كانتْ الساعة الواحدةُ ظهراً،مراد كانَ جالساً على الأريكة،بينما لؤي يعملُ في المطبخ بصعوبةٍ؛متألماً مما حلِّ في ليلةِ أمس.
"سحقاً يا مراد،ألم تستطع منعَ نفسكَ البارحة؟اليوم عليَّ إحضارهُ لفارس ولا يمكن أن يظهرَ هكذا والكدمات تملئُ وجهه،ماذا عليَّ فعله؟"،ثمَّ خطرتْ بباله فكرة،كانتْ والدتهُ تضع ثلجاً عليهِ حين يصاب بكدمة أو جرح وكان اللون يخف،يمكنُ أن يفعلَ نفس الشيء بلؤي،فقط ليبدو بمظهرٍ لائق.
"لؤي،إترك ما بيدكَ وتعال لهنا"
"ن..نعم أبي؟"
"أخرجْ كلَّ الثلج الذي بالثلاجة وضعه على وجهك"،إستغربَ لؤي بعض الشيء،لكن ذهب وأحضر الأكياس،وضعها على وجهه متألماً.
"إسمعني جيداً،اليوم إرتدي أفضل ما لديك،سنذهبُ اليوم لشخصٍ مهم وعليكَ أن تتصرف جيداً وإلاّ"،هزّ لؤي رأسهُ خائفاً،لم يتكلم منذ الصباح،أثرُ تلك الليلة ما زال موجودًا،لكن لحسنِ الحظ أنّهُ لم يسمعْ ما قالهُ والده،لقد فتحَ عينيه متفاجئاً بأنّهُ لا يزالُ حياً بعد كل هذا.بعدَ نصفِ ساعةٍ،ذابَ الثلج وبالفعل خفت آثار الكدمات بشكل جيد،لكن مراد لم يكن يرى هذا كافيًا،كان يفكر أكثر من اللازم ورأى أنهُ من الأفضلِ لو أن الكدماتِ التي على جسدهِ أيضاً يجبُ أن تزال،نهضَ من الأريكة وذهب للباب.
"إسمع،إملأ حوض الإستحمام ريثما أعود"،قالَ مراد وغادرَ المنزل،ذهبَ للمتجر ليشتري بعض قطع الثلج الكبيرة،كان سيملأ بها الحوض ويجعل لؤي يستحم به،غير مكترثٍ في حال مرضه بسبب الماء البارد،لؤي في تلك الأثناء لؤي ملأ الحوض بالماء،لم يكن يعرف ماذا سيفعلُ والده،كان يراقبُ المياه بصمت،في تلك الليلةِ شعرَ بأنّ الأمر مستحيل..من المستحيلِ أن يتغير طبعُ والده،عليه تقبل الأمر...أو..ربما هناكَ حلٌ آخر..ربما..سمعَ صوت الباب وذهبَ مراد للمرحاض وبيده أكياسٌ فيها مكعباتٌ من الثلج الكبيرة.
"هل إمتلأ الحوض؟"
"ن..نعم أبي"
"جيد"،توجه مراد للحوض وأفرغَ أول كيسٍ،كانَ يحتوي على خمس أو ست مكعباتٍ كبيرة وأفرغَ كيساً أخر بعده،لؤي نظرَ بخوف،ظن بأنّ هذا عقابٌ أو ما شابه.
"إسمعني،إخلع ملابسكَ وإستلقي في الحوض وإياكَ أن تنهض أو تفعل شيئًا،إنتظر نصف ساعة وأخرج من الحوض،إذا خفت الكدمات فكان بها،أما إذا لم تخف بما فيه الكفاية فتعودُ وتفرغُ كيسينِ آخرين وتستلقي في الحوض ثانيةً"
"ل..لك..ن"،قال لؤي متردداً من الأمر.
"بدون لكن!هيا!"،بقيَ لؤي متردداً بعض الشيء،مراد لن يصبر ولو لثانية،أمسكَ بلؤي من رقبته وثبتهُ على الحائط.
"توقف عن التذمر والمماطلة!سوفَ تفعلُ ما أقولهُ لك!أتفهم؟!"
