..خوف..

102 26 68
                                    

"ما الذي تفعلانه هنا؟!"،صرخَ مراد وتعابيرُ الغضب واضحةٌ على وجهه،نهضا كليهما خائفان،لؤي توجه لزاوية الغرفة بينما حنين توجهتْ إليه ووقفت أمامه لحمايته.
"ماذا كنتما تفعلان على السرير؟!"،قبلَ ان تنطقَ حنين بحرفٍ واحد،دفعها عمّها بعيداً وأمسكَ بلؤي من شعره بقوة وبدأ يسحبهُ يميناً وشمالاً.
"ماذا كنتما تفعلانه يا أيها الوغدُ الحقير؟!"،كانَ لؤي يصرخ من الألم والدموعُ تنهمر من عينيه.
"لم نكنْ نفعلُ شيئاً!توقف عن إتهامنا هكذا!"،صرختْ حنين وهي تحاولُ أن تسحبَ يدَ مراد عن شعر لؤي،وإذ أمسكَ مراد بمعصمها وشدّهُ بقوةٍ وألقى لؤي على الأرضِ بقوة.
"أنتَ أصلُ البلاء!تتدخلين فيما لا يعنيكِ يا أيتها المنحطة!"،تأوهتْ حنينُ من الألم وما زال عمّها ممسكاً بمعصمها ويشدّه بقوة،رفع لؤي رأسهُ ونظرَ إلى حنينِ المتألمة،لم يعرفْ ماذا يجب أن يفعل...لكنْ لم يتحمل أن يرى حنين هكذا..نهض وأمسكَ بيدِ حنين ودفعها بعيداً،وقفَ أمامها ونظرَ إلى والدهِ مباشرةً.
"أبي،إنهُ خطئي أنا!لا تؤذيها أرجوك،ع..عاقبني أنا.."،قلَ لؤي وهو ما زال يرتجفُ من الخوف.
"لؤي،كلّا!هذا خطئي أنا.."،بقيَ لؤي واقفاً؛ثابتاً على موقفه،أمسكهُ والده من يده وسحبه لخارجِ المنزل بينما بقيتْ حنين واقفةً وخائفة.
"وأصبحتَ تقف في وجهك والدك يا أيها العاق الحقير!"أمسكهُ وأداره نحوه،صفعهُ على خدّه بقوةٍ وسقطَ على ترابِ المزرعة،إستسلمَ لؤي ولم يفعل شيئاً...أمسكهُ والدهُ ثانيةً،فتحَ قن الدجاج ورمى لؤي داخله والدجاجُ إستيقظَ مفزوعاً  من هذا الحدث.
"ستبقى ثلاثة أيامٍ هنا،فلتمتْ من جوعكَ وظمأك يا وغدْ!"،وأغلقَ باب القن وأقفله،ولؤي حاولَ أن يرفع نفسهُ بالقوة؛لم يعدْ يشعرُ بظهرهِ من الضرب،تحسّس خدّهُ المحمر وبدأ بالبكاء بصمتْ.
خرجتْ حنينُ من المنزلِ؛باحثةً عن لؤي،ذهبتْ للمزرعة تستفقدُ الأرجاء وسمعتْ أصواتَ الدجاج المضطرب،ذهبتْ للقن وبدأت تضرب البابَ بيدها.
"لؤي!هل أنتَ هنا؟هل تسمعني؟"،قالتْ حنين بنبرةِ قلق.
"حنين،هل أنتِ بخير؟،هل قام والدي بفعل شيءٍ لكِ؟"
"لا عليكَ مني،هل أنتَ بخير؟"
"أنا خائفٌ حنين،أنا خائف!أرجوكي أخرجوني من هنا!أنا خائفٌ جداً!"
"لؤي،أنا آسفة..كلُّ هذا بسببي أنا.."،قالتْ حنين و هي تبكي على حالِ لؤي وتلومُ نفسها على ما حصلْ.
