَ مرتبكاً بعض الشيء مما حدث،أدركَ بأنهُ الآن محاطٌ بالكثيرِ من البشر،لم يعد عالمهُ يتمحور حول عمه وعمته وأولادهم،الآن عليه أن يختلطَ بالجميع..لكن الأهم عنده أن عبد الرحمن معه،سوفَ يسهل هذا الأمر عليه،بدأت الحصة وكان الوضعُ هادئاً،بعدما إنتهت الحصة وخرجَ المعلم،إستدار آدم بأريحيةٍ لعبد ولؤي.
"إذًا لؤي،كيف الحياةُ معك الآن؟"
"ع..عفواً لم أفهم"
"أعني كيف شعورك وأنت الآن تركتَ منزلك الدافئ وقررتَ القدومَ لهنا لحضور حصةٍ مملةٍ كاللغةِ العربية؟"
"ال..الوضع جيد..لا بأس.."
"هل إستطعتَ فهم الدرس جيداً؟"،سألَ عبد.
"أجل،لقد فهمتُ معظمَ الشرح.."،بينما كانَ لؤي ينظرُ حوله،إنتبه لفتاً ذو شعرٍ أسودٍ يخطي رقبته،ذو عيونٌ رمادية ينظرُ لهُ بطريقةٍ غريبة،أبعدَ لؤي ناظريه عنه.
"على كلٍ أنا أعدكَ بأنكَ بعد أسبوعٍ واحدٍ سوف تجهز ورقةً مليئةً بالأدعية على الفطحلِ الذي بقربك..هو الذي دعمك للقدومِ لهنا"
"ما بكَ تهجمُ عليَّ هكذا؟..كما أن لؤي هو من أراد القدومَ لهنا وإكمالَ تعليمه،لا تلعب بعقله"،كان آدم وعبد يمازحانِ بعضهما،لكن لؤي كانَ متوتراً قليلاً من حديثهما،لم يعرف كيفَ يدخل أو يبدأ الحوار،لكن كانَ سعيداً بتواجده هنا،أنهُ يجلسُ على مقعدٍ في مدرسة،أخيراً إستطاع الخروج من المنزل بتذكرة الذهاب للدراسة،بإمكانه الآن أن يصبحَ رساماً،بقي صامتاً معظمَ الوقت؛خجلاً من الكلام بينما كان آدم هو من يتكلم معظمَ الوقت،مرت الحصة الثانيةُ وبدأت الإستراحة،بينما كان آدم يسخرُ من أستاذ الحصة رن هاتفه،سحبهُ من جيبه وإبتسم وتوجه لزاويةِ الصف للتكلم بهدوء.
"هل يسمحُ بالهواتف في المدرسة؟"،سألَ لؤي مستفسراً.
"طبعاً لا..أعني..لا يسمحُ لك بإخراج الهاتف وقت الحصة أو أمام الأساتذة،لكنكَ قد تحتاجُ إليه فجأة.."،قال عبد وهو يخرجُ حبةَ دواءٍ من حقيبته.
"خيراً عبد،هل أنت مريض؟"
"لا عليك،سأحكي لك لاحقاً.."
.......................................
دخلَ علي،الطالبُ الذي ناظرَ لؤي في الحصةِ الأولى ومعهُ فتاً،يأكلانِ سندويش شاورما وعصير.
"إسمع،ما رأيكَ به،هل يصلحُ أن يكونَ معنا؟"،نظرَ ياسر نحوه وأخذَ رشفةً من العصير.
"لا أدري..يبدو جباناً.."
"يمكنني أن أجعلهُ شجاعًا.."
"أجل أجل صدَّقتك،كن شجاعاً أنتَ في البداية.."
"ما رأيكَ أن تخرس؟!..إنسى الأمر،كما قلت..لا يبدو من هذهِ الشاكلة.."،نظرَ ياسر لآدم الذي يتكلم في زاوية الصف مبتسماً،أنهى آدم مكالمته وتوجه نحو مقعد عبد ولؤي.
"أنا ذاهبٌ لألحق السندويشات،هل تريدونَ شيئاً يا قوم؟"
"سلامتك.."
"شكراً لك،لا أريد.."،غادر آدم بسرعة ليلحق الإستراحة،أخرجَ عبد تفاحةً خضراء من حقيبته،بدأ لؤي ينظرُ حوله؛مستنكراً الضجةَ التي يحدثها الطلاب على عكسِ طبيعتهِ الهادئة،لكن هذا المحيطُ أرحمُ من أن يبقى في المنزل،كان يرغبُ بهذهِ الفرصة منذ سنين.