"ج..حاضر أبي!أن..أنا آ..آسف!"،قالَ لؤي وهو يختنقُ من يدي والده،أفلتهُ مراد وخرج من المرحاض،لم يكن للؤي خيارٌ آخر..."أنا..س..سأموت،المي..المياه متجمدة"،قالَ لؤي ووجههُ أصبحَ شاحباً من البرد،عشرُ دقائق كانت كجحيمٍ بالنسبةِ له،لم يكن يعرفُ ما السبب؟لماذا عليه إخفاء الكدمات؟جميع عائلته وأقاربه رأوهُ بأسوأ حالاته،فما الذي تغير الآن؟..
"لم أعد أستطيع التحمل"،كان يحاول فركَ يديه بيأس،فرك يديه بجسده،وتدفأةَ يديه بأنفاسه...كان يتجمد،حتى شعر بالتخدير وبقيَ يرجفُ من البرد،لكن من الجيد أن الكدمات بدأت تخف من منظوره،كان يدعو بداخله ألا يضطرُ للإستحمام ثانيةً بمياهٍ مثلجة،سمعَ صوت دق الباب بعنف.
"لقد مضت أكثرُ من نصف ساعة،أخرج ودعني أرى إن حدثَ فرق"،خرجَ لؤي من الحوض وهو يرتجفُ من البرد،وجههُ شاحبٌ من البرد،غطا نفسهُ بالمنشفةٍ كاشفاً صدره وبطنهُ وخرج،والدهُ لم يبالي به،كانَ يريدُ فقط أن تخف الكدمات،بدأ ينظرُ بتمعنٍ لوجهه وجسده ليرى إن فلحَ الأمر.
"حسناً هذا جيد،أظنُّ أن هذا كافٍ،هيا جفف نفسك وإرتدي ملابسك،سنذهبُ الآن"
"أ..أبي أرجوك،أيمكنني إرتداء معطف؟"
"الوقتُ لم يحن له!سيراكَ الناس كالمجنون ترتدي معطفاً في هذا الوقت!إرتدي شيئاً مناسباً،نحن ذاهبون في منتصفِ الظهر،لن تشعر بالبرد!"،قالَ والدهُ بعصبيةٍ وذهب لغرفته،ذهبَ لؤي لغرفته وإرتدى أفضلَ ما لديه،لم يكن شيئاً فاخراً أو غاليَ الثمن،لكن كلُّ ثيابه كانت بسيطةً،فحاولَ إرتداء شيءٍ جديد،إرتدى بنطالاً أسوداً وقميصاً ذو أكمامٍ طويلة بلون رماديٍ فاتح،كانَ لا يزالُ يشعرُ بالبرد ويفرك يديه بيأسٍ تام،جففّ شعرهُ وسرحهُ وخرج من الغرفة.
"ما هذا؟لماذا شعرك هكذا؟"،قالَ مراد وهو يخرجُ من الغرفة.
"م..ما به؟"
"ألم تسرحهُ جيداً؟!"
"ب..بلى أبي ولكن شعري نما ثانيةً بسرعة.."،كانَ شعر لؤي مموجاً قليلاً وكثيفاً،كان شعرهُ يزعجهُ بعض الشيء ويضطرُ دائمًا لرفعه المستمر من على جبهته،بالصيفِ كانَ يضع بكلاً لكي لا يشعرَ بالحر.
"حسناً لا بأس،هيا بنا فلنذهب"،خرجا من المنزل وتوجها للشاحنة،لم يعرف مراد كيف يفتحَ موضوع الزواج للؤي،فقرر أن ينتظرَ ليعرفَ بمفرده،كانت رحلةً هادئةً،لم ينطق لؤي بحرف.
....................................
"إسمعني جيداً،لا أريدكَ أن تخجلَ وتتلعثمَ مثل الفتيات!تكلم بصوتٍ واضح وكن رجلاً،أفهمت؟وأيضًا الرجل الذي سنقابله،إن سألكَ عن ماذا تعمل إياكَ أن تقولَ لهُ شيئاً عن أعمال المنزل،تقول لهُ أنا أساعدُ أبي بأعمال المزرعة،هل كلامي واضح؟"
"ح..حاضر كما تريد"،تبعَ لؤي والده،ما زالَ لا يعرفُ إلى أين هم يتجهان،توقف والدهُ أمام متجر لإصلاحِ الأحذية،خرجَ رجلٌ بالخمسين من عمره لتحية مراد.
"أهلًا بمراد،كيف الحال؟"قال فارس وهو يصافحُ يدَ مراد.