"كلّا حنين،لا تبكي أرجوكي،لم يكنْ خطأكِ..أرجوكي لا تبكي"
"لؤي سأحاولُ أن أقنعَ والدي بأن يخرجكَ من هنا،حسناً؟"
"ح..حسناً"
"لؤي..أنا معك وسأبقى معكَ دوماً،واللهُ معكَ فلا تخف"،إبتسمَ لؤي و الدموع ما زالتْ تنهمرُ على خديه،"هذا صحيح،الله معي،الله معي..فلا يجبُ عليّ أن أخاف"قالها بداخلهْ محاولاً تهدئةَ نفسه،وإذْ يسمع صوتُ شاحنة،لا بدّ أن عمّه قد أتى.
"لؤي،لقد أتى أبي..لا عليكَ سأخبرهُ بكلِّ شيء،وسنحاولُ جهدنا يا عزيزي.."،وسُمعتْ أصوات أقدامِ حنين مغادرةً المكان؛ليبقى لؤي وحده محاطًا بالدجاج الذي يحاولُ النوم ويصدرُ الأصواتَ المزعجة.
...................................................
"السلام عليكم مراد"،قالَ عدنان،شقيقُ مراد،الذي كانَ يصغرهُ بسنةٍ فقط،وهو يدخلُ المنزل.
"لماذا البابُ مفتوحٌ هكذا؟أينَ الشباب؟"،نظرَ لهُ مراد بغضبْ وتوجه إليه،في تلكَ اللحظة كانتْ حنين واقفةً أمامَ بابِ المنزل.
"إسمعني عدنان،أقولها لك،أبعدْ إبنتكَ طويلةَ اللسان عن لؤي،أتفهم؟!"
"مراد،لا تكبّر في الكلام،ما خطبكَ مثل إبريق الشاي الذي يغلي؟ماذا حدث؟"،توجه نظرُ مراد إلى حنين،أشارَ إليها وقال:"إبنتكُ الفالحة كانت هي ولؤي جالسينِ على السرير!"،رُسمتْ على وجهِ حنين ملامحُ الصدمة من ما قالهُ عمّها ومن تفكيره...إلتفتَ والدها ونظرَ مباشرةً لها.
"ما القصةُ حنين؟"
"أ..أبي كنا جالسينِ نتكلم،وإنتبهتُ أنّ ظهرهُ يألمهْ وكان مليئاً بالجروح ويحتاجُ للمداواة،فعقمتهُ له"،بقيَ مراد ينظرُ لها بغضب،إلتفتَ عدنان وواجه أخيه.
"أين هو لؤي؟"
"في الهاوية!"
"أخي،أيمكنكَ أن تهدأ؟ألا ترى أنّ المسألة لا تستحق،ولا تنسى أنك تتكلم عن إبنتي التي هي إبنة أخيك!وأنا ربيتها أن تخافَ الله!"
"لقد رأيتها ممسكةٍ بقميصه وهما ملتصقان ببعض-"
"مراد!"،صرخَ عدنان بغضبْ،بقيَ يحدّقانِ ببعضهما وحنين تراقبُ بخوف وتدعو أن لا يحدثَ بينهما شيء،توجه مراد للأريكةِ وحاولَ أن يهدّأ نفسه.
"أستغفر الله العظيم...أخي،أنا لا أريدهما أن يلتقيا ببعضهما،تفكيري هكذا،توقفوا عن إغضابي ومحاولة إقناعي لأنه في النهاية هو الذي سوف يتعاقبْ!"
"يا لكَ من شخصٍ عنيد،أين هو الآن؟"،أدارَ مراد وجههُ بعيداً،أخرجَ علبةَ الدّخانِ وأشعلَ سيجارته.
"في قن الدجاج.."
"أخي الجو حارٌ هذهِ الأيام،قد يموتُ من الحر-"
"فليمتْ ذلكَ الفتى العاق،سأرتاحُ منهُ على الأقل.."
"أخي أعطني المفاتيحَ،توقف عن التمنّي والدعاء عليهِ،قدْ يستجيبُ الله لك،وحينها سوف نرى ماذا سيحدثُ لك"
"لن أخرجهُ اليوم،ولو سمحتَ أخي إذا كنتَ ستبقى تلّحُ عليّ لأخرجهُ فالأفضل أن تعودَ لمنزلكْ"،أدارَ مراد وجههُ وأكملَ تدخينه.