"صحيحٌ لؤي،كيف حالُ يدك وصحتك بشكل عام؟أرى أنكَ أزلت الجبصين.."،أخرجَ سؤال عبد الرحمن لؤي من سرحانه.
"أ..أجل لقد أزلتهُ البارحة،لكن لا زالَ عليَّ توخي الحذر،صحتي جيدةٌ بشكل عام..بدأتُ أتحسن أكثر فأكثر ولله الحمد.."
"جيد الحمدلله،هل تشعرُ بالنعاس يا ترى؟"
"كلا،لما؟"
"لا أعني-ما عنيتهُ هو أنكَ ربما كنتَ تنامُ وتستيقظُ براحتك،الآن أنتَ مضطرٌ للإستيقاظِ مبكراً..آدم يشكو من نفس المسألةِ رغمَ أن منزلهُ قريبٌ من المدرسة"،قال عبد مازحاً.
"كلا،ل..ليسَ لدي مشكلة،أنا معتادٌ على الإستيقاظِ باكراً للصلاة ثم للعمل،حتى أني كنتُ أستيقظُ..قبل الفجر"
"وقتٌ لنفسك،صحيح؟"
"أ..أجل كيف عرفت؟"
"الكثير يفعلُ هكذا أيضاً،يستيقظون في وقتٍ مبكر أو يعكسون وقت نومهم ليجلسوا لوحدهم..أيمكنني أن أسأل ماذا كنتُ تفعل في هذا الوقت؟"
"كنتُ أدرس قليلاً،أرسم،أو أحياناً أنظرُ للسماء من نافذةِ غرفتي..وأصلي الوتر وقيام الليل"
"جميل..أن لا أحبُّ بصراحةِ اليوم الذي لا تخطيه أشعةُ الشمس،أشعرُ أن طاقتي تنطفأ مباشرةً وأشعرُ بالكسل..فلا أتخيلُ نفسي أستيقظُ قبل الفجر إلا لقيامِ الليل.."
"أنا أحياناً أحبُّ الليل..وأحياناً أخرى لا.."،إنتبه عبد لتغير ملامحِ لؤي،لم يكن يعلمُ إن كان بإمكانه سؤاله أم لا عن وضع منزله،والده،كانَ يرغبُ أن يعرفَ وضعَ لؤي كي يساعده أكثر،كي يستطيع مساعدته للخروج من دائرة الخجل والإرتباك،خصيصاً وهو الآن أصبحَ مختلطاً مع كافةَ الناس،الطيب والخبيث،قرر عدم سؤاله الآن.
"لؤي،ما رأيك بأن نذهب غداً للمكتبة بعد المدرسة،نتسكعُ قليلاً وننهي كلَّ الواجبات هناك.."،كسر عبد حاجز الصمت.
"أنا..سوف أتصلُ وأعلمكَ إن كان بإمكاني الذهاب..أيمكنني أن أخذَ جدول الدروس منك؟"
"طبعاً....خذ"،أعطا عبد دفتراً للؤي ودون الجدول على دفتره،كانت كل دفاتره باللون الأزرق،فاتحةٌ وداكنة،كانت حنين هي من أحضرتها.
"يا ليتَ حنين كانت معي،لخففت عني جو التوتر هذا..لكن لا بأس،أحتاجُ لبعضِ الوقت..يبدو الجميعُ لطيفًا هنا،قد يكون الوضع أسهلَ مما توقعت.."،عاد آدم وهو يركض سريعًا،حاملًا كيساً في يده،وضع سندويشةً أمامَ لؤي وجلس في مكانه.
"إعتبرها ضيافةً من آدم الكريم.."،قبلَ أن ينطقَ لؤي بكلمة دخل أستاذ التاريخ للصف،مرت الحصص ولم يشعر لؤي به،رغم الملل الذي كان في عيون الأغلبية،لؤي كان سعيداً ويتابع الشرح بحذر،لكن لم يستطع التحدث مع أحد،كان لا يزال خجلاً ومتوتراً.في نهاية الحصة السادسة،كانت هناك فسحة عشر دقائق،أراد لؤي التمشي خارج الصف لوحده؛ليرى المدرسة،لم ينتبه أبدًا أن أحداً كان وراءه.
أنت تقرأ
نافذة الأمل
Randomقصة تتناول حياة مراهقين ،تتكلم عن آلامهم،طموحاتهم،وأحلامهم. ونرى كيف يواجهون بعض الصعوبات التي يواجهونها الذين من عمرهم ..ونرى من يحاول التمسك بحبل الأمل منهم..في النهاية نرى من سيستطيع النجاة من بركة اليأس ومن سيبقى غريقاً فيها ...