"الحمدلله بخير،وأنت؟"
"نحمدُ الله،أهلًا بالفتى اليافع!"،تقدم الرجل لمصافحة لؤي ولؤي ردها مرتبكاً.
"أهلًا بكَ عمي"
"ما شاء الله،ما شاء الله إنّهُ بطولك يا مراد..فليحفظهُ الله لك"،تبسمّ مراد كمجاملة ونظرَ للؤي بنظراتٍ ميتة.
"تفضلوا معي إلى المنزل،أهلًا وسهلاً بكم"،ما زالَ لؤي لا يفهمُ ماذا يحصل؟لماذا الرجلُ رحبَ بهِ هكذا؟،كان ترحيباً حاراً أكثر من اللازم،دخلوا المنزل الذي كان فوق المتجر،كانَ منزلاٍ بسيطاً للغاية كمنزل لؤي،لؤي بقيَ صامتاً ومنزلاً رأسهُ للأرض،كانَ يحاولُ أن لا يفعلَ أي شيء،فهو لم يعد يعلمُ متى يغضبُ والدهُ منه.
"لؤي،لماذا لا تتكلم معنا؟"،سأل فارس،بقي لؤي صامتاً لثوانٍ.
"إنّهُ خجلٌ بعض الشيء.."،ردّ مراد سريعاً.
"لا لا،لا عليك،قريباً ستصبحُ ملاك زوجتك،فلا داعيَ للخجل.."،تغيرتْ ملامحُ وجه لؤي.
"م..ماذا؟ماذا يعني؟..أنا.."،تداخلتْ الأفكارُ برأسِ لؤي وملامحُ الصدمةِ رسمتْ على وجهه،أنزلَ رأسه لكي لا ينتبه لهُ أحد.
"أعذروني قليلاً.."،خرجَ فارس من الغرفة،إستدار مراد للؤي ورآه مصدوماً مما حدث.
"أنتَ لم تعد طفلًا بعد اليوم،أنا أفعلُ هذا لمصلحتك"
"ل..لكن"
"من دون لكن!إياكَ أن تظهرَ لهُ شيئاً!تصرف بشكلٍ طبيعي!"،شعرَ لؤي بالإختناقِ من الموقف،هو لم يفكر يومًا بهذا الأمر،لقد إنصدمَ كثيرًا من كلامِ والده،كانَ يرغبُ في أن يخرجَ من هذا المنزلِ بأيةِ طريقة..
"أهلًا وسهلاً بضيوفنا،يا ملاك!تعالِ وقدمي القهوة للضيوف!"
"كلا،كلا..ما الذي يجري؟هل هذا حقيقي يا ربي؟"،قالَ لؤي في نفسه وهو متوترٌ وخجل،دخلت الفتاةُ وهي خجلةٌ ومتوترةٌ كذلك،قدمت القهوة لمراد ثمّ توجهت للؤي،أمسكَ بفنجانِ القهوةِ بتوتر،هو حتّى لا يشربها،نظرَ لوجه ملاك لوهلة وإلتقت عيناهما،ثمّ أنزل رأسهُ ثانيةً،هي الأخرى أنزلتْ رأسها خجلة،قدمت القهوة لأبيها ووقفت بقربه.
"هيا الآن،إذهبي"،قالَ فارس،من الرغم من هذهِ النظرةِ السريعة،إستطاعَ لؤي قراءة عينيها،هي أيضاً خائفةٌ ومتوترة،ربما هي الأخرى لا تريدُ الزواج،ماذا عن رغبتهِ في الذهاب للمدرسة؟أو أن يدرسَ في الجامعة؟أكلَّ هذا ذهبَ مع الريح؟،فكّر لؤي وهو حتى لم يآخذ رشفةً من قهوته،عقلهُ كان شارداً بينما مراد وفارس كانَ يتكلمان ويتفقانِ على كلِّ شيء.
أنت تقرأ
نافذة الأمل
Randomقصة تتناول حياة مراهقين ،تتكلم عن آلامهم،طموحاتهم،وأحلامهم. ونرى كيف يواجهون بعض الصعوبات التي يواجهونها الذين من عمرهم ..ونرى من يحاول التمسك بحبل الأمل منهم..في النهاية نرى من سيستطيع النجاة من بركة اليأس ومن سيبقى غريقاً فيها ...