"فلتبقى هكذا،لنرى نتيجةَ أفعالك.."،أمسكَ عدنان بيدِ حنين وخرجا من المنزل،ومراد بقيَ على وضعه.
..............................
"أبي لحظة،ماذا عن لؤي؟هل سنتركه هكذا؟"،قالتْ ووالدها يفتحُ باب الشاحنة.
"يا إبنتي،للأسف لا يمكنني فعلُ شيءٍ اليوم،تعرفين عمك عندما يعاندْ...على كلٍ لا عليكِ سنحاول غداً،هيا إركبي،سنعودُ إلى المنزل،لقدْ أغضبني عمك بما فيه الكفاية.."ركبَ عدنان السيارة بينما بقيتْ حنين لثوانٍ تنظرُ للقن.
"أبي،أرجوك دعني فقط أودّعُ لؤي"،تنهدَ عدنان وأشارَ بيدهِ أن تذهبْ.
..........................................
كانَ لؤي لا زالَ ينتظرُ في القن،يدعو أن ينتهيَ الأمر ويخرجَ من هنا،كانَ يرتجفُ،يشعرُ بالضيق،ويتنفسُ بسرعة.
"لؤي.."،قالتْ بنبرةٍ حزينة.
"حنين،أرجوكي..أخبريني بأني سأخرجُ..أنا أرتجفُ من البرد.."
"لؤي أرجوكَ أن تسامحني..أنا لم أعرف بأنّ الأمرَ قدْ ينتهي هكذا..أرجوكَ أن تسامحني"،من نبرة صوتها المكسور وكلامها أدركَ بأنه عليهِ أن يبقى في القن..
"لا حولَ ولا قوة إلا بالله...لا عليكِ حنين،لقد حاولتمْ،ليس لديّ شيءٌ أفعلهُ سوى أن أصبر،أترجاكِ عزيزتي أن لا تبكي.."
"سوفَ أحاولَ بإي طريقةٍ بأن أتي إلى هنا غداً..لن أترككَ وحدك..الآن أنا مضطرةٌ أن أذهب،إستودعتكَ لله يا أخي.."
"وداعاً حنين.."،ذهبتْ حنين وعادَ لؤي وحيداً،بدأ بالبكاءِ بصوتٍ عالٍ من الظلام الذي يراه ومن الضيقِ الذي يشعرُ به، العجزُ و الخوفُ والألم...كلُّ هذا أحسّ به في تلكِ اللحظة،في كلّ مرةٍ شعرَ بالظلمِ من والده وفي كلِّ مرةٍ إنحبسَ فيها في هذا القن...
مضتْ أكثرُ من خمس ساعات،ولم يغمض للؤي جفن،بقيَ جالساً كما هو.
"يا ربي لماذا أنا أرتجفُ هكذا؟لماذا لا تتوقف الرجفة.."،كانَ لؤي أحياناً يشعرُ بالبرد وأحياناً يرتجفُ من الخوف والضيق،كانَ يريدُ أن يشعرَ بالدفئ بأيةِ طريقة،أمسك بدجاجةٍ نائمةٍ وإحتضنها لصدره؛على أملَ أن يشعرَ بالدفئ،بدأت تصدرُ الأصواتَ المزعجة ولؤي يحاولُ تهدئتها..
"لا عليكِ لا عليكِ...أنا آسفٌ على إيقاظكِ...أنا آسف"،شعرَ بالدفئ حينها وحاولَ أن ينام..وبالفعلِ بعدَ ساعةٍ إستطاعَ أن ينامَ أخيراً وخدهُ طبعتْ عليهِ آثارُ الدموع الجافة،بقيَ يفكرُ قبلَ نومهِ،ربما هناكَ آباءٌ يكرهونَ أبنائهم..ربما الشيخُ أخطأ في كلامه حين قال أنّه لا وجودَ لأبٍ يكره أبنائه...ربما عليهِ أن يتقبلَ الأمر...

نافذة الأمل حيث تعيش القصص. اكتشف الآن